Wednesday, July 23, 2014

رحلة العمر 17

بسم الله الرحمن الرحيم

         جلست على المقعد الخشبي بعض الوقت لأرتاح فقد تعبت من   المشي والوقوف وجاءت الحاجة ووقفت بجانبي حيث لا مكان للجلوس من الزحام، وعرضت عليها الجلوس مكاني ولكن رفضت العرض حيث تحب الوقوف ولا تريد لي التعب حتى غادر أحد السواح مع فريقه بالصدفة، وجلست بجانبي فترة من الوقت ونحن نتأمل في الحشود القادمة والمغادرة والجميع مبهوري الأنفاس مدهوشين من رؤية  الأطلال الشامخة التي عفى عليها الزمن التى تكاد تنطق وتقول لنا عن ما مر بها من أقوام بشر وأحداث خيرة وشريرة مدمرة نظير الكفر والتكبر والعصيان من أهاليها ساكنيها في الأزمان الغابرة أقوام عاد وثمود للخالق الله تعالى الأحد...

            مما حق عليهم جميعا العقاب والقصاص الإلاهي المدمر، حتى أصبحت في هذا الحال مدينة أشباح منذ آلاف السنين خاوية مهجورة أطلالا بدون حياة كالمقبرة الصامته يزورها البشر للإطلاع والمشاهدة وأخذ عبر، اذا كان لديهم عقول تفهم وتتعظ، تؤمن بوجود الله الواحد الأحد وتعبده قبل فوات الأوان...

         عندما إرتحت بما يكفي  قلت للحاجة، أريد المغادرة والبدأ في طريق الرجوع خطوة خطوة فالمشوار طويلا ومجهدا وبالأخص طوال الوقت الطريق في بطن الوادي صعود، حتى أصل إلى بداية الساحة التى بها الحافلة حيث سوف أنتظر الجميع بجانب المدخل الرئيسي...

           مما وافقت على الأمر فهي طوال الوقت وفية مثل الحارس تخاف على ان أسقط إعياءا من الإرهاق في أي لحظة حيث مريضا بالقلب ولا أتحمل الجهد الكبير والمعاناة والتعب، وقالت أنها ستنتظر ابنتنا هدى وزوجها وتلحق بي بسرعة، وطلبتها بالهاتف النقال حتى تسرع في القدوم ...وحددت لها المكان بدل التلكوء وضياع الوقت...

         بدأت في المشي والرجوع لنقطة الإنطلاق وشعرت بعد ان غادرت بقليل أننى إرتكبت غلطة وخطأ أن أسير لوحدى بدون رفيق يسهل على الطريق بالكلام والحديث .. ويساندني في حالة يحدث اى شئ لي فأنا لست بشاب فتى قوى كما كنت من قبل أيام الصغر حيث الصعود فى الميل البسيط للإنحدار يحتاج الى جهد كبير لست بقادرا عليه أحتاج إلى وقت طويل للوصول خطوة بعد أخرى، ولكن نظير العند وعدم الإستسلام بسهولة وإبداء الضعف واصلت السير بالمشي الخطوات بدون توقف مصرا على الوصول بدون مساعدة، وكل فترة عندما أجد مقعدا أو متكئا حجريا في الظل في أحد الجوانب أجلس عليه وأرتاح قليلا عدة دقائق ثم أنهض وأواصل السير بكل العزم متطلعا للأمام لنقطة الوصول، عارفا عالما أنني سوف أصل مهما طال الوقت، المهم الإستمرار وعدم التوقف، مثل مقولة الزعيم الصينى ( ماوتسى تونج ) الذي قال، قطع الألف ميل مسافة تبدأ بأول خطوة، وكان بإمكاني تأجير عربة خيول لتقلني، ولكن لاحظت أن الإهتزاز كبيرا نظير التصميم عجلتين فقط بدلا من أربعة مما تهتز بقوة مع خطوات الحصان في العدو والجرى بسرعة، لاحظت الموضوع عندما شاهدتها وقت المرور للعديد منها سواءا في النزول أو الرجوع والزوار فيها كبار السن يهتزون طوال الوقت بقوة بإستمرار بإلكاد مرتاحين حيث الطريق بها العديد من الحصى والحفر الصغيرة، مما خفت أن أتضرر من الهز الشديد نظير الجلوس بدون قصد، وواصلت السير ببطء وكلي عزم وإصرار حتى وصلت إلى المنتصف، وأمام المدخل كان الحراس بملابسهم التقليدية ورماحهم الطويلة بأيديهم واقفين كعرض عن أيام العصور الماضية للحراسة، مما التقطت بعض الصور التذكارية معهم للذكرى، وخرجت من الشق والفتحة إلى بطن الوادي العريض الجاف والجبال العالية تحيط من الجانبين روعة وجلالا تقول في شموخ وإستعلاء وفخر لجميع الزوار نحن الحراس الأمناء للمدينة طوال الوقت عبر الزمن... 

