Monday, December 31, 2012

شاهد على العصر 50


بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر
 50
 


النصيحة الثالثة كانت من السيد فيكتور جبيلى من لبنان حيث معرفتى به قصة طويلة ،،، احببت ان اذكرها بالتفصيل للقارئ حتى يعرف مدى الأخوة والمحبة والتقدير لهذا الرجل " رحمه الله تعالى "  ،، فانا اعتبره أستاذا لى فى معرفة كثير من الامور التجارية عن طريق الحديث والسماع منه اثناء الأحاديث الشيقة فى الاجتماعات واللقاءات والمآدب وفى السفر والتنقل  حيث مارس الحياة السهلة الحلوة والصعبة القاسية  ولديه الكثير من التجارب والخبرات وكان فى فترة من الزمن استمرت اكثر من عقد مابين عام 1968 م وعام 1978 م يتردد دائماً على فى زيارات الى المكتب فى مدينة درنة ليبيا او نتقابل فى طرابلس ليبيا حيث لدى مكتب تجارى هناك وشراكة مع السيد نصوح وسعيد شحادة  الأخوة المقيمون فى طرابلس ،،،  او بيروت لبنان حيث كان مديرا للتصدير فى شركة ابناء شحادة للتجارة ،،
وكانت تربطنى به معزة خاصة واحترام وتقدير متبادل ،،،  مع الفارق الكبير فى السن حيث اكبر منى سنا بحوالى خمسة وعشرون سنة على اقل تقدير ،،،وسبب المعرفة انه يوما فى منتصف سنة النكسة عام 1967 م حضر الى ميناء درنة حوالى الضحى يسال عنى ليعرض على بعض المواد لشرائها وكنت يومها مستعجل للذهاب الى البيضاء حيث لدى مواعيد عمل لا استطيع التأخر عنها ،،، 
وقابلت الرجل بكل بشاشة وكان فى الستينات من العمر وأراد ان يتحدث فى العمل وقلت له انا أسف فى الوقت الحاضر ،، لا استطيع لأننى مرتبط فى مواعيد عمل ،، ولكن اذا احببت وانتظرتنى الى  الساعة السادسة مساءا سوف انتظرك فى المكتب حيث لدى الوقت للحديث بمهل بدل العجلة مما وافق ،،، انه سوف ياتى ،،،
تعطلت فى الرجوع من البيضاء  ووصلت متأخرا حوالى الربع ساعة عن الموعد ،،، ودخلت للمكتب مسرعا وشاهدته خارجا غاضبا من المكتب حيث لم يستقبله مدير المكتب السيد " م ب "  كما يجب وسلمت عليه وتاسفت عن التأخير وادخلته لمكتبى الخاص وطلبت له على مشروب بارد وقهوة ليرتاح وطيبت خاطره ،،، وعرفت سبب الغضب ان مدير المكتب تصرف معه بشذوذ وعدم اهتمام مما غضب وخرج ،،،
وبعد حديث طويل وعروض اشتريت منه كمية بسيطة من الأسمنت الابيض 200 طن حيث لبنان كانت مشهورة بصناعة الأسمنت الابيضً حيث لديها مصنع كبير للإنتاج ولا يوجد حول البحر الابيض المتوسط وقتها الا عدة مصانع فى ايطاليا وفرنسا وإسبانيا فقط مع لبنان ،، وغيرت مكان إقامته من الفندق الشعبى " العمامى "  امام البريد القديم الى الجناح الفخم رقم 12   المؤجر طوال السنة خاصتى بالضيوف الكبار فى الفندق الجبل الاخضر ودعوته لتناول طعام  العشاء فى المطعم بالفندق حيث تحت إدارة ايطالية والطباخ جيد  يقدم فى احسن الوجبات طوال الوقت ،،، وطلب استعانتى فى الحصول على عربة اجرة لتوصيله بالصباح الباكر الى بنغازى مما رتبت له عربة خاصة ودفعت ثمن الاجرة  ،،، مما فرح كثيرا على العناية والاهتمام الكبير ،،،
بعد بعض الوقت  قمت بزيارة الى بيروت لبنان لاول مرة ازورها وتطا اقدامى لها مع الرفيق عوض شنيب رحمه الله تعالى حيث وصلنا حوالى الثانية صباحا مع الفجر ،، وأقمنا بعد جهد جهيد فى فندق نابولى بالحمراء حيث معظم الفنادق محجوزة لانه موسم الصيف والجميع يرغبون فى الاصطياف فى لبنان بالجبل حيث الهواء عليل والطقس رائع جميل والسمو والحضارة والتعايش لجميع الأعراق فى ود واحترام  ضمن الاخلاق العالية وقتها ،،،حياك الله تعالى بالبنان ؟؟؟   
