بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة في شمال ليبيا
يوم الخميس 2012/5/24م سافرت من العاصمة طرابلس بالطائرة إلى مدينة طبرق مع وفد مصالحة من موظفي وأعيان مدينة الزاوية لمدير المصفاة حيث تعرض لبعض المشاكل أثناء الفترة الإنتقالية بعد الحرب والثورة من بعض الشباب المتهور من الثوار و حراس المصفاة نظير سوء تفاهم بسيط مما أدى إلى تفاقم الوضع وممكن مع الوقت يجر إلى مشاكل وكراهية بين المدن ، الزاوية وطبرق لا يحمد عقباها ، وتطلب الأمر المصالحة بين الأطراف المتنازعة حيث جميعهم أخوة أبناء وطن واحد ...
كان عددنا 10 رجال من الأعيان ، والرحلة على طائرة البراق كانت مريحة إستمرت حوالي 90 دقيقة حيث هبطنا بمطار جمال عبدالناصر ( سابقاً العدم ) الذي كان فارغاً ولا توجد به أي طائرة مدنية أو عسكرية ،، وبالنسبة لي أول مرة أهبط فيها وأشاهد الحالة المزرية والإهمال والتسيب للمطار حيث لا يوجد به أية إصلاحات ولا تجديد وكأننا في العصر الحجري من التخلف ولسنا في القرن 21 حيث المفروض أن يكون المطار جوهرة وحلقة إتصال دولية مع بعض دول الجوار حيث هو البوابة الشرقية لوطننا ليبيا ، نظير الإسم الكبير والشهرة العالمية لمدينة طبرق وكم عانت الويلات من المستعمر الإيطالي أثناء الإحتلال الغاشم من 1911م / 1945م ، والحرب العالمية الثانية 1939م /1945م والحصار الرهيب والكر والفر بين جيوش الحلفاء والمحور ، حتى إنتهاء الحرب !
مدينة طبرق لها مميزات خاصة كثيرة لا يعرفها الكثيرون إبتداءا من الطقس الجاف الجميل حيث إختارها الملك إدريس السنوسي الراحل للإقامة فيها عدة سنوات حتى قيام الإنقلاب ، بها تاريخ مشرف في الجهاد ضد المستعمر الإيطالي ، إحداها معركة الناظورة المشهورة التي قدم المجاهدون الطبارقة دمائهم الزكية بدون حساب وإستشهد الكثيرون دفاعا عن الدين والقيم ، فداءا عن الوطن ، بها المقابر العديدة و فيها الآلاف موتى من جنود الحلفاء والمحور شواهد على المعارك الضارية بين الجيوش المتحاربة الأجانب ، ونحن الليبيون لا ناقة لنا فيها ولا جمل غير المآسي وضياع الأرواح والدمار والخراب !
مدينة طبرق كانت سباقة في تحدي نظام القهر والجبروت ، أحرارها قتلوا البعض من الأوباش أزلام اللجان الثورية في البدايات رافضين المهاترات من المجنون ، وحسب لها النظام ألف حساب وهمشها مع الوقت ، أهملها بدون أية إصلاحات حتى تركع وتستجيب للتراهات ، شعرائها الفطاحل دائماً يسلقونه بالشعر الشعبي المؤلم اللاذع للنظام ، حيث أصبح يتداول على كل لسان ، مما جعلته يجن ولا يبقى له عقل من قوة البلاغة والحق!
وصلنا حوالي الساعة الرابعة وأقلتنا الحافلة الصغيرة إلى فندق المسيرة لنرتاح بعض الوقت ، وبعد المغرب إجتمعنا بصالة الفندق حتى تم الترتيب للعشاء ، ودخلنا إلى صالة الطعام والجلوس على الأرض حسب العادات الليبية ، وتم تقديم العشاء والفاكهة ثم الشاي الأخضر والأحمر ، وفتحت الجلسة وكان الحاضرون حوالي السبعين من مشايخ وأعيان طبرق ، وقام أكبرنا سنا بالوفد من أعيان الزاوية وشرح القضية في العموم بإقتضاب وأنهم آتون للمصالحة للترضية وتطيب خاطر مدير المصفاة الطبرقي على الذي حدث من سوء التفاهم بين الأطراف ومستعدون لأي حق مطلوب منهم ، وعقب على الحديث رئيس نادي الأولمبي بالزاوية بكلمة رزينة جيدة مما لا قت القبول والإستحسان لدى الجميع حيث تدل على المحبة وصفاء القلب بين الأخوة الأشقاء من جميع أنحاء الوطن ليبيا ، الغرب والشرق والجنوب!