           وهناك لم أستطيع المشي ولا الجلوس حيث لا أماكن مريحة وظلال للجلوس مثل نصف الطريق الأولى داخل الشق الممر منتصف الجبل في الظلال والهواء البارد المنعش، مما أصبحت في ورطة ماالعمل... وهداني الفكر ان أركب أحد الخيول حيث أرتاح في الجلوس ويقطع بي بعض المسافة حتى الوصول، وأوقفني أحد أصحاب الخيول عارضا على الركوب ولم أمانع بالدفع للمال، وساعدني الرجل على إمتطاء الحصان العجوز كبير السن الذي بإلكاد يسير ويمشى، مما وافقت على تأجيره وإمتطائه حيث لا أريد حصانا فتيا ممكن أن يقفز بي بسرعة ويجري وأنا لست خبيرا في الثبات على الصهوة ولا القيادة واللجم حتى يتوقف، وأسقط بسرعة وأتضرر...


        وكان الحصان متعودا على الطريق والسير ببطء وقال لي صاحبه لا تخاف هذا الحصان وديع ومدرب وعندما تريد ان تتوقف أخبرني وشاور لي فانا سوف أكون قريبا منك أراقب مما قطعت مسافة الربع الثالث ومازال الربع الأخير للوصول، وشاورت وطلبت من الرجل الذي كان على صهوة حصانه بعيدا عني يراقب، ان يوقف الحصان بالقرب من أحد الدكات الحجرية العريضة التي تحدد جوانب الطريق مع الوادي حتى أهبط عليها بسلام ولا أسقط مما فعل، ودفعت له اجره كما طلب بدون خصم ومناقشة كما يفعل الجميع وبعض الإكرامية الغير متوقعة زيادة عدة دينارات أخرى مما فرح وكان مسرورا من حسن المعاملة والكرم ...

      وسألني بحب إستطلاع، من أين أنت قادم ياحاج؟؟ وقلت له من مدينة درنة ليبيا... مما إبتسم وقال داعيا، كان الله تعالى في عونكم ياليبيين من الإرهاب والإغتيالات العشوائية وسفك الدماء، وقلت له آمين آمين يارب العالمين عسى ان يكون باب العرش في السماء مفتوحا لحظتها لسماع دعاء المظلومين ويستجاب !!!!

        وتركته حيث ليست لدى الرغبة فى الحديث السياسي عن وطني ليبيا التي غادرتها من حوالي عدة أسابيع وهي تغلي تحت السطح جاهزة للإنفجار في أي وقت وساعة، حتى لا تزيد آلامى وتفتح جروحا في جسمي ويزداد همي وغمي على فقد الأحبة من بني وطني قتلى وجرحى نظير الصراع الأعمى، والسرقات والنهب للمال العام بدون رقيب ولا من يحاسب في غياب الضمير الحي الذي تخدر والولاء الذي غاب وإختفى نظير التحديات العراك والمناوشات الدامية للحصول على المال والسلطة.

            بدأت في السير خطوة وراءها الأخرى بمهل حتى لا أجهد وبدأت الصعود إلى الحافة مكان المدخل حتى وصلت إلى أعلى وأنا متحامل على النفس بعد جهد جهيد، وجررت الخطوات بصعوبة وأنا أكاد أسقط إعياءا حتى وصلت إلى مكان ظليل وبه عدة كراسي أمام محل لبيع المشروبات الباردة، وإشتريت زجاجة ماء بارد وإرتحت مدة حتى وصلت الحاجة وكانت مرهقة من السير مثلي وقدمت لها كرسي في الظل وإشتريت لها زجاجة ماء باردة وجلست ترتاح، وهي مبهورة بعظمة المكان والبناء والتشيد والنحت في الصخر بهذا الجمال والروعة منذ آلاف السنيين الماضية.

             وبدأت المجموعة تتابع في الوصول وأردت شراء شطائر (سندوتشات شاورما) التي أحب تناولها لي وللمجموعة عندما تصل وذهبت للبحث حتى وجدت مكانها في أحد المطاعم الشعبية الصغيرة بالساحة الكبيرة، ودخلت للشراء وكان أمامي طابور من الزبائن مما وقفت حتى يأتيني الدور، وطلبت الطلبية التي كانت سوف تتأخر في الإعداد نتيجة الزحام ولكن الدليل محمد جاء بسرعة يبحث عني فقد تأخرت عن المجموعة ليستعجلني حيث لا فرصة للبقاء والتأخير فالجميع في الحافلة ينتظرون مما ألغيت الطلب ودفعت إكرامية مجزية للعامل على الإلغاء حيث بدأ في الإعداد ولم يكن لنا نصيب بأكلها وتناولها  وهي قيد التجهيز (سبحان الله العظيم لمن تقسم اللقمة).

