Wednesday, June 18, 2014

رحلة العمر 3

بسم الله الرحمن الرحيم


          حضر السيد الطيب إلى الفندق حوالي منتصف النهار وكان معه قريبه الشاب الدكتور جمال ولقاء مشبوب بالمودة والاحترام والتقدير وركبنا السيارة للبدء في جولة سياحية بمعالم مدينة باريس حتى وصلنا إلى برج إيفل ونزلنا بالشارع حيث لا مكان لوقوف السيارة وذهب جمال لحال سبيله حتى ننهى جولتنا ونتصل به بالهاتف ليأتي ويأخذنا من جديد إلى اى مكان آخر نريد الوصول له... وجولة سياحية على الأقدام من مكان إلى آخر ضمن معالم البرج والمعالم التي حوله والتى تعج بآلاف السياح حيث كان يوم السبت عطلة نهاية الأسبوع، حتى تعبت من المشي نظير الحالة الصحية وكبر السن فلست بشاب قوي مثل السابق، وعبرنا الشارع وحجز لنا السيد الطيب مضيفنا تذاكر لركوب أحد العبارات السياحية التى صعدنا عليها وطافت بنا في نهر السين في جولة حوالى الساعتين وهي تشق  النهر من مكان إلى مكان والدليل يشرح بعدة لغات عن طريق المكبر الصوتي، ونحن جالسون نشاهد المعالم الخلابة التاريخية من قلاع وقصور ومباني ضخمة عفى عليها الزمن، اثرية بمقاييس اليوم، شواهد على ما مرت بها من احداث مضت ولن ترجع عبر التاريخ والزمن .

        طافت بنا العبارة والدليل يشرح في كل لحظة عن القصور التي مرت بها أحداث جسيمة وفضائح عديدة معظمها طواها النسيان وكانت لها الأدوار الكبيرة في تغيير الكثير من القرارات لصالح البعض ومآسي غيرت مصائر الكثيرين من الرجال والعائلات مما عشنا بعض الوقت حسب الروايات عن ذاك العصر في أحلام التاريخ الفرنسي أيام     العصور الماضية الذهبية أيام الأرستقراطيات وكلمة الشرف والعشق والغرام والمبارزات حتى رجعنا إلى نقطة البداية ونزلنا من العبارة بعد الجولة الشيقة في نهر السين، ونحن مشدوهين

        زرنا عدة اماكن وكنا متعبين من كثرة المشي بدون ان نشعر   في شارع الشانزيليزيه الطويل والعريض، وبالمساء دخلنا إلى مطعم حيث تناولنا طعام العشاء وكان لذيذا وسهرة لطيفة في أحاديث عامة ورؤيا مستقبلية عن الاوضاع فى دولنا العربية المتردية وكيف نتمكن من الاصلاح ونتقدم إلى الامام ضمن الأوائل المتسابقين من الأمم... مقتنعين أنه لو صلح اولاة امرنا وعرفوا طريق الله تعالى وطهروا النفوس من الخبث والغل والحسد وتوقفوا عن النهب للخيرات وصرفها على المحرمات، وسموا بالنفوس وتمسكوا بالعلم والتعليم الجيد، وطردوا الجهل إلى غير رجعة، عندها النجاح والتقدم أكيد بإذن الله تعالى...

         بعد العشاء الدسم والسهرة اللذيذة في الأحاديث المختلفة والمتنوعة، رجعنا إلى الفندق ونحن بحاجة للنوم من كثرة  الإرهاق والتعب في المشي والسير في الطقس المشمس الجميل في فصل الربيع 

