Thursday, July 17, 2014

رحلة العمر 15

 بسم الله الرحمن الرحيم

            واصلنا الرحلة والمسيرة صعودا وهبوطا في الطريق العام على التلال وفي الأودية والجبال الواحد وراء الآخر بدون نهاية في المنحدرات والطرق الضيقة على القيادة بالنسبة للسائق للحافلة الضخمة حيث يحتاج اإلى انتباه طوال الوقت...  ولاحظت ان جميع سائقي الحافلات الذين ركبنا معهم في الدول الثلاث، يتمتعون بمهارة كبيرة في القيادة بحيث أنجانا الله تعالى ولم يحدث لنا أي مكروه أو ضرر، سواءا حادثا أو أي مشكلة مرور على الطرق العديدة ذات المسافات المتباعدة بالمئات من الكيلومترات أثناء الجولات والزيارات المباركة من الله تعالى،  من يوم الوصول حتى يوم المغادرة، حيث الزيارة لجميع المزارات والمقامات خلال الأسبوعين من الزمن التي قضيناهما في الرحلة الدينية، كانت موفقة ومباركة، الرب الله عز وجل راضي عنا في كل خطوة مشيناها، وهبنا الأجر والثواب حيث القلوب صافية في حبه وعشقه، طالبين منه المزيد من العفو والأجر والرضاء عنا حتى نفوز دنيا وآخرة...

           وصلنا إلى منطقة عالية على رأس أحد الجبال إسمه (جبل نيبو) حيث مقدس من مامر عليه من أحداث تاريخية دينية في العصور الماضية، مكان شبه منعزل يعتبر كخلوة للعبادة والتأمل في قدرات الخالق الأحد، يزورونه السواح طوال الوقت لمشاهدة مكان سيدنا موسى الأخير، قبل أن يتوفاه الله تعالى، توقفت الحافلة أمام أحد المطاعم المتفق عليها مع الشركة حوالي الساعة الثالثة ظهرا، ونزلنا جميعا لتناول وجبة الغداء المتأخرة حيث كنا جوعى بحاجة إلى الطعام وأخذ بعض الوقت في إستراحة فترة القيلولة ذات الحرارة العالية، مما بعد الغداء الجيد وشرب القهوة أفقنا من النعاس الذي بدأ يداعب أعيننا بالنوم...

          مشينا بعض المسافة على الأقدام في الهواء الطلق في الشمس والبعض من المشوار في الظل، حتى وصلنا إلى شريط كبير في قمة الجبل من المساحة شبه غابة بها معالم منطقة أثرية كبيرة سابقة من قديم الزمن لها سور بسياج حديد من الجانب الشمال من المدخل منعا من دخول الحيوانات للرعي على ماأعتقد والجانب الأيمن الآخر يطل على الوادي السحيق وبقية أراضي دولة الأردن وفلسطين المحتلة (دولة إسرائيل الآن حاليا)...

         ودخلنا من البوابة التي تمنع دخول السيارات والحافلات إلى الداخل والمرور إلى الداخل على الأقدام مسافة تحت ظلال الأشجار من الجانبين في الطريق المعبد...ثم واصلنا السير ضمن طرقات ترابية ضيقة متعرجة حتى لا تدوس أقدام الزوار عليها بالخطأ وتضيع معالم كثيرة باقية من آلاف السنين، مثل البعض من لوحات الفسيفساء التي محافظ عليها بحواجز مازالت موجودة على الأرض أو معلقة على الحوائط ضمن المستودع الكبير الذي يستعمل كمتحف كبير لها، والتى حتى الآن شواهد على تطور الحياة بالمنطقة.

          وقام الدليل والشيخ بالمشي أمامنا ونحن وراءهم في طابور طويل، في شمس الأصيل القائظة يشرحون لنا خطوة بخطوة عن التاريخ للمنطقة وما مر بها من أحداث كثيرة، وعن إقامة سيدنا موسى عليه السلام ووصوله إلى آخر نقطة على منحدر الجبل وشاهد ارض فلسطين والقدس ولم يدخلها شخصيا بل توفاه الله تعالى... لعبر وقصد لا نعرفه نحن حتى لا يصبح الحق لليهود في الأرض بإمتلاكها مستقبلا مع الزمن ... ودفن في مكان مجهول حتى الآن، والضريح الذي زرناه بالسابق أول يوم في الزيارات عبارة عن رمز وذكرى بالنبي موسى كما قال لنا الشيخ والدليل، والله أعلم.