         وخرجت بسرعة لركوب الحافلة مع الجميع، حيث الحافلة بعد مشوار بسيط على الطريق الملتوي الضيق، توقفت أمام أحد المطاعم على ربوة في سفح أحد الجبال مطلة على شريط طويل من الوادي والطريق العام حيث البيوت متناثرة عشوائيا من غير ترتيب ولا تنظيم في السفوح، ودخلنا إلى المطعم المريح ذو الهواء العليل من الحرارة القائظة وتناولنا وجبة الغداء مما إرتحنا من الجوع وزال التعب والإرهاق بعد عدة فناجين من القهوة المركزة، وبدأ النشاط يعود...

            وقمنا برحلة العودة إلى عمان التى إستغرقت عدة ساعات سيرا على الطريق العام بسرعة، والدليل والشيخ يشرحون لنا عن الأماكن التي نمر بها، بدون أن ننزل من الحافلة حتى وصلنا إلى عمان العاصمة نهاية الأصيل ...
        وقمنا بجولة سياحية فيها ووصلنا إلى أحد الساحات على ربوة الجبل حيث توقفت الحافلة استراحة بعض الوقت لنا حتى نتمشى ونشاهد الكثير من مباني عمان المدينة من أعلى ونلتقط الصور التذكارية للذكرى عند الرجوع بإذن الله تعالى إلى أوطاننا سالمين، حيث ذاك اليوم وتلك الزيارة إلى معالم البتراء التاريخية، تعبنا من المشي في المشوار الطويل في بطن الوادي هبوطا وصعودا على الأقدام لمشاهدة وزيارة الروائع التاريخية بقايا أطلال مدينة قوم عاد وثمود، حتى نتعظ ونتعلم الدروس أن الله عز وجل موجود في الوجود حي لا يموت، يمهل ولا يهمل يعاقب كل من طغى وتجبر...


        بعد الجولة السياحية البسيطة في عمان، وصلنا إلى الفندق حوالي المغرب الذى تم الحجز لنا فيه ( كمبنسكي) حيث إستلمنا حقائب السفر التي أودعناها منذ الأسبوع الماضي في التخزين في مكة المكرمة ورأسا للغرف للراحة والنوم بعد يوم مضني طويل في المشي للمسافة الطويلة على الأقدام.

        وكان البرنامج من شركة دار السلام أن الرحلة الجماعية للزيارات قد إنتهت والبعض منا سوف يغادر غدا الجمعة راجعين إلى كندا، وبالنسبة لنا مجموعة أمريكا يوم زيادة حسب الحجز للمقاعد في شركة الطيران، حيث غداً يوم الجمعة راحة وإستجمام والسفر للرجوع إلى أمريكا يوم السبت بإذن الله تعالى مما كنا محظوظين حيث كسبنا يوما آخر زيادة للقاء الأحباب من معارفنا الأردنيين في عمان والزيارة السريعة لقلعة البطل صلاح الدين في الجوار من العاصمة حوالي الساعة سيرا بالسيارة، التي ليست في برنامج الزيارة من طرف الشركة، بل قام بها صديقنا الجديد السيد ناصر عندما تعرفنا عليه، والذي أصر أن يقوم بجولة سياحة لنا عدة ساعات قبل أداء صلاة الجمعة في أحد المساجد على الطريق حيث شاهدنا القلعة بسرعة، ومررنا على مدخل الطريق لمقام سيدنا الخضر الولي الصالح من رجال الله تعالى الواصلين المطلعين للكثير من علوم ملكوت الله تعالى في الخفاء، والذي لم يذكر كثيرا في قصص وعبر القرآن الكريم، عليه الصلاة والسلام في المنطقة بقرب القلعة ، الذي سار في صحبته سيدنا موسى عليه السلام حتى يتعلم البعض من العلم الباطني الغيبي كما أخبرنا الله تعالى في القرآن العظيم عنه في سورة الكهف.


الحاج رجب زعطوط امام قلعة صلاح الدين - الاردن 
          ولم يستطع سيدنا موسى الصبر على تتابع الأحداث الصعبة الثلاث التي لم يتمكن عقله البشري من استيعابها، من غير سؤال حسب الإتفاق بالصمت وعدم طرح الأسئلة بداية المشوار،  وإلا الفراق وعدم المواصلة في الرفقة بناءا على طلبه وقت اللقاء والمعرفة ، مما شرحها له بالتفصيل وأنه قام بالتنفيذ (خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الحائط لليتامى ) بوحي وأمر من الله عز وجل، وليس من عنده كما ترائ وإعتقد سيدنا موسى حتى فهم الموضوع وتعلم الدرس الصعب على الواقع والطبيعة خلال الرفقة التي لم تستغرق وقتا طويلا.. والله الموفق...
          رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة ...

No comments:

Post a Comment