Wednesday, June 25, 2014

رحلة العمر 7

 بسم الله الرحمن الرحيم


                   تغير الدليل وسائق الحافلة في الحدود الفاصلة بين الدولتين ، وتم إستبدالهما بآخرين، حيث حسب مافهمت ليس لهما الحق بالعمل داخل فلسطين المحتلة، وتقدمت الحافلة إلى الحدود الفاصلة بين الأردن و دولة اسرائيل حاليا(معبر جسر اللنبي)، وقد أوصانا الشيخ عبدالحكيم ورفيقه السيد محمد فتحي المسؤولين عنا بشدة بأن نطبق التعليمات المطلوبة منا بهدوء ونجيب  حسب السؤال، إذا سئلنا من اي مسؤول إسرائيلى أمني بالحدود، بالحق والصدق بلا زيادة ولا نقصان، بدون اى تهور أو غضب وبالأخص في الحديث السياسي بقضية فلسطين فنحن حجاج معتمرون زوار للمقرات الدينية في مدن القدس والخليل ،، حتى لا يرفضوا دخولنا بأعذار واهية أمنية ، ويضيع مشوارنا هدر! 

           توقفت الحافلة أمام مقر الهجرة والجمارك الإسرائيلي في الساحة المخصصة للوقوف قبل الغروب، ونزلنا وكل واحد منا يجر حقيبته ضمن طابور منظم طويل في هدوء بدون ضجيج، وكل حاج بيده جواز سفره ومعه حقيبته ويمر الأول بالأول بنظام امام نافذة بها موظف أمني يتطلع في جواز السفر ووجه صاحبه بإمعان للتأكد من الشخص أنه هو غير مخالف، ويضع الجواز على مرآة حاسوب للفحص والتسجيل ثم يلصق عليه ورقة صغيرة لا صقة ويرجعه إلى صاحبه طالبا منه وضع حقيبته على السير المتحرك الالكتروني وان يدخل عبر الباب المجاور المقفل للقاعة، مما كل واحد منا عمل المطلوب حسب الأوامر والتعليمات، وحدثت مشادة بسيطة مع آحد العمال الفلسطينيين، هل هي بقصد مرتبة أو بدون قصد، ولكن أعطتنا معايير كبيرة ان العدل قائم للجميع فلا محاباة لأحد على حساب الآخر، فقد أحضر أحد العمال الفلسطينيين العاملين بكثرة ووضع حقيبة احد المسافرين من الحافلات الاخرى في المقدمة متجاوزا لنا حيث ليس له الحق، مما أثار حفيظة دليلنا المصري محمد فتحى وصرخ على العامل وطلب مقابلة المسؤول الإسرائيلي للشكوى . مما حضر وتفحص الامر حتى تأكد من الخطأ والتجاوز، وطلب من العامل بعد أن وبخه على الفعل،  ترجيع الحقيبة للوراء آخر الطابور الطويل ، وقال بصوت عالي إن صاحبها سيكون الاخير في الصفوف في المرور عقابا على التعدي والتجاوز، لا وساطة لأي أحد كان مهما كان! الجميع هنا الأول يتلوه الثاني وبعده، مما كانت لفته طيبة في المعاملة... أعطتنا صورة جميلة عن العدل والنظام، وإنطباعا عن المعاملة الجيدة وان الجميع سواسية لا فرق بين أحد وآخر...

