بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد على العصر
45
خرجنا للصيد وكان القبطان ومساعده معهم جميع الإستعدادات وبعض الطعام من سندويتشات ومشروبات غازية وزجاجات المياه العذبة وبدون أن نشعر بحثا عن السمك إبتعدنا كثيرا عن الجزيرة ، وكنا عندما نرمي الصنارة إلى الأعماق رأسا خلال دقائق بسيطة يتم الهز السريع حيث الصنارة تصطاد السمك بسرعة ، وعندما يتم إخراجها من الماء بسرعة تتغير وتجحظ وتبرز العيون بالخارج عن المعدل الطبيعي وعرفت السر العميق إنها من الأعماق حيث الضغط رهيب … وسألت القبطان كم نبعد ؟ وكم العمق ؟ وقال أكثر من 60 ميلاً أي بمعنى مائة كم نبعد عن الجزيرة ، والعمق حوالي ميلين مما صعقت ، هل أنا مجنون حتى أركب هذا اليخت الصغير وأصبح في مكان بعيد حيث لا قدر الله تعالى لوغرق اليخت أو أصابه الحريق أين سوف نذهب ؟؟؟
حيث لا نجاة ولا إمكانية للوصول للشاطئ بسهولة والمحيط بهذا العمق ، ومليئ بالوحوش والقروش الفتاكة ، والذي زاد الرعب صنارة الصديق عاشور أمسكت بكلب بحر كبير وظللنا نعاني في إستخراجه والمد والجذب حتى نتحصل عليه وإستمرينا على هذا الحال أكثر من ساعتين حتى وصل لقرب حافة اليخت وكان طويلا بعرض اليخت و لا يقل طوله عن 3 أمتار ، وبدأنا في الرفع بقوة وأراد المساعد أن يطعنه بالحربة حتى يقضي عليه ويموت وبعدها نرفعه إلى اليخت ونرجع أدراجنا إلى الجزيرة ، ولكن في اللحظات الأخيرة قظم سلك الصنارة القوي بسهولة بأنيابه الفتاكة ومضى يغوص إلى غير رجعة في البحر العميق .
قلت القبطان حان وقت الرجوع ، مما إستدار متوجها إلى الجزيرة وكنت أشاهد المنظر الجميل حيث السماء صافية بها بعض السحب البسيطة والمحيط مياهه الزرقاء بإخضرار على مدى البصر ليس لها نهاية … واليخت يمخر بسرعة وشارع عريض من الزبد الأبيض وراءه ، وبعد مرور حوالي الساعة ونحن لا نرى أي شيء … بين البحر والسماء وكأن اليخت قشة أو نملة تسبح في المسبح الكبير .
بعد فترة طويلة شاهدنا ظلا بسيطا كخط باهت على طول النظر ومع الوقت بدأ يكبر وقال القبطان هذه الجزيرة … مما بدأنا نشعر بالإرتياح والإطمئنان ، وبعد مرور وقت طويل بدأنا نقترب من مرفأ الفندق ووصلنا قبل المغرب نهاية الأصيل إلى الرصيف ، وهبطنا وكان معنا كمية سمك كثيرة من نوع " بلو فيش " أعطيناه إلى القبطان ومساعده ، مما فرحوا بالهدية وإقترح القبطان علينا بأنه سوف يبعث للمطبخ في الفندق بإسمنا بعدة سمكات لطهيها لنا حتى نتعشى بالليل منها ونتذوق صيدنا الذي صدناه ،، وكانت لفته ممتازة منه!