، واليوم الثانى حوالى الظهر اتصلت به وحدث التباس فى الاسم حيث بطاقة الشركة باسم نعيم شحادة المالك وكنت اعتقد انه اسمه ولكن تداركت الامر عندما سمعت صوته من الطرف الاخر عن طريق البدالة ،،، ووصل الى الفندق مع مالكى الشركة الأخوة السيد محمود واخوه ماجد ،،، ودعوة على الغذاء فى مطعم يلديزلار الفخم فى الروشة امام صخرة الانتحار ،،، واحاديث كثيرة ومنذ ذاك اليوم بدات العلاقة التجارية والشخصية تزداد قوة ومتانه  ،،،
وأتذكر فى احد الايام عندما كان فى زيارة عمل بدرنة ،،،  نصحنى نصيحة غالية بان احتاط حيث مر بتجربة التاميم فى الاسكندرية بمصر ايام حكم  الرئيس عبدالناصر وكيف ضاع كل التعب والجهد وعرق الجبين لسنيين بسهولة نظير شطحات عسكريين مجانين يعتقدون انهم بعملهم المشين ينهضون بالوطن والمواطنين ،،، والواقع المرير يعملون ضد الدين ،،،  ضد الارادة الالاهية فلا يستطيعون العدل والمساواة وجعل الجميع سواسية حيث الرب الخالق وزع الارزاق بقدر محسوب وخلق الاغنياء والفقراء ،،،
فالخير لا يدوم الى الأبد وطالما العسكر بالسلطة لن تنجح الدولة حيث عقلياتهم صعبة يعتقدون فى انفسهم انهم العارفون والفاهمون بكل شئ والواقع المرير لا شئ ،،، ولم أخذ بالنصيحة والشورى حيث وقتها لا يصدق اى انسان ومواطن ليبى  ان ماسى كبيرة وأحداث دموية رهيبة والدم الليبى للاحرار سوف يسفك ببساطة من اياد ليبية حاسدة حاقدة ،،، واوامر صارمة  من القذافى المخبول التافه ،،،،.بالاغتيالات بالخارج والداخل ،،، لضمان حكمه فى المستقبل  حسب مايمليه عليه عقله المريض  ومستشاروه الأشرار الذين لا يهمهم الوطن ولا المواطن طالما هم احياء يرفلون فى العز والجاه ،،، 
المشكلة الرهيبة اننا بالسابق كنا نعيش الحلم والوهم وان ليبيا واسعة وقليلة العدد وثروات كبيرة ونسينا الأجندات الخارجية والقوى الخفية العالمية التى تدعم فى افراد معينيين للوصول لراس السلطة والبقاء للحفاظ على مراكز النفوذ حتى لا يستولى عليها الآخرون والبقاء لخدمة الاخرين حيث ليبيا بها ثروات رهيبة ومواد خام لآلاف السنيين وموقع استراتيجى وبوابة افريقيا للدول المغلقة مع اوروبا ،،، لكل من يريد ان يتحكم ويستغل العبور والتجارة من افريقيا الى موانى اوروبا  وبالعكس ،،،
القذافى المريض ،،، خطط للخطوة الاخرى الشاذة وهو الزحف والتأميم الكامل للتجار والملاك والمقاولين ورجال الاعمال دفعة واحدة وبدا المخطط الجهنمى  بان على الجميع من شركات مقاولات فردية  قزمية ان تتحد مع بعض فى شركات قوية جماعية ،،، وللأسف بلعنا الطعم ولم نفكر تفكيرا جادا لماذا هذا الامر ؟؟؟  وماهى أبعاده  الخيرة او الشريرة وفكرنا فيها من جانب واحد الخير وللمصلحة العامة ،،، ولم نتطرق للوجه الشرير حيث نوايانا طيبة وتوجهاتنا خيرة لنا حب وولاء للوطن ،،،
وجمعت جميع شركائى بدون استثناء لاحد  وبعد مداولات عديدة جانبية  ولقاءات كثيرة فى مدينة درنة وصلنا الى صيغ مهمة وظهرت للنور " شركة المدائن للمقاولات المساهمة  " حسب القانون الذى صدر ،،، حيث فرض علينا بالاكراه ،،،، لا مشاريع توقع للشركات القزمية من قبل الدولة ،،،  الا للعامة وشركات المساهمة مما اضطررنا للعمل الجماعى غصبا عنا ،،، 
