Monday, June 30, 2014

رحلة العمر 9

بسم الله الرحمن الرحيم

            أخيرا والفكر يعصف في حيرة عن أسهل السبل لملاقاة المجموعة بدون التخبط على غير هدى في البحث وسط الآلاف من الزوار المجتمعون في حيز ضيق والذي من الصعب العثور عليهم بسهولة، فالجميع يتشابهون في الشكل واللباس صعب التمييز لهم من بعيد مع الآخرين الزوار الآتين يومها من كل مكان للزيارة بحيث صعب العثور عليهم بسهولة ضمن آلاف البشر في الزحام...   لم أكن خائفا بوجودى لوحدي تائها، فأنا في مدينة الخليل في سلام وأمن وأمان لها طابع خاص روحاني يغمر الروح والجسد بالطمأنينة وراحة البال، ومتعودا على السفر والترحال بمفردي بدون رفاق فقد سافرت إلى الكثير من الدول في هذا العالم الفسيح، ولي تجارب كثيرة وكبيرة بلا عدد، وقادرا بالهدوء والصبر على الخروج من أي مأزق قد يحدث طارئا بدون حساب مهما كان صعبا بإذن الله تعالى...

         وصلت إلى أحد الساحات ولم يكن بها أية حافلات، وسألت احد الجنود الإسرائيليين السمر الذي أعتقد أن ذويه من المهاجرين الذي تم قدومهم وجلبهم من أفريقيا (الفلاشا، أثيوبيا ) في الثمانينات وبداية التسعينات إلى اسرائيل، الذي كان محترما ومؤدبا وحاول قدر الإمكان المساعدة وأرشدني إلى ساحة أخرى قريبة منها، لوقوف الحافلات . مما واصلت السير اليها وهو يراقبني  عن كثب ويتبع  خطواتي من بعيد حتى وصلت وكان بها الكثير من الحافلات التي تنتظر وتتشابه مع بعض... ومررت بها لأتأكد ووجدت إحداها تشبه حافلتنا مفتوحة أبوابها وسألت وقال لي أحد ركابها هذه الحافلة خاصة بالمسيحيين الأقباط الأرثودوكس، وتساءلت النفس تعجبا على هذه الصدفة حيث رسولهم المؤمنون به سيدنا مرقص أحد الحواريين المهمين من ضمن رفاق سيدنا المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام، أصوله العرقية من ليبيا، والدليل عندما هرب من جور الظالمين الذين تعدوا وقبضوا على شبيه سيدنا المسيح وأرادوا به الشر والقتل والصلب، الذي شبه لهم حسب ما حدثنا القرآن الكريم ( حيث سيدنا المسيح الحقيقي نجى بالقدرة الإلاهية، لم يصلب ولم يعذب كما يقولون بل رفعه الله تعالى إلى السماء حيا يرزق إلى الآن ) هرب سيدنا مرقص إلى وطنه الأصلي ليبيا شمال أفريقيا للنجاة، وآثاره والمغارة التي كان يتعبد فيها ونبع عين الماء الجارية الطاهرة الصافية التي كان يشرب منها ويعمد فيها الأطفال والمؤمنين بالنصرانية من الجنسين، ووادي الإنجيل جميعها موجودة على الطبيعة حتى الآن شواهد حتى اليوم الحاضر قائمة في المنطقة بين قرى ( لثرون ورأس الهلال) القريبة من مدينة درنة بالشرق الليبي، تبعد عنها غربا ( 40 كم ) والتي للأسف لا إهتمام بها من قبل المسؤولين الليبيين نظير الجهل والتعصب الديني والتزمت، والتي بالإمكان اذا أستغلت الإستغلال الجيد ان تدر الملايين من الدخل والعوائد نظير الاستثمارات والسياحة الدينية سنويا من عشرات الألوف لطائفة الأقباط الأرثودوكس في العالم، الراغبين للحج والزيارة والتبارك للمعالم التاريخية فيها مما  سوف ترجع بفوائد جمة على ليبيا وأهل المنطقة بالخير...

