Saturday, July 26, 2014

رحلة العمر 19

 بسم الله الرحمن الرحيم

منظر عام من احد شوارع عمان - الاردن 
            في طريق الرجوع إلى عمان مررنا على أحد التجمعات   السكنية بالضواحي على الطريق العام، توقفنا أمام أحد المساجد الذي كان الزحام شديدا عليه من المصلين الراغبين للصلاة ولا مكان فارغا بالظل لترك السيارة فترة الصلاة بالقرب إلا عن بعد والمشي على الأقدام، وتوقف السيد ناصر أمام المسجد وقال تفضل ياحاج إنزل وأدخل المسجد وسوف ألتحق بك، مما فعلت حيث الرجل لا يريد مني المشي مسافة بسيطة والتعب، وصعدت إلى الدور الأول العلوي وبالكاد تحصلت عل مكان للصلاة وسط العشرات من المصلين حيث أحد المصلين الكرام الشباب أفسح لي مكانه إحتراما للسن عندما لاحظ أنني غريب وبيدي العكاز للسير جزاه الله تعالى ألف خير ...

            كان الخطيب جهوري الصوت مؤثرا في المصلين الخاشعين طوال الخطبة، ومن وجهة نظري الشخصية فإنه متأخر غير مواكب للعصر، لم يكن في المستوى المطلوب ولم يتماشى مع الزمن الحاضر فطريقته شديدة في الإلقاء...

         كان خطابه   هجوميا مليئا بالويل والثبور والترهيب والتخويف ولم أحس فيه بالسمو والترغيب وبالأخص طريقته في الدعاء الأخير قبل نهاية الخطبة والجميع يرددون وراءه عفويا آمين آمين، بالوعيد والدمار للأعداء من اليهود والنصارى، ناسيا متناسيا ان العصر تغير ونحن الآن في عصر العولمة والتقارب ودولة الأردن لها حدود طويلة مع فلسطين المحتلة (إسرائيل)  ولديها معاهدة سلام وتطبيع مع بعض، ونسبة من المسيحين العرب من ضمن شعبها، مما تجعل المؤمنين الفاهمين العالمين للدين الإسلامي الصحيح دعاة المحبة بين الأديان السماوية الثلاث، يخجلون من هذه النوعيات التي عفى عنها الزمن ولم تسمو وتتحضر بعد !!

        من وجهة نظري هذه النوعيات إنتهى دورها في الخطابة على الجماهير في هذا الوقت والعصر، نحتاج إلى تجديد والحث على الايمان والهداية باللين والمنطق، بالحوار والحجة الدامغة على وجود الله تعالى أنه الواحد الأحد الخالق للجميع وهو الرب الكريم ذو الرحمة والمغفرة بدون حساب، حيث ديننا الإسلامي دين ترغيب وليس ترهيب وإكراه بالقوة، دين أمن وأمان، دين سلام عدل ومساواة بين الجميع لا فرق بين إنسان وآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح ومحبة الآخرين من بني البشر مهما كانت ألوانهم أم دياناتهم حيث الحاكم والفصل لمن يحب ويرضى عليه هو الرب الخالق، وليس السب واللعن والضغوط على البشر، الذي لايوصل إلى أي نتيجة أوهدف... بل يعكر النفوس ويزيد الكراهية بين الأطراف العديدة لقاء أخطاء بعض الشيوخ المتسلطين الجهلة بدون علم غزير ولا فهم يعيشون بالعقليات الماضية التي إنتهت وعفى عليها الزمن، الذين يطلقون الاتهامات الساخنة والسب واللعن من غير أسباب واضحة وليس لها أساس متين حتى يقنع الآخرين الفاهمين، حيث الآخرين يهودا أم نصارى ام آخرين من الملل هم  بشر من  مخلوقات الله عز وجل ومن حقهم العيش والحياة...  فجميعنا عبيد لله تعالى وديننا الإسلامي الحنيف دين توحيد و سلام، يدعوا للهداية والإيمان بهدوء وإقناع ضمن الأخلاق والأدب في الحوار من غير أي فرض كان ...