وذابت المؤسسة وسطها وتنازلت بكل رضى نفس عن الجهد والتعب  والاليات والمعدات التى تقدر بالملايين وقتها ،،، حتى اؤلف شركة كبيرة مساهمة  نستطيع بها مواجهة الكثيرين من العمالقة والشركات العالمية للبناء والتشييد حيث لدينا الرجال المهرة فى الادارة والخبرات وكثرة الاليات والمعدات وقوة الراسمال وامورا كثيرة من علاقات جيدة بالداخل والخارج مع رجال الاعمال والشركات ،،،، تضمن لنا النجاح ،،، 
واصبحت على راس الهرم المدير العام ورئيس مجلس الادارة لشركة كبيرة تضم رجالا يعتمد عليهم فى العمل والأوقات الحرجة والصعبة ،،،  بدون قبض ولا تعويض لاموالى بل تسجيل ارقام  قيودا دفترية بالحسابات انه لصالحى قرضا كذا كذا ؟؟؟ يوما سوف أقبضها وبدلا من ان اكون القائد بلا منازع أقرر متى اريد وارغب ؟؟؟ أعطى واهب لاى مواطن موادا او استعارة يد عاملة لانهى له بعض اعماله الخاصة ،،، اصبحت مقيدا من  شركاء كثيرين مساهمين احتاج الى الشرح والموافقة ،،،فى بعض الحالات حتى لا أوصم باننى ديكتاتور مستبد فى الآراء ،، غير مرن ولا قابل للنصح ،،، 
ومع جميع هذه المضايقات والعراقيل والصعاب التى لم اكن متعودا عليها فى الادارة بالسابق عندما كنت المالك الوحيد  بدون شركاء ،،،   لم اتوانى عن العمل بصدق وأمانة لمصلحة الجميع ،،، لاننى عارف ومؤمن عن يقين ان البقاء والربح الكبير فى التآلف والوحدة وان يد الله عز وجل مع الجماعة الصادقة ،، وبالتالى لم اقصر الى النهاية ،،،،
سارت الامور على الخير وكل يوم مزيدا من النجاح ومررنا بهدوء غير عادى حيث الاعمال بكثرة وقدمت الى مشروع رصف طريق من قرية ام الرزم الى راس التين ورسى المشروع على شركة المدائن وكانت فاتحة الخير ،،، واثناء التجهيز لاستلام الموقع والبدا فى التنفيذ حلت المصائب ،،، وخطب العقيد الأهوج خطاب زوارة المشهور بالنقاط الخمس واعلن ثورة داخل الانقلاب الاسود " الثورة  " ومسح جميع القوانين بخطبة مرتجلة وبجرة قلم واعلن طالبا من الرعاع والعوام من اللجان الثورية بان يزحفوا على الملاك والتجار ورجال الاعمال والمقاولين بدون اى استثناء لاحد ،،، ونهب وسرقة الأرزاق والأملاك والثروات فى وضح النهار ،،،
وهجم العاملون باحقاد وحسد على أرباب الاعمال وحدثت أحداثا سخيفة مؤلمة للكثيرين وسقط اللبعض موتى ومرضى نتيجة الصدمة التى لا تصدق فى الوطن ليبيا ،، وكان عندى العلم انه سوف تحدث مصائب اسبوعا قبل الحدث وقررت التصفية  والبيع لبعض الآلات ولكن للأسف تحصلت على عروض تافهة واسعارا رخيصة مما قررت عدم البيع ،،، 
قبل التاميم والزحف بيوم سرت الإشاعات فى المدينة وكنت يومها فى زيارة لبيت الوالدة واختى الأرملة التى تعيش معها ،، وتغذيت فى البيت وخرجت الى المكتب الرئيسى حيث طلبت من المحاسبين ان يأتوا لمراجعة وتدقيق الحسابات وشطب ديون كثيرة لصالحى لدى الغير والاقارب حتى لا يطالبونهم بعد التاميم يوما من الايام من دفتر الاستاذ العام ،،،
