بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة التحديات
أخيرا بعد إلحاح شديد من الزوجة بأن أترك جميع الأمور مهما كانت لها من أهميات وأهتم بحالتي الصحية التي بدأت تتدهور في المدة الأخيرة نتيجة التعب وكثرة السفر والتنقل والترحال ،،، والضغوطات الكبيرة العملية حيث نعيش في فترة عرس كبير وفرحة وسعادة غامرة بعد أن أزلنا الطاغية الصنم عن كاهل الوطن وتنفسنا هواء الحرية العليل بعد غيبة سنين عديدة 42 عاما مظلمة تعيسة جميعها إرهاب وجنون وفساد وإفساد على جميع المستويات ،،، والتي قاربت قبل نهايته وقتله شر قتلة على جفاف دماء الحياة من شراييننا وعروقنا ونحن أحياء نرزق ،، ولكن موتى بدون قبور ولا شواهد ،،، أليست بمأساة كبيرة قاسية مرت وأخذت من أعمارنا سنوات الشباب والحيوية وتركتنا شيوخاً عواجيز متقدمون بالسن فتنا الستينات وعلى أبواب السبعينات عمراً ،،، بالكاد قادرين على الإستمتاع بالحياة ،، نتجرع في الذكريات القاسية السابقة التي مرت وكأنها حلم مزعج حزين ،،، أفقنا منه بعد الصبر الطويل ونحن مطأطؤو الرؤوس ،، متسائلاً ... كيف صبرنا على هذا المجنون الدجال الصنم الخاوي طوال هذه السنين وتركناه يحكمنا ؟؟؟
لكن الرب الخالق موجود ،، عندما زاد الطغيان عن الحد ،، وبدأ في إتخاذ صفة الألوهية وقبل بنعته ملك الملوك لأفريقيا ،، وهو صعلوك من الصعاليك عديم الأصل والفصل غير معروف ،، ولكن الجاه والسلطة غطت جميع العيوب ،، ولم يتساءل الشعب ويستفسر خوفاً من الإرهاب ... وكل من طرح أي سؤال عن مولده وأصله ،، إنتهى بالسجن الطويل أو قابع أشلاء بالقبر ميت ،، عندها حان الوقت للقصاص الإلاهي ،،، وأنار لنا الله عز وجل ،، الطريق وأيدنا بالصبر والقوة على الصمود والتحدي ،، وقمنا بالثورة الشعبية ونحن عزل بدون سلاح ،، ولا تدريب جيد وجابهنا كتائبه المدججة بأحسن السلاح والعتاد والمدربة على فنون القتال ،، والمدعمة بالمرتزقة من جميع أنحاء العالم لقتالنا وقتلنا لأننا رفضنا الإنصياع لتفاهاته وتراهاته ،، وقررنا الخلاص منه للأبد .
قضيت بطرابلس 10 أيام ،، ولدي شعور غريب غير عادي وأنا أشاهد الفرحة والسعادة في معظم عيون الجميع ،، أشاهد السعادة ،، أشاهد السلام وكل يوم للأحسن والأفضل ،، ويعم الأمن والأمان في معظم الوقت ،، مع وجود كتائب الثوار العديدة والتي جميعها تمتشق السلاح ،، والجميل فيها الأمن مستتب ولا وجود للشرطة ولا حراس أمن ولا رجال مخابرات ولا لجان شعبية ولا ثورية ،،، والحياة تسير طبيعية بشكل عادي ملفت للنظر ،،، وقلت للنفس سبحانك الرب الكريم المغير للأحوال من حال إلى حال ،، منذ شهور قليلة كنا نعاني الإرهاب المصطنع ،، والآن أحرار نستنشق هواء الحرية العليل .
من ليبيا يأتي الجديد ،، مقولة قيلت منذ آلاف السنيين ومازالت تتجدد إلى الآن ،، لا تريد أن تنتهي مع الزمن مثل مقولات كثيرة قيلت وبعد فترة أصبحت في زوايا النسيان ،، ولكن هذه خالدة مع الوقت والزمن ،، فليبيا بكبر مساحتها الشاسعة وقلة تعداد شعبها والحضارات التي قامت بها ،، مثل الحضارة الجرمانتية في الصحراء ولم تكتشف بعد كاملة بحيث تظهر للملأ مثل الأخريات بل مازالت مهمشة وفي طوايا النسيان ،، وسوف يأتي الوقت القريب بعد النصر والثورة المجيدة ،، وتعطى لها الأهمية القصوى ،، وتتم الإكتشافات بإذن الله عز وجل ،، فليبيا جوهرة وألماسة عظيمة تحتاج إلى مسح شديد وتنظيف وتلميع حتى تشع من جديد ،، وتعم بخيرها وأفضالها على الجميع ،، ولكن بعض القوى الخفية والمصالح الدولية لا تريد لنا الإستقرار والراحة ،، لإنها تعلم وعن قناعة أننا شعب متجانس ذكي ،، طيب وكريم المعدن وقادر على عمل المعجزات والتي في كثير من الأحيان لا تخطر على بال الكثيرين ،، وبالتالي الفيلسوف اليوناني ( هيرودوت ) أطلق الكلمة الخالدة عندما زار العاصمة قورينا ( شحات ) وقت الحكم الأغريقي :"من ليبيا يأتي الجديد" .
رجعت من طرابلس وقضيت بضعة أيام في بنغازي وكم سررت وأنا أشاهد قمة الحرية في أوج معانيها ،، والمواطنون سعداء وفي قمة الأدب ،، والمرور مزدحم بكثرة وشدة ،، وبالأخص عندما نزح الآلاف من تاورغاء ومنطقة سرت ومنطقة أجدابيا لطلب الأمن والأمان والعيش في راحة بدل الخوف من الإنتقام نظير مؤازرتهم للصنم أيام الثورة والحرب سجال والقتل والدم بلا حساب ،، لكن الحرب توقفت والنصر تم وعم ،،، والأحرار الشرفاء من جميع الشرائح ،الغالب والمغلوب ،، معظمهم فرحى بالنصر والبعض مازال يعيش في الحلم غير مصدق أن الطاغية الصنم قد قتل شر قتلة ،، وسقط وتحطم إلى الأبد .
في جميع الحالات لا يخلوا أي نصر وفرحة من وجود مشاكل بسيطة طفيفة ،، لأن الكثيرين ينقصهم الصبر ،، فقد صبروا على الطاغية الصنم سنين عديدة تحت نير الظلم والهوان ،،، والآن لم يمر على نهايته بضعة أشهر بسيطة ،،، يريدون جميع الأمور والمشاكل العديدة أن تحل بسرعة ،، ونسوا أو تناسوا أن رواسب السنين العديدة الماضية من حكم المجنون ،،، خلفت دماراً وخراباً على جميع المستويات بدون عدد ،،، وأهمها الجهل بلا حدود وخلقت أجيال مصطنعة بلا تعليم جيد ولا فهم للتاريخ ،، ونحتاج إلى وقت طويل حتى نستطيع أن نرقى بمستوى هؤلاء المظلومين حتى يستطيعوا مواكبة الحياة مع غيرهم من البشر ضمن العلم والفهم ،، متحلين بالأسس السليمة من دين وأخلاق حميدة .
سافرت شرقا إلى مدينتي درنة ،، وكم كان الجو زاهياً وبارداً والخضرة طوال الطريق تكاد تعمى العيون من زهوها ولمعانها تحت أشعة الشمس ،، فقد هطلت أمطار غزيرة طهرت الجو والأرض من رجس الشياطين من أنس وجان ،، كميات الأمطار غير عادية ،، فأيام الصنم كنا نشتهي المطر ،، والآن بعد النصر من الله عز وجل علينا بالخير العميم ،،، نجاح الثورة والمطر الكثير ،، أليست بفرحة وسعادة مابعدها فرحة ونصر ؟
وصلت إلى مدينة درنة وأنا منهك من طول الطريق كجسد ولكن كروح وقلب سعيد مسرور ،، وأنا أشاهد في بعض البوابات على الطريق ،، كيف شبابنا ورجالنا الثوار البواسل يحفظون الأمن من تدخل أي طابور خامس حتى لا تسرق الثورة من صعاليك ...يعاملون كل المسافرين بكل تقدير وإحترام ،، وقلت للنفس ،، سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال ،، بالماضي نظرات الإرهاب من الحراس والرعب في أعين المسافرين ،، والآن نظرات الثقة والأمن والأمان مما جعلني أفخر بأنني أنتمي لهذا الشعب الأبي ،،، وجذوري نابعة من هذا الوطن ،، منذ آلاف السنين .
وصلت لمدينة درنة ،، ورأسا إلى المزرعة والبيت الذي لا ترتاح النفس وتهدأ حتى أصل له بعد غياب طويل وسفر كثير وأنا أرتحل من مكان لآخر ،، مناصراً ومؤيداً للثورة بجميع الجهد والدعم ،، عاملاً كل الجهد حتى تنجح ،، والآن في نظري تحقق الأمل في أول خطوة وإنتصرنا ،، ومازالت الطريق طويلة حتى نقيم دولة العدل والقانون ،، دولة المساواة ،، دولة إحترام الرأي الآخر ،، دولة العيش في سلام وأمن وأمان مع جميع البشر ،، ضمن الدستور الجيد والقانون ،، ونضرب بيد من حديد كل من يحاول المساس به ،، وترجيعنا للخلف لعهد الجبروت والتسلط ،، فالآن العصر تغير ،، عصر العولمة . والله الموفق .
البقية في المدونة القادمة ،،
رجب المبروك زعطوط
رجب المبروك زعطوط
دالاس – تكساس ٢٠١٢/١/٣٠م
No comments:
Post a Comment