Sunday, April 13, 2014

مدينة درنة (16) 78

بسم الله الرحمن الرحيم


 كنت بمدينة درنة الأسبوع الماضي حيث مكان إقامتي وسكني وقضيت عدة أسابيع هناك بعد أن قطعت رحلة العلاج  ولقاء الأبناء والأحفاد في مدينة دالاس أمريكا، واضطررت إلى الرجوع مبكرا إلى ليبيا بسبب وفاة خال الاولاد المرحوم عبدالجليل في بنغازي، حيث وجد ميتا، معظم جسده متحفما في سيارته، التي وجدت على قارعة الطريق عند الفجر ... وإلى الآن لم يعرف هل الوفاة طبيعية نتيجة حادث أليم وإشتعال النار ولم يستطيع إنقاذ نفسه والخروج من السيار، ام نتيجة أمر مدبر، إغتيال وجريمة قتل مع سبق الاصرار... حيث ليلتها في مدينة بنغازى يوم 2014/2/26م   حدثت عدة مآسي أليمة من نفس النوع لعديد من الضحايا نظير الإرهاب والعنف بالمدينة....

       قضيت الأسابيع بعد العزاء في العمل المضني طوال الوقت من الصباح إلى المساء مشرفا على بعض الأعمال الخاصة بي  بالبناء والتشييد لمركز تجاري في مدخل مدينة درنة الغربي، وكان الجميع من الأصدقاء والمعارف مستغربين أنني مازلت مستمرا في البناء بدون مبالاة عما يحدث من تطورات عنيفة تهز المدينة وتنذر بحدوث كوارث، حيث معظم الجميع متوقفون عن الأعمال نظير الوضع الحزين والانفلات الأمني من السطو والقتل والإغتيال وفرض الأتاوات المجحفة على البعض الميسورين من التجار ورجال الأعمال....  وكان ردي بسيطا: أنا إبن المدينة ولن أخاف ولن أهرب منها كما فعل الكثيرون من الضعفاء، نظير حب البقاء والحياة...  مؤمن عن قناعة ويقين أنه لا يصيبنا إلا ما كتبه الله تعالى لي من مصير...  متيقن ان المال الذي ينفق على المشروع مال حلال تم الزكاة عليه بما يرضى الله تعالى، عالما ان بيوت الكثيرين من الفنيين واليد العاملة تسترزق من جراء المشروع بعرق الجبين مما يزيدني سعادة وفرحة ان الرب الخالق لن يتركني وحيدا بل سيحميني ويشملني برعايته من الشر والشرور ويغض نظر الحاقدين والحاسدين حتى أنتهي من البناء ان شاء الله عز وجل ويستفيد الجميع...

       لقد أصيبت الحركة التجارية بشلل قوي في جميع أنحاء الوطن وبالأخص في مدينة درنة التي إشتهرت بعاصمة الإرهاب والعنف، حيث الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة إتخذ منها ملاذا وعاصمة في شمال أفريقيا حسب ما يقول الرأي العام المحلي والدولي...  ونقص التعامل من بيع وشراء وبدأت الأزمة الخانقة تلوح في الأفق وتقترب رويدا رويدا لخنق الجميع إقتصاديا وبالأخص ذوي الأعمال الحرة الذين ليسوا موظفين لا يتقاضون مرتبات من الدولة، ليس لهم اي نوع من أنواع الدخل غير الإسترزاق من العمل الحر الذي كل يوم يتلاشى ويزداد صعوبة نظير الإرهاب... مما إضطر الكثيرين إلى الهجرة والبحث عن مصادر ارزاق أخرى حتى يؤمنوا لقمة العيش الشريف لعائلاتهم... وأبناء الشعب لا هون في صراعات ومكائد الخبث بينهم، غير معروف من الصادق ومن الكاذب...  لا أحد يعرف ؟؟؟ نظير فتن من بعض اللئام الذين لا يعيشون ولا يترعرعون إلا في الأجواء القذرة الموبوءة بالفساد والإفساد، الكيد والأحقاد والفتن، مما جعل الجميع يعيشون في مهاترات ومتاهات لا تغني ولا تسمن من جوع....

      وزاد الطين بللا ضعف الدولة وتراخي الحكومة عن فرض الأمن وسيادة القانون، والثوار وأدعياء الثوار والمجرمين الذين إستغلوا الفرص والتسيب والفوضى والتخبط وفرضوا وجودهم بقوة السلاح الذي يتوفر في الأسواق بدون ضبط ولا قوانين تحد من بيعه وإستعماله، منتشرا بأعداد رهيبة رخيص الثمن، وكأنه لعب أطفال في متناول اليد موجود في كل بيت ومكان لكل من هب ودب...

      كم كنت حزينا وأنا أشاهد الحال المزري والتأخر والتدحرج إلى الهاوية رويدا رويدا وغير قادر على وقف النزيف، ولا على التوقف عن العمل حتى لا يصبح البناء أطلالا تهبه الرياح مع الوقت، ويذهب العمال والفنيون المصريين إلى وطنهم، ويصعب البدء من جديد، حيث نحن في المنطقة الشرقية بدونهم لا نستطيع دفع عجلة العمل ولا مسيرة الحياة...