قام بعض الشيوخ من طبرق بالرد وشكروا الوفد على الحضور وبعد التحامل واللوم البسيط على التأخير ونهاية الحديث والإجتماع كان الجميع ممنونين وقبلوا الترضية ، وسعدت جدا أن المهمة نجحت ، وأن تعبنا لم يذهب هباءا منثورا ، وعندما فض الإجتماع أصر مدير المصفاة على دعوتنا على مائدة الغذاء بالغد في بيته ، وقبل الوفد الدعوة وهم مسرورين !
يوم الجمعة قبل الظهر ذهبنا إلى وسط المدينة الى الجامع القريب لبيت المضيف لتأدية صلاة الجمعة حيث كان الخطيب جيداً في الخطبة ، وبعد الصلاة ذهبنا إلى بيت مدير المصفاة حيث كانوا في إستقبالنا ، وحضر بعض الشيوخ المهمين من طبرق للمأدبة فقد كانت العزومة مختصرة على البعض خاصة ، وغداء جيدا وأحاديث كلها تقدير وحب وإمتنان على الحضور والمصالحة ، ورضى مدير المصفاة على الرجوع للزاوية ومباشرة عمله كالمعتاد وكأن شيئا لم يحدث !
رجع الوفد برا بالحافلة إلى بنغازي مروراً بمدينة درنة حيث قضينا بعض الوقت في فندق اللؤلؤة للراحة وشرب القهوة ، وقد دعوت الجميع للعشاء والمبيت في ضيافتي ، ولكن إعتذروا حيث كان برنامج العشاء والمبيت معداً في مدينة بنغازى والسفر غدا بالطائرة إلى طرابلس حيث لهم أعمال ولا يستطيعون البقاء ، وودعتهم على أمل اللقاء عن قريب !
أحد الأصدقاء من الوفد قرر البقاء في درنة حيث له بعض الأصدقاء يود مشاهدتهم في المنطقة وحجزت غرفتين لنا للمبيت حيث لا أريد تركه وحيد والبيت عندي بدرنة له مدة مقفول وبحاجة إلى تنظيف من الغبار حيث لا وقت لدي ، وذهبنا في معية إبن أخي خالد إلى القبة لبعض الأعمال وأصروا على العشاء ولكن إعتذرنا حيث كنا مرهقين ، وتم الوعد بالحضور غدا لمأدبة غذاء في بيت أحد الأصدقاء السيد على ، ووافقنا ورجعنا إلى درنة حيث العشاء بالفندق وحضر أحد الأصدقاء لرفيقي مع صديق آخر مدير ميناء درنة حيث قضينا سهرة إلى منتصف الليل ...
يوم السبت بالصباح بعد الإفطار ذهبنا في جولة إلى ميناء درنة بناءاً على دعوة المدير الأسطى عمر ، حيث قام بمرافقتنا والشرح لنا عن جميع المرافق والحاجة للإصلاح والتعميق ، وكنت بالسابق لدي وكالة بحرية لمناولة السفن للغير وتفريغ البواخرالخاصة بشركتي للإستيراد ، أتردد عليه بإستمرار شبه يوميا ، ولكن منذ تاريخ الزحف والتأميم 1978/9/22م لم أدخله نظير المنع من مزاولة الأعمال الخاصة التجارية ، وكانت لحظات مؤثرة ، وإنتابني شعور غريب عجيب بعد غياب 34 سنة وأنا أشاهد في بعض الأحيان الميناء من بعيد ، أعطاني الله عز وجل العمر وشاهدت زوال النظام الفاسد وتجولت في الميناء بحرية من غير العيون التي كانت بالسابق في عهد المقبور ، تراقب من رجال الأمن والمخابرات واللجان والجمارك والشرطة وكل من هب ودب المعروفين والغير معروفين ، وكم سعدت وشعرت كم نحن أحرارا ، ولدنا من جديد وأن ليبيا حرة، وعلينا متكاتفين يدا واحدة الحفاظ على الوطن حتى ننعم بالديمقراطية والسعادة والهناء ...
بعدها إلى بلدة القبة مع المهندس البحري بوطلاق حيث إستقبلنا من قبل المضيف من آل بوضاوي وغذاءا جيدا حضره البعض من الرجال الشباب وأحاديث عامة هادفة عن الوضع والمستقبل ، وعن حزبنا الوليد ( حزب ليبيا الجديدة ) ثم ودعنا المضيف وسافر صديقي السيد عبدالكريم من الزاوية مع السيد فركاش إلى بنغازي ورجعت إلى درنة مع السيد أبوطلاق ، وأنا مرهق من التعب وكثرة الحديث بحاجة إلى راحة وإستجمام!
يوم الأحد راحة وإستجمام بالمزرعة بدرنة ولم أترك في حالي بل طوال الوقت ضيوف ومشاغل والهاتف يرن طوال الوقت ، وأنا موزع بين الأطراف العديدة ولدى مشاكل أحاول حلها بسرعة ، حيث لا وقت لدي أريد أن أنهيها حتى أرجع إلى طرابلس حيث العائلة في الإنتظار ، ويوم الإثنين تم الإتفاق مع إبني مصطفى الآتى من طرابلس مع الصديق والأخ عبدالعالم لمشاهدة المنطقة الشرقية وزيارة لبعض المواقع حيث لدينا التفكير لبناء فندق سياحي متوسط على الشاطىء بالقرب من قرية كرسة ، على اللقاء في شحات وقت الظهر ، وخرجت مع خالد صالح ومررنا بالطريق على قريبنا السيد عبدالغفار في مزرعته بمدخل شحات ، وكان موجودا وقضينا بعض الوقت في أحاديث عن بعض المشاكل الخاصة من آل المنصوري وقفل الطريق ومشكلتهم مع آل النعاس الجيران والتي أصبحت فيها طرفا نظير الجيرة حيث تعطل المرور ...
بعدها إلى بيت آل الميار وفي إنتظار وصول مصطفى وعبدالعالم ومرافقه عبدالكريم السائق الذي كان يقود في سيارة صهري ، حمدي ، وأخيراً وصلوا إلى البيت حيث تناولنا الغذاء وبعدها جولة إلى بعض الأراضي في شحات التى أملكها وهل توجد إمكانية إستغلالها وبناء مشاريع سياحية بسيطة وعند المغرب رجعنا إلى درنة حيث العشاء في الفندق وحجزت غرفتين للضيوف ورجعت إلى البيت بالمزرعة ...
يوم الثلاثاء كنت مشغولاً بعشرات الأشياء ، أهمها شراء أرض بمنطقة كرسة على البحر وسيارة أودي والإجتماع مع آل المنصوري بخصوص بعض المشاكل العالقة وتوصلنا إلى حلول جيدة للطرفين ، وعند منتصف النهار بدأنا المسير إلى شحات لزيارة موقع آخر وحيث ليس لدينا الوقت الكافي قررنا التأجيل لفرصة أخرى وواصلنا المسير إلى موقع الأرض على الطريق الساحلي بين توكرة وطلميثة حيث توقفنا أمام الموقع وتغدينا سندوتشات وبعدها المسير على الأرجل مسافة حوالي 3 كم في الذهاب والإياب حتى وصلنا للشاطىء الرملي والبحر الهادىء الجميل ، وكم تعجب عبدالعالم من الموقع الذي يحتاج لعشرات الملايين حتى يستثمر الإستثمار الصحيح ويرجع بأرباح ودخل كبير على مالكيه ...
بعدها مررت على آل الحاسي في بلدة توكرة حيث إحتفوا بالزيارة وشرب فنجان قهوة وحمدت على الحاجة والدتهم قريبتي بالسلامة والشفاء العاجل من جراء العملية الجراحية التي قامت بها الإسابيع الماضية ، وواصلنا الرحلة إلى بنغازي والعشاء في بيت السيد خالد التاجوري إلى ساعة متأخرة ، وبعدها إلى أحد الإستراحات الفخمة لعديل زكريا إبن عبدالعالم حيث كنا مرهقين من التنقل والسفر ، ونمنا مرتاحين ...
يوم الأربعاء بالصباح الباكر الساعة السادسة والنصف بعد الفطور السريع واصلنا الرحلة بالبر في السيارة إلى طرابلس العاصمة وكان الطقس بديعا ، وإبني مصطفى يقود بسلاسة ونحن نستمتع بالحديث المتداول بيننا ونشاهد على جوانب الطريق بين الفينة والأخرى حطام السيارات والدبابات المجنزرة المحروقة التي تم قصفها وتدميرها من الثوار والناتو ، وكنت أتأسف على الأرواح التي ضاعت هباءا منثورا ، على أرواح شهدائنا الأحرار الثوار الذين وهبوا أنفسهم لتحرير الوطن ، والآخرون من كتائب وجنود المقبور ، البعض أبرياء ينفذون الأوامر ، وفي حالة الرفض يعدمون ، حيث جميعهم ليبيون أبناء وطن واحد ، والمقبور هو السبب في هذه المآسي فياويله من عذاب الرب على الدم والقتل ( عليه اللعنة ) دنيا وآخرة فقد كان طاغية ، سبب المآسي لوطننا ليبيا الغالية ...
مررنا على مدينة سرت ، وقررنا الدخول و القيام بجولة ومشاهدتها بعد الحرب والمعارك ، حيث عبدالعالم يريد أن يشاهد بعض الفيلات التي كانت يوما مزدهرة والآن أطلال تبكي على الأيام الماضية ، أمام بواباتها أكوام التراب والحجارة حمولات سيارات نقل ضخمة حتى تمنع الدخول ، لغير أصحابها الفارين المهاجرين إلى دول الجوار ، خوفا على حياتهم من الإنتقام من أبناء الشعب والثوار الأحرار ، على صلفهم والغرور والكبرياء ومعاملاتهم السيئة للمواطنين البسطاء ، فسبحان الله عز وجل مغيرالأحوال من حال إلى حال ، بالأمس كانوا سادة لا تسعهم الأرض يختالون مثل الطاووس في زهو وخيلاء ، واليوم مهاجرون يحاولون الإختباء والنجاة !
شاهدت الخراب والدمار على الطبيعة ، وكم تألمت على الذي حدث ، الضياع للأرواح من كلى الطرفين ، الثوار الأحرار وكم قدموا من شهداء وجرحى ومعاقين ودم على رمالها حتى النصر ، وفشل وهزيمة جنود وكتائب المقبور وهم يدافعون على الطاغية ، أعماهم الشيطان الرجيم عن رؤية طريق الحق والنور المبين والنتيجة الخراب والدمار للمدينة ، وضياع البلايين من خزينة المجتمع لقاء شطحات مجنون ، أليس بأمر مؤسف؟
خرجنا من مدينة سرت ونحن نتأسف على الذي حدث ، في نظري تحتاج إلى سنوات عديدة حتى تدور الدائرة وتنهض ، فالجرح الآن غائر لدى أبناء الشعب نظير التسلط والفرض والمساومات من البعض على تمرير المعاملات نظير قرابتهم لأصحاب القرار ، والنهب للبلايين والمعاملة السيئة والتهميش للآخرين من بشر ومدن وكأنهم من جنس آخر مميز ، كان الله عز وجل في عونهم ... فقد إرتبط أسم المقبور بالمدينة حيث منها ، ولن تقوم لها قائمة بسرعة ، أليست بمأساة ؟؟
واصلنا الرحلة ونحن نتأسف على الذي حدث ، ومررنا على بوابات عديدة لبعض الكتائب بدون أي تعطيل ، فقد زال الهم والغم عن كاهل الوطن بدل الوجوه الكالحة بالسابق لرجال الأمن واللجان ، فالشباب الثوار وجوه مستبشرة ضاحكة أسئلتهم رزينة ذات أخلاق وقيم يقدرون كبير السن والعائلات ، ويعزمون علينا بأن نتوقف ونشرب الشاي معهم مما كان له الأثر الكبير لدينا ، وحمدنا الله عز وجل على النعم وأن ليبيا حرة !
مررنا على مدينة تورغاء المهجورة ، وشاهدنا الأطلال القائمة ، المحلات والبيوت مفتوحة الأبواب تبكي على ساكنيها ، الذين هربوا منها حتى لا يطالهم الإنتقام من جيرانهم المصراتيون نظير أعمال البعض الإجرامية من القتل وهتك الأعراض لإخوتهم وجيرانهم أبناء مصراته عندما إتيحت لهم الفرص والإنتقام أيام الطاغية أثناء الحرب الدائرة ، الذين أيدوا المقبور إلى آخر لحظة ، يعتقدون أنه الفائز والناجح ، وكانت الحسابات خاطئة ، والآن لاجئين موزعين على عدة مدن غير قادرين على الرجوع …
بعدها مررنا على مصراته المجاهدة ودخلنا لمشاهدة شارع طرابلس وكم هالنا الدمار والخراب ولكن في سبيل الحرية يهون كل شىء ومع الوقت يعوض ، وسكان مصراته رجال أعمال وتجار ، وحسب وجهة نظري سوف تنهض بسرعة وتصبح لها شأن في المستقبل القريب بأذن الله عز وجل …
أكملنا الرحلة وكان الطريق مزدحم به آلاف السيارات والشاحنات ووصلنا بحمد الله تعالى إلى طرابلس ، ونزلت أمام الإستراحة في طريق المطار ، وودعت الجماعة و ذهب إبني مصطفى لتوصيل الجميع إلى أماكنهم …
كانت رحلة جميلة إستغرقت أسبوعا ، جميعها حركة وإجتماعات مع كثير من الأطراف ووفقني المولى الكريم ونجحنا في المصالحة بطبرق ، وشاهدت الإخوان في درنة والقبة وشحات وتوكرة وبنغازي ، ومررنا على سرت ومصراته وشاهدنا الدمار والخراب من كتائب المقبور والحمد لله عز وجل إنتهت بالفوز والنجاح والنصر ، والله الموفق …
رجب المبروك زعطوط
2012/6/5م
No comments:
Post a Comment