بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة التحديات (٢)
في مدينتي درنة أشعر بشعور غريب ،، بها حياة روحانية لا يعرفها ولا يعلمها إلا القلة من البشر المواطنين ،، مدينة ضمت بين ترابها أجساد صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ،، مهما قيل عنها من أقاويل وإشاعات وإنها مدينة المتقاعدين ،، مدينة قيادة الأحوال ،، مدينة المتطرفين ،، مدينة المتشددين دعاة الإمارة ،، ونعوت كثيرة وصفات غير حقيقية ،، ونسوا أن أبطالها شبابها ونساؤها ورجالها سباقون للتضحية والفداء وقاموا بأعمال بطولية عبر التاريخ القديم والحديث ،،، أعجز عن وصفها في المعارك العديدة الأخيرة في الثورة المجيدة في معظم المناطق في ليبيا ،، وجميع الشرفاء الصادقون يقولون ويشيدون بذلك ،، أقولها بفخر وإعتزاز وأنا رافع الرأس ،،، ولائي وحبي وعشقي لها بدون حدود ،، محاولاً قدر الإمكان معرفة السبب أو الأسباب ولكن لم أصل لحلول ،،، تساءلت مع الضميروالذات ولم أجد جواباً شافي ،،، حاولت طوال السنيين الماضية عندما كنت بالغربة طريد من نظام جائر ،، نسيانها ،، ولكن لم أستطيع ،، فأنا أبنها البار ،، ولن أنساها طالماً بي نفس حياة ينبض ،، فحبي لمدينتي نابع من حب الله عز وجل والوطن.
أقمت بعض الوقت مهاجرا في غربة بأمريكا ،، معارضاً للنظام بكل عنف وشرف إلى يوم مسرحية أصبح الصبح والعفو العام عام ١٩٨٨م ،، وخاطرت بالحياة ورجعت أيام الصنم يوم ١٩٩١/٣/٣١م مطأطاً الرأس ،،، طالباً السلام والأمن والأمان في الظاهر كتغطية حتى لا تنهشني كلاب الدم ،، من أمن ومخابرات ولجان ثورية بلا عدد ،،، والواقع يختلف كل الإختلاف ،، فقد خدعتهم عن تخطيط وتدابير مدروسة دراسة جيدة ،، تطلبت شجاعة أدبية فائقة ،، وقوة شخصية وإيمان قوي بالمبدأ والتطلعات والهدف ،،، لأننى وصلت إلى قناعة أنه لا يمكن محاربة الطاغية الصنم إلا من الداخل ،، بجانبه وتحت ناظريه ،، حتى نعرف الحر الصادق من الطحلب ،، ونستعد ليوم الثورة ،، وهو النظام الذي كان يدعي أنه يعرف كل شىء جميع مايدور في الوطن ،، والواقع المؤلم ،، لا شىء ،، فقد زرع فينا عقدة الخوف حتى أصبحنا نخاف من ظلنا ،، زرع عقدة عدم الثقة في أقرب أحباؤنا وأصدقاؤنا ،، جعلنا نرتاب في أي تصرف خاطىء من الغير بأنهم يلاحقوننا ،، والواقع لا شىء وأنما مخاوف من عند أنفسنا ،، فقد عملنا من الحبة قبة ،، مما داس علينا بالعنف والإرهاب ،، وأحكم قبضته طوال 4 عقود ونيف ونحن نحسب له ألف حساب ،، والصنم يضحك من غبائنا وتصديقنا للمقولات والتراهات حتى صدق نفسه ،، من كثرة الترديد والكذب وأعتقد أنه على الحق ،، وطغى وتجبر...
فكراهيتى للصنم وعهده تجري في العروق والشرايين مسرى الدم ،، فقد إضطررت للهرب مع العائلة والأولاد بعد الزحف والتأميم ،، نظير سياسات الغلط وسرقة الأرزاق والمال حتى نجوع ونركع ،، شردنا بين الأوطان ،، وبعث فرق الموت من اللجان الثورية لقتلنا وإغتيالنا ،، لأننا رفضنا الإنصياع وعبادة الصنم ،، ونجوت ٧ مرات من محاولات الإغتيال بقدرة الله عز وجل في عديد من عواصم ومدن العالم ،، مما زاد التحدي وزرعت بذور الثورة مع غيري من الأحرار الشرفاء ،، وناضلت بالغربة سنيين طويلة بعيداً عن الوطن مما زادتني صلابة وقوة إرادة وعلم ومعرفة ،، ورفضت جميع العروض والمغريات المادية وكنت في مسيس الحاجة لأعيش ،، وصبرت وتحملت هموم الديون حتى آن الأوان ورجعت للوطن بعد غياب ١٢ سنة في الغربة مناضلاً من أجل الرجوع بكرامة وشرف ،، والحمد لله عز وجل أنجاني من معظم الشرور نظير الرعاية الربانية ورضاء الوالدين وعمل الخير ومحبة البشر ،، ولم أترك في حالي بل طوال الوقت في ضغوط مستمرة وتحقيقات من عدة جهات أمنية مختلفة ،، أكثر من ٢٨ مرة خلال ٢٠ عاماً من يوم الرجوع للوطن بتهم عديدة عن جرائم حدثت في الثمانينات في الخارج ،، قاموا بها وأنا بعيد عنها بعد السماء عن الآرض ،، وتم السجن والتوقيف ٤ مرات ،، وعدة مرات الترجيع من مطار طرابلس والمنع من السفر وأنا مريض بداء القلب بالكاد أقف بحاجة للعلاج ،، والتهم قلب نظام الحكم للصنم ،، فقد كانت وقتها تؤدي بالمتهم إلى حبل المشنقة بدون قضاة ولا حكم ،، فمن كان وقتها يستطيع أن يتحدى الطاغية الصنم في عقر داره إلا القلائل من المناضلين ذوي العزم والحزم.
