Saturday, June 28, 2014

رحلة العمر 8

بسم الله الرحمن الرحيم

           رن الهاتف في الغرفة رنينا متصلا حتى ننتبه ونستيقظ من النوم حسب طلبنا من الهاتف الآلي قبل النوم - حيث وصلنا إلى مدينة القدس مع الفجر - لإيقاظنا في الوقت المحدد الساعة السابعة صباحا حتى لا ننسى ونسنغرق في النوم إلى الضحى ويضيع علينا برنامج الزيارات المهمة، مما قمنا من الفراش بصعوبة متثاقلين حيث نحتاج إلى عدة ساعات أخرى للنوم حتى نستطيع أن نقاوم، ويصبح لنا الجهد ونستطيع المشي للمشاهدة طوال اليوم....

           وبعد الحمام الفاتر السريع بدأ النشاط يرجع رويدا وبسرعة تتجمع الحيوية والأفكار، نظير الرغبة الحب والعشق لزيارة المسجد الأقصى والمقدسات التاريخية التي تعبنا للوصول لها وجئنا لزيارتها من آلاف الأميال، التي مازالت شواهد قائمة صامدة، تشع بقدرات الله عز وجل بأنه واحد أحد حى لا يموت مهما مرت عليها من ألاف السنين عبر الزمن  حتى الآن...

           ونزلنا إلى الدور الأول إلى مطعم الفندق وكان واسعا يتسع المئات من الضيوف وكان معظم رفاقنا في الرحلة يتناولون  إفطارهم وبه جميع انواع الأطعمة التي تخطر على البال مما لذ وطاب لوجبة الافطار الشهي اللذيذ، وشد إنتباهي طريقة تقديم العسل الشهي لأول مرة شاهدت فيها طريقة التقديم مع أنني تجولت كثيرا في مختلف بقاع العالم، حيث قرص الشمع الكبير الطبيعي المملوء بالعسل الشهي معلقا بطريقة فنية بالأعلى والعسل يتساقط منه في خيوط ذهبية إلى أسفل ويتجمع في الصحن الكبير تحت، والضيوف يمرون ويعبئون بملاعقهم صحونهم حسب الرغبة والطلب .

           أكملنا وجبة الفطور بسرعة وتجمعنا في صالة الفندق والبعض منا كانوا في الباحة الخارجية بجانب الحافلة ينتظرون تحت ضوء شمس الربيع حيث كان الطقس يومها جميلا، وعندما إكتمل العدد ركبنا الحافلة وبدأت المسيرة إلى مدينة الخليل حيث لا فرصة ذاك اليوم للذهاب إلى المسجد الأقصى لوجود قداسة بابا الفاتيكان في زيارة إلى كنيسة القيامة.  ولو تأخرنا قليلا عن السير على الطريق، لتوقفنا في الفندق طوال اليوم حيث قوات الأمن والشرطة الإسرائيلية مستمرون على قدم وساق في التنظيم للمرور وحفظ الأمن من أي تعديات...

        تغلق بالحواجز في بدايات ونهايات الشوارع المؤدية إلى المدينة القديمة الملاصقة للمساجد والمعالم ( الأقصى والصخرة والمرواني وسيدنا عمر وكنيسة القيامة)  تمنع  حركة المرور للسيارات والحافلات منها واليها، إلا مشيا على الأقدام، والمرور ضمن البوابات العديدة التي يؤمن حراستها الحراس اليقظين الساهرين بعيون يقظة يفتشون  المارة صغار السن تحت الستين من العمر المحليين المشكوك في أمرهم خوفا من حدوث مشاكل وتعديات إرهابية على موكب قداسة البابا أثناء وجوده في كنيسة القيامة، سواءا في الذهاب أو الرجوع منها، حيث لا إمكانية لدخول سيارات لها... الوصول إلى أحد أبواب الحرم القدسي الرئيسية العديدة والباقي مشيا على الأقدام...

              بعد حوالي الساعة على الطريق المؤدية إلى مدينة الخليل، ومشاهدة البناء والتشييد للمستوطنات الاسرائيلية الجميلة في الهندسة والبناء بطرق فنية عصرية تضمن وجودها وحمايتها من أي اعتداء إرهابي مستقبلا طارئا، مقامة على رؤوس الجبال والتلال مما يسهل الدفاع عنها بسهولة، ذكرتني بالقلاع في العصور الماضية حيث فيها جميع المطلوبات للحياة من عيش هانئ مريح في أمن وأمان ، ودفاع عند الخطر...

