Monday, June 23, 2014

رحلة العمر 6

 بسم الله الرحمن الرحيم


الحاج رجب زعطوط يتأمل الحرم المكي الشريف
           أعلمنا الشيخ ليلة الخميس بأن نستعد لصلاة الجمعة غداً ونذهب لمسجد الله الحرام قبل الساعة العاشرة صباحا حتى نستطيع ان ندخل ونتحصل على مكان للجلوس حيث الجميع يرغبون في أداء الصلاة داخل الحرم، مما نويت الذهاب فصلاة الجمعة لدى مقدسة في اي جامع بالعالم للصلاة جماعة وبالأخص في بيت الله الحرام المقدس مع مئات الألوف او الملايين من المصلين...  ولكن للأسف من التعب والإرهاق وقيام الليل وصلاة الفجر بالمسجد الحرام والأفطار المبكر نمت بعض الوقت وتأخرت ساعة وربع عن الموعد وأصريت على الذهاب إلى المسجد الحرام فقد كان فرصة لا تعوض ، وهبطت إلى باحة الفندق الساعة الحادية عشرة والربع لأذهب إلى المسجد وشققت طريقي بصعوبة وسط آلاف من المصلين اللذين  كانوا بباحة الفندق والساحة من جميع الجهات تعج بهم حتى وصلت إلى مقدمة باب الملك عبدالعزيز للدخول والذي كان للأسف عليه حواجز وعشرات رجال الشرطة يمنعون الدخول للآلاف من المزدحمين حيث المسجد تعبأ بالمصلين ولا مكان فيه لاحد...

           حاولت الدخول وانا مضغوط من آلاف المصلين في الطقس ذو الحرارة الشديدة من الشمس القائظة مع الذين يتزاحمون ويحاولون كما أحاول أنا الدخول ولكن بدون فائدة تذكر...  وبعد بعض الوقت غيرت المكان وذهبت إلى باب آخر ونفس الحالة والزحام الشديد وذهبت إلى المدخل الجانبي لأحاول الوصول إلى السطح حتى أشاهد الكعبة وأصلي مع المصلين من أعلى، ولكن بدون جدوى فآلاف المصلين في كل ناحية والحرارة تكتم على الأنفاس مما خفت على نفسي من السقوط إعياءا على الأرض، واضطررت إلى الرجوع إلى الفندق ووجدت مكانا في احد الممرات في الدور الاول الذي يعج بالمصلين مثلي الذين لم يستطيعوا الدخول والمصاعد معطلة عن العمل للأدوار العالية حتى انتهاء صلاة الجمعة، وفرشت فرشة الصلاة التي معي على الرخام وصليت عدة ركعات طالبا من المولى الله تعالى الرحمة والمغفرة، وكانت الميكروفونات تدوي بالآذان والتكبير لبدأ شعائر صلاة الجمعة وبعد فترة بسيطة بدأت الخطبة حتى انتهت ثم الصلاة مع الجميع  امام مسجد الله تعالى...

            وعندما انتهت الصلاة رجعت للغرفة وأنا حزين حيث لم أكن بداخل الحرم للصلاة حيث نحن غدا مسافرون، ولكن الرب تعالى عالم بالنوايا والحال وأنني حاولت قدر المستطاع ولكن لم أوفق، ووجدت الحاجة وإبنتي وزوجها قاموا بالصلاة وراء الإمام من أعلى بالغرفة، وكنت مرهقا مما إستلقيت على الفراش طالبا الراحة بدون اهتمام للغداء السريع من سندوتشات وفواكه وعصائر باردة بالغرفة والتي قامت الحاجة بتجهيزها بسرعة .

      بعد اربعة ليال وثلاثة ايام اقامة بمكة المكرمة زرنا العديد من المعالم عرفات والمزدلفة ومنى والعديد من المساجد وتوقفت الحافلة أسفل جبل حراء حيث الغار بأعلى قمته ولا أستطيع الصعود له من الارتفاع والبعد حيث هبط الروح الأمين سيدنا جبرائيل بالوحي على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأول آية في القران المجيد آية (إقرأ) التي تحث على العلم والتعلم، حيث هو الاساس للتحضر والسمو والتقدم .

