Saturday, September 5, 2015

قصصنا المنسية 45

 بسم الله الرحمن الرحيم

 رجال ليبيا المنسيين


"ملك ليبيا الراحل ادريس السنوسي وكلمته الشهيرة "المحافظة على الإستقلال أصعب من نيله
                      لكل دولة من دول العالم قصصا طويلة وكفاحا مريرا وجهادا ومعاناة حتى وصلت وتحصلت على الإستقلال ومنها وطننا ليبيا، الذي لأول مرة عبر الزمن والعصور الماضية يتحقق الاستقلال الفعلي ويصبح له علم وكيان معترفا به من الدول في جميع أنحاء العالم....    فقد كان دائماً تابعا لأحد الامبراطوريات من الجرمانتية الإغريقية والرومانية البيزنطية والفينيقية حتى وصل المسلمون فاتحين وعم دين الاسلام شمال أفريقيا وعاش ضمن الدولة الاسلامية العربية لدول وإمارات عديدة توالت عليه حتى تم الطلب والنجدة من الدولة العثمانية للقضاء على فرسان القديس يوحنا الذين إستباحوا طرابلس الغرب سنوات عديدة مما أصبحت ليبيا تابعة للإمبراطورية العثمانية ضمن الولاة الأتراك العديدين الذين كان همهم الإثراء الشخصي على حساب المواطنين الأبرياء .

             حدثت طفرة بسيطة استمرت حوالي 140 عاما عندما تولت سلطة ليبيا العائلة القرمانلية تحت الوصاية الإسمية للباب العالي العثماني وقامت بالكثير من الحروب البحرية مما إشتهرت ليبيا بالقرصنة ولم تستمر طويلا ... ونظير الصراع الداخلي وسط العائلة القرمانلية نفسها على الحكم والسلطة بين الإخوة رجعت ليبيا مرة اخرى ولاية تابعة للسلطنة العثمانية حتى اكتوبر 1911 عندما غزت ايطاليا ليبيا واستمرت بها وتحت إدارتها 34 عاما مريرة، جميعها كفاح ونضال من آجل الحرية والخلاص من الأعداء الغزاة، إلى أن من الله تعالى وقامت الحرب العالمية الثانية وإنتهت بخسارة دول المحور والتي كانت ايطاليا ضمنها وتركت ليبيا للأبد بإذن الله تعالى.

             قام الحلفاء المنتصرون بتقسيم الغنيمة بينهم، وكان وطننا ليبيا من نصيب بريطانيا، وأصبح تحت الانتداب حتى يتم البت في مصيرها مع الزمن... وكانت توجد إتفاقية هشة مع الأمير  إدريس الداهية في السياسة مع الجميع نظير الخبرة والتجربة لعقود من السنين في النضال والكفاح، مما الجميع دان له بالزعامة وبالأخص في المنطقة الشرقية حيث كانت جميع القبائل والعشائر تدين بالسمع والطاعة للطريقة السنوسية الدينية ولها رهبة وتقديس خاص في نفوسهم...  وتعاون الأمير مع الحلفاء في الحرب ضد أعدائهم المحور، مقابل الإعتراف بإمارة برقة وقت تحقيق النصر والحق بالإستقلال للوطن .

             تم إنشاء فيلق لجيش ليبي سنوسي من ضمن الجيش الثامن البريطاني ساند الحلفاء أثناء الحرب الدامية، وقامت الزوايا السنوسية بأدوار كبيرة عظيمة عن طريق مشائخها ومريديها أعضائها بمد الحلفاء بمعلومات قيمة عن التواجد العسكري لقوات المحور في كل أنحاء المنطقة الشرقية... وتم تدمير المطارات المؤقتة ومخازن الوقود نظير الإرشاد والرصد والمعلومات القيمة من المحليين، بالغارات العديدة من الحلفاء من الجو أو فرق الصاعقة الأرضية التي تضرب ضربات قاتلة الأهداف المطلوبة في السر والخفاء فجأة، حيث وقتها لا توجد أقمارا صناعية ومراقبة دقيقة إليكترونية آلية مثل الآن، مما صعبت الأمر لقيادة جيش قوات المحور من أن تتقدم وتنجح في الحرب .

             قام الجيش السنوسي بأعمال بطولية كبيرة مجيدة لم تذكر منها إلا بعض الأحداث البسيطة ضمن إعترافات القيادة العسكرية البريطانية، وكانت ذو فائدة كبرى لجيوش الحلفاء من رعاية وتوصيل الطيارين الناجين الهابطين بالمظلات في المناطق المهجورة والصحراء، وأدلاء لفرق المفرقعات لتدمير المخازن والمؤن والوقود وطائرات العدو الرابضة على الأرض وشل العدو وعشرات الأشياء القيمة، حتى تم النصر للحلفاء، وطالب الأمير إدريس السنوسي حكومة بريطانيا الوفاء بالوعد حسب الإتفاق .

               إستمر الحراك السياسي في جميع أنحاء ليبيا في شد وجذب ومظاهرات عديدة طوال الوقت ضد الإنتداب البريطاني،  من نهاية الحرب العالمية الثانية الى يوم الاستقلال    1951/12/24م، الذين كانوا يضحكون في الوجه ويطعنون في صمت ودهاء في الخلف ، ووافق زعماء الغرب والجنوب والشرق على الوحدة بعد عشرات الإجتماعات واللقاءات والمنازعات والأخذ والعطاء والتحديات والتنافس الكبير بينهم وتم الإتفاق أخيراً على المبايعة للأمير إدريس السنوسي بالزعامة للوطن حتى لا يتأجل الاستقلال إلى وقت غير معلوم ولا معروف.

            كانوا وقتها رجالا صادقين شرفاء طاهرين ذوي ولاء لله تعالى والوطن لم يدخلهم الخبث والفساد بعد ... الهدف  الرئيسي كان مصلحة الوطن ووحدة ليبيا، تاركين النزاعات والزهو وحب النفس من أجل الهدف الكبير السامي وهو وحدة الجميع تحت راية واحدة، خلاص وتحرير ليبيا من الإستعمار والتبعية وخلق دولة جديدة من العدم .

              ومانعت بريطانيا في السر والصمت الوحدة والإستقلال بجميع الحيل وبدهاء سياسي كبير من وراء الستار، ووضع ساستها العقد العديدة في التنفيذ نظير الخبرات الكبيرة في قيادة الشعوب المغلوب على أمرها المقهورة في دول عديدة بالعالم، وقامت بدس الفتن بين الزعماء ومنع إنشاء الأحزاب والتجمعات السياسية بحجج كثيرة حتى لا يتعلم الشعب ويتفقه في أمور السياسة ولا يقارعوها بالحجج، فقد عرفوا أن الليبيون أذكياءا بالطبيعة والفطرة ذوي صبر طويل على التحمل والمعاناة وذوي شجاعة فائقة في القتال عندما يتطلب الأمر، الجهاد والثورة والفداء.

                 والحظ الكبير الذي كان السبب في طرح القضية الليبية على مجلس الأمن طلب روسيا، الوصاية على منطقة طرابلس والحصول على ميناء لإستعماله كقاعدة لأساطيلهم البحرية، مما أخاف الغرب من الوجود الحربي الروسي الشيوعي في حوض البحر الأبيض المتوسط... وبعد مداولات عديدة بينهم ومؤمرات وراء الستار والكواليس بعدم تمكين الروس بالحصول على المنطقة ، تمت الموافقة على العرض في مجلس الأمن ليبت في الأمر، ضامنين النجاح وأن معظم الأصوات معهم وكان البرنامج مدروساً بدقة ومرتبا مع جميع الأطراف الذين ضمن الهيمنة الغربية بأعلى الأصوات على أن تبقى ولاية برقة ضمن الإنتداب البريطاني، وطرابلس الغرب للوصاية الإيطالية التي تطالب بها طوال الوقت ولا تريد التنازل عنها بجميع الحجج، مع إنها خاسرة للحرب ، وولاية فزان لوصاية فرنسا... وكان الحلفاء المنتصرون يقسمون  وطننا بدون علمنا ولا مهتمين بالتشاور ولا أخذ الرأي مع أصحاب الحق .

