Sunday, July 6, 2014

رحلة العمر 11

بسم الله الرحمن الرحيم


احد ازقة المدينة القديمة - القدس 
             وصلنا إلى أحد بوابات المدينة القديمة وتوقفت الحافلة بجانب أحد الأسوار الشاهقة التي تحد وتلتف على مدينة القدس حماية لها من أحد الجوانب، ونزلنا والدليل الفلسطيني والشيخ عبدالحكيم يمشون على الأقدام بالمقدمة أمامنا على الرصيف الضيق مسافة طويلة، يقودون المسيرة ونحن المجموعة وراءهم فى طابور طويل جماعات ثنائية خوفا من أن تدهسنا أحد السيارات المسرعة على الطريق العام على ربوة الجبل المنحدر، الذي المرور فيه شديد بعشرات السيارات في هبوط وصعود حتى وصلنا إلى احد السلالم من عدة درجات صعودا الذي أوصلنا  الى الرصيف الممتد بجانب السور الطويل حتى وصلنا الى أحد البوابات للمدينة القديمة ومنها دخلنا ونحن مبهورين بضخامة السور من الأحجار الضخمة والإرتفاع العالي كحماية من الغزاة المعتدين فى العصور الماضية... شارحين لنا خطوة بخطوة عن ما مر بها من أحداث تاريخية مرت عبر الزمن، وفى بعض الأحيان يتوقفون عن المشى عدة دقائق حتى يلحق الآخرون من الجماعة المتأخرين الذين يمشون ببطء نظير كبر السن وقلة الجهد وسط الأزقة الضيقة والبيوت والمحلات التى تطل عليها من الجانبين....

الحاج رجب زعطوط يمشي في ازقة المدينة القديمة - القدس 
            أخيرا وصلنا بعد الصعود والهبوط فى الأزقة وسط السوق والبيوت إلى الحرم القدسى وكان أقرب مكانا لنا كنيسة القيامة القريبة التي بالأمس كانت بها حفلة كبيرة دينية ومهرجان كنيسى على شرف قداسة بابا الفاتيكان الذى أتى من مقره فى روما إيطاليا لزيارتها لمزيد من البركة، والحج لها ، تباركا بسيدنا عيسى النبى والرسول الذى دخلها وداسها بأقدامه الشريفة وسجى جسده الشريف داخل احد حجراتها كما يعتقد النصارى المؤمنون به عن قناعة ويقين...

           نحن المسلمون نعرف ونؤمن إيمانا عميقا، انه لم يصلب على الصليب الخشبي الضخم، ولم يقتل، بل الله عز وجل شبه لهم شخصا آخر مثله فى الشكل والصورة شبيها تم القبض عليه وتعذيبه العذاب الرهيب بالضرب بالسياط والصلب على الصليب الخشبي الذي أصبح الصليب من يومها معلما ورمزا فى الديانة المسيحية وعنوانها إلى الآن...

          أما سيدنا عيسى المسيح الحقيقي النبى الرسول المبارك المعجزة الذي خلقه الله تعالى من أم بدون أب سيدتنا مريم العذراء، مثل ما خلق سيدنا آدم وسيدتنا حواء من غير أب ولا أم، إعجازا للمشككين الجاهلين فى سر مولده، لم يمس من الكافرين المجرمين الذين أرادوا به الشر القتل والصلب، بل توفاه ورفعه الله تعالى بالقدرة الإلاهية، إلى السماء كما حدثنا القرآن الكريم في كثير من الآيات المباركة، سواءا عن مولده وحياته كنبي ورسول، أو عن رفعه إلى السماء وحياته في أعلى المراتب، الى ماشاء الله تعالى...

             تباركنا بالمنطقة وشاهدنا مسجد سيدنا عمر بن الخطاب الملاصق للكنيسة، ولم نتمكن من دخوله ومشاهدته بالداخل والصلاة عدة ركعات تباركا به والحصول على المزيد من الأجر، حيث كان بابه مغلقا فى ذاك اليوم ، وجلسنا في الباحة أمامه للراحة والحديث عن الكنيسة وسمعت أن القيمين عليها ولديهم المفتاح الرئيسي لبابها عائلة فلسطينية عربية مسلمة تعيش بجوارها، تتوارث سدنة المفتاح جيلا بعد جيل...

باب كنيسة القيامة 
           هذه البادرة الجميلة تدل على عدم التعصب والتعايش بين العرب المسلمين والنصارى الفلسطينيين حتى يرضون ويوافقون على تسليم المفتاح لأقدس المقدسات لديهم وهو مفتاح كنيسة القيامة رمز الديانة المسيحية في العالم، تدل على الجيرة الطيبة والثقة العمياء، التفاهم والود الأمن والأمان والتسامح بين العقائد والأديان فجميعنا بشرا عبيدا لله تعالى...

            جلسنا بعض الوقت نتسامر مع الرفاق حتى أتيحت لنا الفرصة للزيارة ودخلنا إلى الكنيسة وسط الزحام الشديد رغبة في المشاهدة حيث الزوار بالمئات والآلاف قادمين من عدة أماكن بالعالم يشاهدون والبعض منهم من كبار السن من الجنسين يبكون والدموع تتساقط متأثرين من الروعة بالداخل، عن ما مر بها من أحداث تاريخية عبر العصور والزمن، وما فيها من كنوز تاريخية معنوية روحية لا تقدر بأثمان....

الحاج رجب زعطوط داخل كنيسة القيامة 
          شاهدت بإم العين الكثير من الشواهد وتجولت فيها بكل حرية بدون أي منع، حيث الأبواب مفتوحة للجميع لأي انسان زائر يريد الدخول بدون تعصب ديني ولا تزمت ومنع لغير النصارى المسيحيين، وإلتقطت لي صورا عديدة من العائلة والرفاق داخلها وأنا العربي المسلم حتى النخاع بدين التوحيد، وبالأخص على ابواب الحجرة التى يتزاحمون على رؤيتها ويتباركون بها ،، وإلتقاط الصور العديدة لها تباركا حيث يقولون تاريخيا أنهم وضعوا فيها الجسد بعد الصلب  لسيدنا المسيح عيسى قبل الرفع والغياب...

الزوار يتباركون بقاعدة تابوت جسد المسيح 
           شاهدت بأم العين الكثيرون وهم يقبلون ويمسحون صلبانهم على سطح أرضية القاعدة التى وضع وسجى عليها جسد سيدنا المسيح عيسى فى إعتقادهم للتبارك بها وجلب السعادة لأرواحهم معنويا روحيا والخير لأنفسهم دنيا وآخرة مما تدل على الإيمان الكامل بالعقيدة النصرانية...

           وبعدها قادنا الشيخ عبدالحكيم والدليل الى مسجد الصخرة الموجود ضمن الحرم القدسى الذى قبته ذهبية بلون الذهب تسطع تحت خيوط الشمس براقة تشع، والمسجد الأقصى أمامه ومقابله مباشرة بعد مئات الأمتار وكأنه تحفة  ورمز، ليس مثله أي شئ فى العالم الإسلامي يضاهيه دينيا،  إلا الأول بيت الله الحرام الذى به الكعبة المقدسة بمكة المكرمة، والثاني في الترتيب الحرم النبوي الذي فيه مقام رسولنا سيدنا محمدا عليه السلام وأصحابه الكرام سيدنا أبوبكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما في المدينة المنورة... والثالث المسجد الأقصى في المقدسات الإسلامية بمدينة القدس في فلسطين المحتلة حاليا، الذي كرمه الله عز وجل بالثناء والشكر في كتابه الكريم القرآن العظيم ( الذي باركنا حوله ) في سورة خاصة به (الإسراء)....

الحاج رجب زعطوط امام مسجد قبة الصخرة 
         وزيادة في التكريم والثناء حديث نبينا سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام في أحد الأحاديث الشريفة الذي قال (لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد، بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ومسجدي بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس) تفضيلا للسفر والحث على الترحال والزيارة... حيث الجلالة في قوة وعظمة الدين الإسلامي والروحانيات المباركة من الله العزيز عز وجل في ملكوته، على بيوته العظيمة الجليلة، التي مهما تحدثت عنها لن أستطيع الإيفاء ولا الوصف مهما فعلت، فهي المراكز الأساسية المشعة في العالم التي نؤمن بها نحن العرب المسلمين لجميع من يوحد بالله تعالى من البشر بدين التوحيد...