           ومررنا على غار الثور من بعيد الذي اختفى فيه سيدنا محمد وصاحبه أبوبكر الصديق عندما هاجروا من بطش قبيلة قريش أعداؤهم الملاحقين والذي خيالة فرسان الكفار المطاردين وصلوا إلى المدخل وأعماهم الله تعالى عن الرؤية وبالأخص عندما شاهدوا شبكة بيت العنكبوت الواهية لم تتمزق وحمامة آمنة في عشها حاضنة على البيض لم تخاف ولم تطير مما تأكد لهم أنهم ليسوا بالداخل، والذي زاد خوفهم عندما حذرهم الدليل ان المغارة بها ثعابين، وغادروا المكان إلى غير رجعة ونجى الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه ورفيقه المخلص من شرهم !!!!

            وآن الرحيل وودعنا بيت الله الحرام يوم السبت مساءا وذهبنا إلى جدة بالحافلة، وأتيحت لي الفرصة ووهبني الله عز وجل الصحة والعافية وقمت بالطواف على الكعبة ثلاث مرات كل مرة سبعة دورات حولها ومسحت بيدي اليمنى على جدارها عدة مرات تيمنا وبركة،، وسعيت ثلاث مرات بين الصفا والمروة وكل مرة سبعة أشواط مما كنت فرحا وسعيدا بأنني قمت بالواجب وأنا متقدما في العمر تجاوزت السبعين عاما بعام، وبي عدة امراض اهمها القلب، بدون مساعدة ومساندة لكبار السن مثل العديدين راجيا من الله تعالى القبول . وشئ آخر مهم روحاني أتممته فقد هداني الله تعالى وطهر قلبي من الحقد والحسد والأضغان وقمت بعدة صلوات للمولى عز وجل وأنظاري مركزة على الكعبة الشريفة التي تبعد عني العديد من الأمتار وراودتني أحاسيس غريبة روحية وقمت بالسماح والغفران من قلب طاهر ونفس راضية على جميع من تسبب لي بمشاكل وأحقاد وبالأخص الكثيرين من عائلتي الأموات والأحياء، الله تعالى يسامحهم ويسامحني ان أخطأت في حق اي أحد منهم نتيجة الخطأ والغيظ والغضب، والشاهد على الله تعالى في وسط بيته الحرام، وخرجت راضيا وكأنني ولدت من جديد ان هداني الله تعالى وسامحت الجميع، أليس رضاءا من الله تعالى والوالدين ان هداني للخير في هذه الزيارة والعمرة المباركة للأماكن المقدسة .

الحاج رجب زعطوط يكتب كلمة في سجل اهل الكهف 
             في الاجتماع في المساء تم الطلب منا بأن نستعد للرحلة إلى بيت المقدس ونأخذ معنا القليل من الثياب والحاجيات الشخصية الضرورية التي نحتاجها في حقائب صغيرة والباقي الثقيلة يتم تخزينها في عمان الاردن حتى الرجوع من فلسطين المحتلة مما فعلنا وتم تسليمها في فندقنا قصر مكة لتنقل في عربة نقل إلى المطار ومنها إلى عمان، للحفظ والتخزين. ووصلنا لمطار جدة وعدة ساعات انتظار قبل الصعود على الطائرة الاردنية المتجه إلى عمان التي استمرت حوالي الساعتين في رحلة جوية معظمها مطبات هوائية بدون راحة للركاب وبالأخص الخائفين الغير متعودين على السفر، وستر الله تعالى ووصلنا بسلامة، وتمت الإجراءات بسرعة فقد كانت شركة دار السلام جيدة ولها سمعة حسنة ورجالها خدومين أمثال الشيخ عبدالحكيم ومحمد فتحي والآخرين، واستقبلنا دليل اردني إسمه محمد وقد نسيت بقية اسم عائلته الآن وكان جيدا في تعامله مع المعتمرين الحجاج ، وخرجنا من المطار، وركبنا الحافلة وزيارة إلى موقع أهل الكهف القريب من العاصمة الاردنية عمان، والدليل طوال الوقت يشرح لنا الاحداث اولا بأول، وعندما وصلنا كان الكهف يومها مقفل حيث عطلة رسمية بالاردن مما تم استدعاء القيم عليه، الذي حضر على وجه السرعة وقام بفتح الابواب لنا، وقمنا بجولة في المكان وشاهدنا القبور وبقايا عظام الموتى لأهل الكهف منذ آلاف السنيين المجموعة في حفرة مظلمة والنظر لها من خلال فتحة صغيرة بأحد الجوانب مغطاة بالزجاج، وصعدت درجات السلم العديدة إلى أعلى ربوة الجبل مع الدكتور أمين، حتى وصلت الى المسجد بأعلى وصليت ركعتين تحية للمولى عز وجل وركعتين للمسجد، وكان هادئا وبه سكينة غير عادية روحية تجعل روح الانسان المؤمن ترتاح وتطمئن وتهدأ...