             لكن الوطن غالي به رجال صادقين ذوي نزاهة لم يستطع الغرب إستمالتهم بالمال والجاه أو المناصب الزائلة، وقام الوفد الليبي ومن ضمنهم السيد عمر فائق شنيب من مدينة درنة وغيره من الرفاق الصادقين بعقد صداقات خلال المآدب والسهرات في مدينة نيويورك أثناء ليالي الشتاء الباردة مع بعض الممثلين لدولهم مما كانت لها الأثر الكبير في ذلك، ويوم التصويت والجميع مستعدا بإدلاء الأصوات وصل المجلس إلى عنق الزجاجة، فقد صوت االنصف ضد النصف الآخر ولم يبق إلا صوت ممثل حكومة هاييتي لترجيح الكفة والمصير وكان صديقا لليبيين وتعاطف مع أصدقائه الجدد ضد طلب دولته والتعليمات التي لديه بالتصويت لصالح الغرب ، وبالإرادة الإلاهية ، صوت لصالح ليبيا مما فازت وتحصلت على الاستقلال بفارق صوت واحد وكانت ضربة كبيرة للغرب والشرق وصفعة قوية مؤلمة لبريطانيا وفرحة كبيرة لوفد ليبيا بالنصر أنه نجح في المباحثات واللقاءات التي إستمرت فترة طويلة في الجدال.

               الشعب الليبي طار من الفرحة عندما سمع الأنباء السارة وعمت الفرحة أرجاء الوطن، وكان السيد أميل سان لاو مندوب دولة هاييتي هو البطل في الأمر، وللأسف حدثت أحداث مريرة طمست ولم ينتبه لها أحد ابتداءا من غضب بريطانيا وغيظها مما إمتنعت الملحقية البريطانية من الغيظ والهزيمة عن سداد تكاليف الوفد الليبي في الزيارة الطويلة في نيويورك والتي المفروض على الحساب بحجج واهية، الإقامة في الفندق ومصاريف الأكل وتذاكر السفر للرجوع للوطن مما إضطر الوفد، نظير العلاقات الشخصية مع البعض من الشخصيات الإستدانة من الأصدقاء الجدد المؤيدين للإستقلال وتم تسديد جميع الفواتير المطلوبة حفاظا على ماء الوجه وشرف المملكة الجديدة....

             والمشكلة الثانية بناءا على ضغوط غربية على حكومة هاييتي، تم طرد مندوبها،  السيد أميل سان لاو ، من المنصب وأصبح مع الوقت بدون دخل في قمة الإحتياج في آخر العمر يستجدي الفتات، وزار القنصلية في نيويورك عدة مرات شخصياً، وتقدم بطلب للمساعدة المادية وتم إحالة الطلب إلى طرابلس في بدايات عهد القذافي ولا من مجيب ولا مهتم من الأنذال للرجل وعدم الوفاء مما كان للموضوع أسوء الأثر لعدم الإعتراف بالجميل للرجل الذي حقق  صوته الاستقلال للوطن!