مشكلة بسيطة واجهتنا حيث القنصل عاشور ليست له تأشيرة دخول إلى أمريكا مرة أخرى حيث الجزيرة تابعة للادارة البريطانية وإضطررت لتأجيل سفرنا يومين حتى أتأكد من رجوع القنصل ، وبعد إتصالات عديدة بالسفير الليبي وعدة إدارات بأمريكا وتعطيل يومين ونحن على الأعصاب حيث وظيفته الدبلوماسية تحتم عليه البقاء في نيويورك وضواحيها ، وإذا أراد المغادرة والسفر خارج أمريكا عليه الحصول على إذن وتأشيرة للرجوع مسبقا وهو حضر معنا وهو غافل أو نسى الموضوع مما حدث الإرتباك … ولكن ستر الله تعالى وتحصل على تأشيرة رجوع ، وأوصلناه للمطار حيث سافر إلى نيويورك …
نحن سافرنا إلى لندن بالمساءً حيث قضينا عدة أيام بها وبعدها إلى باريس ، فرنسا لحضور مزاد كبير لسيارات النقل الثقيل " بارلييه " حيث شركة نقل كبيرة أعلنت إفلاسها ، نظير حجوزات البنوك عليها ، وقيل لنا أن السيارات موجودة في مارسيليا مما سافرنا لها حيث زرنا الموقع وشاهدنا الكمية الكبيرة للعربات وهي متراصة في صفوف طويلة ، ولم نستطيع الوصول إلى أسعار مناسبة ، حيث الشركات الفرنسية لها طرق خاصة غير مفتوحة على العالم العربي نظير اللغة وعدم التفاهم ، مما تركنا المزاد ورجعت إلى طرابلس ليبيا ورفيقي إلى أثينا اليونان …
بعد عدة أيام وصلت العينات من أمريكا وإستلمتها بعد عقد ومشاكل كثيرة في المطار وكيف تم إستجلاب ألبسة عسكرية بإسمي وأنا مواطن مدني وليست لي أي صفة عسكرية وكلام كثير محلى بدون فائدة من العسكر البسطاء الذين ينفذون أوامر ضباطهم وهم لا يدرون أنهم ادوات وقطع لعب وأحجار شطرنج يلعبون بهم وأنا أضحك في سري على المسرحية وعلى سذاجة الشعب الذي يصدق التراهات والمهاترات والزيف والكذب والمسؤولين الكبار نسوا الله تعالى فأنساهم أنفسهم ، يسرقون بطرق شيطانية وخبث وتحايل أموال وأرزاق أبناء الشعب ، أرزاق المجتمع التي ليست من حقهم ، يعبون ملايين الدولارات ويحاسبون البسطاء في الحدود والمطارات وقت السفر على بعض الدولارات الزائدة في حوزتهم ، أليست بمأساة وأمر مؤسف ؟؟؟
المهم إستلمت العينات وسلمتها إلى مخزن هيئة الإمداد وفوجئت بالكثيرين من كل حدب وصوب متقدمون للعطاء بما فيهم بعض الجهات الأجنبية عن طريق سفاراتهم وشعرت أنني في سوق دلالة عامة أو في غابة مليئة بالوحوش الكاسرة التي تتحين للانقضاض على الفرص المتاحة ، لا يوجد لا ضبط ولا ربط ولا سرية من أي نوع من الأنواع … وتأسفت على الوضع المزري ، كيف نهان نحن الليبيون الأحرار الأبرياء في وطننا ليبيا من طرف صعاليك ، يبلعون عشرات الملايين من الدولارات عمولات ونحن نقتات الفتات؟؟!
بعد هذا التعب والإرهاق والسفريات الكثيرة والمصاريف الجمة بلا حساب تم إسناد بند واحد من مائة وعشرون بندا وهو توريد كمية أنطقة عسكرية كترضية ورفضت أول الأمر رفضا باتا ، ولكن صديقي وأحد شركائي الشهيد جاب الله حامد مطر أثناني عن الرفض حتى لا يضعوني في المنظار وأنني رافض الطريقة الخطأ في التصرف وبالتالي تترجم أنني ضد النظام مما يوما سوف تصبح قرينة ضدي وأتعب ، والأحسن الرضاء بما قسم الله عز وجل والصمت والسكوت كتغطية ، والعمل الجاد في الخفاء تحت الأرض مع إتخاذ جميع الإحتياطات وعدم الثقة بسهولة في أي إنسان مهما كان حتى يتم الفرز العسير هل ينجح أم لا … وسمعت النصيحة وقمت بتوريد الأنطقة وأنا أغلي من الغيظ و الغضب …
حدثت لي نوادر كثيرة من أصدقائي العسكريين الذين أعرفهم معرفة جيدة من أيام الدراسة وسأذكر البعض لأعطي بعض الأفكار عن مدى التسلط وعدم إستعمال العقل حيث جميعهم إلا من النادر تربوا على إطاعة الأوامر حتى وأن كانت غلط وخطا ، لا مجال للنقاش تحت أي ظرف بل التنفيذ ، يعتبرون أنهم فوق القانون لأنهم قاموا بالثورة والتغيير ونسوا وتناسوا أنها ليست بثورة… بل إنقلاب أسود لعين أفقر الشعب من جميع القيم وجعلهم متأخرين إلى الوراء بعد كانت الحكومات السابقة للعهد الملكي كل يوم تتقدم للفوز والنجاح ، ودمغ النظام العسكري الفاشل ليبيا الحبيبة بالإرهاب والتطرف ، وهي بعيدة كل البعد عنه …
في أحد الأيام كنت في زيارة إلى مدينة طبرق لبعض الأعمال مع مكتب الأشغال العسكرية التي كان آمرها الرائد " س ه " من مدينة درنة وكان آمر اللواء التاسع وقتها " الرائد ابريك الطشاني " الذي تربطني به علاقة دم حيث هو إبن عم من قبيلة التواجير درنة وثانيا صديق وزميل الدراسة في مدرسة درنة الثانوية حيث كنا مع بعض طلبة في فصل واحد ، وكان الرائد " س ه " الآمر والمسؤول عن الأشغال العسكرية في طبرق ، زميل دراسة وصديق ، ودعاني إلى تناول وجبة الغداء معه في بهو الضباط ، مما قبلت الدعوة بكل سرور .
بعد الغداء وشرب الشاي الأخضر وكان المضيف صديقي أعلى رتبة ضمن الحاضرين الذين كانوا في حدود العشرين ضابط من مختلف الرتب الخاصين بالأشغال ، وطلب أن نلعب الورق لبعض الوقت للتسلية ولعبنا لعبة رباعية حيث كل إثنين يؤلفان فريقاً ، اسم اللعبة " إسكمبيل " ، وإنضم إلي أحد الضباط صغار الرتب ولعبنا وربحنا وفزنا وكان الرائد " س ه " رحمه الله تعالى سريع الإنفعال جبار أحمق عندما يغتاظ ويغضب ، ولكن قلبه طيب وأبيض مثل اللبن لا يحمل أي حقد على أي أحد أو حسد لأي مخلوق ، سريرته ناصعة مثل بياض الثلج ولكن كان أهوجاً ، مما تضيع خصاله بسرعة لقاء الغيظ والغضب السريع .
عندما خسر اللعبة طلب أن نلعب من جديد وفزنا مرة أخرى فوزا ساحقا وكان لدي أعمال كثيرة بالمكتب في مدينة درنة ومازال علي قيادة 175 كم للوصول والساعة حوالي الرابعة مساءا ومازال يطلب اللعب مرة أخرى وأخيرا بعد الفوز الثالث نهضت وقلت له عفويا بدون شعور عندما تتعلم كيف تلعب ، أنا مستعد للمنافسة! وتركت الأوراق على الطاولة ونهضت وشعرت أنه بدا يثور من إحمرار وجهه على الإهانة وبالأخص في حضرة ضباطه …
شاهدت وشعرت أنهم يكادون يقفزون من الفرح في السر والصمت حيث أخيرا وجدوا إنسانا قادراً على لجمه وإهانته بالأدب حيث كان قاسيا عليهم ويخافون منه نظير رتبته العسكرية الذي كما قلت بالسابق ينفذون الأوامر ولا يستطيعون إبداء الرأي ولا المشورة بل أي أمر خاطئ مهما كان ، على الأقل رتبة التقيد بالتسلسل العسكري والتنفيذ لأي تصرف خاطئ عليهم قبوله وعدم الرفض …
طلب منى البقاء والعشاء والسهرة وسوف نلعب مباريات اخرى ولكن رفضت رفضا باتا وكرر العزومة عدة مرات ولكن رفضت وودعت ،، ورجعت الى مدينة درنة وانا اقود فى السيارة بسرعة كالمجنون لأننى تأخرت على المكتب .
اليوم الثانى بالصباح الباكر جاءنى البواب وهو يرتعش من الخوف حيث سيارة الجيش تنتظر امام باب البيت تنتظر ويريدوننى ان اخرج لهم ،،، وقفزت من الفراش وبسرعة غسلت وجهى ولبست ثيابى وخرجت ،،، وكانت سيارة " راينج روفر " جديدة وبها 2 جنود عمالقة اصحاء من قوات البوليس الحربى وسائق ورئيسً عرفاء الذى نزل من السيارة عندما شاهدنى على الباب ،،، وكان الرجل محترما فى الحديث ،، حيث حيانى بكل أدب واحترام وقال ياحاج مطلوب منا ان أرافقك ؟؟؟ وفى حالة تابيت ،، القبض عليك ،، وقلت له الى اين ؟؟؟ وقال الى معسكر طبرق مما ارتحت وقلت له من بالتحديد وقال الرائد " س " وقلت له لا مانع !!
ولكن لو ركبت معكم سوف تكثر الأحاديث وانه تم القبض على من الجيش وانا مدنى ولست جنديا هارب ؟؟؟ وسوف يكثر الكلام والقيل والقال فى المدينة الصغيرة وتكثر الشائعات وكلام كثير وتكهنات سوف تؤثر بطريقة ام اخرى على سمعة الجيش .