           قدمت جواز سفري عندما وصل الدور لي مع الحاجة، وفي دقائق تم ترجيعه وإعطاؤه لي وعليه القسيمة اللاصقة والسماح بوضع الحقيبة على السير المطاطي المتحرك والدخول إلى القاعة مما فعلت ودخلت ووجدت الكثيرين أمامي ضمن ممرات من مواسير حديدية موجهة إلى موظف المهاجرة والبوابة الإلكترونية للتفتيش الشخصي الآلي تمنع التزاحم... الجميع في طابور واحد، يتقدم الأول وبعده الثاني إلى نافذة غرفة بها موظفة أو موظف يراجع الداخلين ويستلم في جوازات السفر للتحقيق والتأكد من المسافر وأنه ليس بمطلوب للأمن ولا متهم، ويطلب منه المرور على الجهاز الذي بجانبه، وإذا كل شئ سليم بعدها يسلمه جواز السفر ويجعله يمر في أمان إلى قاعة أخرى للجلوس والإنتظار...  وبدلا من ختم جواز السفر كالعادة في جميع الدول، إسرائيل لها حالة خاصة لزوارها حيث مقاطعة من كثير من الدول وبالأخص العربية، تصدر بطاقة خاصة مثل الرخصة عليها تأشيرة دخول بها جميع المعلومات وصورة شخصية للمسافر عليها للتعريف في حالة الطلب من اي جهة أمنية داخل كل المدن مثل القدس والخليل ، ومدى صلاحيتها بالزيارة والإقامة، حتى يستطيع ان يتجول بحرية وراحة من غير أي سؤال، الا وقت الحاجة عند الشك والطلب...  ومرت الحاجة وإبنتي هدى وزوجها المبروك  بسهولة، وعندما أتى الدور لي بالمرور، قلت لموظف الأمن لا أستطيع المرور على الجهاز اليكتروني الشخصي خوفا من ردة الفعل بالذبذبات على القلب نظير الجهاز ( ديفبريلايتر ) المثبت داخل صدري ، مما طلب مني الجلوس في أحد الأركان والانتظار للفحص والتفتيش الأخير باليد... وتوقفت حوالي الساعة وانا في الانتظار على أحر من الجمر ماذا حدث ؟؟ لماذا التأخير الطويل، هل أنا مطلوب  ومتهم؟؟ أم مشكوك في لأي سبب كان ؟؟

            وبعد مرور الوقت الطويل والعائلة ينتظرون الإفراج والسماح لي بالدخول مما شاهدت الحاجة مشغول بالها علي طوال الوقت وراجعت الموظف الإسرائيلي عدة مرات لماذا التعطيل لي بدون سبب؟؟ مما قال لها بأن تصبر حيث من الضروري اتمام بعض الإجراءات.... وأخيرا جاء أحد الموظفين الأمنيين وطلب مني الدخول إلى غرفة خاصة للتفتيش الشخصي، وقام بالتفتيش بدقة من قمة الرأس حتى أصابع القدمين، بأصابع مدربة على هذا النوع من العمل، وعندما انتهى قال لي تفضل بالمرور بكل أدب، وسلمني جواز السفر وبه بطاقة تأشيرة الدخول مرفقة، ودخلت إلى القاعة ووجدت الجميع جالسين ينتظرون في قاعة  المغادرة، حتى تنتهي إجراءات البعض الآخرين .

          تعطيل عدة ساعات أخرى ونحن جالسين ننتظر حيث الفحص الدقيق للجوازات للذين أعمارهم تحت الخامسة والأربعين من العمر أو المشكوك فيهم، وكان صهري المبروك من ضمنهم، وطلب منهم كتابة بيانات عديدة في قوائم تم تسليمها للدائرة الأمنية حتى تتم الموافقة على الدخول إلى فلسطين المحتلة (إسرائيل) أم لا ؟؟ وبعد مرور الكثير من الوقت عدة ساعات ونحن جالسين ننتظر الموافقات والسماح للبعض منا... مما مللنا وتعبنا من الجلوس على الكراسي الحديدية الغير مريحة مدة طويلة ننتظر الإفراج عنا، ولا شراب ولا طعام للشراء فنحن جوعى، حيث الكافتيريا للخدمات السريعة أبوابها مقفلة لا تعمل في الليل حيث الوقت قد تأخر  ولم نستطع حتى أن نشترى قهوة وعصائر وسندويتشات للأكل نظير مرور الوقت الطويل، فنحن في هزيع الليل ومازلنا ننتظر  غير عارفين ماذا سوف يحدث من أمور في الغيب... بارك الله في الامام عبد الحكيم الذي كان يهون علينا قلقنا تلك الساعات بتذكيرنا بغرض الزيارة وبلأجر الكبير الذي سوف نحصل عليه نظير الساعات الطويلة في الانتظار والمعاناة.... 

          بعد مكوثنا عدة الساعات، والحراس والموظفون معظمهم بل  جميعهم شبابا من الجنسين ذكورا وإناث، صغارا بالسن يبتسمون في وجوهنا مستغربين من وجودنا نحن العرب والمسلمين ، مما شعرنا بالإطمئنان حتى تم تسليم الجوازات المحتجزة ... وكانت فرحة للجميع ان المجموعة بكاملها سوف تسافر معا، لا تعطيل ولا منع لأي أحد بدون استثناء وهذا فضل كبير من الله عز وجل...

