Thursday, July 10, 2014

رحلة العمر 12

  بسم الله الرحمن الرحيم


                بعد الزيارة السريعة للحرم القدسي ومسجد قبة الصخرة  ومشاهدة مسجد سيدنا عمر بن الخطاب من الخارج حيث كان مقفلا، ومشاهدة كنيسة القيامة من الداخل، تقدمنا الدليل والشيخ عبد الحكيم مشيا على الأقدام في ساحات الحرم الواسعة والتي شاهدنا العديد من التجمعات جالسين وواقفين في الأركان والظلال من عشرات المئات من الفلسطينين من الجنسين في إعتصامات سلمية ينددون بالإحتلال وجاهزون للدفاع عن الحرم القدسي بالمتاح من أي تعدي من المستوطنين اليهود المتشددين المتزمتين الذين في بعض الأحيان يثيرون في القلاقل بالإعتداء على الحرم والمقدسات بقصد مبيت بخلق الأزمات حتى تتعطل مسيرات الحوار والسلام في التفاوض الجاري مع الإسرائيلين ذوي القرار وتزيد في إشعال فتيل الكراهية بينهم بدلا من الحث على التفاهم والسلام، حتى تهدأ النفوس الثائرة ويحل الأمن والأمان للجميع...

           وعند مرورنا عليهم أكبرنا فيهم الجرأة والشجاعة والتحدي، والإستعداد للتضحية وهم مدنيون عزل بدون سلاح، وكنا نحييهم بالسلام من بعيد وهم يردون لنا التحية بإحترام، لم نستطيع الإقتراب منهم والحديث معهم، نظير التوجيهات من الشيخ عبدالحكيم والدليل الفلسطيني اللذان أوصيانا بشدة بعدم الإحتكاك مع المحليين في أي موضوع خاص بالقضية والسياسة، حيث نحن زوار وحجاج لبيوت الله تعالى، ولسنا سياسيين حتى نتدخل في الأمور التي لا تعنينا في الرحلة ومن الممكن أن تسبب لنا احراجات من تحقيقات أو طرد نظير الإشتباه...

           وصلنا إلى المسجد الأقصى الذي هو بيت القصيد في مجيئنا ومغامرتنا والقدوم للزيارة والتبرك إلى مدينة القدس في فلسطين المحتلة حاليا من قبل دولة إسرائيل، بمناسبة الذكرى الخالدة، ليلة الإسراء والمعراج التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم فى سورة خاصة بها (سورة الإسراء) دليلا على الثناء والتكريم . والتي حدثنا عنها رسولنا محمدا عليه الصلاة والسلام  بإسهاب وتفصيل، عندما شكك المشككون من كفار قريش والآخرين في رحلة الإسراء والمعراج مستهزئين بأنه كان يحلم، حيث في ذلك الوقت من وجهة نظرهم مستحيل الذهاب والرجوع وقطع المسافة البعيدة في مدة بسيطة من الزمن لا تتعدى ليلة واحدة!  حيث في ذاك الوقت منذ اربعة عشرة قرنا مضت لا وجود لوسائل سريعة للنقل مثل وقتنا الحاضر الآن...

           فقد كان الرسول ليلة الإسراء والمعراج في أواخر ليالي شهر رجب المبارك  يطوف حول  الكعبة في الليل متأملا في قدرات الله تعالى وعظمتها الروحية التي تطمئن النفوس وترتاح فيها، حتى تعب ونعس وأخذته نومة بسيطة بجوارها مما نزل الوحي عليه وقتها في لحظات اليقظة سيدنا جبرائيل عليه الصلاة والسلام رسول الوحي الأمين من الله عز وجل، ومعه دابة البراق الذي العلماء المفسرون الراسخون في العلم والفقه الإسلامي، يقولون أنها مثل الجواد الأصيل ذو الأجنحة مثل الملائكة، يأمره الخالق الله تعالى بأن يمتطيها حيث مأمورة ومسيرة بقدرته الإلاهية، ويزور منطقة الأقصى بالقدس في أرض فلسطين والتي في ذلك الوقت لم تكن عليها مساجد قائمة بعد... حيث دين الإسلام مازال ناشئا في البدايات لم ينتشر ويعم بعد في الأرض...