      اليوم الثانى الأحد أصريت بأن لا يتعب في المجئ لنا إلى الفندق حيث بعيدا عن سكنه وبدلا من تضييع الوقت فى القدوم إلينا إلى الفندق ونحن في أطراف المدينة ناحية مطار أورلي، والدخول إلى وسط المدينة للسياحة والمشاهدة طوال الوقت، وبعد العشاء الرجوع مرة اخرى لتوصيلنا مما سوف يتعب وهو طوال الوقت راكبا بالسيارة وقريبه الدكتور جمال يقود . وأخذت منه عنوان اللقاء بصعوبة عبر الهاتف النقال،  وركبنا عربة أجرة مما وفرنا الوقت الكثير عليه، وتلاقينا فى مقهى ومطعم عائلي صغير، وحضر صديقنا ورفيقنا فى الدرب (المركز المغاربي) السيد بدي إبنو ( موريتاني ) وكان لقاءا جيدا وأحاديث عامة ثم حضر صديقا له من المغرب وإنضم للمجموعة، وتعرفت به وكان أديبا وشاعرا مرهف الحس ذو طلاقة لسان وبلاغة ، وقضينا وقتا ممتعا في أحاديث عن مآل الدول التي هب عليها إعصار الربيع العربي والتى مازالت تجاهد في الوصول لتحقيق الأماني الصعبة بعد سفك الدماء وسقوط العشرات قتلى من الأطراف المتخاصمة والتى إلى الآن بعد مرور عدة سنوات لم يصلوا إلى تحقيق الهدف الذي من أجله قامت الثورات الدامية وسقط الآلاف شهداءا وجرحى ومعاقين . الأحلام والاماني كبيرة وكل واحد منا يتحدث ويدلى برأيه عن كيفية الاصلاح والسير بالمسيرة العربية للأمام وأنا داخل النفس في حيرة فنحن نتكلم ونخطط في أحلام نؤمن بها عن قناعة وممكن تحقيقها لو صفت النوايا  ، ولكن لا أريد التشاؤم ...  ففي هذا العصر لن تتحقق... فى نظري عبارة عن تضييع وقت حيث نحن نتحدث بدون وضع المخطط والاقدام والعمل والسعي للوصول للهدف...  بل أحاديث وأماني تبقى في مكانها للأسف...  لأن القوى الخفية والأيادي السوداء من الغرب والشرق لن تتركنا في حالنا حتى نتوحد، بل دائماً تخلق لنا المشاكل وتدس  الفتن حتى نصبح نحن بني الوطن الواحد من الخليج إلى المحيط الأطلسي بدلا من إخوة في السراء والضراء متحدين، نظل في خصام  وصراعات أعداءا طوال الوقت .

         وأثناء السمر والأحاديث قلت رأيي بصراحة أنني لا أؤمن بالشعر لأنه في عصرنا الحاضر عبارة عن مضيعة وقت ، مما كان صدمة للجميع وبالأخص زوجتي التي لا متنى الكثير لوما شديدا بعد أن رجعنا إلى الفندق، حيث السيد بدى وصاحبه المغربي شعراء محترفين أصدروا بعض الدواوين الشعربة التي تعرض وتباع في الاسواق . شرحت للجميع وجهة نظري حيث أومن بالعمل الجاد الذي ينتهى بنتائج بالعمل المثمر بدل تضييع الوقت في سرد الملاحم وانتقاء الكلمات المعسولة التي تطرب لها النفوس والآذان، المفروض في نظري ان يهتمون بالعلوم الحديثة والابداع في خلق أشياءا جديدة من إبتكارات ترفع من قيمة الانسان وتساعده في المضي بسهولة عبر الصعاب في هذه الحياة المضطربة، بدل كلمات الفخر بأمجاد مرت وإنتهت ولن ترجع وتبعث للحياة من جديد طالما نحن العرب مازلنا بهذه العقليات...  نعم ان الشعر سمو وحضارة مكملة لتراث الشعوب في بعض العصور  ، ولكن نحن العرب الآن في الدرك الأسفل من الإنحطاط والتأخر عن الركب الحضاري مازلنا نحاول ونلتقط  الأنفاس، في حاجة ماسة للوحدة والإتحاد والعمل الجاد ضمن مخططات على خلق ابتكارات تفيد الانسانية وتنهض بالشعوب   تجعلنا نعتمد على أنفسنا في الكثير من الأشياء الضرورية للمواطن للعيش براحة بدل الإستيراد حتى نستطيع ان ننهض ونتقدم ونحن لدينا جميع المعطيات المطلوبة من عقول خامدة تحتاج إلى إيقاظ، إلى عناية وصقل حتى تنشط وتبرع وتقدم الجديد ولدينا الأموال الرهيبة والمواد الأولية الأساسية، التى تحتاج إلى عقول واعية حتى تترجم الامور إلى وقائع وحقائق ملموسة نستفيد منها ونفيد الآخرين من البشر، بدل تضييع الوقت في تمجيد حكام أصنام ورموز بدون معنى ولا محتوى غير الشرك بالله تعالى الواحد الأحد...

         أخيرا انتهى الغداء حوالي الرابعة مساءا، وودعنا الرفاق ومضوا لحال سبيلهم وأصر السيد الطيب بأن ننتظر بعض الوقت حيث إبنته المتزوجة وأولادها على وشك الوصول للمكان للترحيب بنا، ودعوتنا إلى بيتها، مما مكثنا بعض الوقت حتى وصلت مع أولادها الصغار وهي تدفع  عربة بهم... 