من غير اى شوشرة انا مستعد للذهاب فى سبارتى وبعد أخذ ورد وافق على عرضى مقابل ان اغادر أمامه بوابة المدينة الشرقية لمنطقة الفتائح ، ودخلت الى البيت لدقائق لألبس ملابسى واتصلت بالهاتف بمدير المكتب وقلت له على الوضع الساخر قائلا لو تأخرت بالمساء ولم ارجع او اتصل ،،،؟؟ عليه الاتصال بامر اللواء الرائد " ابريك الطشانى " وإعلامه بالأمر ليتصرف حيث الرائد " س" أهوج وممكن يسجننى عدة ايام فى معسكر طبرق نظير المزاح والمزاج ولا استطيع عمل اى شئ ضده حيث كان وقتها ضباط الجيش مترفعون فوق طائلة القانون يعتبرون فى انفسهم من طينة خاصة اولى وأننا المدنيون درجة ثانية نظير العقليات الجاهلة …
وركبت السيارة وانا أغلى من الغيظ والغضب وتوجهت الى الشرق مدينة طبرق ولحقتنى سيارة الجيش حتى وصلت بوابة مدينة درنة الشرقية فى منطقة الفتائح مواصلا التقدم وشاهدت من المرأة كيف توقفت سيارة الجيش وانتظرت بجانب دورية الشرطة حتى لا ارجع …
كانت الطريق الساحلى وقتها شبه مغلقة حيث لا طريق ممكن الرجوع منها الى مدينة درنة ،،، الا المرور عبر البوابة التى وقفت امامها سيارة الجيش وليست مثل الان ،،، وخلال ساعة ونصف كنت بالمعسكر فى طبرق فى مكتب الرائد " س" حيث استقبلنى بابتسامة عريضة وقال بسخرية ومزاح ثقيل اذا وصلت ؟؟؟ ولم اردج عليه بعنف نظير عمله الشائن واستعراض عضلاته نظير الرتبة والمنصب ؟؟ حتى لا يتطور الامر الى عراك حيث لديه السلطة وانا فى جميع الحالات خاسر ،،، وصمت وانا بداخل النفس أغلى من الغيظ والغضب !
المهم انتظرت فى مكتبه وكأننى أسير سجين واشاهد بأم العين تصرفاته وقلت فى النفس لولا الجيش والرتب كيف يستطيع امثال هؤلاء العيش فى غابة الحياة المجتمع المدني حيث لا جاه ولا سلطة ولا يستطيعون إعطاء الأوامر ؟؟؟
وتعبت من شرب الشاى والقهوة طوال الوقت وانا بالمكتب وافكر فى مخرج كيف أتخلص من صديقى الأهوج بادب بدون زعل وعراك ؟؟ واجعله سعيد فرح ووصلت الى الحل السهل وارضاؤه بسهولة حتى اتقى شره وأستطيع ان اغادر وارجع الى درنة لمتابعة أعمالى المتشعبة من غير ملاحقة .
انتهى الدوام وحانت وجبة الغذاء وذهبت معه الى قاعة الطعام والجميع ينتظر فيه حتى وصل وتغذينا وجبة ثقيلة من الطعام وبعدها شرب الشاى الاخضر اللذيذ وطلب ان نلعب الورق ونفس الضباط الذين كانوا بالأمس وبدأت المباراة حامية وخسرت الجولة الاولى والثانية ثم الثالثة وهو يصول ويجول كالأسد فرح سعيد انه رد هزيمة الأمس ونسى وتناسى اننى العب معه بطرق سهلة حتى يغلب ويرتاح والا سوف أظل طوال الوقت فى اللعب ،،، وأخير رمى الورق على الطاولة وقال ياحاج باستهزاء عليك ان تتعلم اللعب فى درنة ،،، تعال وجرب حظك باستهزاء وانا اضحك فى سرى كيف جعلته فرح سعيد ،،، نظير الخسارة المبرمجة حتى ارتاح من ملاحقاته وشره …
المهم رجعت الى مدينة درنة قبل حلول المغرب والجميع بالمكتب سمع بالقصة وان الجيش يبحث عنى يريدون ان يعرفون التفاصيل ومتلهفون على سماع الحدث منى شخصيا حتى يقطعون الشك باليقين ،،، وماذا سوف اعمل ؟؟؟
وانا صامت غير قادر على القول الصادق ،،، ان صديق الدراسة أهوج ويمزح ؟؟ ليس له عقل حتى يعمل معى هذا العمل المشين ،،، وقررت السكوت والصمت حتى لا افضحه فى المدينة الصغيرة درنة حيث أوباشها يعملون من الحبة قبة …
رجب المبروك زعطوط
البقية فى الحلقات القادمة …
No comments:
Post a Comment