           شاهدنا البعض من السور الخرساني العالي الفاصل مع القرى والتجمعات الفلسطينية التي بناؤها عشوائي من غير تنظيم ولا تخطيط عليها الكآبة والفقر وسوء الحال معشعش عليها من عدم الاهتمام، مما حز في النفس هذا الحال المخزى والعيش المزري للمحليين أصحاب الأرض الأصليين...   وتساءلت النفس لماذا هذه الكراهية القاسية والتنافر المؤلم بين العرب واليهود ونحن بشر اولاد عم من جد واحد سيدنا ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، لماذا لا يعيشون في سلام ووئام معا مثل الشعوب الأخرى بالعالم ؟؟ وكان الرد بسيطا، أولا الاحتلال للأرض بالقوة والغصب، والتنافس على مراكز الحكم من الجميع، سواءا عربا أم يهودا...  والضحايا البسطاء الأبرياء من الطرفين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي نظير السياسة القذرة وسوء الفهم والتعصب الأعمى، يدفعون في الدم ويقدمون الثمن الغالي حماية لأصحاب القرار المسؤولين السياسيين من الطرفين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين في الظاهر أمام الجميع أعداءا في خصام، والواقع المؤلم وراء الستار أصدقاءا أوفياءا حتى يستمرون في الحكم...

              وصلنا إلى مدينة الخليل بعد ماشاهدنا الكثير من المناظر الجميلة التي مهما حاولت التعبير لها وعنها لن أستطيع... حيث بها مقام سيدنا ابراهيم عليه السلام وزوجته سارة والعديد من الانبياء والرسل منهم سيدنا يعقوب وزكريا ويحى والكثيرين من رجال الله تعالى الذين لانعرف عنهم الا القليل القليل، وتوقفت الحافلة في أحد الميادين بجانب حافلات أخرى ونزل الجميع وبدأنا في المشى صعودا للمسجد والمقامات الدينية المقدسة المقامة على ربوة الجبل للزيارة وكان الجنود الاسرائليون في كل مكان مجموعات ضمن مجموعات موزعين في كل الأركان والأزقة والساحات يحرسون المنطقة بعيون يقظة منعا لأي إعتداء قد يحصل ، وكانوا مؤدبين بدون اي إزعاج لأي سائح أو ضيف كان  طالما يتبع  الإرشادات المطلوبة بنظام، ومررنا على حاجز للأمن مشترك مع البعض من العرب المحليين، وبعد التأكد أننا مسلمين (حيث يمنع مرور غير المسلمين خوفا من الاعتداء على المصليين) بالسؤال لنا بأدب، سمح لنا المسؤول بالمرور، الرجال من طريق والنساء من طريق آخر، مما توزعنا مؤقتا، وفي منتصف طريق الصعود إضطررت للدخول إلى الحمام حيث اصبت بعسر هضم وتقلصات في المعدة من الطعام مما دخلت وتأخرت قليلا حتى ارتحت وتوضأت إستعدادا للصلاة في المقامات المقدسة تبركا بعظمة الله تعالى...     والمجموعة بقيادة الدليل لم تنتظرني بل إستمرت في الجولة من غيري مما إحترت عندما خرجت، اي طريق سلكوه؟  وقررت الاستمرار صعودا إلى المسجد بأعلى الربوة لوحدي حتى ألاقيهم، ووصلت إلى المقام وصليت عدة ركعات وتجولت في المسجد الذي كان من عدة ادوار وحجرات وقاعات مثل المتاهة، الواحدة تفتح على الاخرى ولم أشاهد أي واحد من مجموعتنا ورفاقنا غير احد السيدات الباكستانيات (السيدة بشرى) تدور من مكان إلى آخر مما ظننت انها ضلت الآخرين مثلي أنا...   وخطأى أنني لم أسألها عسى ان تعلمني مكان وجود الآخرين البقية حتى أنضم لهم، ولم يخطر بالبال ان الجميع في الدور العلوي في أحد القاعات مع الدليل الذي يشرح حسب ماقالته لي زوجتى بعد أن تلاقينا... مما ضاعت علي فرصة كبيرة لأشاهد بقية المقامات للأنبياء والرسل، وأستمع إلى الشرح عنها، ولكن ماباليد حيلة لم يسخر الله تعالى...   فالرب الخالق عارفا بالنوايا انها سليمة... 

الحرم الابراهيمي بمدينة الخليل - فلسطين 
            وكان المسجد يعج بالآف وبالأخص السيدات والأطفال فقد كان ذاك اليوم المبارك، حفلة ذكرى الإسراء والمعراج ، مما الجميع تجمعوا في مدينة الخليل مع الألاف من المحليين الفلسطينيين القادمين من مدن وقرى أخرى والمعتمرين الغرباء الزوار من عدة مناطق ودول للمقام، مما تجولت فيه بصعوبة وسط الزحام الشديد على غير هدى من مكان الى آخر حيث معالم كثيرة مررت بها بدون شرح الدليل لا أعرف عنها أي شئ! ولكن اذا أطال الله لي العمر ومازلت متعافيا بصحة جيدة سوف أقوم بزيارة أخرى بإذنه تعالى وأراجع جميع المعالم على الطبيعة بدقة حيث فرصة من فرص العمر لا تعوض، لا تتاح لأي إنسان بسهولة، حيث مهما يشاهد الانسان من افلام وصور لا تكفي وتؤدى الغرض حيث المشاهدة على الطبيعة تختلف إختلافا كبيرا حيث لها مزايا وأحاسيس روحية وقتها !!

           عندما لم أشاهد اي احد من المجموعة خلال البحث والسير في الحجرات والقاعات على غير هدى، إعتقدت انهم رجعوا إلى الحافلة وفي انتظاري أو سوف يغادرون بدوني لزيارة أماكن أخرى، فقد حذرنا الشيخ والدليل بأن نكون ضمن المجموعة طوال الوقت ولا نتفرق حتى نشاهد ونسمع الشرح... وإذا غاب اي احد وتأخر كثيرا لأي ظرف كان،  فسوف يغادرون من غيره، حيث لديهم برامج زيارات عليهم إنهاؤها، والمتأخر عن المجموعة لأي ظرف كان إن لم يتحصل على اتصال بالهاتف النقال بالمسؤول، أو أحد الرفاق حتى ينضم للمجموعة في أقرب نقطة لقاء، وإن تأخر عن اللحاق، عليه بركوب عربة أجرة على حسابه والرجوع إلى الفندق نقطة اللقاء والتجمع مرة أخرى بالمساء، مما قررت الرجوع إلى الساحة عسى ان يكونون في الانتظار بجانب الحافلة، وخرجت من المسجد ومقام سيدنا ابراهيم الخليل بعد أن تباركت بالمقام وقمت بالصلاة العديد من الركعات للمولى عز وجل للحصول على الأجر والبركات فى المقام الطاهر أكثر من مرة في بعض الأركان نتيجة الزحام الشديد، داعيا الرب الخالق الله عز وجل، طالبا الرحمة والغفران، شاكرا له النعم العديدة التي وهبها لنا، أهمها الصحة والعافية وأتاح لي الفرصة خلال العمر، ان أشاهد بأم العين هذه المقامات والمقدسات على الطبيعة من غير مساعدة اي احد كان،  أومساندة نتيجة كبر السن والأمراض التي أعانى منها...  راجعا على الطريق الضيق الملتوي هبوطا إلى الساحة، وأنا مثل الضائع اجر  أقدامي بصعوبة مستندا على العكاز الذي كان له الدور الكبير في الحفاظ علي من السقوط حيث لدي الشعور بأنني أتمايل في السير نظير خفوت السمع في الأذن اليمني التي في بعض الأحيان مغلقة نتيجة التعب والمعاناة والإرهاق وعدم النوم الكافي  أثناء الرحلة والزيارات مما في بعض الاحيان لا أستطيع السمع بوضوح...   ولا أستطيع الوقوف طويلا حيث محتاج إلى كرسي للجلوس والراحة فلست قويا مثل السابق أيام الشباب...    والله الموفق...                                                                       
                 رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة...

No comments:

Post a Comment