        ثم قمنا بجولة على الأقدام لمشاهدة الحي الجامعي  الكبير، ذو المقرات العديدة لإيواء الطلبة الوافدين بالقرب من المطعم ، حيث كل دولة لها مجمعها الخاص بهم، وبعد الجولة ذهبنا إلى بيت السيد الطيب حيث عائلته في إنتظارنا على العشاء، وقد أعدت لنا زوجته وجبة طعام جزائرية خاصة، وتعرفت الحاجة بزوجة الطيب التي التقت بها لأول مرة...   وعشاءا لذيذ وسهرة لطيفة تضمنت احاديث عديدة عن مختلف انواع الاكل فى المغرب العربي وعن العادات والتقاليد...

         حوالي الساعة العاشرة ليلا، إستأذنا في الخروج والمغادرة حيث مازال لنا مشوارطويل حوالي الساعة بعربة الأجرة للوصول إلى الفندق، والساعة السادسة صباحا مغادرين إلى فرجينيا بيتش حيث سكن إبننا مصطفى الذى ينتظر وصولنا بفارغ الصبر عن طريق برلين المانيا ونيويورك أمريكا، لم نرتاح الا عدة ساعات فقط بدون نوم، بل إستعدادا 
للسفر وتنظيم الحقائب حتى لا ننسى اي شئ مهم وراءنا

 وركبنا حافلة الفندق إلى المطار القريب عدة دقائق قيادة فى    الفجر، وأخطأنا في النزول فى رقم القاعة للسفر مما اضطررنا للمشي الطويل المرهق داخل وخارج المطار فى الطقس البارد ونحن ندفع  عربة الحقائب حتى وصلنا الرقم المطلوب بعد جهد جهيد وتعطيل في الطوابير والزحام من آلاف الركاب الى جميع الاتجاهات بالعالم الفسيح ، حتى وصلنا الدور، وانتهت إجراءات التذاكر والحجز للمقاعد وسلمنا الحقائب وانتظرنا حوالي الساعة في المقهى حتى صعدنا الطائرة شركة خطوط برلين، وتوجهنا إلى برلين عاصمة المانيا، وقضينا حوالي ثلاثة ساعات ترانزيت عبور وبعدها صعدنا الطائرة الضخمة مرة اخرى إلى نيويورك امريكا وكانت رحلة جيدة ووصلنا بعد حوالى تسعة ساعات طيران، وبعد إنهاء الإجراءات بالوصول لدى الجوازات والجمارك، وتسليم الحقائب الى شركة الطيران الأخرى،، وإنتظارا طويلا ونحن مرهقين من التعب والمشي الطويل في ردهات المطارات العديدة من مكان إلى آخر، منذ الفجر...

   صعدنا على طائرة لشركة ( يو أس ) صغيرة الحجم وكانت     رحلة جيدة حوالي الساعة والربع حتى حطت بنا الطائرة فى مطار نورفولك فرجينيا وكان في إنتظارنا (أميل) مساعد إبننا مصطفى في العمل التجاري حيث كان مشغولا فى عمل آخر خاص به ولم يستطيع الحضور الشخصي ، ورأسا إلى البيت حيث كانت زوجة مصطفى وابنته حفيدتي في إنتظارنا على وجبة عشاء متأخرة، وأثناء العشاء وصل مصطفى للبيت وهو فرح مسرور بسلامة وصولنا معافين بعد كل ما مر بنا من تعب وإرهاق خلال التنقل من مكان لآخر، بين الدول والمطارات 

لم أخرج من البيت لمدة يومين قضيتهما في النوم والراحة ومشاهدة القنوات العديدة المرئية حتى يزول التعب، من جراء الإرهاق فالخارج والمسافر من ليبيا بسلامة يكون سعيد الحظ ، حيث تعطيل الرحلات أو الإلغاء فى آخر لحظة ،، وقفل المطارات لأسباب أمنية وخصام بين الثوار على أمور تافهة ممكن تحدث في أي لحظة... تعطل الجميع عن السفر وقضاء مصالحهم ببساطة مثل العادة ... حيث حصلت عديد المرات  ولا يستطيع أي أحد من الركاب ان يتكلم أو يتذمر، حيث الشكوى لله تعالى... والله الموفق ...
                                                                                           رجب المبروك زعطوط

 ...البقية فى الحلقات القادمة      

No comments:

Post a Comment