          إلتقطنا العشرات من الصور التذكارية للمكان وللمنطقة ووقفت شخصيا في المكان المعين الذي وقف فيه النبي موسى عليه السلام وداسه بقدميه، مشيرا بيدي إلى القدس والخليل بعلامة النصر والفرحة أننا زرناها، طالبا من الله عز وجل أن يحقق الأماني والرجوع وزيارتها مرات أخرى فهي مقدسة وفيها ترتاح النفس وتطمئن الروح وبالأخص في الحرم القدسي في القدس المباركة، والحرم الإبراهيمي في الخليل.

        وقفت في  المكان الذي وقف فيه النبي موسى آخر مرة في حياته وتطلع إلى فلسطين المحتلة الآن من دولة إسرائيل، وأمامي الحاجز من الحديد حتى لا أسقط وأتدرجح في الوادي السحيق مباشرة، وعلى مد البصر ببطن الوادي توجد عيون موسى التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم أنها إنبجست من الحجر بالقدرة الإلاهية وتدفق الماء منها ضمن الينابيع العديدة على حسب عدد قبائل وأسباط بني إسرائيل، بالقدرة الإلاهية عندما ضربها سيدنا موسى بعصاه بأمر من الله تعالى، مازالت قائمة حتى اليوم الحاضر.

          لم تتاح لنا الفرص بزيارتها في بطن الوادي لمشاهدتها، حيث لا نعرف هل الطريق العام يصلها ونستطيع الوصول لها بالحافلة، أم لا ؟؟ إنني لا أعلم... أم السير والمشي على الأقدام، حيث الطريق صعبة نظير الإنحدار إلى الوادي خوفا من الإنزلاق ووقوع حادث ومصيبة لأحدنا، وبالأخص معظم الرفاق كبارا بالسن...

           قضينا وقتا في التأمل في عظمة الله تعالى وكيف هؤلاء البشر السابقين من قديم الزمان من مئات وآلاف السنين كانوا صناعا مهرة وبنائين، عملوا وقدموا هذه الروائع من الفيسفاء التي معظمها ضاعت والتي لا تقدر بأي ثمن من الأثمان، تحتاج إلى بشر مرهفي الحس والشعور بالفن والسمو لديهم الحكمة وبعد النظر بالحفاظ عليها وصيانتها طوال الوقت حتى لا تختفي بالتشقق والتآكل مع عوامل الطقس والزمن، كما حدث للكثير منها وضاعت وحرمت الأجيال القادمة من مشاهدتها ورؤيتها الحقيقية على الطبيعة بدلا من الصور.

         وليس بشرا غافلين عنها بحجج عدم وجود المال والتمويل، وذوي القرار يصرفون في عشرات بل مئات الآلاف والملايين في شراء الأسلحة وعدد الحرب للجيوش بحجج الدفاع، لقاء الصراع على حب الدنيا والشهوة العارمة لإمتلاك المال والسلطة بأي ثمن كان، بالإرهاب القتل وسفك الدماء في سبيل تحقيق الأهداف الزائلة والمنتهية يوما ما... مهما طال الوقت...

          لا خلود لأي إنسان مهما كان سواءا حاكما ذو سلطة وصولجان، أم عاديا مثل الآخرين، كل شئ هالك في الوجود ولا يبقى الا الله عز وجل موجود حي دائم لا يموت، التي من وجهة نظري الكاسب والمنتصر، في برك الدم خسرانا على طول...

   إستمرت المسيرة متجهين إلى منطقة البتراء الأثرية التاريخية التي كانت يوما من الأيام بها أقوام (عاد وثمود، سيدنا صالح وشعيب ولوط حيث المنطقة عامرة بالأنبياء والرسل وغيرهم الكثيرين من رجال الله تعالى لا نعلم عنهم ولا نعرفهم ) الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم العديد من المرات كعبر، عسى أن يفيق البشر المخدوعين من الشيطان الرجيم الذي قادهم إلى الكفر والهلاك، بالرجوع إلى طريق الحق المستقيم، حدثنا عن عاد وثمود أنهم جابوا الصخر بالواد وحق عليهم العقاب الإلاهي عندما طغوا وزادوا عن الحد في الكفر والإلحاد...  مما سخر عليهم العذاب الأكبر، العواصف والرياح الشديدة، الزوابع، التي افرغت احشائهم وجعلتهم اجسادهم خاوية  لإعطائهم درسا انهم لا يستطيعون التجبر والجبروت على  قدرات الله تعالى...  فلم يصبح لهم أي أثرا غير بقايا مساكنهم الحجرية المنحوتة في الجبال حتى نتعلم الدرس، خاوية حتى الآن أطلالا شواهد، والتى وفقنا الله تعالى وتمكنا من زيارتها على الطبيعة والله الموفق...
                                         رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة ...

No comments:

Post a Comment