Monday, December 31, 2012

شاهد على العصر 51



بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر 
51  
               

طلبت من النساء عدم الصراخ والعويل على المرحومة امى التى توفيت منذ وقت بسيط وأغلقت باب الحجرة والشموع  مضاءة  ووضعت المفتاح بالجيب حتى لا يدخل اى غريب لحجرتها فى ساعة الفوضى كما حدث من قبل لعميد العائلة الحاج المبروك والدى عندما أحضرنا جثمانه من القاهرة مصرً بالجو عن طريق بنغازي " رحمه الله عز وجل وغفر له بواسع الرحمة والمغفرة "
وجلست فى الصالون مع أخوتى نتدابر فى الامر وتوزيع المسئوليات حتى نضمن سير العزاء والعشرات من الجيران والحى يتوافدون الى البيت لتقديم العزاء لنا عندما انتشر خبر الوفاة بسرعة البرق فى المدينة والآخرين  ؟؟؟
لم أنام تلك الليلة ولم يغمض لى جفن حيث كنت شاردا حيث فقدت اعز شئ بالحياة الوالدة ذات الصدر الحنون فقد كانت تربطنى بها صلات روحية  كبيرة حيث كنت اصغر أبنائها وأحبهم لها لأننى طوال الوقت لم ارفض لها اى طلب والحمد لله تعالى ولست عاقا مثل الكثيرين ،،، وبعد النقاش فى  عدة امور خاصة بالعزاء مع أخوتى وزعنا العمل بحيث اهم شئ هو التحضير السليم حيث وفاتها المفاجئة  صدمة لنا غير متوقعة حدوثها بهذه السرعة والتى كانت بالسابق غير مريضة فقد كانت دائماً تدعو الرب الخالق وتقول " الله تعالى ان يجعلها من القوة الى الحفرة " حيث لا تريد ولا ترغب بان تعيش مريضة فترة من الزمن طريحة الفراش وتصبح عالة  تحتاج لمن يخدمها حتى تموت وتنتهى ،،،
تم الاتفاق حيث لدينا العشرات من شباب العائلة بالتكليف كل مجموعة بان تهتم بأشياء محددة ،،، اولا باخذ الامر بالوفاة من  المستشفى والتصديق عليه من وزارة الحكم المحلى البلدية حتى تستخرج شهادة رسمية والسماح بالدفن فى المقبرة ،، حتى لا يتم الرفض من الحارس ولا نستطيع الدفن لجثمان المرحومة بسهولة ،،، والمجموعة الثانية بالذهاب الى المقبرة والحفر وتجهيز القبر للدفن ،،، والمجموعة الثالثة لتجهيز المكان وترتيب السرادق لاستقبال المعزين  الذين سوف يكونون بالمئات وبالاخص من المناطق المجاورة والمدن الثانية والاهتمام بتقديم القهوة والشاى طوال الوقت ،،على مدار الساعة ،،،  والمجموعة الرابعة الاهتمام بالمشتريات وشراء كل ما يلزم لاعاشة المئات من الجنسين من الطعام والمجموعة الخامسة من النساء الاهتمام بالطبخ وتجهيز الطعام حتى ننهى ايام  العزاء على اكمل الوجه ،،،
حيث للأسف عاداتنا المحلية صعبة ،،، الفقد للعزيز المتوفى والصرف الكبير المغالى فى أمره حتى لا تصبح العائلة فى موقف محرج تلوكها الالسن انهم قصروا فى حق المتوفى ،، يهتمون بالمظاهر والراوي والقيل والقال ولا يهتمون بالجوهر وطلب الرحمة والدعاء للمرحومة او المرحوم  والتوقف عن العزاء بتاتا بعد 3 ايام حسب الشرع ،،؟؟
بل ايام العزاء وبالاخص اذا كان المراحيم وجهاء اما مالا ام سلطة وجاه ،،،  بعد العشاء السهرات تستغل كاجتماعات ولقاءات  وندوات والتعريف بصلة الرحم والقرابة للدم حيث الكثيرون من الشباب للعائلات الكبيرة لا يعرفون البعض للبعض وبالاخص لسكان المدن الاخرى او الذين يعيشون بالخارج ،،،  والربط لكثير من الاعمال حيث لا منتديات تجمع الجميع من  رجال وشباب او سيدات وفتيات الا فى حالات الوفاة  لاقربائهم عندها يحضرون حتى لا تحسب عليهم انهم تقاعسوا عن الحضور ،،، أليست بامر مؤسف ومأساة ؟؟؟