            لم أشاهد الحافلة الخاصة بنا وسط العشرات حيث جميعها تتشابه في الشكل والألوان، وخطأي أنني لم أنتبه وأعرف رقمها من البداية مع أنني صاحب خبرة ومعرفة في هذه الأمور ولكن الخطأ نتيجة المعاناة والإرهاق وعدم النوم الكافي  والزحام ، عندما ركبنا او لما نزلنا منها بالساحة في مدينة الخليل حيث النسيان والإنتباه لرقمها قد حدث، حتى أتعرف عليها بسهولة مما أصبت بدوار في الرأس وصداع خفيف وزادت الحيرة، وتساءلت مع النفس هل الجماعة قاموا بالمغادرة من غيري، وحاولت الاتصال الهاتفي من الهاتف النقال عدة مرات ولكن بدون فائدة تذكر حيث بطارية الشحن انتهت وجمد نظير عدم الإستعمال اليومي وتولد الشعور لدي مما إرتحت نفسيا أن زوجتي الحاجة ذكية، لن تغادر مع الآخرين مهما كان السبب بدوني !!!! وجاء الجندي الإسرائيلي متسائلا، الذي بطريقة أو أخرى عرف الحيرة التي أنا فيها وعرض علي ان أستعمل هاتفه الخاص مما سعدت من طريقة المعاملة، ولكن الأرقام لم تظهر على الشاشة لدى حتى أخابر، وتبادلت معه بعض الحديث المجدي الذي يزيل الفروقات بيننا، وعرفت من خلال الحديث القصير أنه متعاطف مع العرب حيث شاهد عيان للكثير من الممارسات الخاطئة والتضييق على الخناق للمحليين الفلسطينيين، فالجميع عربا ويهودا ونصارى في وجهة نظره من حقهم الحياة في الأمن والأمان بدون خصام ولا كراهية معا وأن الأسباب والخصام والصراع الشديد نتيجة السياسة القذرة وتلاعب السياسيين للحصول على المراكز والجاه والمال والذين يدفعون ويقدمون  الثمن الغالي هم  الضحايا البؤساء وأمثالهم المأمورين من الطرفين، حيث هو جندي مأمور، ينفذ  الأوامر ولا يستطيع الرفض ولا إبداء الرأي المخالف لسياسة دولته إسرائيل...  أثناء هذا الحديث القصير بيننا ونحن واقفين، حضر جنديين آخران من البيض الإسرائليين، أحدهما صرخ في وجه الجندى الذي كنت في حديث معه، تحدث له بلغة آمرة باللغة العبرية التي لا أفهمها مما تراجع الجندي وذهب إلى حال سبيله وهو مطرق الرأس حزين على اللوم والتقريع وفهمت من المعنى العام أنه يلومه ويعاتبه بقوة على الاتصال بي والحديث معي وأنا العربي الغريب!

           مضوا إلى حال سبيلهم من غير أي سؤال معي ولا كلمة ولا أي إهتمام  وكأنني غير موجودا مما فهمت وتفهمت الأمر أنهم خائفين حسب الأوامر لا يريدون أي إتصال مع اي أحد غريب...  من خلال هذه البادرة البسيطة عرفت الصراع الشديد وسط المجتمع الإسرائيلي بين الفئات الكثيرة الغير متجانسة، والتي امتزجت برابطة الخوف من المجهول، والدعاية المضللة المدسوسة بأن العرب وحوش جاهزين للإنقضاض عليهم يوما من الأيام وتدميرهم إلى الابد، وزوال دولة اسرائيل من الوجود . ومهما حاولوا التمويه  والتغطية ومحاولة إشاعة العدل والمساواة في فلسطين المحتلة وترسيخ الإحتلال بالوجود المكثف والهيمنة والممارسات بالمساواة للبعض إعلاميا كتغطية، لا يستطيعون مهما طال الوقت... طالما المبعدون المهجرون بالقوة خارج فلسطين المحتلة منذ عام 1948م لا يرجعوا إلى وطنهم ولم يتم التعويض العادل المرضي لهم حتى يرضوا... يحتاجون إلى الجلوس معا وإقرار السلام وإنهاء الإحتلال نهائيا كما عملوا من قبل الأرض مقابل السلام عندما رجعوا  شبه جزيرة سيناء للمصريين مقابل السلام،  عسى أن تلتئم الجراح مع مرور الوقت، بدلا من تضييع الوقت في مبادرات وإجتماعات الواحدة وراء الأخرى، جميعها دسائس ومؤامرات لا تغني ولا تسمن من جوع، بل يحتاجون إلى حلول جذرية تحت إشراف دول العالم تنهي الصراع بأي ثمن رحمة بالجميع، وإنفتاح الشعوب على بعضها بالتطبيع وتبادل التجارة الحرة والمصالح المشتركة كشركاء وليسوا خدم... حتى تذوب الفروقات وتزول الكراهية بين العرب واليهود التي خلقت خلال سنين عديدة من التطبيل فى الإعلام المضلل وإستغلال عواطف وجهل العامة والتحديات الكاذبة لإزالة دولة إسرائيل من بعض قادة العرب في الماضي، وإصرار قادة اليهود على إثبات الوجود بأي ثمن كان مهما كان غالي...  والنتيجة التي وصلوا لها نظير الحروب العديدة والقتل وسفك الدماء الذي ضاع فيه الكثيرون من الطرفين هباءا منثورا  وتضييع الوقت والجهود والمال على الدفاع، مما أصبحت مع الوقت الكراهية تنمو وتزداد بينهم، وخلقت وحشا مفترسا صعب تقييده وكبح جماحه بسهولة، أو القضاء عليه للأبد!!

