Saturday, July 19, 2014

رحلة العمر 16

 بسم الله الرحمن الرحيم


الحاج رجب زعطوط خلف فندق الماريوت - البتراء 
             وصلنا إلى فندق ماريوت في مدينة البتراء حوالي الساعة العاشرة ليلا متأخرين وكنا منهكين من الرحلة والساعات العديدة ونحن في سفر جالسين في الحافلة بدون حركة جامدين حتى يجري الدم في العروق والشرايين ونستطيع المواصلة بقية الرحلة الدينية ومشاهدة التاريخ القديم وكأننا نعيش وسطه، من غير ان يصيبنا أي إعياء أو مرض، فقد كنا محظوظين  والحمد لله تعالى.

           ووصلت إلى الغرفة لأرتاح وأنام بدون الإهتمام بأي وجبة طعام للعشاء من كثرة التعب، وكان الفندق جيدا خمسة نجوم والحجرة نظيفة والفراش وثيرا كأنه ريش نعام مع تكييف الهواء البارد المنعش فيها مما طلبت من الحاجة عدم الحركة والإزعاج من الأصوات سواءا المكالمات بالهاتف مع الأولاد في أمريكا، أو مشاهدة وسماع الأخبار في الاذاعة المرئية حيث لنا عدة أيام لم نتابع ولا نعرف أي شئ عن ماذا يدور في العالم من أخبار وأحداث، حيث نحن حجاج معتمرين زوار نعيش في رحاب التاريخ القديم...   وإستلقيت على الفراش ونمت بسرعة وكأنني مخدر بمخدر قوي المفعول بدون أحاسيس ولا شعور عدة ساعات حتى الفجر حتى نهضت مثل العادة وحمام بارد مما أعاد النشاط والحيوية وأديت الصلاة الواجبة للرب حتى أخلص نفسي وروحي من الآثام التي عملتها بدون قصد وبدون ان أدري، طالبا الأجر والثواب حتى يرضى الله تعالى عني ويغفر لي الذنوب، وإستفتحنا بيوم جديد في البتراء المشهورة عالميا سياحيا والتي يأتي لها السواح من جميع أنحاء العالم لقيمتها الدينية والتاريخية لمختلف الأقوام وبالأخص (عاد  وثمود) وغيرهم الكثيرين من الذين عاشوا بها، وتلاشوا مع الزمن وعن التقدم الحضاري في العلوم الكثيرة التي وصلوا لها أيامهم في العصور الماضية منذ آلاف السنين....

       قمت مع الحاجة بإيقاظ إبنتي هدى وزوجها بالهاتف حتى نلتقي فى المطعم في أول دور لتناول وجبة الفطور بالصباح الباكر كالعادة، ونزلنا إلى المطعم وكان به القليل من الزوار يتناولون الإفطار ولم يزحم بعد من الجميع، مما أتاح لنا الفرصة في الهدوء والسكينة وراحة البال وإختيار ما نشاء من طعام لذيذ طازج بدون زحام ولا ضجيج...   وجلسنا على طاولة في الداخل وكانت  مطلة على الوادي السحيق ومن خلال الزجاج الكبير نشاهد في سلسلة الجبال من بعيد...

           حضرت هدى وزوجها وتم تناول الفطور الجيد من كل مالذ وطاب من الطعام وشرب العصائر الطازجة والقهوة وأكل البعض من الفاكهة، حيث الأردن مع قلة مصادر مياهها للري تمتاز بالعديد من أنواع الفاكهة الجبلية على مياه الأمطار الموسمية التي حباها بها الله عز وجل، وقمنا بجولة في الخلف حيث الحافة للوادي السحيق وعلى إمتداد البصر الجبال الشاهقة التي منظرها يختلف عن الأخريات في العالم وكأننا في كوكب وعالم آخر من أشكالها الغريبة المخروطية وقمنا بإلتقاط العديد من الصور التذكارية للذكرى عندما نرجع بإذن الله تعالى إلى بيوتنا سالمين....

        عند الساعة السابعة والنصف كنا جاهزين في صالة الإستقبال للفندق لبدء اليوم المشمس الجديد في جولة الزيارة والمشاهدة لآثار منطقة البتراء التي سمعنا عليها الكثير من الحديث الشخصي من الشيخ والدليل وقرأنا عنها في الإعلام السياحي لدولة الأردن عن العديد من المواقع الأثرية والدينية، القائمة والموجودة بها، مما إشتاقت نفوسنا لمشاهدتها على الطبيعة والواقع بدلا من الكلام وسرد القصص...

        كانت الحافلة تنتظر الجميع امام الفندق  لنقلنا إلى الموقع المشهور، والشيخ عبدالحكيم والدليل قائمون على الخدمة بإلقاء الإرشادات والتوضيح لنا بأن نصبح طوال الوقت مع بعض جماعة وأن لا نتفرق فرادى حتى نستوعب الشرح من الدليل أثناء المشي والتجوال عن المكان وما مر فيه من أحداث جسام...

