بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد على العصر
43
بدأت القوى الخفية والمحلية في الفتن والدس بقصد وبدون قصد ، وزادت الكراهية لليهود نظير الإعلام المبرمج الخبيث ، وضاع دم الشهداء من الجنود البواسل نظير أخطاء وتطلعات الحكام الطغاة الذين يحبون أنفسهم ويريدون الإستمرار في حكم شعوبهم بالحديد والنار ، مستغلين رغبة وحماس الشعوب العربية الموجهة إلى الحرب والعنف ضد الآخرين نظير الهزائم المتكررة والخسائر الفادحة … ولم يغسل العار إلا في حرب أكتوبر سنة 1973 م عندما إقتحم وحطم الجيش المصري أسطورة خط " بارليف " الحصين ، وأثبت للعالم أن العرب قادرون على الصمود والتصدي والحرب والفوز والنجاح والنصر …
هولاء الحكام نسوا وتناسوا أنه بأعمالهم الخاطئة والتمسك بسدة الحكم وإستغلال القضية السامية قضية فلسطين كعنوان كبير ، خلقوا من غير أن يدروا وحشا مفترسا كاسراً وهو التطرف الشديد الذي لا يؤدي إلى الخير والسلام بل يؤدي إلى الخراب والدمار والتأخر الكبير نظير أحلام لن تتحقق مهما حاولوا من الصياغة والإبداع والتلميع وإستغلال الدين إلى أقصى الحدود في التطرف والتعصب ، لدى العرب وإسرائيل …
نسوا وتناسوا أن ديننا الحنيف الإسلام ، أساسه السلام ويدعوا للسلام والعدل والمساواة وإحترام الأديان الأخرى مع الآخرين من البشر حيث العالم الفسيح ، ليس لنا وحدنا حتى نفرض آرائنا ورغباتنا … علينا أن نرقى بالمستوى وأن نجابه الآخرين بالعلم والسمو والتحضر والصفح والسلام والعيش في الواقع حتى نستطيع الإقناع وزرع الثقة التي هي الأساس للوصول إلى حلول مشرفة ترضي الجميع .
لكن حرفت المبادئ النيرة إلى أخرى سيئة حتى يضمن البعض مراكزهم ودخلهم القوي والتحكم في المواطن البسيط الضعيف حتى يبقى دائماً ذليلاً لا يستطيع رفع رأسه ويتحدى الأخطاء ويقول لا لا للحاكم المغرور الظالم … الذي يريد ويرغب في البقاء وبعده يريد أن يورث أبنائه وبعده الأحفاد إلى ماشاء الله عز وجل .
لأن الخطأ الكبير هو الجهل وعدم التفسير الصحيح لدستورنا الإلاهي القران العظيم الكريم الذي للأسف شوه من جهلاء يدعون العلم وأنهم فقهاء والواقع مازالوا أغبياء بكثير من الأمور ولم يفسر التفسير الصحيح ، حيث قرأننا وحي منزل من السماء من الله عز وجل ، وليس صادرا من عقول البشر، به عجائب وجواهر ، صالح لكل زمان ومكان على طول الأيام إلى أن يشاء الخالق الرب ويأمر بقيام القيامة .
المهم بدأت التحديات لمصر والسادات وتكونت فئة مضادة من مغالي العرب وأسمت نفسها جبهة الصمود والتصدي وأول إجتماع عاجل عقد بطرابلس الغرب بطلب من العقيد المعقد القذافي رسول الشر والشرور ، وتمكنت بعد جهد جهيد من الحصول على تذكرة سفر للحاج يوسف على الطائرة المغادرة من بيروت وكان على متنها جميع القيادات الفلسطينية التي تعارض الرئيس السادات ، وقلت ليوسف كمزاح عندما ودعته بمطار بيروت حيث قررت البقاء عدة أيام أخرى حتى أنجز بعض الأعمال المتأخرة ولم أعلم الغيب وماذا سوف يحدث … وإلا كنت سافرت معه ولو على الجناح المهم مغادرة بيروت لبنان ، ولكن كما قلت لا أعلم الغيب …
قلت له ، كان الله تعالى في العون وعسى أن تصل إلى بنغازي بسلامة ، وأن لا تخطف الطائرة من إسرائيل أو مصر فى الجو وتصبح أسير ! يتردد إسمك في جميع وسائل الإعلام في العالم ، ورد علي ضاحكا كل شئ مقدر وبأمر الله تعالى ولا أستطيع منع القضاء والقدر إذا حدث…
إنتظرت في المطار حتى شاهدت الطائرة وهي تجري على الممر الطويل وأنا أدعو الرب القادر أن تصل إلى بنغازي ثم إلى طرابلس العاصمة ، ولم أرتاح وتهدا الأعصاب حتى شاهدت في أخبار المساء الإستقبال الحميم من النظام الليبي الفاسد للقيادات الفلسطينية في طرابلس وعرفت أن الحاج يوسف على وشك الوصول برا إلى عائلته وأولاده بدرنة حيث المسافة بالبر 300 كم وعلى أقل تقدير و يحتاج إلى 3 ساعات بالسيارة حتى يصل .
أما بالنسبة لي فقد ساءت الأمور وبدأت المشاكل الدموية فجأة تجتاح بيروت ولبنان وكل يوم تزداد اشتعالا وبدأت الحرب الاهلية بين الطوائف الكثيرة المتعددة وخرجت على السطح الأرواح الشيطانية الكامنة بالنفوس نتيجة الضغوط والدس والفتن من قوى خفية شريرة حتى لاتنهض وتستمر لبنان جوهرة العرب في العلو والرقي والتقدم للأمام …
بدا الصراع العرقي بوضوح والقتل الصريح ، وطويل العمر من يهبه الله عز وجل طول العمر ويعيش ، ونحن داخل الشقة السكن نأكل ونشرب ونعيش على الأعصاب ونسمع صوت الإنفجارات وإطلاق الرصاص الكثيف غير مصدقين أن هذا الأمر حقيقة وفي لبنان التي كان يضرب بها الأمثال في التعايش والسلام والوئام ، ونقنع أنفسنا أنها حالة مؤقته وسوف تهدا ، ولكن زادت عن الحد وكل يوم تزداد إشتعالا ولم أستطيع الخروج إلى المطار حيث القتل على الهوية بسهولة وإنقلب معظم أبناء الشعب ، وبالأخص الشباب الرقيق الناعم المتحضر المتعلم إلى وحوش كاسرة من الأطراف المتحاربة ، تبحث عن طرائد وفرائس ضحايا لتشفى الغليل بالقتل والدم وازهاق الأرواح الأبرياء نظير انتماءاتهم الدينية .
وطلبت من مضيفي أن يبحث لي عن طريقة ما حتى أضمن النجاة والخروج من خطوط النار بأسرع وقت حيث لا ناقة لي فيها ولا جمل وممكن اضيع فيها بسهولة من طلقة. رصاص قاتلة كما يقولون " في شربة ميه " يطلقها قناص من غير أن يدري اننى لست بمستهدف وغريب زائر الى لبنان .
وأخيرا عرف ان احد أصدقائنا الذي كان يوما بالسابق يعمل لدي في شركة النجم الاخضر في بنغازي كمحاسب ، انه الان مسؤول أمير من أمراء الحرب لديه مجموعة مقاتلين فرسان يأتمرون بأمره ، وذكر الاسم " ا ش " مما قفزت من الكرسي عندما سمعت الاسم يردده صديقى وأكدت عليه الاسم مرة اخرى ،، وقال الم تعرف ؟؟ نحن فى هذا المربع والمنطقة تحت رعايته وحمايته ولولا اننى اثق ثقة عمياء فى المتحدث لن استطيع ان اصدق ؟؟ حيث اختلطت الامور مع بعض السمين مع الغث .
لم استطيع ان اصدق حيث منذ سنوات هذا الزعيم المقاتل الشرس كان شابا ناعما وديع ،، رجعت بى الذاكرة الى الوراء عندما تم تعينه وحضر الى بنغازى كمحاسب فى المؤسسة فرع مكتب بنغازى ضمن الشركة " النجم الاخضر " مناصفة مع السيد جاب الله حامد مطر الذى سوف ياتى السياق والحديث عنه عندما اصل فى السرد له .
المهم وقتها كان شابا جميلا ذو شعر طويل على طريقة " الهيبيز " من الخلف عندما يشاهد لا يعرف الانسان بسرعة هل هو رجل ام فتاة ؟؟؟ مرتديا عدة سلاسل فى الرقبة واليد حتى اصبح يطلق عليه كناية من العاملين بالمؤسسة والشركة " السيد سلاسل " مما كان يبتسم من قول الكناية واللمز والغمز ،،، ولا يزعل ؟؟؟
وتم الاتصال به بطرق ملتوية وعن ،، وعن ،، اكثر من جهة،، واعلامه اننى موجود فى بيروت واريد ان اشاهده ؟؟ وحضر بعد يومين من الانتظار الصعب وانا أعيش على الأعصاب حيث هو الوحيد الذى بالنسبة لى النجاة سوف تكون على يديه باذن الله تعالى .
ويوم الوصول حوالى الظهر حضرت فجأة عدة سيارات محملة بالشباب المقاتل وطوق المربع والعمارة التى نحن مقيمون فيها ونحن لا ندرى ونزل من احدى السيارات ولم نعلم حتى تم الطرق على الباب من احد حراسه ،، وفتح الباب الحاج احمد وهو بقول ان شاء الله تعالى ان يكون خيرا ،،،، ولم يرتاح ويبتسم وترد له الروح حتى شاهد الزعيم " سلاسل " ودخل الى الشقة وكان لقاءا مؤثرا حيث سبحانك رب العالمين تغير الشاب الوديع الناعم الذى عرفته بالسابق عندما عمل معنا فى بنغازى ليبيا بالسابق ،،، الى مقاتل شرس زاد وزنه وتغيرت نبرات صوته الى لهجة امرة شديدة قوية ،، وقابلنى بالأحضان بكل الود والتقدير والاحترام ،،
وشربنا فنجان قهوة معا ونحن نسترجع فى الذكريات السابقة ،،، وطلبت منه ان يساعدنى ويؤمن لى السفر عن طريق المطار الى اليونان او الى دولة عربية تستقبلنى بدون تاشيرة دخول او عبر الحدود الى دمشق سوريا ،،، ووعد خيرا وانه سوف يرتب الموضوع ،، وطلب منى ان اكون جاهزا للسفر فى اى لحظة ؟؟
وبعد عدة ايام وانا اكاد اجن من الانتظار الصعب واسمع فى هدير الرصاص طوال الوقت وبعض الاحيان نشاهد أعمدة الدخان ترتفع عالية من احد الاماكن القريبة من غير ان نظهر فى الشرفات " البلكونات " خوفا من القناصين ،،، وكنا ننام فى الممرات ونترك النوافذ مفتوحة حتى لا يسقط الزجاج نظير الانفجارات الكثيرة من الضغط وارتداد الصدى والصوت القوى ،،، حيث تعلمنا ان الممرات الضيقة هى الآمنة فى اى عمارة عالية وكنا نسكن فى الدور الثالث فى عمارة سكنية قريبة من حى الحمراء اذا لم تخنى الذاكرة ،، والخراب والدمار لم يصل بعد لها ؟؟ .
عندما غادر الرجل حمدت الله تعالى كثيرا انه خلال عمله معنا فى بنغازى ،،، عاملته معاملة حسنة جيدة مما احترمنا وزاد الود والاحترام ،، والا كنت لا استطيع الاتصال به تحت اى ظرف قاهر ،،، وان عرف وجودى فى بيروت من اى احد ،،، سوف اكون عرضة للانتقام والقتل بسهولة ،،، فحياة الانسان وقتها لا تساوى غير قروش بسيطة ،،، ثمن رصاصة .
أوفى الرجل بالعهد والوعد واليوم الثالث هدا الجو وكان فى هدنة تم الاتفاق عليها بين الاطراف المتناحرة على ان يترك المطار بدون اى اعتداءات للسفر وترحيل العائلات واشياءا اخرى غير واضحة ولا يعرف الامور غير القلائل ،،، امراء الحرب امثال صديقى المقاتل .