اليوم الثانى بالصباح واثناء تجهيز جثمان المرحومة " الغسالة " بتحميمها وإلباسها الكفن والتجهيز للدفن ،،، وصلت مجموعة من شباب اللجان الثورية الغوغاء العوام يسالون عنى وانه مطلوب حضورى للادارة حتى يتم الزحف والتأميم لجميع أموالى وممتلكاتى ،،،
ولم أتمالك أعصابى ولم اضبط النفس وانفجرت فيهم بالسباب والألفاظ القذرة ،، لهم ولعقيدهم المجنون غير مباليا بالعواقب الجسيمة وتمنيت اننى قمت بالتحرش بهم  وضربهم ام قتلهم حيث كانت فرصة ثمينة لاعطاء نظام المجنون درسا فى التعدى حيث جميع شباب العائلة موجودون بالساحة ينتظرون خروج الجثمان للدفن فى المقبرة ،،
ولم تكن من عادتى التهجم والسب والذم ولكن هؤلاء المغفلون العوام الجاهلون بالمشاعر حيث لا توجد فى انفسهم ذرات رحمة أغبياء لم يسألوا انفسهم المريضة كيف يطلبون من انسان فى ساعة الحزن والفقد للوالدة والتى لم تدفن وتدخل القبر بعد ،،، ويأتون لأمور دنيوية يطلبون الحضور الشخصى ولم يسألوا انفسهم المريضة لماذا تجمع الناس بالمئات فى الشارع ؟؟؟ ومن المتوفى ؟؟؟ 
وبعد السباب والتحدى لهم ولزعيمهم المجنون  القذافى علنا بالشارع امام نظر وسمع الجميع ،،،  خافوا على انفسهم ولم ينطقوا بكلمة واحدة وتراجعوا بهدوء بدون الرد  حتى لايتطور الامر الى معركة خاسرة لهم مع انهم يحملون أسلحة مسدسات للدفاع عن انفسهم فى حالة التعدى ،،، مع اننا كجمهور موجود فى الشارع ليس لدينا اى سلاح حيث محرم علينا اقتناؤه ،،، ولكن قلوبهم هواء ليست لديهم الشجاعة الكافية للتحدى لانهم عرفوا الحقيقة المرة وانهم اخطأوا فى الحضور حيث الوقت والمكان غير مناسب ؟؟؟
خرجوا أذلة حيث كانوا على خطا كبير قاتل ،، وبالنسبة لى شخصيا فقدت اعز شيئين لى فى الحياة الوالدة العزيزة التىى لم تدفن بعد ؟؟؟ وجميع ما املك من املاك وشركات من امثال هؤلاء الغوغاء الجاهلين الأغبياء الذين ساندوا الظالم القذافى ،، حيث لا يصح الا الصحيح مهما عصفت الزوابع والأعاصير وتقلب الانسان المؤمن الصادق مع الله عز وجل والنفس فى امور الحياة التى يوما افراح ويوما أتراح ،،، حيث فى نظرى كل من يساند ظالما عن قناعة وطيب خاطر يصبح ظالما مثله ،،، لا رحمة ولا شفقة  له مهما حاول من إبداء المعاذير وطلب الرحمة والشفقة عندما يتهاوى ويسقط ؟؟؟
تم دفن الوالدة فى موكب مهيب والجميع من العائلة والجيران يترحمون عليها ويدعون لها بالرحمة حيث كانت إنسانة فاضلة تحب وتخدم الجميع وتدعوا دائماً للتآلف والاحترام وبالاخص مع الجيران ،،، واستمر العزاء واثناء الاسبوع الاول من وفاة الوالدة اختلست بعض الوقت بعد العصر  وذهبت فى زيارة الى المكتب الرئيسى الادارة القريب من مكان العزاء ،،،  لأرى ماذا حدث  بأم العين بعد غيابى عنهم اسبوعا ،،؟؟
وكنت مرهقا متعبا  من الفقد وموت الوالدة  وعدم النوم الكافى وكثرة المعزين الذين لايرحمون ياتون بدون مواعيد ليلا نهارا يريدون تعزيتى شخصيا حتى يثبتون انهم حضروا المعزى مما شكل لى تعبا وإرهاقا غير محسوب حيث مضطرا طوال الوقت بان اكون موجودا جاهزا لقبول التعازى والمجاملة الفارغة لهؤلاء المعزين محافظا على العادات المحلية حتى لا تلوكونى الالسن بسلاطة اللسان ،،،اننى متكبر ومتعجرف ولا اقوم بالواجب ؟؟؟ 
