Sunday, September 15, 2013

الوفاء 27


بسم الله الرحمن الرحيم 

        الوفاء صفة وخصلة جميلة تعبر عن المحبة  والاحترام والتقدير بين انسان وآخر بحيث يقف مع اخيه وصديقه أو رفيقه في ساعات الأزمة والخطر مدافعا عنه بالمتاح من الجهد،  ولا يتركه في  آخر لحظة في مهب الرياح ويبتعد عنه لقاء النجاة والحفاظ على بعض المكتسبات من أن لا تضيع هباءا
للأسف الكثيرون يتشدقون بالأخوة والصداقة بالكلام وساعة الجد وطلب الخدمات الجدية وقت الخطر، يصبحون منافقين ليست بهم النخوة ولا  الدماء الحارة  بنفوسهم  حتى يوفوا بالعهود والوعود، يسقطون في لحظات الخطر بسهولة، يتوارون في الخفاء  حبا في الحياة الزائلة… فقد جفت بعروقهم دماء الحياة لقاء  الجاه والسلطة الزائلة مع الايام
أنا شخصيا مررت خلال مسيرة الحياة العملية والمعارضة الليبية بالخارج  لأكثر من نصف قرن مضى  بعشرات الحوادث مع الأخوة والأصدقاء المعارف والرفاق وكنت أثق في الكثيرين بالسابق نظير عدم الفراسة في الاختيار السليم، وكنت اظن انهم أخوة من الدهر وليس من الظهر
 ومع الايام حدثت  الكثير من الاختلافات مع البعض على امور بسيطة وكبرت مع الايام وأصبحت خصومات وخلقت من الحباب قباب  وظهرت النفوس الضعيفة والوجوه القبيحة، وتخلت عن المشوار الصعب حتى لا تعاني ولا تتعب  ولا يحسب عليها يوما في نظرهم  انها تمادت وضيعت وقتها وراء سراب خادع بدون الحصول على الأجر وفضلت التراجع  من منتصف الطريق
 ولم اصدق حتى شاهدت بأم العين السقوط وحمدت الله تعالى كثيرا على انني تعرضت لهذه المتاهات والتخلي عني في عز المشوار وأنا قوي  وقادر  على تحمل الصدمات وماشيا ومواصلا في الطريق الصعب  بهم او بدونهم
تعلمت الدرس واستفدت من التجارب وزادتني خبرات وحكمة وصقلت نفسي بأن لا أتمادى بسرعة وأثق في اي انسان لقاء بعض الامور البراقة والكلام الحلو المعسول من غير تجارب على الواقع… من معاملات مادية من بيع وشراء بالدينار والدرهم…  او جيرة سنوات عديدة او رفقة بطريق طويلة  حتى أعرف النفسيات من كرم او بخل لأشياء بسيطة تافهة حتى أعرف المعيار الحقيقي للنفسيات وأستطيع الحكم الصحيح !!!
 
لم اجد الوفاء إلا من القلائل من خلال تجارب مريرة مع الكثيرين من البشر ووصلت إلى قناعة ان  القلائل من الرفاق الذين يعتمد عليهم وقت الحاجة والطلب، بدلا من العديدين  المنافقين الذين يتشدقون ساعات الراحة والطلب والإبتزاز حتى يتحصلوا على مزايا ومصالح شخصية وخيرات وبعدها الابتعاد والهجران ببساطة وينسون الطعام وألماء والملح
      ساعة الصفر والضيق والاحتياج تطلعت طالبا الغوث والنجدة والوقوف معي في لحظات الضعف بالوقفة الجادة والمساندة حسب المتاح،  أو حتى الحضور والمواساة، إبداء الرأي السليم والنصح وإعطائي  الشعور أنني لست لوحدي أصارع  بالميدان وبالأخص في الغربة بدون وطن ولا أهل ولا أخوة ولا اخوات،  اردت ان يكون معي رجال أصدقاء رفاق استطيع الاعتماد عليهم وقت المحن والضيق  وللأسف تلاشوا كالبخار في الهواء
مسيرة الحياة اليوم صعبة جداً تتغير كل يوم إلى  الأسوء نظير المادة  والإلتزامات الثقيلة الملقاة على الأكتاف طوال الوقت، حيث  نحن الآن في عصر العولمة لا وقت فراغ للكثيرين  لتضيعه في الجلسات والقعدات والسمر وقتل الوقت الثمين في التراهات والمتاهات كما نفعل نحن العرب والوقت يمضي هدرا… للأسف ليس له ثمن
مهما كتبت عن الوفاء من عدمه لن أستطيع الجمع بجميع القصص فقد مررت خلال مسيرة الحياة العملية لأكثر من نصف قرن  بعشرات بل مئات من الاحداث التي تخلى فيها عني الكثيرون نظير عدم الفراسة والطيبة الزائدة عن اللزوم  إلى حد السذاجة في بعض الحالات، مما صدمت في النفس ولحقني الشك وتساءلت هل هذه النتيجة المؤسفة، عض الأيادي الكريمة والنوايا الصادقة؟؟ لقاء انتهاء المصالح! أليست بأمر مؤسف  وحزين ؟؟؟  
تساءلت مع النفس في أكثر من حالة حدثت من  الممكن ان تكون الاخطاء من طرفي واكون أنا السبب في بعد الرفاق عني نظير أية تصرفات خرجت وظهرت عفويا تجاههم مما الأطراف الاخرى اعتبرتها إهانة  أو شتيمة جرحت الشعور لديهم وانا لا أدري؟؟ 
فكرت كثيرا وعصرت الفكر في جميع الزوايا والجوانب بحثا عن الحقائق الغائبة المهمشة المنسية… عن كل شاردة وواردة  قمت بها تجاه الغاضبين مني… متسائلا مع النفس ماذا عملت وفعلت حتى وصلت إلى هذه النتائج المؤلمة التي تحز في النفس… حتى أتعلم الدرس والدروس القاسية  ولا أخطئ مرة ثانية اخرى تجاه الآخرين ولا تتكرر حتى لا أصبح منبوذا مع الوقت بدون رفاق ولا أصدقاء… ولم أصل إلى حلول تشفي الغليل
في نظري، الانسان الجاهل ضيق الأفق عديم البصيرة والنظر، هو الذي لا يحب الاعتراف بالخطأ الذي بدر منه  عند المواجهة بالامر، وينظر للأمر بسعة صدر  ويعتذر للغير بصراحة محاولا لملمة الصدع  حتى تصفى القلوب ولا تستمر القطيعة والعداوة إلى الأبد…. وهو في نظري ايضاً غير سوي ولا عاقل ولا متزن… وأفضل شئ لهذا  الإنسان ان يحاول الاصلاح  للرفيق والصديق قدر المستطاع لأنه محسوب عليه وأن يأخذ الحذر في المعاملة مع هذه النوعيات في المستقبل حتى لا تحدث الاخطاء وتتكرر المآسي والتنافر والغضب
في هذا العصر الحاضر عصر العولمة   تغيرت كثير من المفاهيم التي عشناها وتربينا عليها بحجج التقدم والنهضة، حتى أنني في كثير من الأحيان وجدت نفسي غير قادر على المتابعة والحفظ من كثرتها
كل يوم تنزل للأسواق اختراعات جديدة من الأجهزة المتقدمة من الحواسيب والبرامج والهواتف الحساسة باللمس  من كثرتها صعب تعلمها والعمل بها حسب الوقت،  في سن مثل سني، مما طوال الوقت أستعين بغيري من آبنائي وبعض الوقت حفيدي الصغير في السن ذو الثماني سنوات الذي يعرف اكثر مني بكثير في الاجهزة الدقيقة حيث  أصابعه صغيرة سهل عليه لمسها وإستيعابها  بدون ان يخطئ وتضيع الصفحات الالكترونية بسرعة وانا ابحث
أتطلع له وأنا مستغربا وهو يعمل ويشرح ويرشدني على الخطأ وهو مزهوا بالنفس أنه يعرف أكثر مني وانا سعيد فرح على ذكائه وقدرته في الشرح… قائلا للنفس انه آن الأوان ان اعترف بالهزيمة وأتقاعد فالعصر ليس عصري!!! 
الكثيرون من هؤلاء البشر المنافقين  لا يعرفون الوفاء فهو عملة نادرة اصبحت من الماضي لا يتعاملون بها بالاسواق لأننا نعيش في عالم آخر وعصر حديث متقدم كل يوم خطوات  سريعة للأمام، صعب متابعتها على العواجيز كبار السن الا من القلائل!

الذي يحز في النفس ان شعبنا الليبي يعاني من الظروف الصعبة والحروب والثورات العديدة، الجهل والفقر والمآسي الكثيرة من الظلم والهوان خلال مسيرة عقود  نسى لقاء الحياة المادية الصعبة الوفاء!  نسى السابقين الأوائل من الشهداء عن مدى تضحياتهم… نظير الجهل وعدم الحضارة والسمو

هل يوما أصحاب القرار في ليبيا، أقاموا الندوات والمحاضرات عن الأبطال الشهداء الموتى السابقين الذين كان لهم الفضل في الاستقلال سنة 1951م … حتى تصبح لهم ذكرى خالدة وصدقة جارية عندما يعرف الشعب أفضالهم وتضحياتهم  ويترحمون عليهم عندما يذكرون بالخير… 
هل اقاموا اي نوع من أنواع التكريم عبر الاعلام عن ابطال الثورة المجيدة فبراير 2011 م  المجهولين الموتى، ام الاحياء الذين ضحوا بالعزيز والغالي من اجل الوطن والخلاص من الطاغية
هل اقيمت في يوم من الأيام اي مراسم تكريم للملك محمد ادريس السنوسي  الراحل  الطيب الزاهد في الملك والسلطة ؟؟؟ الذي تنازل عن العرش طواعية وليس كما زوروا في  التاريخ وادعوا بأنه أبعد عن الكرسي بالعنوة والقوة  بقيام الانقلاب الاسود
هل تم يوما ما  تكريم الاحياء الذين لهم الدور الكبير وراء الستار وفي الخلف والخفاء  لنجاح الثورة المجيدة ؟؟
هل تم الانتباه إلى معاناة الشعب اليومية  من النقص لكثير من الاشياء الضرورية الأساسية  للحياة مثل الماء والكهرباء؟؟
 أليست بفضيحة كبرى عندما تتوقف العاصمة طرابلس عن تزويد سكانها بالماء وتيار الكهرباء؟؟ هذا الامر موجود طوال الوقت في جميع مدن ليبيا ولكن ولا احد من اصحاب القرار ينادي ويقوم بما في وسعه وجهده حتى يتم الاصلاح، لأن الهم الكبير مركز على النهب والسلب من العديدين
إنه من دواعي الحزن والاسف ان نصل إلى هذا الحال  المزري، والارصدة الرهيبة تذوب وتتلاشى هباءا منثورا في جيوب السارقين والادعياء بدون وجه حق!

أين الوفاء لليبيا؟؟ هل مجرد كلام وعناوين ضخمة كبيرة بلا محتوى؟؟ وأين وفاء ليبيا للمواطنين، الجنود المجهولين الذين قدموا جميع المتاح من الدعم المادي والعلاقات الدولية وذويهم  وأولادهم لساحات المعارك  من اجل الثورة حتى نجحت؟؟؟
 
انه امر يحز بالنفس بأن لا شئ موجود على الواقع الآن غير الادعاءات الكاذبة، السلب والنهب والتحكم في كراسي الحكم من البعض الذين لا يمتون للثوار الحقيقيين بأي صفة غير التشدق والجعجعة بأنهم كانوا في أتون المعركة
 أنا شخصيا من خلال التجارب  والخبرات أعرف عن يقين، ان الذي يتباهى ويتكلم بكثرة ويثرثر  بدون اي داع  ولا مناسبة تتطلب الكلام والشرح طوال الوقت…  ضعيف الشخصية… يحاول تغطية  نقاط ضعفه  ومواراتها حتى لا يلفت الأنظار  لماضيه القذر من النفاق لدى البعض من المسؤوليين بالنظام السابق… اما العارفون بالامر،  فلا يفوتهم الإدعاء ولا النفاق والكذب،  ويوما من الايام سوف يتم الفضح! 

ليبيا بجميع خيراتها وأفراحها ومآسيها واحزانها ومهما قيل عنها من خير وشر… ومهما مر عليها من حكام طغاة  شريرين والبعض الطيبين، ستظل وطننا!  أمنا الحنون  العفيفة الطاهرة الصامدة… لأن بها  اهل الخير والتقوى الشرفاء الطاهرين، الجنود المجهولين  مهما تواروا الآن بالوراء لهم يوم ويتقدمون الصفوف للإصلاح… والله الموفق

    رجب المبروك زعطوط  

1 comment:

  1. الان مع موقع ماكس فاشون يمكنكم الحصول علي افضل خدمات التسوق الالكتروني بـ افضل الاسعار المقدمة من كود خصم ماكس فاشون يمكنكم الان التواصل مع كود ماكس فاشون لـ افضل العروض و الخصومات

    ReplyDelete