           كانت أرضا جبلية بها مغارات وكهوف عديدة على الطبيعة لم يتم البناء لها بعد.... غير سور وقلعة للحاكم الروماني (البطرياك) والبعض من البيوت للسكن والذي مع الوقت أصبحت المدينة القديمة في ذاك الوقت وعندما وصل الرسول في لحظات بقدرة القادر الله تعالى إلى منطقة الأقصى ونزل عن دابته ربطها في حائط السور الذي كان محيطا بها لحمايتها من الغزو والغارات، حائط البراق المشهور الذي سمي بإسم دابة الرسول منذ ذاك الوقت والليلة تباركا وقدسية للمعجزة والحدث الديني الذي صار ...  نسي الكفار المشككون عظمة الله تعالى وقدراته التي بدون حدود فقد حدثنا القرآن الكريم بعد معجزة الإسراء والمعراج بالرسول إلى الأرض المباركة، عن قصص عديدة حدثت من مئات أو آلاف السنين قبلها، معجزة وصول عرش الملكة بلقيس من اليمن إلى سيدنا سليمان في فلسطين قبل أن تصل له مؤمنة مسلمة بدين التوحيد، في أقل من لحظة واحدة من ذو العلم العليم  بإرادة المولى ومشيئته في الآية القرآنية الكريمة (قبل أن يرتد لك طرفك)  أليس هذا الأمر بحدث جليل وإعجاز ما بعده إعجاز ؟؟
مسجد قبة الصخرة 
           وصل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الأقصى في لحظات كما حدثنا القرآن الكريم عن المعجزة، حيث بقدرة المولى الله تعالى جمع له الأنبياء والرسل إحتفاءا وترحيبا منهم بقدومه خاتم الأنبياء والرسل، حيث الرسالات السماوية تكامل نزولها إلى البشر على الأرض، عسى أن يؤمنوا ويهتدوا بدين التوحيد الجامع للكتب السماوية التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، التي صدرت من مصدر واحد الله عز وجل . وقام نبينا ورسولنا بأمر من الله تعالى بإمامتهم والصلاة جماعة شكرًا وحمدا لله عز وجل على الجمع الكريم، والذي لولا إرادة الله تعالى ومشيئته ما كان هذا الأمر ليحدث بأي صورة من الصور لأنه مستحيل من المستحيلات، حيث العقل البشري غير مستوعبا المعرفة ولا يفهم مهما أوتي من علوم نظير الجهل لكثير من الأمور الغيبية المستقبلية التي لانعرفها ولا نعلمها، حيث هذا الأمر معجزة وبرهان كبير أن رسولنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو المختار الأخير كنبي ورسول على الأرض...  ووقت الرجوع (المعراج) رفعه الله تعالى إلى السماوات العلى على دابة البراق وصعد حتي السماء السابعة التي حسب علمنا ومعرفتنا أن سيدنا جبرائيل توقف في السماء السادسة وقال للرسول النبي محمد عليه السلام، هذا حدي في السير، لا أستطيع المضي للأمام أو أتقدم...

           ومضى الرسول عليه السلام لوحده مسيرا بدون رفقة غير المشيئة والتوجيه من الله عز وجل، وشاهد الرسول المعجزات من القدرة الإلاهية عندما تجلى له الخالق الرب الذي لا تدركه الأبصار من العظمة، الحسن والجمال، وتعلم وحفظ في وقت قصير الكثير من العلوم والتوجيهات، أهمها إقامة الصلوات الخمس الصحيحة من إقامة وركوع وسجود الواجبة على كل انسان مسلم أن يؤديها كل يوم، ورجع إلى بيته وكأنه لم يرحل أويغادر مكة المكرمة...