اوقفت سبارتى المرسيدس فى الفناء امام باب المكتب الرئيسى وصعدت السلالم الى الدور الاول حيث مكتبى الخاص ،،، ووقف البعض من الموظفين من حضورى الغير متوقع ،،، وقاموا بالنهوض والتحية والتعزية ،،، احتراما وتقديرا  ولاحظت آخرين فى عيونهم الشماته غير مرحبين بحضورى وانما يجاملون غصبا عنهم ،،، ولم اهتم فهذه حالة الدنيا المستمرة الى ماشاء الله عز وجل مابين مادح وقادح وتاسفت من اعماق القلب ،،، لماذا هؤلاء الأغبياء يعاملوننى بجفاء وانا الذى عينتهم يوما من الايام  موظفين او عاملين بالمؤسسة ،،،
دخلت للمكتب وجلست على الكرسى الدوار متطلعا بذهول ودهشة عن التغيير الكبير الذى حدث خلال اسبوع فقط من الغياب والزحف والتأميم ،،، حيث صورتى الشخصية الكبيرة وصور الآيات القرانية المعلقة   أزيلت من على الجدار وجميع الملفات فى الدواليب والكتب فى الارفف الزجاجية   أخذت الى مكان اخر ،،، بحيث المكتب عاريا من اى بهجة وليس مثل السابق ،،، ووجدت رسالة معنونة باسمى وفتحتها باصابع مرتعشة وكانت فحواها انه تم تعينى فى المؤسسة كمستشار براتب مغرى فى ذاك الوقت ،، حيث لا يستطيعون إدارة دفة السفينة ويريدون الاستعانة بى لمرحلة وبعدها سوف يستغنون عن الخدمات ،،، 
ووافقت لا اريد ان اعادى الادارة الجديدة وقررت ان أتحمل العذاب والهوان لفترة بسيطة حتى اضمن وارتب كثيرا من الامور فى نصابها ،، واهمها التصديق والختم على قوائم المعدات والحسابات لأننى سوف احتاج لها يوما ما عندما اطالب الدولة بالمستحقات المؤممة  ،،، وتناولت الموضوع بمهارة مع رئيس اللجنة الشعبية السيد " ع م " الذى عينته بالسابق كمسؤول فى الشركة عن الادارة ،،، وكان  دقيقا وروتينيا فى العمل كل شئ محسوب وبالمراسلات كتابة وتواقيع ،،، وبالنسبة لى الله عز وجل يسامحه فقد كان صادقا فى معاملاته معى ،،،
رجع الخيال بى للوراء بعض الوقت وانا لا شعوريا ادور بالكرسى ببطء ،،، الى يوم تعينه بشركة المدائن للمقاولات المساهمة ،، حيث طلب منى اخوه النقيب فى الجيش وقتها  والذى كان من رجال الانقلاب الاسود " الثورة " وبعد مدة تدرج فى الرتب حتى وصل الى رتبة لواء " ا م " ،،، ان اوظفه معى حيث لديه مشاكل مع الشركة التى يعمل بها " الاعمال المدنية " وقبلت لانه صديقى فقد سبق وكنا طلبة ندرس بفصل واحد فى المدرسة  الثانوية فى نهاية  الخمسينات ،، مدرسة عزوز الثانوية ،،،
ضغطت زر الجرس طالبا على فنجان قهوة وتاخر حوالى النصف ساعة حتى  وصل النادل ووضعه أمامى بتآفف حيث لا يريد ان يخدمنى ولكنه غصبا عنه ضرورة من تلبية الامر ،،،وضحكت فى السر من داخل النفس والقلب ،،، كيف الحال تغير بدلا من ان اكون سيدا فى المؤسسة اصبح أجيرا مع الموظفين والعمال  ،،، أليست بامر مؤلم ومهانة ،،، ان اصبح فى هذه الحالة المؤسفة المخزية  حيث لا دخل لى ولم تكن قصورا من عندى وافلاس ولكن قوة قاهرة اكبر من مستوايا هى التى فرضت على الزحف والتأميم بالقهر والقوة " ياخذ منهم الله عز وجل الحق يوما من  الايام  " 