           إنتهت الخطبة على خير وسلام وتم أداء الصلاة والحمد لله تعالى وخرجت مع جموع المصلين وكانت السيارة وبها الحاجة في انتظاري عدة خطوات من المسجد، مما ركبت، وقال لي السيد ناصر، أنه صلى معنا وخرج مع الأوائل من المصلين، أما الحاجة لم تتمكن من الصلاة حيث لا مكان خاص مصلى للنساء، وبقيت تنتظر مثل الآخريات، في السيارات في الظلال حتى خرجنا من المسجد...

             وصلنا إلى الفندق حيث ركب  معنا إبنتي هدى وزوجها، وذهبنا معا إلى بيت والدي صديقنا السيد رياض للتعارف وتناول وجبة الغداء حيث كنا مدعوين  لديهم وفي الإنتظار لنا بشوق للتعارف من كثرة ما سمعوا عنا من إطراء من إبنهم رياض في دالاس أمريكا، حتى نصل...

           أخيرا وصلنا إلى بيت عائلة السيد رياض في أحد الأحياء الجميلة على ربوة الجبل وكان الجميع في إنتظارنا بفارغ الصبر، ووالده المريض الذي كان مقيما بالمستشفى يعالج منذ فترة، خرج ورجع إلى بيته بمناسبة يوم الجمعة وإحتفاءا بحضورنا للزيارة كما حدثونا أثناء اللقاء، أنه سمح له من الإدارة بالخروج ليوم واحد وغدا الرجوع إلى المستشفى للبقاء وتكملة العلاج حتى يشفى بإذن الله تعالى ...

            تعرفنا بالعائلة الكريمة الحاج الأب والحاجة الأم وأخوه الشاب ابراهيم وإخواته البنات وزوجة السيد ناصر وبناته الصغار، مما كانت جلسة عائلية على المودة والخير، وأحاديث عديدة وتطرق الأمر إلى ليبيا وظلم الطاغية على الشعب البرئ والذي انتهى الأمر بالثورة المجيدة وهلاكه ومازلنا نحن الشعب الليبي ندفع ونقاسي  المآسى العديدة من سفك الدماء والإرهاب الأسود إلى اليوم الحاضر نظير حكمه اللعين وأفكاره الشاذة الصادرة من عقل مجنون مما وافق الجميع على شذوذ المقبور وحمدوا لنا بالسلامة على ان الامر إنتهى بالخير...

             وقدمت لنا فناجين القهوة والعصائر وبعدها الجلوس على طاولة الأكل وقدم لنا طعام المنسف في طبق كبير من الأرز المخلوط بلحم الضأن الطري مع المرق واللبن الرائب مما كان ممتازا لذيذ الطعم حيث كان شيئا جديدا لنا يختلف عن طهينا نحن الليبين في طعام الأرز الذي يعتبر الوجبة الرئيسية لنا في المنطقة الشرقية والذي يتم اعداده بعدة طرق مختلفة ولكنها ليست مثل المنسف كما في الشرق العربي وبالأخص في فلسطين والأردن والخليج .


المنسف الاردني اللذيذ 
           الميزة في المطبخ العربي الإسلامي من الخليج إلى المحيط أن به العديد من مختلف الأشكال والنوعيات في الطهي للطعام حيث كل دولة من الدول لها عدة أكلات خاصة بها لذيذة شهية تختلف عن الأخريات في الشكل والطعم، تحتاج إلى من يجرب ويأكل، ولديه الرغبة والشهية والتذوق  والإستمتاع بالأكل حيث كل شئ له فن، والطعام له أنواع من البشر الذين يحبون التفنن وقت الطعام بالأكل برغبة عشق وتلذذ .

          حكايات عديدة أثناء وجبة الغداء وبعدها...  وكانت السيدة الأم واقفة طوال الوقت ولم تجلس وهي تقدم لنا الطعام وتحاول إكرامنا بكل مافي وسعها حيث تدل هذه الشهامة على العادات العربية الأصيلة ان رب البيت أو ربته، يجاملون الضيف وهم الأخيرين في تناول الطعام طالما الضيف موجودا على المائدة يأكل، مما أخجلتنا بعملها الرائع الذي يدل على طيبة القلب والأخلاق الرفيعة، وإدخال البهجة والسرور علينا حتى نعتبر أنفسنا أننا في بيوتنا وسط أهالينا بدون خجل ولا تكلف أومجاملة، حتى نتناول المزيد ونشبع ولا نخجل...

            هذا العمل والإكرام من أعماق القلب والروح بمجيئنا وحضورنا وليس تصنعا أومحاباة، كما يفعل الكثيرون عند مجئ الضيف، من مجاملات ونفاق...  تناولنا عدة مواضيع في الحديث وكان الجميع وبالأخص الأب والأم فرحين مسرورين بحضورنا ضيوفا لديهم مما أشعرونا أننا لسنا غرباء في عمان الأردن، بل كأننا نعرف بعضنا من فترة طويلة وتلاقينا على الخير طالبا داعيا، أنا وأسرتي من الله عز وجل دوام الصحة والعافية لهم وطول العمر إلى ماشاء الله تعالى... فمثل هذه العائلة الأصيلة في المودة وحسن الإستقبال يشرف ويفخر الإنسان أنه تعرف بهم وتلاقى معهم على الخير...

            بعد الإنتهاء من طعام المنسف الذي إلتقطت إبنتي هدى له صورا تذكارية   عندما تم تقديمه في صحن كبير  على المائدة وكان معبئا وكأنه تل جبل من الأرز واللحم، ثم صورة أخرى له عند الإنتهاء وهو معظمه منتهي وفضلات العظام على الجوانب محيطة به نظير اللذة في الطبخ وعدم التوقف عن الأكل...

ابو رياض في توديعنا امام منزله في عمان - الاردن 
             الحمد لله رب العالمين والثناء والشكر العميم على النعم الجزيلة التي وهبها لنا بدون علم ولا تخطيط مسبق، بدون حساب من غير أن نعرف ونعلم اللقم لمن تقسم، وتناولنا القهوة وعدة أنواع من الفاكهة والحلويات وأحاديث عديدة في مختلف المواضيع...  وعند الأصيل بعد أن قضينا وقتا جميلا  مر مرور الكرام بدون أن نحس، طلبنا الإذن بالإنصراف مما بصعوبة حتى تحصلنا على الموافقة من رب وربة البيت، حيث يريدون منا الإستمرار في الجلسة والسمر حيث بدأت تحلى، وتزداد بهجة، ولكن للظروف الصحية لرب العائلة ولنا حتى نرتاح بقية اليوم، تحضيرا ليوم الغد حيث السفر طويل أمامنا  في الرحلة من عمان إلى نيويورك أمريكا...  مما وودعنا الجميع على أمل اللقاء عن قريب سواءا في أمريكا، ليبيا أو عمان...

           تطوع السيد ناصر  مشكورا بتوصيلنا إلى الفندق، وأثناء قيادته للسيارة في الطريق أصر بأننا نجرب كنافة عمان في أحد المحلات المشهورة (حبيبة النابلسي) بالحلويات والكنافة ونتذوق البعض حتى نتذكر عمان مما وافقنا ومررنا على محل كبير به مالذ وطاب من الأنواع العديدة للحلويات التي أحبها، وجربنا نوعا من أنواع الكنافة اللذيذ مع كوب عصير من البرتقال الطازج، والتي لولا داء السكر الذي أعاني منه، لأكلت المزيد من عدة أنواع...

              أوصلنا السيد ناصر إلى  فندق كمبنسكي  وودعناه  على أمل اللقاء عن قريب، وعرفنا من خلال الحديث معه أنه خلال الأسبوع القادم سوف يأتي إلى أمريكا للمراجعة الصحية على القلب، وودعناه طالبين له الصحة والعافية وإنشاء الله نقوم بواجب الضيافة له في مدينة دالاس عندما نتلاقى بإذن الله تعالى، فمثل هذا الرجل نادرا ما يجد الأنسان أمثاله في الكرم والأخلاق، وفقه الله تعالى وإنشاء الله عز وجل يشفيه من الداء والمرض... والله الموفق ...
                                                                                             رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقة القادمة ...

No comments:

Post a Comment