روائع نقوش مسجد قبة الصخرة 
            دخلنا أولا إلى مسجد الصخرة الذهبي وكم دهشت من عظمة البناء والنقوش الجميلة في القبة بأعلى عندما تطلعت رافعا الرأس والنظر لأشاهدها من أسفل، وشعرت بطمأنينة وراحة نفس غير عادية روحانية تغمر الروح بنفحات الإيمان والتقوى والإعجاز الروحاني من الله تعالى أنه الخالق الواحد الأحد، والدليل يشرح في الشرح المستفيض عن ما مرت بمدينة القدس المقدسة من أحداث دينية ومعارك دموية، سقوط ضحايا شهداء وقتلى بالآلاف من أجلها بغير حساب  عبر التاريخ القديم والحديث، التي كرمها الله تعالى وبارك حولها دنيا وآخرة إلى ماشاء...

              أحداث وقصص كثيرة حدثنا الله عز وجل عنها في مصحفه الشريف القرآن الكريم مرت عبر الزمن، ومازالت الأحداث مستمرة إلى يومنا هذا بدون نهاية في مد وجزر طوال الوقت، حتى ينتهى الصراع والحروب و يعم السلام بين العرب واليهود يوما من الأيام ويعيشون مع بعض ضمن الأمن والأمان في سلام، لا غالب ولا مغلوب لأي طرف من الأطراف، يجمعهم قانون قوي، أساسه ان الأرض للجميع والدين لله تعالى حسب المقولة التاريخية، القول المأثور لسيدنا علي بن أبي طالب كرمه الله تعالى، دنيا وآخرة 

            والذي إستغل المقولة العلمانيون الملاحدة ونسبوها لهم، الكافرين دنيا وآخرة، الذين لا يؤمنون بوجود الخالق الرب الله عز وجل، للتشكيك وخلق البلبلة فى الصفوف لدى ضعيفي الإيمان بدون توقف.

           هذا العصر الذي نعيشه الآن، عصر العولمة، عصر السلام والتقارب، الإتحاد والوحدة وإحترام العقائد والديانات، إحترام الإنسان كإنسان لا فرق بين إنسان وآخر الا بالتقوى والإيمان بوجود الرب الخالق الواحد الأحد روحيا، ودنيويا العمل الصالح والإحترام للآخرين، حيث العالم في عصرنا الحاضر كل يوم يصغر ويصغر بالثورة العلمية سهولة الاتصالات والمواصلات وكل يوم تظهر على السطح العديد من الإبتكارات الجديدة المذهلة لخدمة البشرية...

           نحن المسلمين بحاجة ماسة لمعرفة تاريخنا الصحيح، بدون عواطف وغلو، ولا تمجيد للبعض ولا تزييف للحق والحقائق من المنافقين أشباه الرجال نظير عنصريات جهوية او قبلية للبعض من الرموز الهشة بروابط الدم والمصاهرة، مما خلقوا منهم أبطالا وهم في الواقع لايساوون...

           ضروري من معرفة وفهم كامل لديننا الإسلامي الأساسي الحق الذى نزل وحيا على نبينا محمدا عليه السلام، حتى نستنير بهداه ويوفقنا الله تعالى في جميع أعمالنا وتطلعاتنا، والعيش في الواقع ضمن الأصول بما أمر الخالق، وليس القشور، كما يدعي الكثيرون من الأدعياء، الصغار سنا وعلما شيوخ هذا العصر المضطرب الذي الفساد في الأرض طغى، زاد عن الحد وعم...

             الذين بحجج الإصلاح للمجتمعات الإسلامية، والتجديد للدين حسب الشرع وسنة الرسول عليه الصلاة السلام، يفتون  فتاوي بدون علم غزير يبيحون فيه دم الأبرياء المظلومين بالإرهاب والقتل الخاطئ الغير مبرر المتعمد بالقصد، ضمن مؤامرات ومخططات خسيسة لإشاعة الفتن، الذي ليس موجودا في أي نص من نصوص الدين الإسلامي الصحيح، للردع...  لا يحكمون بما أمر الله تعالى في كتبه المنزلة السماوية بالعدل... المساواة والإحسان ولا إتهام لأي إنسان الا بالحق وتطبيق العدل، مما شوهوا ديننا الحنيف لدى الآخرين، أنه دين عنف وإرهاب وليس عدلا ومساواة ولا دين أمن وأمان، ترغيب بل ترهيب، مما الكثيرون خافوا منه وتباعدوا عنه...

            ولكن نظير حب الدنيا وشهواتها، الصراع قائم بين الخير والشر منذ بدء الخليقة ومستمرا إلى يوم القيامة والنهاية، طالما النفوس ضعيفة عديمة الإيمان القوي حتى تقاوم وتصمد أمام الشر والشرور من عدونا اللدود، إبليس الشيطان الرجيم الذي يوسوس طوال الوقت في القلوب والأذهان، في النفوس مما تداعت في الشر والارهاب حيث هؤلاء الأدعياء المارقين يعتقدون أنهم على الحق سائرين، والواقع المرير انهم على قمة الخطأ، ولهم يوما سواءا بالدنيا أم بالآخرة سيدفعون ويقدمون الثمن الغالي عن ما قدمت أيديهم من جرائم وسفك دماء وشرور ضد الإنسانية والمجتمعات البريئة، فالمولى تعالى يمهل ولا يهمل مهما في نظرنا الدنيوي طال الوقت...

الغار الذي اعرج منه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى الفردوس الأعلى
           طفنا في مسجد الصخرة وشاهدنا الكثير من النفحات الإيمانية في وجوه البشر الحجاج المعتمرين وهم يدعون في الخالق بقلوب ونوايا صافية على عطاياه وكرمه، ولم تتاح لي الفرصة بأن أهبط إلى أسفل وأشاهد المغارة والكهف التي بها فتحة متجهة إلى السماء تشع بالنور الهادي للقلوب والنفوس، حيث كنا أثناء الزيارة نعيش لحظاتها بنفوس مطمئنة وأرواح معنوية عالية، نكبر وندعوا سرا بأنفسنا صمتا وفي العلن، طالبين من الله عز وجل أن يبارك جميع خطواتنا بثواب الأجر...

             فقد غامرنا وتحملنا الصعاب في السفر حتى وصلنا، رغبتا وشوقا للزيارة، حامدين شاكرين الرب تعالى أن وهبنا الصحة والعافية والمال الحلال حتى وصلنا سالمين معافين وشاهدنا هذه الروائع من المقدسات بيوت الله تعالى والمقامات وأضرحة الأنبياء والرسل، في الدول الثلاث المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وفلسطين المحتلة (إسرائيل) التي الفرص لا تتاح لكل عربي مسلم يرغب في الزيارة، الا من النادر، نظير القوانين الظالمة المجحفة في كثير من الدول العربية التي تمنع الدخول والمقاطعة لدولة إسرائيل ( فلسطين المحتلة) .

           فرحلة العمر هذه مغامرة وجرأة كبيرة، لا يستطيع أي أحد الإقدام عليها بسهولة من غير ان يتحمل العواقب سواءا سلبا أم إيجابا مع بني وطنه العاقلين الفاهمين للأمور بدون تشدد ولا تزمت، أوالجهلة العوام المتزمتين ذوي العواطف الجياشة والغضب السريع الذين يلقون فى التهم جزافا على الأبرياء بدون يقين ولا حق...

           لكن بالنسبة لي القافلة تسير بدون الإهتمام بالآخرين، طالما أنا متأكد وعلى الحق سائر مستقيم، ولن أتوقف طالما بي نفس حياة، وأنا حاليا فرحا وسعيدا بالزيارة المباركة فقد أكملت الحج الأكبر بالزيارة للقدس، وحجيت وعمرت وزرت جميع المساجد الثلاثة طالبا من الله تعالى الرحمة والمغفرة دنيا وآخرة . حيث أنا في شتاء العمر أسير جاوزت في العمر الواحد والسبعين عاما، ليس لدي فرص أخرى، ولا ضامنا العيش والعمر الطويل حتى أزورها يوما من الأيام عندما تتحرر بالسلم والسلام بعد سنين من هيمنة الإحتلال...  

           فمن وجهة نظري يهون كل شئ حتى الحياة لا تهم للوصول إلى القدس ونيل الفرصة النادرة حيث لا تتاح طوال الوقت ، فالحياة التي يوما من الأيام زائلة فانية بالموت، ولا يبقى الا الله الواحد الأحد الحي الذي لا يموت خالدا للأبد، فالنفحات الإيمانية التي شعت داخل النفس طوال الأوقات والقرار بالزيارة عن يقين وقناعة بدون الخوف من القوانين الظالمة الجائرة، نظير أن القلب صافيا طاهرا في حب الله تعالى مؤمنا بالقدر وأنه لا يصيبنا إلا ما كتبه الله تعالى لنا... والله الموفق .
                                                رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة...

No comments:

Post a Comment