            ومررنا على حقائب السفر الموضوعة في طابور واقفة بزاوية القاعة وكل حاج أخذ خاصته بدون فتح ولا تفتيش ولا مضايقة، وبالأخص في دولة تعيش في خوف ورعب من الإرهاب تحاول بقوة فرض بقائها ووجودها في المنطقة !!!

          ركبنا الحافلة ونحن سعداء فقد أصبحنا بأرض فلسطين المحتلة وعن قريب سوف نشاهد مدينة القدس مهبط الرسل والأنبياء والمسجد الأقصى الذي الله عز وجل جعله مباركا، بارك حوله نصا في القرآن الكريم في سورة الإسراء، في المصحف الشريف. وإنطلقت الحافلة على الطرق الضيقة بسرعة في ظلام الليل وتوقفت في بعض الاحيان امام بعض نقاط التفتيش على الطريق، وكان الدليل يقول للجنود أننا سواح زوار أمريكيين مما يسمحون بالمرور بدون اي تعطيل ولا حتى إلقاء نظرة داخل الحافلة مما يدل الأمر على الثقة...  وبعد حوالي الساعتين من القيادة والتوقف في بعض الحواجز الأمنية، دخلنا مشارف مدينة القدس الجميلة التي تتلألأ بالأضواء الساطعة كالجوهرة وكان الوقت متأخرا حوالي الساعة الثالثة صباحا ونحن جوعى بطون لم نتناول وجبة العشاء وجوعى للنوم والراحة، من التعب والإعياء وشد الأعصاب في الحدود عند الدخول فقد كانت تجربة كبيرة ومغامرة منا بالقدوم إلى القدس!!

           وقال الدليل الجديد الفلسطيني وكان ذو شخصية جهوري الصوت في الحديث بأن الوقت متأخرا جداً ولا مطاعم مفتوحة لتناول الطعام حتى نتوقف وسوف يمرون على احد الأسواق التجارية لبيع المواد الغذائية وبالأخص الخبز الطازج آخر الليل قرب الفجر والذي يريد ان يشتري يتفضل، وبالسوق يقبلون لقاء البيع بالعملة الاردنية والشيكل الاسرائيلي وأي عملة اجنبية مثل اليورو والدولار، وتوقفت الحافلة بعد فترة امام السوق التجاري الكبير الذي إسمه (التنور) أضواؤه تشع وتصدع في ظلام الفجر بالنور، ونزل معظم الجميع إلى داخل المحل وتم شراء الخبز الطازج واللبن والأجبان والعصائر وكل مالذ وطاب للأكل من طعام وجميعها حلال مضمونة حيث اليهود مثلنا نحن المسلمين متشددين لايتناولون الا الطعام واللحم الحلال عن طريق الذبح من شرايين الرقبة والتأكد من  خروج الدم، ومستحيل تناول لحم الخنزير، مما الانسان يأكل طعامهم وهو مرتاح...

             ركبنا مرة ثانية الحافلة ومررنا في الشوارع الخالية من الحركة الا من بعض الدوريات التي تحافظ على الأمن، حتى وصلنا إلى الفندق (دان بانوراما)، هبطنا من الحافلة وكل واحد منا أخذ حقيبته بيده ودخل إلى الفندق صالة الاستقبال حيث إستلمنا بطاقات مفاتيح الغرف الإلكترونية في مظاريف عليها أسماؤنا، فقد كان كل شئ مرتب ومنظم من قبل الشركة دار السلام، لا تسجيل بطاقات ولا تواقيع وإستلام جوازات السفر كما يحدث في معظم بلاد العالم وبالأخص دول العالم الثالث...  وذهبت بالمصعد للدور الثالث مع الحاجة لغرفتنا رقم 326، وكان الفندق خمسة نجوم ونظيف ووضعنا حقائبنا وتناولنا بعض الطعام لسد رمق الجوع، وصليت قصرا الصلاة المتأخرة وخلدنا إلى النوم عدة ساعات للراحة، فقد تغير البرنامج للزيارات وعلينا الذهاب وزيارة مدينة الخليل الساعة التاسعة صباحا، حيث المسجد الأقصى مطوق بسياج أمني كبير لوجود قداسة بابا الفاتيكان زائرا لكنيسة القيامة المقدسة والحج لها بالقرب من المسجد الأقصى التي قام سيدنا المسيح من الموت وعاش وأصبح حيا وإختفى بعد الصلب على الصليب في معتقدات المؤمنين النصارى...  والله الموفق...

                    رجب المبروك زعطوط

 البقية في الصفحات القادمة...

No comments:

Post a Comment