والآن أنا فخور وسعيد أكاد أطير من الفرحة والسعادة ،،، أن جميع التهم عن أعمال وطنية تشرف المناضل وترفع الرأس لأعلى ،، وليست مادية وفساد وإفساد للذمم وسرقات وإختلاسات من مال المجتمع كما عمل الكثيرون من الأدعياء للوطنية ،، الذين سرقوا الملايين بحجج ،، المعروفين للبعض والذي يوماً وقت الحاجة سوف تفتح الملفات ،، ويظهر الحق ،، يحاولون التسلق للمقدمة على حساب دم الشهداء وهم عبارة عن طحالب ،، البعض سقط ،، ولم يستطيع الصمود والتحدي وتكملة المشوار الذي يحتاج إلى رجال أكفاء أبرياء ،، أياديهم نظيفة ذوي قلوب نقية قوية وصبر ،، يؤمنون بأهداف نبيلة وخلاص وتحرير الوطن ،، لم يلوثوا بالسابق وتعاونوا مع النظام تحت أي ظرف ،، فمثل هؤلاء لا نريدهم بالسلطة وصنع القرار مهما تطلب الأمر ،، فليبيا الوطن مليئة بالكفاءات القادرة على عمل المستحيل من العدم ،،، وآخرون من الزعامات الهشة آن لهم التقاعد والغياب عن الساحة حتى لا يتم فضحهم بالمستندات عن سرقات سابقة وأدلة دامغة صادقة عن التلاعب ،، وعن الضرر الذي تسببوا فيه وموت الرجال المجاهدين ،،نظير حب الزعامة والوصول للقمة ‘‘‘ ينتظرون في المحطة للرحيل وسوف يسقطون مع الوقت ،، فتراب ليبيا حامي حارق ثاقب ولها عشم ،، وكل من أراد لها السوء بقصد وعن ترصد سقط وتحطم مهما طال الوقت والزمن...
إنني أحذر هؤلاء الطحالب أدعياء الوطنية والزعامات الهشة ،، أن يبقوا في الظلال ،، ويتركوا الوطن في حاله لشبابه ورجاله الشرفاء ،، ونسائه الحرات الشريفات ،، أمهات أجيال المستقبل ،، حتى يعيشون في فرح وسعادة ويتقدمون للأمام ،، بدل من الخداع والعيش في سراب وأحلام اليقظة ،، كما خدعنا من قبل في الصنم الطاغية ،، فالآن العصر القديم تغير إلى عصر العولمة ،، والشعب ذكي وليس بجاهل مثل السابق في القرن العشرين يصدق كل من يتكلم ويتشدق بالوطنية ،، بل يحلل في الأمور بدقة والبقاء للأصلح الطاهر النقي من أي عيوب...
بعد أسبوعين من العمل المضني والإرهاق ومتابعة الأمور بدقة عن مايجري في الوطن من أحداث وحوادث جيدة ومغالطات كثيرة ،، تحتاج إلى حزم وعزم من المسئولين ذوي القرار حتى لا تستفحل مع الأيام وتصبح صعب القضاء عليها بسهولة ،، أهمها بعض الأصوات الغبية الجاهلة التي تطالب بالفيدرالية بدون فهم لمعانيها السامية وتجزئة الوطن ،، والدعوة لإرجاع حكم الملكية البائدة ،،، التي عفى عليها الزمن ،، نظير مصالح شخصية والبروز على السطح ،، ونسوا مصلحة الوطن ،، وأن قوتنا في وحدتنا ،، وإلتحامنا مع بعض ،، فشعبنا قليل العدد ،، وخيراتنا وثرواتنا زيادة عن الحد والعدد ،، لو إستعملت بصدق وحق من أولاة أمر شرفاء يخافون الله عز وجل ،، وتم الصرف على الداخل فقط بدون دعم لأي إرهاب ،، أو مساندة تحت أي مسمى ،، سوف تجعل جميع المواطنيين فرحى سعداء ،، وتناسوا أن معظم أهالي الشرق جذورهم من الغرب ،، لن يرضوا تحت أي ظرف تجزئة أوصال الوطن إلى أي مسميات ،، مهما دسوا من سموم في العسل .
وأقول لهم صادقا ومن القلب والضمير ،، لا ترتموا في أحضان الغير من القوى الخفية والمصالح الدولية نظير الوصول للقمة وحكم الوطن بالخداع وسرقة الخيرات بمسميات وطنية ،، كونوا صادقين مع أنفسكم ،، فمهما طال الوقت والعمر ،، نحن إلى موت وفناء راحلون ،، أما الوطن فباق إلى ماشاء الله عز وجل ،، أتركوا ذكرى خالدة تتجدد مع الزمن ،، ولا تكونوا مثل الصنم الذي ساد فترة ٤ عقود ونيف كالطاووس ،، ثم قامت الثورة المجيدة وقتل شر قتلة ،، وباد وتحطم ودخل مزبلة التاريخ من أبوابها الواسعة ،، وملايين اللعنات تطارده دنيا وآخرة ،، والله الموفق .
البقية في المدونة القادمة ،،
رجب المبروك زعطوط
دالاس تكساس ٢٠١٢/١/٣١م