            وفي اليوم الثاني عندما تحدث عن الزيارة السماوية والأقصى لم يصدقه الكفار حيث في نظرهم مستحيلة وأنه كان يحلم، تحدث عن الرحلة المباركة الميمونة وأبدى لهم بالأدلة الملموسة والوصف الدقيق للأمكنة التي شاهدها ومر عليها، ولكن لم يصدقوه وقتها، نظير الجهل والكفر بقدرات الله تعالى الذي أي شئ يقول له كن فيكون في الحال، وحدثهم بإسهاب عن إحد القوافل في الطريق القادمة إلى مكة والتي لم تصل بعد، شرحا ووصفا عن كل شئ وكأنه معهم، والتي وصلت بعد فترة من الزمن، مما ذهل الكفار وعرفوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام صادقا في كل كلمة قالها في الشرح والوصف...  مما صدقوا الأمر أن رحلة الإسراء والمعراج حقيقة ناصعة حدثت فعلا، ولم تكن إفتراءا ولا حلما .

         دخلنا في زيارة سريعة إلى المسجد الأقصى وفي نفوسنا رهبة وقشعريرة روحانية تغمر أرواحنا بعظمة الله تعالى وحمدا له  لأنه وهبنا الصحة والعافية وأعطانا الفرصة الكبيرة والشرف والتكريم حتى وصلنا إلى الأراضي المقدسة ومشينا بأقدامنا على أرض الرسالات العديدة التي لا يحلم بالوصول لها أي مواطن عربي مسلم الا القلائل نظير المنع والمقاطعة لدولة إسرائيل... مما إرتاحت نفوسنا وشعرنا بطمأنينة غريبة وراحة نفسية قلما تحدث في العمر، وتولد لنا الشعور الكبير وأحاسيس روحية روحانية غمرتنا أن خالقنا الرب الكريم راضي عنا...   



داخل مسجد الاقصى 
            قمت بالصلاة للعديد من الركعات للرب الخالق حمدا وشكرا على النعمة والعطايا التي وهبها لنا بدون حساب حتى أتحصل على الأجر والثواب، وخرجنا من المسجد والشيخ والدليل أمامنا يشرحون لنا العديد من  الأمور التي كانت غائبة عن الأذهان بالسابق، لا نعرف عنها أي شئ من قبل غير القشور...  ثم هبطنا إلى الغار (الكهف) أسفل المسجد الواسع والذي يتسع للعديد من المئات من المصلين حيث شاهدنا العجب في النحت في الصخر والبساطة في أسمى الصور وشاهدنا الأعمدة الضخمة التي بناها الجان بأمر من النبي سيدنا سليمان أيام عصره والتي شواهد قائمة حتى الآن، وتطلعت لها جيدا ولو لم أكن مؤمنا عن يقين بالقدرات الإلاهية، وأنه يضع سره في أضعف خلقه، لكان صعبا التصديق، عن التشييد والبناء، كيف تم رفع الأعمدة الصخرية وبناؤها وهي ثقيلة عشرات الأطنان في الوزن داخل الغار، أم تم نحتها أثناءالعمل والتوسعة للغار في مكانها الأصلي بدون نقل ولا رفع بحيث أصبحت بعد النحت أعمدة ضخمة تحمل  أوزان السقف الهائلة، الله تعالى أعلم؟؟؟ والذي في وقتنا الحاضر تم البناء لعدة أعمدة وحوائط خرسانية قوية بجانبها تساندها ولحمايتها من التآكل والتشقق حتى لا تسقط مع مرور الزمن، خوفا من الإنهيار حيث منقبوا الآثار الإسرائيليون يحفرون في السر والعلانية منذ العديد من الأعوام تحت الحرم القدسي وبالأخص منطقة المسجد الأقصى بحثا عن بقية آثار هيكل سيدنا سليمان عليه السلام، بدون توقف حتى يتحصلون على حجج بالتنقيب، وليس لديهم الأدلة الدامغة على الوجود لأي أثر كان في منطقة الأقصى بالتحديد، ضاربين بعرض الحائط عن تعمد وقصد نظير الجبروت والقوة جميع الإحتجاجات العربية الإسلامية والدولية، ليس لهم الحق في جميع القوانين والأعراف المتعارف عليها، التعدي على المقدسات...