حضر شخصيا لأخذى وركبت معه فى السيارة الى المطار بعد ان ودعت الحاج احمد الفوال ،،، واثناء السير على الطريق كانت أمامنا سيارة بها رجال شباب مدججين بالسلاح ،، وسيارة اخرى بالخلف بنفس الطريقة كحماية من اى اعتداء ،، ومررنا على عدة بلوكات نقاط تفتيش من غير سؤال ،،، وسألته وقال جماعتى حيث آمنت الطريق وهذا هو سبب التأخير فى السفر حتى اضمن سفرك الى الخارج اليونان ،،
ولم تتوقف السيارات حتى باب الطائرة للشركة اللبنانية ولم امر على الجوازات او الأمن مثل العادة فقد قام جماعته بكل الامور من غير ان احس ،، وصعدت السلم وركبت فى مقعد بالدرجة الاولى ،، تم الحجز والترتيب له مسبقا ،، وطلبت منه طلب أخير واصررت عليه ان لا يغادر المطار حتى يشاهد اقلاع الطائرة فى الجو ،، حتى اضمن السفر ؟؟ لان الخوف ان يغادر وتتأخر الطائرة او تلتغى الرحلة لاى ظرف كان ،،، وعندها سوف اضيع فى الخضم والفوضى والزحام من غير ان يحس اى احد من المعارف والأصدقاء ،،، فمن غير وجوده لا نجاة ؟؟؟
مما ابتسم ووعد وعدا صادقا انه لن يغادر حتى تقلع الطائرة واكون فى الجو ،، وودعته الوداع الاخير ،، وبعد فترة انتظار تكامل عدد الركاب وأقلعت الطائرة وانا اشير له باليد من خلال النافذة على حسن الواجب وماذا قدم لى من معروف وجميل سوف يكون بعنقى الى يوم الممات والرحيل ،،،
رحلة جوية مريحة وانا غير مصدق اننى خرجت بالسلامة من أتون الحرب الاهلية ببساطة والشكر لله تعالى ورضاة الوالدين ،،، والرجال الأوفياء الأصدقاء الذين لولاهم لم استطيع النجاة والسفر ،،، ولولا طيابة القلب ومعاملتهم بالرفق والإحسان لم اصل الى ماوصلت له من التقدير والاحترام ،،، والعمل الطيب الصادق بدون نفاق ولا خبث نتيجته الخير ،،،،
ووصلت الى مطار أثينا اليونان وبعد الإجراءات فى المطار السهلة راسا الى الفندق هيلتون وحمام ساخن حيث ارتاحت النفس من الخوف والرعب وشد الأعصاب ،،، وبعدها النوم الطويل حتى زال التعب والإرهاق ورجع النشاط وبعدها بيومين رجعت الى ليبيا الحبيبة الى العائلة فى درنة حيث كانت حفلات مستمرة نظير القدوم من الحج لبيت الله الحرام ،،، والنجاة من حرب بيروت لبنان ،،، وكانت مغامرة ،،، ؟؟؟
ومنذ ذلك اليوم فى مطار بيروت لم اسمع عن الزعيم سلاسل وعن أخباره ،،، وهل هو والحاج احمد الفوال احياء يرزقون ام موتى يرحمهم الله تعالى ،، حيث لم أسافر الى بيروت لبنان ولم تطا أقدامى ارضها حتى الان ؟؟؟ وكانت هذه الاحداث فى الربع الثالث من عام ١٩٧٥ م ان لم تخنى الذاكرة فقد مرت حتى الان حوالى ٣٧ عاما عليها ،،،
مع العلم ان بيروت لبنان لى فيها ذكريات الشباب ومعارف واصدقاء بلا حدود ، طالبا من الله عز وجل ان ازورها عن قريب حيث النفس تهواها تحبها من الأعماق لانها جوهرة فريدة والماسة مشعة فى تاج دول العرب ، لو أتيحت لها الفرص والدعم الصادق ،،، فى نظرى ليس لها بديل لا اليوم ولا الغد .
رجب المبروك زعطوط
2012/11/14م
البقية فى الحلقات القادمة …
No comments:
Post a Comment