وكنت جالسا على المكتب منكبا على الدفاتر اراجع والسيجارة تلو الاخرى مشتعلة وحولى المحاسبون ومدير المكتب واقفون كحلقة على وانا أطالع واوقع على التى أريدها ان تحول الى دفتر اخر خاص بى انقله معى للبيت وفجأة دخلت زوجتى للمكتب وهى منزعجة وقالت الحق تعال بسرعة للبيت واول خاطرة خطرت بالبالونات  ان احد الأولاد الصغار أصيب بحادث حيث يجرون من بيت الوالدة للشارع بدون ان يعرفون والشارع مزدحم بالمرور والجميع يجرون من غير تحديد للسرعة ،،، وكانت اول مرة تدخل للمكتب فليس من عادتها القدوم والدخول وبالاخص انا مشغول ؟؟ وقلت لها بلهفة ماذا حدث ؟؟؟
وقالت الحق الوالدة مريضة ولم اتركها تكمل العبارة وتركت السيجارة بالطفاية مشتعلة واستأذنت من الجميع وقلت لهم تابعوا العمل وسوف ارجع بعد قليل ولم اعرف وقتها اننى لا ارجع الا بعد اسبوع ،،،
ذهبت قلقا الى بيت الوالدة حيث وجدتها ممدة بسريرها فى لحظاتها الاخيرة تودع ،،، وتحسست اصبع رجلها الشمال وكان باردا جداً وكانه فى ثلاجة " فريز " ولاحظت الانتفاخ فى البطن وعرفت انها النهاية وعبارة عن وقت ،،، وطلبت منا انها تريد الراحة ولا تريد اى دكتور لعلاجها وذلك كسوفا حتى لا يكشف عليها اى احد  حيث تعيش ضمن العادات القديمة الجميلة وليس مثل معظم سيدات وفتيات اليوم لا يعرفن الكسوف ولا الحشم ،،،
ولم ارتاح وبعثت على إحضار طبيب مصرى حيث جاء وكشف عليها وهى تمانع وأعطاها حقنة لترتاح ،،، ولزيادة التاكد احضرت الطبيب رئيس الاطباء بمستشفى الوحدة الدكتور سالم ساسى وقتها والذى كان مشهورا فى منطقتنا ونفس القصة كشف عليها وامر ببعض الدواء وأنها بحاجة للراحة ،، 
وطلبت من زوجتى بصوت عالى ان تخابر بالهاتف اختى المقيمة بطبرق ال بن خيال وان تقول لها بان تأتى بأسرع وقت لتشاهد الام ،، وان تبعث لاخوتى حتى يحضرون ويشاهدون الوالدة ،، وجاء أخوتى الحاج صالح وبعده الحاج حسن حيث تم الوداع لها ،، وادخلت السيدات الواحدة وراء الاخرى من العائلة والجارات حيث ودعتهم وطلبت السماح من الجميع وحضرن أخواتى وبدأت الام فى توزيع أقراطها واسورتها الذهبية على أخواتى وبنات العائلة وهى مسرورة وراضية وكانت من قبل غير مستعدة لاعطاء وتوزيع ذهبها تحت اى ظرف كان ؟؟؟
كانت تتحدث معنا وهى مسرورة راضية فرحة  وكانها تشاهد فى ملائكة محيطون بها نحن لا نعرف اى شئ عنها ،، وبدا الجيران يتوافدون ويجلسون فى الصالون مع أخوتى الحجاج  يتساءلون عن اخبار الوالدة وكيف حالها وهم متاسفون على مرضها يدعون الله عز وجل ان يعطيها الصحة والعافية وتنهض من مرضها ،،،
والساعة العاشرة ليلا توقف قلبها وتوفيت راضية مرضية " رحمها الله عز وجل " بعد ان وهبتنى ودعت لى  الدعاء الصالح عشرات المرات وطلبت منى العناية بالإخوات ووعدتها اننى سوف اعمل المستحيل على خدمتهن ورعايتهن طالما به عرق حياة ينبض ،،،
وضعت شمع أوقدته بجانب السريرًمن الجانبين وقرات على روحها سورة الفاتحة واخرجت الجميع من الغرفة حيث كانوا يبكون ومنعت الصريخ والعياط وطلبت من جميع السيدات ان يطلبن لها الرحمة وان لا يصرخن وأى واحدة تريد مخالفة الامر فلتذهب الى بيتها وتصرخ كما تشاء حيث لا اريد محاربة الرب تعالى بالصراخ وتطبيق امور الجاهلية الاولى ،،،  حيث الموت حق واحد اسماء الله الحسنى الحق ،،

                                                رجب المبروك زعطوط 


البقية فى الحلقات القادمة 

No comments:

Post a Comment