المهم قضيت بعض الوقت وهبطت الدرج وانا مهموم مغموم وخطوت عدة خطوات الى السيارة ووضعت المفتاح فى القفل لافتح الباب ،،، وفجأة ظهر من حيث لا أدرى حرسا من اللجان الثورية وقال بصوت امر هات مفتاح السيارة ؟؟ وقلت له لا حيث هذه سيارتى الخاصة ،،، وقال لا انها للشركة التى تم التاميم لها ؟؟؟ وقلت المؤسسة ملكى وليس لدى شركاء ؟؟ والسيارة ملكى ولن اسلم المفتاح ،،، وفجأة فتح السترة العسكرية التى كان يرتديها بسرعة  واخرج بندقية كلاشينكوف مطوية وفتح " الأخمص "  ووضع الفوهة مواجهة لبطنى محذرا  وقال لا تجعل اليوم اسود عليك وعلى ،، وسحب الأقسام ،، كآخر تحذير ،، وتطلعت للرجل  ووجدته أهبل لا يفهم يشتعل غضبا منى حيث لديه حقد على الأثرياء والملاك ،،
وتأكدت انه فى شخص او أشخاص آخرون دفعوه لهذا التصرف الأحمق كاهانة شخصية لى ،، وفكرت فى جزء من اللحظة والهمنى الله تعالى حسن البصيرة والعقل بان لا اوقاومه حيث لى فترة اسبوع وانا منهك من العزاء وقلة النوم ،، وممكن من المقاومة والعراك واصبعه على الزناد ان تنطلق الرصاصات وتصورنا فى مقتل او آخرين بالشارع ،،
ورفعت يدى بالمفتاح وقلت له تفضل خذه ؟؟ ليس خوفا ولا قلة شجاعة ولكن قمة الشجاعة الأدبية بحيث حكمت العقل والضمير ولم اترك أهبل يتحدانى وأضيع مقابل سيارة ،، وخطف المفتاح من يدى بسرعة  وتركنى أسير وتراجع للخلف وهو يبتسم منتصرا مزهوا بالنصر والنجاح وانه هزمنى ووضع البندقية تحت السترة وكان شيئا لم يحدث ؟؟
هذه الحادثة الصعبة المؤلمة بالنسبة لى استغرقت دقائق بسيطة ،،، ولكن بالنسبة لى كانها اسابيع وشهور عديدة ،،، عن كيف الانسان الحر الشريف يهان فى وطنه من عوام اراذل لا يفقهون  شيئا غير تلبية الأوامر والطاعة للمجنون القذافى وأعوان الشر والشرور عن طيب خاطر ويعتقدون انهم على الطريق السوى الصحيح ،، أليس بجهل وامر مؤسف ومأساة ؟؟؟
رجعت ماشيا على الأقدام الى بيت العزاء فى نفس الشارع والذى يبعد من بناية المكتب حوالى الميل طولا ،، وبالمنتصف شاهدت العمارات على الجانبين تتمايل ،، 
والواقع المرير ليست العمارات  التى تهتز وتتمايل ولكن انا الذى اتمايل من الصدمة ،،، وفجأة احد الأصدقاء السيد " م ج "  رحمه الله تعالى خبط بقوة على الكتف وانا اكاد اسقط من السير وقال ياحاج وحد الله تعالى ،، حيث رزق الدنيا فأنى ،، وانت الذى عملت هذا الرزق بامر الله تعالى وبعرق الجبين وبالحلال ،، مما رجعت الى صوت الحق والضمير  وشددت قواى وتمالكت رباطة الجاش والنفس  وقلت الحمد لله تعالى  على ما اعطى ووهب من خير او ضيق واوقات صعبة ،،، ولولا الخبطة القوية لكنت دخلت فى عالم اخر وأضيع دنيا وآخرة ،،،  
 ووصلت الى بيت العزاء وكان بالإمكان إرسال بعض الشباب لضرب ألجانى وتاديبه وأعطاؤه درسا قويا بان لا يتطاول على اسياده ،،، ولكن رفضت الفكرة بتاتا حيث العنف يولد العنف ولن يتوقف العراك والمناوشات حيث هذا التخطيط الذى يسعى له المجنون القذافى بان يتناوش الجميع من ابناء الشعب ويصبحون اعداء ليحققوا له الهدف الرئيسى  ويصبح هو المتفرج الوحيد على ما يحدث من متاهات ومهاترات حتى يستمر حكمه الى ماشاء الله عز وجل ،،،

                                                رجب المبروك زعطوط 

البقية فى الحلقات القادمة ،،،  


No comments:

Post a Comment