مسرح جرش الاردن 
           قمنا بالتقاط عشرات الصور حتى تصبح ذكرى لنا عما شاهدنا من تاريخ مر مرور الكرام عبر الزمن ، ثم تجمعنا ومرة أخرى ودعنا المكان وفي الطريق توقفنا في احد المطاعم الجبلية وشاهدنا تعرجات الطريق والأودية السحيقة وتناولنا طعام الغداء السريع للسواح والعابرين، بعدها تقرر الامر بأن نذهب إلى فلسطين المحتلة ونقوم بزيارة القدس والخليل، وتركنا الدليل والسائق على الحدود الاردنية حيث غير مسموح لهم بالدخول حسب ما فهمنا، على ان يستقبلونا في العودة من القدس عندما نرجع لتكملة الجولة في ربوع الأردن، وتمت الاجراءات في الجوازات والجمارك بدون ان ننزل من الحافلة، لمغادرة أراضى الاردن بسرعة بدون اية موانع وتعطيل كما يحدث في دول عربية أخرى مازالت متأخرة عن الركب الحضاري في حرية التجارة والسياحة مازالت تعيش في العصر الماضي المتأخر من كثرة الاجراءات والتفتيش المفتعل الذي يزعج المسافرين ويجعل الكثيرين لا يحبون الرجوع مرات اخرى نظير التعب . وشاهدت بأم العين عشرات السيارات الضخمة والناقلات والجرارات الثقيلة وهي تحمل الأطنان والكميات العديدة من المواد الغذائية ومواد البناء من أسمنت وغيره من وإلى الاراضي المحتلة والتجارة حرة وعادية سهلة في العبور عبر الحدود نظير اتفاقية (وأدي عربة) عام 1994 م بين الأردن وإسرائيل مما إرتاحت اسرائيل من هم التعديات والارهاب على الحدود ورجعت بالخير العميم على الأردن الفقيرة في الموارد الطبيعية والجافة أنهارها بدون ماء، اعتمادها على الامطار في موسم الشتاء كل سنة، كان الله تعالى في حالها وعونها، تحتاج إلى عقول تفهم وتعرف كيف تعمل ضمن السلام والتقارب حتى تستفيد وتنهض، فلا يصح الا الصحيح ولا يضيع الحق ووراءه مطالب واحد فمابالك بشعوب عربية عديدة تؤيد وتساند فى الشعب الفلسطيني الذي يطالب، فهناك الكثير  من الحضارات التي سادت ثم بادت... وكل شئ مهما طال الوقت له نهاية، من خلال الزيارة البسيطة لعدة أيام والتجوال في دولة الأردن ذكرتني بليبيا وطني أيام استقلالها في بدايات الخمسينات عندما كنت شابا مراهقا ايام قلة مواردها وفقرها قبل إكتشاف النفط والغاز بغزارة وأصبحت بين ليلة وضحاها من أغنى الدول في المنطقة، فهل يمن عليها الله تعالى ويكتشف فيها كنوز طبيعية أخرى مع كنوزها المقدسة السياحية حتى تنهض و تنتعش وتتقدم... والله الموفق....                                    
               رجب المبروك زعطوط

 البقية في الصفحات القادمة...

No comments:

Post a Comment