           بعد الجولة في الغار تحت المسجد الأقصى قادنا الشيخ والدليل إلى زيارة  المسجد القريب الآخر من ناحية الشمال على المدخل للأقصى الذي يسمى (المرواني) حيث أقيم أيام الدولة الأموية من أحد الولاة المروانيين وتحصل على أسم الخليفة - عبد الملك إبن مروان -  الذي أمر ببناءه في ذاك العصر، وكانت الزيارة عظيمة ذات فوائد عديدة روحية، فقد شاهدنا العظمة في البناء والتشييد ببساطة بدون بهرجة والنحت في الصخر وقمنا بالصلاة عدة ركعات تيمنا بالمكان، وهبطنا إلى الغار الواسع الكبير أسفله والذي يتسع  عشرات المئات من المصلين مثل المسجد الأقصى، وحدثنا الدليل والشيخ عن قصص كثيرة عجيبة وكم من تغيرات وإستعمالات عديدة للمكان عبر العصور والزمن الماضي حدثت له وأحداث وتعديات على المساجد الأخرى بدون عدد، في منطقة حرم الأقصى .

محراب السيدة مريم العذراء في اخر الصورة 
           الزيارات كانت كثيرة في ذلك اليوم من آلاف البشر من كل مكان من محليين من فلسطين المحتلة ومن العديد من دول العالم بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج وخفت ان لا أستطيع الدخول لصلاة الظهر داخل المسجد الأقصى كما حدث لي في الجمعة السابقة  في بيت الله الحرام في مكة المكرمة حيث تأخرت قليلا ولم أستطيع الدخول مهما حاولت للحرم المكي لصلاة الجمعة نظير الحواجز والمنع من الشرطة، مما بقيت آثرا الصلاة والعبادة داخل المسجد الأقصى، حتى أتحصل على المزيد من الأجر والثواب، بدلا من أن أخرج ولا أستطيع الدخول مرة أخرى من كثرة المصلين بالداخل وأضطر إلى الصلاة في الساحة، لأنه فرصة لا تعوض حيث بعدها ممكن أن نسافر ونغادر القدس، وتركت المجموعة بعد إنتهاء الزيارة الأخيرة والخروج من المسجد المرواني وأسرعت مع الرفيق الدكتور أمين إلى المسجد الأقصى ومازال على قيام الصلاة حوالي الساعتين، حيث كان المسجد مازال لم يتعبأ ويمتلئ بعد بالمصلين، وتقدمت إلى الامام وصليت العديد من الصلوات وزرت بالمقدمة في الجانب الشمال داخل المسجد محراب سيدتنا مريم العذراء عندما كانت تتعبد وتتأمل في عظمة الله تعالى في خلوة لوحدها في هدوء وسكون بقلب طاهر مؤمنة بالقدرات الإلاهية، ويأتيها للزيارة سيدنا زكريا عليه السلام، بين الفينة والأخرى للإطمئنان عليها، ويستغرب من كثرة الرزق والخير لديها وهي وحيدة بدون عائل يعولها، ويسألها عجبا (أن لك هذا !!) كما ذكر في القرآن المجيد ،، وترد عليه بقوة إيمان وعقيدة ثابتة بالخالق الرحمن ذو الجود والإحسان، قائلة له إنه من فضل ربي الذي يرزق بدون منن ولا حساب، مما يزداد إستغرابا وحيرة إيمانا وتقوى وهو مكشوف عنه الحجاب نبي من الأنبياء، والله الموفق...                                                          
                                         رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة...

No comments:

Post a Comment