              بريطانيا أرادت أن تسوس وتتحكم  ليبيا عن طريق الخداع والغطاء والدرع العائلة السنوسية والحكام الفعليين آل الشلحي، وساندت شيوخ القبائل الجهلة وأحيت النعرات القبلية والجهوية وجسدتها مع الوقت حتى أصبح لها شأنا ومكانا في الدولة وبالأخص في المنطقة الشرقية، وتنافست عائلة الشلحي ضد عائلة الشريف الفرع الثانى من العائلة السنوسية على السلطة، والجميع محتاج إلى مناصرة وتأييد ودعم بريطانيا ، ناسين متناسين وجود العملاق الجديد أمريكا، وبالأخص عندما تم إستكشاف النفط بكميات كبيرة ومن أجود الأنواع... وزاد الطين بلل رغبة الملك إدريس في عدم المواصلة للحكم فقد كبر في السن راغبا في التقاعد والراحة في زاوية الجغبوب بقية أيام العمر وقدم الإستقالة إلى مجلس الشيوخ وأن يتولى ولي العهد العرش حسب الدستور، ولكن ذوي المصالح المنافقين هيجت الجماهير والحضور الكبير من جميع ربوع ليبيا إلى أمام القصر في مدينة طبرق تطلب من الملك العدول عن الإستقالة، مما فعل نظير الضغوط ، عندما خرج للشرفة وشاهد الآلاف من الجماهير تهتف وتطالب بالعدول والبقاء في الحكم مما عدل عن الاستقالة لفترة زمنية أخرى مفتوحة الأجل .

                    وصل التحدي والتنافس بين العائلتين إلى التصفيات الجسدية والإغتيالات وموت البعض من الخصوم الأقوياء والنتيجة القوى الخفية والمصالح الدولية ، إستغلت الخصام وبالأخص بعد خسارة العرب عام 1967 م من دولة إسرائيل لوحدها وساندت قيام الإنقلاب الأسود ( ثورة الفاتح ) اليوم الأول من شهر سبتمبر عام 1969 م ووصل للحكم ملازما بسيطا بالجيش معمر القذافي غير معروف للكثيرين مجنون عظمة وغرور ودمر ليبيا طوال عهد أسود على مدى 42 عاما جميعها إرهاب وضيق ومعاناة وقهر للشعب والصرف العشوائي في غير طاعة الله تعالى على المحرمات تاركا أبناء الشعب الليبي الوطنيين يتسولون للعيش الكريم ويعيشون في رعب وخوف من زوار الليل والنهار لكل معارض متهم...  حتى من علينا الله عز وجل وقامت الثورة المجيدة يوم2011/2/17م   وقتل الطاغية بعد معارك شرسة ومطاردة أثناء الفرار والهرب يوم 2011/10/20م  وتحطم الصنم المتعجرف إلى الأبد .

               رحم الله تعالى الملك إدريس سليل الأسرة الطاهرة الذي عانى الكثير من الدسائس والمؤامرات من قبل البعض من المنافقين الذين كانوا عملاء لإيطاليا، والذي سمعته شخصياً وأنا صغيرا بالسن من الراديو والجميع في البيت حلقة سكوت وهدوء يستمعون، الوالد والإخوة وبعض الجيران عندما خطب للجماهير في عيد الإستقلال الأول بكلمات طاهرة شريفة ونصائح غالية وقال الكلمة المشهورة التي لا تقدر بثمن (المحافظة على الإستقلال أصعب من نيله)، والآن تحررنا من العهد الأسود للطاغية نطلب من الجميع الحفاظ على المقولة المشهورة للملك وأن لا ننساها طوال الوقت، حتى ننعم بالإستقلال ونصبح أحرارا ولسنا عبيداً لأحد .

              إستقلال الوطن لم يأتي من فراغ بل نتيجة التضحيات والدم المعاناة لعقود طويلة من أبناء الشعب الوطنيين الذين كان همهم مصلحة ليبيا الوطن، وقصصا وأحداثا عديدة مرت حتى من الله تعالى بالنصر و التوفيق ، ويوم 1951/12/24م  يوم إعلان الاستقلال ذكرى خالدة في تاريخ الوطن ليبيا مهما حاول الحكام الطغاة طمس البطولات الرجال الصادقين والجنود المجهولين، لن تنتسى مهما طال الوقت عبر الزمن إلى ماشاء الله تعالى... والله الموفق...

       رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع ...

No comments:

Post a Comment