         الحلول موجودة  وأهمها تعليم العامة من الطرفين العرب واليهود المتشددين الجهلة فنحن الآن في عصر العولمة، العالم صغير ويصغر كل يوم جديد، ضمن برامج ثقافية تحث على الأمن والامان والعيش معا في وئام كما كانوا من قبل جيران في جميع الدول العربية قبل ولادة دولة اسرائيل بالقوة . والعمل الجاد سواسية مع الآخرين حتى يصلون إلى تفاهم وسلام، حيث المفروض أن يعيش الجميع معا في دولة واحدة مثل امريكا التي تضم جميع الأجناس بدل التقسيم وبناء الأسوار العازلة مما تزيد الحقد والحسد والكراهية بين الجيران....

           هذه الأسوار التي مهما طال الزمن أو قصر مصيرها الزوال والهدم  مثل ما حدث في أسوار برلين ألمانيا عندما كانت فاصلة بين الغرب والشرق سنين عديدة، وعندما آن الأوان هدمت وأصبحت في خبر كان وكأنها يوما لم تكن قائمة، حيث لا يستطيع اي انسان او دولة منع الاحرار الوطنيين والشعوب مهما إختلفت العقائد والأديان من العيش معا كراما ضمن دولة واحدة...  والدليل حي موجود ( دولة أمريكا ) التي تضم جميع الأعراق من جميع أنحاء العالم ضمن قانون وعدل ومساواة يعيشون مثل الإخوة، ولاؤهم لأمريكا، هم الجميع المحافظة عليها من أي إعتداء أو سوء... مستعدين للتضحية من أجلها . وأرض فلسطين ارض مباركة، أرض الديانات مهبط الرسل والأنبياء، ومن حق الجميع اليهود والنصارى والمسلمين أصحاب الأرض الأصليين، ان يتعايشوا مع بعض تحت اي ظرف، ضمن ترجيع الحقوق والعدل والمساواة حيث لا يستطيع الإسرائيليون ذوي الفكر الصهيوني فرض الوجود بالقوة طوال الوقت، مهما عملوا من مصدات وسدود، ومؤامرات وفتن وحروب قفل وإنهاء قضية فلسطين للأبد وهم في الأصل خليط لاجئون شتات، اغلبهم قادمون من أوروبا بعد مجازر ومآسي الحرب العالمية الثانية ، ليس لهم الأساس ولا الحق بالإستيلاء على الارض بالقوة مهما تآمر العالم ( الدول الكبرى ) وساندتهم على القهر والظلم، حيث التوراة الأصلية التي لم تحرف، والتي نؤمن بها عن قناعة انها من ضمن الكتب السماوية التي نزلت وحيا على سيدنا موسى عليه السلام، دينهم الأساسي يمنعهم من الإستيلاء على أرض الغير بدون الرضى والتفاهم مع أصحابها الأصليين، فالظلم ظلمات ولا يرضى الرب بالظلم لعباده وبالأخص للفلسطينيين الابرياء...  

            المعادلة صعبة للوصول لحلول يرضى بها الجميع تحتاج إلى سمو وحضارة وفرض السلام على الجميع بالود والتفاهم والحوار المثمر، وبالأخص مع فئات المتشددين من جميع الاطراف ضمن دستور وقوانين عادلة قوية، حيث ما ذنب الأجيال الفلسطينية من عرب مسلمين ونصارى ويهود الذين ولدوا وعاشوا بفلسطين خلال العقود الماضية منذ إنشاء دولة إسرائيل قبل وبعد عام 1948 م، ولا يستطيع العرب المسلمون والنصارى في الوقت الحاضر طرد الشعب اليهودي من الأرض إلى الأبد كما يعتقد الجاهلون بخفايا الأمور الصعبة المعقدة ، وبالتالي على الجميع بالسمو بالنفس أرادوا أم لايريدوا التعايش معا في دولة واحدة يتفق عليها بالرضى والحوار بدون التقسيم والأسوار ، ويتم التطبيع مع الجيران دول العرب ضمن أسس لدولة جديدة تضم الجميع ويشترك الجميع في الحكم سواسية، فهل هذا الحلم يوما سوف يتحقق بإذن الله تعالى؟؟  حيث مهما طال الوقت والزمن بعد عشرات السنيين من التربص والخوف والدفاع عن النفس من أجل الحياة والسطوة والجبروت، الحق لا يضييع ووراءه مطالب واحد فقط! فما بالك بكامل شعب فلسطين بالداخل والخارج الذين من عدة ملايين نسمة حقوقهم مهضومة يطالبون بإحقاق  الحق العادل، الذي مهما طال الوقت يوما سوف يأخذونه ويتحصلون عليه، سواءا سلبا، أم إيجابا... 


            من وجهة نظري التي أؤمن بها عن قناعة أنه من حق اليهود العيش أفرادا أم جماعات كراما في أي دولة بالعالم كما الآن يعيشون في عديد من الدول بالعالم، ضمن احترام القوانين المحلية والأعراف وبالأخص في الوطن العربي وأوطان المسلمين ضمن العدل والمساواة سواسية لا فرق بين أحد وآخر فالجميع بشر، وبالأخص الكثيرون معظمهم في الأصول العرقية من الجزيرة العربية مواطنيين ترجع جذورهم إلى آلاف ومئات السنين فيها ومنها... 

          عليهم ان يحترموا العرب المسلمين أولاد العم عرقيا تاريخيا بدل الكراهية، الذين دافعوا عنهم وعاش أجدادهم كراما وسطهم آلاف ومئات السنين أيام كانوا شتاتا موزعين جماعات في كل مكان تائهين، عاشوا في أمن وأمان في جميع الدول العربية والإسلامية حتى الآن، عليهم بدراسة التاريخ عندما كان الكثيرون منهم يتولون مناصب عالية رفيعة وزراءا يهود العقيدة والدين في دول إسلامية، أيام هارون الرشيد بغداد العراق، والعدل والمساواة والحماية لهم من أي إعتداء، وبالأخص أيام حكم العرب في أسبانيا لمئات السنيين، ثم الفرق الرهيب، الظلم والفرض بالقوة التنصير أو التعذيب والقتل لمن يرفض ان يرتد عن دينه ويتنصر من محاكم التفتيش عندما تولى الأسبان الحكم ، فالتاريخ موجود ،لم يطمس وينتهي بعد من الوجود ومازال الكثيرون من أحبار اليهود المطلعين الفاهمين الأسرار الدفينة يعرفون الأمر وممتنين للعرب المسلمين على مساندتهم وإيوائهم لجدودهم اليهود...  

          العرب ليسوا أعداء اليهود كعقيدة ودين، مثل مايعتقد الكثيرون، الإختلاف في الفكر الصهيوني الذي مثل الأخطبوط الغير مرئي، إحتل أرض فلسطين  وطرد شعبها  فنحن العرب واليهود أولاد عم نؤمن بنفس الانبياء والرسل، لم نحاول يوما عبر التاريخ الذي مضى، تطهير عرقهم للأبد مثل ما فعل الألمان في الأربعينات من القرن الماضي أيام دولة هتلر النازية، التجميع في المعسكرات بالقوة والغصب والتجويع، والحرق في الأفران بوحشية...  

          والدليل إلى الآن في بعض الدول العربية والإسلامية،  حيث الجاليات اليهودية تعيش في سلام آمنة، في أمن وأمان إبتداءا من المغرب ومرورا بتونس واليمن والتطبيع والعلاقات الجيدة مع دولة مصر ودولة الأردن، ودولة قطر وغيرها، حتى في دولة ايران قمة التشدد والتعصب للإسلام بها جالية كبيرة إلى الآن يؤمنون بالتوراة الأصلية رافضين الفكر الصهيوني والحفاظ على حقوق الغير وعدم الإستيلاء على الأرض، لا يريدون مغادرة ايران عندما أتيحت لهم الفرص بالهجرة إلى إسرائيل لأنهم مرتاحين في العيش في أمن وأمان، ودولة تركيا المسلمة التي بها جالية كبيرة لهم شأن ومكان ضمن المجتمع التركي، أليست هذه الأمور بقمة العدل والمساواة لهم مع بقية أبناء الشعوب العربية والاسلامية ؟؟ والله الموفق...
          رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة...

No comments:

Post a Comment