         تكامل الجميع رفاق الرحلة وركبنا الحافلة لبدء الزيارة والمشاهدة للتاريخ القديم عبر الزمن الذي مضى إلى غير رجعة، وبعد مسيرة بسيطة توقفنا في أحد الساحات الكبيرة في سفح الجبل حيث كانت عشرات الحافلات تأتي محملة بالزوار للموقع، ونزلنا وقادنا الدليل والشيخ في المقدمة حتى وصلنا إلى البوابة الرئيسية للدخول وتم تسليم قسائم التذاكر لنحتفظ بها في حالة الطلب حيث في نظري كانت قيمتها غالية للشخص الواحد حوالي السبعين دولار للزيارة والمشاهدة، ولكن لا يهم للكثيرين أمثالنا القادرين ماديا في سبيل المعرفة والإطلاع على الطبيعة والواقع عن ماحدث في الماضى من قصص وسير، فدولة الأردن فقيرة ماديا تعتمد على السياحة والمعونات الدولية في الدخل وهذا أحد الموارد لها للدخل حتى تستطيع ان تنهض وتقدم خدمات جيدة عمالة نظافة وحراسات للموقع حيث يوميا يزوره الآلاف من الزوار من جميع بقاع العالم حسب ما شاهدت بأم العين ذاك اليوم...

        نزلنا في هبوط بسيط في الانحدار إلى بطن الوادي حتى وصلنا إلى المجرى وشاهدت الكثير من العربات ذات العجلتين بدلا من أربعة شبه (الحنتور) في المدن التى تجرها الخيول لمساعدة وحمل ونقل أي أحد من كبار السن أو المرضى بكسور الغير قادرين على الحركة بسهولة مثل الأصحاء لايستطيعون المشي الطويل مسافة عدة كيلومترات في السير والرجوع حيث تؤجر من قبل مالكيها بمبلغ بسيط تتسع لشخصين مع السائق، أو الركوب على الخيول من محبيها وعشاقها لمن أراد المتعة والتجربة لها، وعلى الجوانب من الجانبين آثار النحت للغرف والبيوت العديدة في الصخر حتى وصلنا إلى المنتصف حيث المدخل للجبل من خلال شق ضيق عالي مرتفع أكثر من مائة مترا في الإرتفاع، وكان الشيخ والدليل محمد بين الفينة والأخرى يتوقفون لإعطاء الوقت للمجموعة ان تصل وتسمع مايقولون من شرح...

         وشاهدنا بأم العين على الطبيعة الكثير من الروائع، وان الأقوام السابقة (عاد وثمود) وصلوا إلى قمم العلوم والتقدم فى زمانهم، في الفلك وتحديد الوقت والزمن بدقة وكأنه لديهم ساعات، وإستنباط شبكات الري الإرتوازي في القنوات من دورين المحفورة في الصخر بجوانب حيطان الجبل التي تصل عبرها المياه المرشحة بطرق بدائية صافية للشرب إلى المدينة بالداخل التي تحير العقول في الطريقة الهندسية والإنجاز  وبالأخص في ذاك الوقت والعصر، والتي آثارها مازالت باقية إلى الآن شواهد، مما يستغرب الانسان من العمل الجبار والصبر على النحت في الصخر بدون آلات ورافعات مثل وقتنا الحاضر بوسائل وعدد بسيطة حتى تم الحفر والعمل، من خلال السير وسط الشق الضيق العالي في الارتفاع والطويل في المسافة للداخل، والفتحة التي الطريق تتسع في بعض الاحيان وتضيق مما كان سهلا حماية المدينة أيامها من أي إعتداء وغزو على بغته من الأعداء، حيث المناورة فيها صعب على الأعداد الكبيرة من الجند وعربات الخيول لضيق المكان، كنا مرتاحين في السير عبر الفتحة والشق حيث الظلال طوال الوقت من الجبل الشاهق، والهواء رطب منعش مما ساعدنا على السير وكأنه موجود آلات تكيف هواء تضخ طوال فترة حرارة الصيف، وبعض الأحيان تمر عربات الخيول منطلقة تحمل بعض الزائرين سواءا في الذهاب أم الإياب وكنا نوسع لها حتى لا تدهسنا الخيول أو العجلات ونحن لا نشعر لاهين في المشاهدة والتأمل في عظمة المكان....

الحاج رجب زعطوط امام قصر واجة مدينة البتراء القديمة 
         ومشينا المسافة الطويلة والدليل والشيخ يشرح مما كانت جولة مباركة لم نحس في الدخول بالتعب والمعاناة حتى وصلنا فجأة إلى ساحة كبيرة وكأننا وسط حفرة عظيمة عميقة بقطر عدة ملاعب كرة قدم، بداية مدينة قوم عاد وثمود التي ذكرت في القرآن الكريم عدة مرات....   وأمامنا واجهة احد القصور الشاهقة منحوته بدقة وإبداع في الصخر، وحسب شرح الدليل أن لكل بروز وأعمدة قصة حيث عدد الأعمدة الإثنى عشر ترمز إلى الشهور بحسب عدد شهور العام الواحد، والبروز للحوافى بأعلى تدل على التوقيت والزمن عندما تمر عليها أشعة الشمس مما تعطي ظلالا تحدد الوقت بالنهار وكأنه لديهم ساعات، وأشياء كثيرة عديدة تم شرحها لنا في وقت بسيط وسط الزحام ورهبة المكان صعب على الانسان إستيعابها في وقت قصير في الزيارة تحتاج إلى أياما وأسابيع في البحث والتأمل الطويل حتى يتعلم القليل عن تلك العصور الماضية التي ولت إلى غير رجعة.....

     وعلى الإمتداد من الجانبين لمسافة طويلة، المدينة ممتدة بعشرات الكهوف للسكن والعيش والتي تظهر فتحات أبوابها عن بعد كأنها شبابيك كبيرة ولم أستمر في التجوال بأي جانب من الجانبين فقد تعبت من المشي وسط الزحام الشديد من الزوار الآتين من مناطق عديدة بالعالم، فجميعها في نظري متشابهة، وجلست على أحد المقاعد الخشبية الطويلة وسط الزحام الكثيف مواجهة للقصر الكبير البعيد أمامي في الطرف المقابل متأملا في عظمة الله تعالى في خلقه وإبداعه للمكان للمرور من خلال الشق والفتحة الصغيرة له، متسائلا مع النفس كيف هؤلاء البشر السابقين كفارا لم يهتدون ويؤمنون؟؟؟ أصروا على الإلحاد والكفر، يعبدون غيره وقد وصلوا الى هذه العلوم والمعرفة ؟؟؟ من خلال الحديث والشرح من الدليل أشار لنا في المدخل للمدينة على جانبي جدران الممر على بقايا مربعات بها حفر منحوته في الصخر كالإطارات العريضة للصور ومنزوع منها الأصنام (مناة وهبل وغيرها) التي كانوا يعبدونها ويقدسونها شركا بالله تعالى نظير الجهل بالرب الخالق الواحد الأحد، حيث تم نقلها في قديم الزمان بعد العقاب والهلاك، إلى مكة المكرمة وقدسها وعبدها كفار قريش طوال الوقت حتى تم بعث النبى والرسول محمد عليه الصلاة والسلام برسالة الإسلام، وتمت إزالتها وتحطيمها للأبد يوم النصر على الشرك والرجس، الشيطان الرجيم، يوم فتح مكة....

        هؤلاء الأقوام (عاد وثمود ) الذين جابوا الصخر بالواد كما حدثنا الله تعالى عنهم في القرآن المجيد وصلوا إلى درجات كبيرة فى العلوم والتقدم في تلك العصور مما أصابهم الخيلاء والغرور العتو بالنفس معتقدين أنهم الأوائل ذوي القوة والجبروت لا يستطيع مجاراتهم ومنافستهم اي أحد كان ...   حتى الرب الخالق والعياذ بالله تعالى ، لم يسمعوا ويطيعوا الرسل العديدين المبعوثين لهم من الله تعالى لهدايتهم والرجوع إلى الايمان وطريق الحق المستقيم ويتركون عبادة الأصنام التي تم نحتها بأيديهم من الحجر، حتى ينجحون ويتحصلون على الرحمة والمغفرة، دنيا وآخرة، بل كثرة الغرور والجبروت تحدوا إستهزاءا على الوجود للخالق (العياذ بالله تعالى) وقالوا لرسلهم سخرية، أتونا بالعذاب الأليم كما تقولون، ان كنتم قادرين !

         مما حق عليهم البلاء المبين وسخر الله عليهم الزوابع والعواصف الشديدة لعدة أيام، التي من هولها وقوتها، جعلتهم مرعوبين خائفين مما نزعت أحشاؤهم من البطون من هولها وجعلتهم أجساما خاوية مثل الطبول جوفاء بدون حياة، حتى تم هلاكهم أجمعين ، لإعطاء الآخرين الدرس والعبر من أقوام البشر الضالين العصاة، أنه لا شئ في الوجود يستطيع تحدي قدرات وعظمة الله عز وجل، أو يترفع عليه بأي صورة من الصور حيث الخالق الرب تعالى يمهل ولا يهمل فكل شئ له أوان وزمن في علم الغيب اللوح المحفوظ...

 ضروري من نهاية لأي شئ كان مهما طال الوقت... مما أصبحت بيوتهم خاوية أطلالا منذ آلاف السنين حتى الآن في عصرنا الحاضر شواهد على الأحداث السابقة وما وصلت له شعوب عاد وثمود وغيرهم من علوم ومعرفة وتقدم وإزدهار، ثم النهاية المدمرة، وكأنه لم يكن لهم وجود في يوم من الأيام...   عبرة لمن يعتبر... والله الموفق...
                           
                 رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة...

No comments:

Post a Comment