      الجميع في هرج ومرج، البعض يحدوهم الامل في الاصلاح والصلاح والكثيرون متشائمون يترقبون  حدوث المصائب والمصاعب التي تتوالى الواحدة وراء الأخرى بدون عدد ولا حساب على رؤوس المواطنيين والمدينة التي غرقت في المآسى والأحزان وكل يوم تزداد غوصا وغرقا إلى القاع العميق الذي إلى الآن لم نصله بعد، أليست بمأساة ؟؟؟ بلانا الله عز وجل بشرائح متطرفة متشددة اتخذت من الدين الإسلامي ستارا للهيمنة والفرض على البسطاء بالخضوع والخنوع والعيش في الظلال غير قادرين على رفع الرأس، ينفذون كل ما يطلب منهم بدون سؤال ولا رفض، مثل قطيع الغنم يتبع الراعي إلى المسلخ للذبح!

       وجدوها فرصة في الشباب التائه، المجرمون عديمي الأصل والفصل نفايات المجتمع مرضى العقول والنفوس فقد جعلتهم المخدرات أحياءا يرزقون بدون عقول نتيجة الإدمان بحاجة ماسة للمزيد من الأموال لشراء السموم المخدرة التي تذهب بالعقول، والحصول عليها بأي وسيلة كانت ولو بإرتكاب الجرائم الدموية الوحشية وإهراق دماء الابرياء، إستغلوا الفرص وأشاعوا الرعب، القتل والإغتيال للعديد من الرجال سيئ الحظ في لحظات الغفلة، سواءا هؤلاء القتلى مجرمين أو أبرياء، نتيجة الإتهامات المغرضة التي معظمها باطلة من طرف  شهود الزور، الحال والواقع المرير والأسرار الدفينة عن أعمالهم الخيرة أم الشريرة في الخفاء يعلمها الخالق الذي خلق.

      شاع الفساد والإفساد على مستوى كبير في المدينة المجاهدة الصابرة التي كانت يوما بالماضي يضرب بها المثل  من ناحية الجمال والاستقرار والعيش في هدوء وراحة البال  بين مواطنيها العديدين الذين هم مجموعات تضم شرائح من جميع أنحاء الوطن...  بلاها الخالق بفتن ومصائب ومصاعب من ذوي العقول الضيقة الجهلة الغير قادرين على المضي في عالم وعصر العولمة الذي طغى على كثير من الأشياء السابقة.

      نحتاج إلى وقت طويل وصبر وجهاد عسى ان ينتهي الفساد والإفساد ونلملم الجراح التي تنزف طوال الوقت نتيجة تراخي وضعف الحكومة وأولات الامر أصحاب القرار... كل من هب ودب من أدعياء الثوار المنافقين ذوي الأقنعة الزائفة التي يغيرونها حسب الحاجة لتستمر المسيرة حتى يزدادوا ثراء  وسلطة جائرة، يضحكون على الذقون والبقاء في سدة الحكم سواءا ظاهرين للعلن أو من وراء الستار يفرضون وجودهم على أصحاب القرار، حتى ضاع الوطن في الفوضى والتخبط...

      ظهرت على السطح نعرات كثيرة وكبيرة إتخذت عناوين ضخمة، الدين مستغلين طيبة النفوس لدى أبناء الشعب البسطاء الأبرياء الذين يصدقون الأدعياء اللذين أشاعوا الفساد بمقولات براقة في الظاهر جيدة للغافلين بمجريات الأمور والسياسة القذرة، والواقع في الخفاء مع الوقت هدامة... كان الله تعالى في عونك ياليبيا ياوطني فقد صدمنا في الثورة التي كنا نحلم بها طوال اربعة عقود ونيف بأن ننهض ونتقدم ونصبح من الأوائل بين الامم في وقت قصير حيث لدينا جميع الإمكانيات من وطن كبير المساحة وشعب قليل العدد وموقع جغرافي رهيب وثروات بدون حدود لو إستغلت الإستغلال الجيد في الصلاح والإصلاح، لوصلنا بسرعة إلى القمم وخرجنا من دائرة العالم الثالث!  لكن الواقع الأليم حدثت المأساة...  زالت الأقنعة وكشرت عن الوجه القبيح، تراجع الوطنيين الاحرار من الصدمة خطوات عديدة للوراء، وتقدم الصعاليك أشباه الرجال وإستولوا على الحكم، أليست بأمر مؤسف ومأساة ؟؟؟

      إننى في آخر خريف العمر وأمامي الشتاء قادما عن قريب فقد بلغت السبعين عاما ومازال في العمر بعض البقية للحياة... ويؤسفني ان أشاهد بلادي بعد مرور ثلاثة سنوات على نجاح الثورة والنصر وهلاك الطاغية المقبور ومازالت تتخبط في الفوضى وتتدحرج كل يوم إلى الهاوية نظير الفوضى والتخبط، والشرفاء الوطنيين مشدوهين مشلولين غير قادرين على التصدي لهؤلاء الصعاليك... وسؤالي وتساؤلاتي إلى النفس، هل في يوم ما في المستقبل القريب سوف أشاهد وطني سعيدا بدون قلاقل ولا تخبط وفوضى ونهب للمال العام؟؟؟ سائرا على الطريق الصحيح، حتى نقطف ثمار النصر، ونزهى بقية أيام العمر...إنني لا أعرف ؟؟ والله الموفق...
         
       رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment