Sunday, September 13, 2015

قصصنا المنسية 48

 بسم الله الرحمن الرحيم

 ذكرى المولد النبوي

             الحمد لله عز وجل على الصحة والعافية وطول العمر، الحمد لله تعالى على الهبات والأفضال الربانية، حيث عشت سنوات كثيرة إلى الآن في هذه الحياة الحلوة والمرة، وشاهدت الكثير خلال عمر ومسيرة حوالي سبعة عقود من أفراح وأتراح، من ضيق وفرج ، وشاهدت وعشت العديد من العادات الحلوة التي كانت موجودة تمارس بالطبيعة والفطرة، حيث كنا نعيش أوقاتها أيام الصبا والشباب في بدايات الخمسينات من القرن الماضي في فرح وسعادة بدون هموم وغم إرهاب ودم مثل الآن من خوارج مارقين .

               الآن بدأت تتلاشى مع الوقت وتصبح في عالم النسيان نظير مشاكل ومشاغل الحياة وتقدم العلم في عصر العولمة، حيث من وجهة نظري ورأي الخاص أن الإنسان بدون ماض كريم مشرف له أساسات ودعائم تجعله مرتبطا روحياً بأمور كثيرة تتعلق بالدين، ترتاح وتطمئن النفس لها بالفطرة ، وعدم تطبيق العادات الجيدة المتوارث عليها، يفقد معايير كثيرة إيمانية وروحية ومع مرور الوقت تنتسى وتصبح في زوايا النسيان...  حيث الآن نعيش ونجري ونلهث وراء العالم الغربي بحجج العلم والتقدم وعلماؤنا بإمكانهم عمل الكثير لو أتيحت لهم الفرص والتقدير والتشجيع في أوطانهم العربية ولكن معظمهم عاشوا بالغربة وأبدعوا في كثيرمن الإختراعات ونسينا تطبيق ديننا الحنيف الإسلام الصحيح وماضينا المشرف بالأ مجاد وحضارتنا العربية الإسلامية ، وشعلة النور التي أضاءت العلم للغير عبر العصور والزمن .

                       حكامنا وأولاة الأمر لدينا في العصور الأخيرة ، نظير اللهو والمجون والتنافس على السلطة والبقاء فيها حاكمين ، مهما كلف الامر من إرهاب وضحايا من جور وظلم وعدم التقدير والخوف من السمو والتجديد ، ضاع علماؤنا، وأصبحنا نعيش في الظلام، حتى وقتنا الحاضرالآن الذي بالكاد قادرين على فهم بعض الأمور التي سادت يوماً والآن تلاشت و بادت، نظير خضم الحياة التي تتصعب كل يوم في عصر العولمة والحواسيب والنت والتقدم العلمي الهائل الذي يعتمد على المادة في الإتصالات وسهولة المواصلات، ناسين الأساس الداخلي الروح الإيمانية الدافعة والخلاقة لأشياء كثيرة تسمو بالإنسان وتجعله مؤمنا قريبا من الله عز وجل ، يعبده ويخشاه ، راغباً في الرحمة والغفران حتى يفوز وينجح دنيا وآخرة .

                    عادات جميلة  ضاعت مع الوقت وإنتهت في صمت، ومع مرور الوقت تلاشت وتم نسيانها من قبل الأجيال الشابة الحاضرة، والبعض في قيد الإحتضار على وشك النهاية، إحداها الإحتفال بذكرى مولد رسول الله، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يوما لم أشعر بقدومه وحلوله حتى قالت لي زوجتي الحاجة في المساء كل عام وإنت بخير ، وإستغربت عن المناسبة، وقالت هل نسيت؟ غدا ذكرى المولد النبوي الشريف، مما فوجئت كيف الحياة وخضمها أخذت تفكيرنا وسلبت عقولنا ونحن نجري وراء العيش والملذات كالآلات، ونسينا الأهم والمهم ذكرى ميلاد رسولنا الكريم، الذي أنار لنا طريق الهداية والإيمان، وبين لنا عزة ووحدانية الله عز وجل الرب الكريم الذي خلق، سيدنا محمد عليه السلام، حبيب الرحمن، ونحن غافلون عن الإحتفاء والإحتفال بالذكرى الخالدة التي تتجدد كل سنة لميلاده .

                     لا أفتي في الدين الإسلامي فلست بعالم ولا فقيه ولا شيخ دين، والقلب دليلي قائلاً للنفس ماذا عندنا من معايير إذا بدأنا ننسى شعائرنا الدينية وأخلاقنا الحميدة مع الوقت، النسيان الذي مثل الغول يقرض فينا مضغة وراء الأخرى، وتذكرت أيام الصبا في بدايات الخمسينات، كيف كانت لنا عادات وتقاليد جميلة بالإحتفال بالمولد العظيم .

                     فقد كان الإحتفال عظيما، وليلة ذكرى المولد الوالدة ،  وأختي الكبيرة وزوجة أخي، الله تعالى يرحمهن جميعاً ، يصبغن شعر رؤوسهن وأياديهن بالحناء ليلة المولد، والنور الكهربائي يشع ضياءاً في كل مكان بالبيت وفي الفناء طوال الليل والشموع مضاءة بعدد أفراد الأسرة الحاضرين والغائبين تعبيرا عن الفرحة والسرور، ونحن الصغار بعد المغرب ، جميع أولاد الحي والجيران لابسين أحسن ثيابنا حاملين قناديل مضاءة بالشمع ونغني بأصوات جميلة جماعيا في مدائح وقصائد تمدح وتصلي بالثناء على الرسول للذكرى بالميلاد ونمر على بيوت الجيران إحتفالا بالمناسبة والمعايدة، حتى يعطونا حلوى وبعض القروش كهدايا بالذكرى .

               وبعد صلاة الفجر، شقيقتي الكبيرة ، تشعل النار بالموقد (المنصب) فقد كنا نستعمل الحطب في الطهي ولم نعرف بعد الغاز في البيوت، وتضع القدر الكبير على النار وتبدأ في وضع الدقيق بمقادير معينة حسب الطلب والحضور وتبدأ في تحريك الخلطة (بمدلك) مخصص لطهي مثل هذا النوع من الطعام...   الكمية وراء الآخرى حتى يمتلأ بالكمية المطلوبة، وهي تزغرد وتمزج  العصيدة حتى تستوي، وتساعدها  في العمل والزغاريد زوجة أخي بينما تشرف عليهن الوالدة وتراقب حسن الأداء .

                  ويجتمع الجيران في بيتنا الكبير يهنؤون الوالد بذكرى المولد، وعندما تستوي العصيدة، يوزعنها ويضعنها مثل القباب في قصاع كبيرة تسمى (الطابونية)، وتحفر فيها  حفرة بمقبض اليد تسمى (النقرة) بالمنتصف تعبأ بالسمن البلدي والعسل على جميع الجوانب، ويرش السكر عليها، وكل قصعة يحملها رجلان إلى (المربوعة) ،الصالون ، والجيران جلوس يتسامرون، وعندما تدخل القصاع يحملها الرجال، كان الوالد يخرج مسدسه ويطلق عدة أعيرة نارية في فناء البيت فرحاً جذلاً إبتهاجا بالإحتفال والنساء تزغرد... وأنا صبي كنت أمر على كل واحد من الجيرا ن الحضور حاملاً (الطشت) آنية لغسل اليدين، وأعطيه فوطة قماش ليمسح يديه من الماء قبل الأكل وبعده، فقد كان الجميع يأكل بالأيدي، وليس مثل الآن العادات تغيرت إلى ملاعق وصحون .

                  وبعد الظهر أذهب مع الوالد لـتأدية صلاة العصر في الجامع الكبير العتيق بوسط مدينة درنة في ذاك الوقت ومشاهدة الإحتفال الكبير حيث الدعاء يشق عنان السماء من حناجر الجميع، طلباً للرحمة والغفران من الله عز وجل، بجاه خاطر النبي وذكرى المولد، ثم صلاة العصر، وبعدها توزع كميات الحلوي على الجميع، ويمر أحد الشيوخ ممسكا بزجاجة صغيرة سميكة فيها شعرة من لحية ورأس   النبي عليه الصلاة والسلام محفوظة من مئات السنين، والجميع يتزاحم عليها في لهفة وشوق من الرهبة والإحترام والتقدير يحاولون الوصول لتقبيلها فهي مقدسة روحيا للجميع، (بعد الإنقلاب الأسود للقذافي سرقت من الجامع ) .

                   ولم أنتبه من الذكريات الجميلة التي كنت  أعيشها بجميع جوارحي ولا إهتمام بماذا يدور حوالي، حتى نطقت الحاجة وقالت أين أنت؟ ففكرك مشغول ولست معنا تتابع الحديث... وقلت لها آسف فقد كنت أعيش  ذكريات الماضي والعادات الجميلة، متمنيا أن تستمر، وأجيالنا الشابة تحافظ على التراث السابق وتحي الذكرى الخالدة طالما هناك حياة مستمرة إلى ماشاء الله تعالى ...

               فلا مستقبل منيرا لهم إذا لم نعيش الحاضر بفهم وفكر متنور ونتذكر الماضي بكل الخير، ونحافظ على الإحتفالات بمولد رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى تترسخ ذكراه في عقول وقلوب أجيالنا وأبنائنا الصغار، حتى لا ينتسى الكثير مع الأيام، ونصد الجهل والتجهيل من قول وفتاوي بعض الشيوخ المارقين الآن في وقتنا الحاضر الذين يفتون في الدين بدون علم غزير ولا أدلة واضحة ثابته في أمور كثيرة أشاعت الفتن والتشكيك، وعندها المصائب، فالذكرى العاطرة في نظري مهمة أساسية حتى لا نفقد مع الوقت عاداتنا وقيمنا ، ونجعلها مستمرة تتداول مع الزمن سنويا بالمناسبة وتتجدد للتذكير، حتى لا تنتسى مع مرور الوقت وتتلاشى.... والله الموفق...

             رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment