Sunday, September 20, 2015

قصصنا المنسية 50


 بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة لندن


        يوم الأربعاء 1987/7/22م الساعة الرابعة عصراً ، سافرت إلى لندن على متن رحلة شركة الطيران بيدمونت  الداخلية إلى نيويورك، بعد أن أوصلني الأخ عاشور بسيارته إلى مطار نورفولك في فرجينيا بيتش،  وقضينا بعض الوقت في أحاديث عامة في الإنتظار قبل الصعود للطائرة التي تهادت على المدرج وكانت جديدة على المطار في خيلاء وزهو وإنطلقت بقوة في الجو في نعومة وهي تشق عباب السحاب، وقدمت لنا بعض المشروبات الغازية، ورحلة مريحة حتى الوصول، لمطار نيويورك بعد رحلة ساعة طيران جوية وأثناء الإنتظار للصعود للرحلة القادمة، إتصلت هاتفيا بالعائلة سائلاً إذا كان هناك أي شيء جديد قد حدث... أو نسيت شيئا نظير العجلة ؟؟ وكان الرد كل شيء على مايرام. بعد إنتظارا بسيط في بوابة ( تي دبليو أي) ، صعدت للطائرة العملاقة (الجامبو) رحلة 708 عبر المحيط إلى لندن.
              الرحلة طويلة تستغرق عدة ساعات وجلست ساهما لوحدي وطاف الفكر في مواضيع كثيرة وإسترجعت حديثاً للأخ عبدالعالم على مائدة العشاء في البيت عندما كان ضيفاً لدينا في مدينة فرجينيا بيتش حيث أسكن، زائرا مع عائلته لنا وقضى يومين بالزيارة، وكان الحديث يدور على أوضاعنا في الغربة والهجرة والبعد عن الوطن، وقال أن الغربة سوف تطول، وساحة المعارضة الآن في هدوء ونوم وخمول لا تستطيع عمل أي شئ غير الجعجعة في الإعلام. وأذكر أنني أجبته قائلا بأن هذا الهدوء عبارة عن وقفة إستراحة قبل أن تهب العاصفة بقوة من جديد وتزيل النظام من على كاهل الوطن ... ضحك من كلامي ولم يستحسن الجواب، وقال أنت تحلم ... وفعلاً أنا كنت أحلم لأنني مؤمن أن النظام مهما طال الوقت يوما سينتهي ويصبح في برميل قمامة التاريخ ولا أعرف متى ؟؟ فهذا قدر مقدر في اللوح المحفوظ من الأزل وعلمه عند الله عز وجل .

                 كان صديقي وضيفي مهموماً مغموماً من بعض المشاكل التي يمر بها وغير قادر على حلها، ورددت عليه محاولاً التسرية عنه، لو يعلم كم من المشاكل التي أعاني منها سوف يرتاح، فأنا أعاني عشرات المرات أكثر وأصعب من  الذي يعانيه. ومازلت صابراً وأقاوم محاولا النسيان حتى لا أمرض محاولا التغطية للصعاب بمهارة ولا أريد الزوجة والأولاد والآخرين يحسون بها. تاركاً الأمر للعارف الله تعالى حتى يفرجها يوماً من الأيام إذا أطال لنا العمر وأفرح .

             لدي عادة كل يوم مهما كنت مشغولا أو مرهقاً ، أقرأ وأطالع بعض الوقت وأنا بالفراش قبل النوم ، والبارحة إطلعت على الخواطر التى كتبت الكثير منها منذ فترة وإستهوتني وعشت معها بجوارحي ومضت الساعات بدون أن أدري....وتطلعت للساعة ووجدتها حوالي الثانية بعد منتصف الليل، وقلت كان الله عز وجل في عوني ، لأن غداً هناك عدة أشياء لتنفيذها قبل السفر وأحتاج للراحة .

              في المدة الأخيرة مررت بتجربة مريرة كبيرة وطعنة في الظهر من أعز الرفاق نظير إختلاف وجهات النظر والدس والخبث من بعض المنافقين، ولا أستطيع العتاب ولا السب ولا نشر الغسيل القذر للبعض فقد كنا يوماً ضمن تنظيم واحد، إخوة في المصير ورفاق في الطريق النضالي، ونظير ظروف معينة وحسابات في نظرهم يعتقدون إنها صادقة نظير رؤيات معينة ومصالح وقتية يعتقدون فيها الفائدة العميمة، وفي نظرنا خاطئة تصرفوا تصرفات عشوائية بدون مشاورات مما أضر بالجميع ، وتقهقرت القضية الوطنية للوراء .

             المعدن الأصيل دائماً مثل الذهب ، حتى لو تكسر ممكن صياغته من جديد، أما الزائف مثل جرار الفخار عندما تنكسر لا يمكن إرجاعها مثل قبل من جديد، وهذا هو الفرق الكبير في نوعيات الرجال، بدون ضغوط قوية وأخطار وطول الطريق لا يمكن الفرز السليم والمعرفة لقوة التحمل والطاقة، حيث في الواسع والهدوء ووقت الراحة والسلام الجميع الغث والسمين رجالا مناضلين .

               والسؤال الكبير من هو المتوقع للزعامة الحقيقية ليقود المسيرة إلى تحقيق الهدف، الرجل الحقيقي الصامد المؤمن بالقضية ويعمل في صمت من أجل الوطن مهما عصفت الرياح والأعاصير، ومن هم الذين يدعون الرجولة والقوة والصمود ... وهم أدعياءا وأشباه رجال ، حتى يعرف المناضل مع من سوف يدعم ويخاطر.

                 والواقع أن أدعياءا كثيرين أشباه رجال عبارة عن مناظر وصور خدعوا الكثيرين بعض الوقت، سقطوا للقاع والحضيض عند أول هز للغربال، لم يستطيعوا الصمود حيث القلوب هواء ليس لديهم الجرأة والعزم على تحمل المشاق والخطر الذي هو الأساس للحكم على الرجال .

            يوماً من الأيام سوف ينتهي الطاغية من على كاهل الوطن ،  ونصبح أحراراً ... وسعيد الحظ من يطول عمره ويشاهد نهايةالنظام، وسوف تفتح الملفات وتظهر حقائق غريبة عن أمور عديدة لا تصدق من الكثيرين من أبناء الشعب، عن قيادات ورجال ، والواقع المرير عبارة عن أشباه رجال لظروف عديدة والحظ إستغلوا عرق وجهد ودم الآخرين المهمشين ووصلوا للقمة وهذه الأمور طبيعية من سنن الحياة... فنحن الآن نسجل ونسطر ونكتب تاريخ الوطن بدون أن ندري ونعرف من خلال الكفاح والتجارب العديدة، البعض منها قاتل....  وفي نظري من خلال المحن يفرز ويخلق ويظهر على السطح الرجال ذوي العزم، فليبيا أنجبت الكثيرين من الأبطال، ومازالت تنجب في الغث والسمين إلى ماشاء الله عز وجل.

          إنني لا أستفز أو أهدد أي أحد، وإختلاف وجهات النظر رحمة، وكل إنسان قيادي وله طريقته الخاصة في العمل والمواجهة ،  وخوفي ليس من أعدائي، بل من أصدقائي ورفاق الدرب النضالي، أخاف كيدهم والغدر يوماً ما، من جانبهم وأنا غافلا عن الأمر .

           كثيرون من الشباب الطلاب بالخارج المتحمسين للقضية ،  ضحوا بإتمام دراساتهم وتخلوا عنها بطيب خاطر وهم من الأوائل بالصفوف الدراسية نظير الحب للوطن، إستغلهم البعض أسوء إستغلال وتحصلوا على الجاه والأموال بإستخدامهم كأدوات وجنود للعرض ، والضحايا نظير الإندفاع وعدم التجارب،  همشوا مع الوقت وأصبحوا بآخر الطابور .

           أصابني الإحباط والحزن بسبب هذه القيادات الفاشلة التي لولا الجاه والمركز والدعم من القوى الخفية والحصول على الدولار مستعدون للإنسحاب أو التخلي عن المباديء وقضية الوطن، وتساؤلاتي للنفس هل أستطيع ضم الجهود مع بعض في بوتقة واحدة، وأغامر بالرأس وأخاطر بالحياة مع أمثال هؤلاء ؟؟  

                  صدق من قال إحذر عدوك مرة واحدة، وإحذر أصدقائك ألف مرة، فالعدو ظاهر للعيان وممكن الإحتياط منه، ولكن الأخ والرفيق عالم ببعض الأسرار، وممكن بقصد أو بدون قصد نظير المباهاة، يردي للتهلكة نظير زلة لسان في وقت ومكان غير مناسب .

                  كثيرون من المهاجرين تسلقوا عربات قطار المعارضة لأغراض خاصة، البعض نبيل وصادق محبا القضية من القلب والوجدان بضمير ، والكثيرين عبارة عن حسابات خاصة للوصول لهدف معين ،  وما أكثر من هؤلاء الأدعياء الذين أجهدوا المسيرة من المضي بسرعة ،حيث مشاكلهم لا تنتهي طوال الوقت، من الدس والخبث والمزايدة ولا يعجبهم العجب ،  وكان الله عز وجل في عون الشرفاء الذين مروا بالأيام السوداء وهم طوال الوقت يحاولون المصالحة حتى لا يتوقف القطار في أحد المحطات النائية ولا يستطيع السير بقوة ، وعندها المصائب ، تحل على رؤوس الجميع .

                في أحد الرحلات السابقة في مدينة لندن تحدثت مع أحد الشباب الليبين الذي كان والده من الأثرياء أيام الغفلة، وكان يبلغ الثلاثين من العمر، وأثناء النقاش كان يسب ليبيا والليبيين و يقول أنهم سلبيون وكلام كثير مبتذل في نظري، وقال أنه سعيد أنه يعيش في بريطانيا، وبدأ يعدد في الفروقات ،  وجاملته بعض الوقت وأنا أحترق داخل النفس على مثل هذه العقليات الجاهلة في نظري مع أنه يحمل شهادة جامعية عالية ، وقلت سبحانك ربي الكريم، هل ليبيا يوما سوف تنهض بعقليات حقودة حاسدة جاهلة مثل هذا الدعي ؟؟ الذين عائلته نهشوا خيرات ولحم ليبيا بالنهب بالسابق ويعيشون في الغربة على أموالها، ويتشدقون ويزايدون ،  بدلا من مد يد العون أو العمل النضالي مع الآخرين من أجل الأم الحنون التي الآن بحاجة إلى العون.

              ونصحته بصدق، وقلت له مصير الغريب يوماً يرجع للوطن ،  ولا تقل هذا الكلام المبتذل وتسب الوطن، يوماً ما سترجع وتكون منبوذاً من الجميع نظير تراهات اللسان.  صدم من الرد والصراحة، وإنني لم أخدعه، ورجع لعقله وحاول الإعتذار ولملمة الموضوع، وخرجت من المحل وأنا حائرا ومتعجب أن بعض هؤلاء الشباب الليبي بالمهجر ليس لهم ولاء ولا إنتماء للوطن، وفي نفس الوقت أعطيته بعض العذر، لأنه ممكن إختلط مع نوعيات تافهة، أو المرارة والحرقة وهو يسمع في المظالم التي تحدث بالداخل والتمزق والتشرذم للمعارضة بالخارج، وقلت للنفس لو إستمر النظام عقوداً طويلة أخرى، ماذا يكون الحال، مع شباب الغربة والمهجر؟؟

              كنت ضيفا في أحد الولائم، وتطرق الحديث من أحد الحضور وتشعب عن خيرات ليبيا، وسهولة النجاح بها وأنها بدون منافسة ، وقلت ردا عليه بإستهزاء أنت تحلم ... النفوس تغيرت وستجد منافسة كبيرة أمامك فالليبيون تغيرت نفوسهم وليسوا مثل أيامنا في السابق ... ورد قائلاً ياحاج إذا رجعت يوماً للوطن أنا رجل أعمال وسوف أدخل للسوق بمواضيع كبيرة يعجز عليها الكثيرون وسوف أنجح من جديد، ولكن سوف أحول جميع المال للخارج وأترك ديون لدى المصارف حتى لا يتم تأميمها من جديد ... وقلت للنفس  سبحانك رب العالمين، هل ليبيا منكوبة إلى هذا الحد من التفكير الشيطاني لبعض رجال الأعمال والتجار بدلا من التفكير في الخير والمساهمة في البناء والتشييد والإعمار، لكي يخطط البعض من الآن كيف يستغلون الأمر؟؟

              ونقاش آخر مع أحد الضباط الكبار السابقين المتقاعد "عواجيز" العهد الملكي، الذين تشردوا بعد الإنقلاب الأسود يوماً في ساعة صفاء، فتح قلبه وقال لو تتاح لي الفرصة مرة ثانية وأُصبح من ذوي القرار في الوطن، سوف أصفي الحسابات وأنتقم من عديدين يحتاجون للبتر من المجتمع نظير أعمالهم المشينة وعدد بعض الأسماء، وكان ردي عليه بسيط:  دع الخلق للخالق فهو العادل والمنتقم ، وأحسن شىء أن تنظف قلبك من الأحقاد، فأنت الآن على أبواب الثمانين من العمر ومازلت تطمح في الوصول والإنتقام، جهز نفسك للرحيل حتى تلاقى الرب بقلب طاهر.  وإبتسم وقال ياحاج عندك حق، وشكراً على النصيحة القيمة الغالية .

               تساءلت مع النفس وقلت لماذا يزداد العويل والضجيج عندما تتم إتصالات مع البعض بالداخل، أو اللقاءات بالصدف في المطارات والمستشفيات أو بالأسواق صدفة بالخارج أو عن مواعيد عن طريق ثقات، وتلوك الألسن علينا ونوصم بالعمالة نظير الجهل...  ولولا الإتصالات مع الداخل بطرق كثيرة وتسريب المعلومات القيمة كيف كنا نستطيع المقاومة، وإفشال مخططات القذافي .  وأي خطأ بسيط لو تم الإتهام لهؤلاء الذين سيرجعون للوطن،  سيدفعون الثمن الغالي معرضين حياتهم للخطر، أما بالخارج ذوي الجعجعة والهراء ورمي التهم جزافا، أيادي القذافي السوداء قاصرة عن الوصول لهم بسهولة حتى يدفعون الثمن .

                أحد الأصدقاء المتعاونين مع المعارضة قدم إلى إيطاليا للعلاج، بعد أن تحصل على تأشيرة الخروج بالسفر بعد سنة ، و عندما فحصه الأطباء تبين أن مرضه كان نتيجة عوامل وهواجس نفسية تتعلق بالخروج والسفر وليست لديه أية أمراض لعلاجها، وبعد بعض الفحوصات البسيطة خلال فترة أسابيع رجع إلى طبيعته العادية ولم يشكو من أي شىء، والمرض عبارة عن كآبة وضغوط شديدة نظير المنع، وآلاف الحالات التي أودت بكثير من أبناء الشعب الليبي موارد الهلاك نتيجة حكم التسلط والقهر والإرهاب من مجنون طاغية. وتمت إتصالات هاتفية عديدة مرتبه عن طريق أحد الثقات من الأصدقاء الإيطاليين (ماريو)، بحيث صعب متابعتها من النظام ،  وتحدث المريض بالكثير من المعلومات القيمة والتحذير من بعض أسماء العملاء المندسين في أوساطنا بالخارج والتي تهمنا كجالية مهاجرة حتى نستطيع أن نعمل من خلالها إفشال الكثير من مخططات اللجان بالخارج، وتم العمل بها وكانت ذات فوائد كثيرة جمة للمعارضة!

              يوجد الكثير من رجال مسؤولين في مناصب كبيرة بالدولة كنا نخاف منهم لأنهم رجال النظام وهم أبرياء، يعطلون في كثير من الأمور بالتعطيل والتأجيل والتسيب المتعمد عن الإنجاز السريع مما تفشل كثير من الأوامر والأمور العشوائية وتتاح الفرص للكثيرون للهروب قبل أن يتم القبض عليهم والتحقيق العشوائي والتعذيب العنيف الذي قد يؤدي إلى الموت.  يتحملون المسؤوليات الجسام ويخاطرون بحياتهم ويسربون المعلوماتال كثيرة، والظروف أجبرتهم لتقلد المناصب الكبيرة كحضور وأجسام مناظر لها الرهبة والخوف منها ولكن الضمائر حية، يحبون الوطن، يضعون الحياة ورؤوسهم على أكفهم في مخاطر نظير خطأ أو زلة لسان، أحسن من كثيرين بالخارج يزايدون وهم أدعياءا متسلقين .

               إرتكب النظام أخطاءا عديدة نظير الجهل وقوة الدخل والمال، لو كانت عندنا التجربة الكاملة والخبرات لكنا إستغلينا الأمر أحسن إستغلال، ولكن المشكلة النظام يتخبط طوال الوقت ويجرب، ونحن كذلك كمعارضة نتخبط بدون تفاهم ووحدة عبارة عن إعلام وكلام وتراهات ومهاترات وكيد ودس من كثيرين من الأدعياء، لدينا الهدف واضح، إطاحة النظام، وليست لدينا الأدوات والدراسات الجيدة في التنظيم والتخطيط لمعايير النجاح والفوز فنحن نلعب في مباراة طويلة شبه خاسرة من البداية، لأن الأساس لنجاح الثورة هو الداخل إذا لا يهب ويتمرد ويعلنها ثورة قاتلة الفشل أكيد،  فلا يمكن محاربة النظام من الخارج وإنهاؤه بسهولة ونحن بيننا وبينه محيط شاسع ...

                   المعارضة بالخارج عبارة عن إعلام قوي وتشويه وفضح النظام في جميع المحافل والمؤتمرات الدولية، مثل طنين البعوض المزعج بالقرب من الإنسان، تحلق وتكرر الدوران عدة مرات بإصرار، تذهب العقل "تدوشن"، تجعل الجسم يتراقص خائفا حذرا من اللدغة الحارة والواقع عبارة عن طنيين وإزعاج بدون ان يقتل .

                   إستفحل الداء بالوطن نظير حكم الإرهاب، ولا يمكن محاربة النظام إلا بنفس الأسلوب عن طريق الخوف والإرهاب لأعوانه المقربين الذين يعيثون الفساد، يتجولون كما يحلو لهم في مدن وعواصم العالم من غير أي خوف، حتى يتحرك الشعب من الداخل ويشعر ببصيص من الأمل وتبدأ المقاومة بالنمو كل يوم للأحسن والأفضل، حتى يوماً تهب بقوة جامحة تخنق أنفاسه وتنهي نظامه بثورة عارمة .

                الخميس يوم 1987/7/23م وصلت لمطار هيثرو لندن وبعد المعاملات للدخول أخذت عربة أجرة ورأسا إلى فندق رويال لانكستر، وقبل النوم تم إتصال هاتفي مع أخ الدهر الصابر مجيد الذي أتى حوالي الساعة الثانية ظهراً إلى الفندق والذهاب للغداء في بيته...  وبالطريق إلى البيت قلت له عن الغرض للقدوم إلى لندن، وكان رده آسف لا أستطيع مما كتمت الأمر ولم ألح وأزيد في الشرح للموضوع حتى أدع له الوقت للتفكير في الطلب وحل المشكلة وجاء قريبي مفتاح بن عمران وحضر معنا مأدبة الغداء، ونقاشات كثيرة معظمها تدور عن الهم الذي نعاني منه وندور... وبعد الغداء خرجت مع الصابر لوحدنا للحديث الخاص ومقابلة الأخ رمضان بن موسى الذي حضر إلى لندن مع العائلة والأولاد لعلاج زوجته المريضة، وكان نعم الرجل الواثق من نفسه، قليل الكلام والشكوى، يحب الوطن من أعماق الروح والنفس، وتحدث بمصداقية وكم يعانون بتحفظ... مما أكبرت فيه الصراحة، ولم أبالغ في الطلب وتأييد المعارضة بالمعلومات والدعم بالمال وبالأخص أن مثله لا غبار عليه، حتى لا أصاب بالإحباط في حالة الرفض، وتركت الأمر للأيام . 

                ركز الصابر على سوء التفاهم الذي حدث مع أحد الرفاق، وحاول رأب الصدع، والوحدة مع الجبهة الوطنية والعمل معاً حتى  نتوحد بدل الفرقة والتمزق...  وحسب قوله الجملة جمل صعب إبتلاعه بسرعة، وشكرته على السعي والوساطة والمصالحة التي نحن في أمس الحاجة لها، ولكن كانت لدي تحفظات وهواجس سابقة منذ البدايات مع الجبهة نظير أخطاء قاتلة مازلت أدفع ثمنها إلى الآن عن الخداع وعدم الصفاء في الشراكة النضالية ولن أستطيع تحت أي ظرف المغامرة مرة أخرى...  وكنت عنيداً لم أرضخ مهما حاول، فأنا غير مستعد لأي ظرف أن أتعاون مع قيادات تريد السلطة بأي طريقة وهي مازالت بأول المشوار، وشرحت له الأسباب ولم يقتنع ... وأثبتت الأيام صحة القول، حيث بعد سنوات تغير المسار معهم إلى الفرقة والعراك والتشرذم بعد الدعم القوي، المال والمعلومات من جماعة درنة الصابر مجيد والعراب أحسين سفراكس وأثبت إنني كنت على حق وصواب ... والصابر شخصياً أكثر من مرة قال لي عدة أشياء بمرارة عن المعاملة السيئة والتهميش، ولا داعي للذكر ونشر الغسيل القذر .

                إتصالات كثيرة سواءاً بالحضور أم بالهاتف مع عديد من الرفاق والأصدقاء فقد كنت نظير الإطلاع والمتابعة مما تحصلت وعرفت الكثير من المعلومات السمين والغث حتى نحافظ على أنفسنا والغير من البسطاء المهاجرين من أن يضيعوا هباءاً بالإغتيال وهم أبرياء، فالنظام يقتل بالخارج لإشاعة الرعب في الجالية حتى تستكين ولا تقاوم، ولم أهتم بأي مورد عمل وعيش، ولم أمد اليد لأي إنسان وأريق ماء الوجه كما عمل الكثيرون ، بل عشت صابراً على الأيام، وتحصيل بعض الديون السابقة وقرض كبير من أحد الأخوة الرفاق، الذي أعانني على الإستمرار في العيش الكريم .

               رجعت إلى أمريكا بعد أن قضيت أياما في لندن جميعها تعب وقلق من المجهول، حائرا لدى شعور غريب ينتابني طوال الوقت من شىء ما سوف يحدث غير عالما به ، عسى أن يكون خير ... وسمعت الأخبار المؤسفة أن جد أولادي وخالهم، تم القبض عليهم والإيداع بالسجن من قبل عقيد الأمن الداخلي السنوسي الوزري، والتهم الموجهة نظير بعض المكالمات الهاتفية المتبادلة مع العائلة في أمريكا... وكم تأسفت للأمر، ولكن ليس باليد حيلة حتى أساعدهم ويتم الإفراج عليهم، وزادتني هذه الخطة الخبيثة للضغط علي من خلال أقرب المقربين... الإصرار في العمل النضالي والكفاح لآخر نقطة دم ونفس .

               لا أنسى هذه الرحلة فلها ذكريات خاصة تحتاج إلى وقت طويل فقد تعلمت أن الإنسان المناضل من غير دعم ومال لا يستطيع المضي في المشوار، وأكبر خطأ صرف المال الخاص بالعائلة والأولاد على السياسة، المفروض لكل شيء ميزانية قبل البدأ والتقدم إذا أراد الإنسان البدأ بأول خطوة نجاح، ويقوم  بالإحتياط للصرف ساعة الصفر والحاجة الماسة للعيش الكريم ، ففي حالة النضوب يكون الضياع على الجهتين والوجهين، وهذا الذي حدث، خططنا للرجوع للوطن منصورين بسرعة خلال سنوات بسيطة مرت، ولم نحسب حساب التعطيل عقودا من السنين الطويلة ولم نمد أيادينا إستجداءا لكل من هب ودب، صابرين ، ننتظر  رحمة الله تعالى .

 الصبر الصبر فالله عز وجل حي موجود في الوجود ولن يتأخر عن العون للشرفاء الأتقياء، وكل بداية لها نهاية، ومهما طال الوقت للنظام، يوماً سوف يسقط وينتهي من الوجود مهما طغى وتجبر فالقضية الوطنية يهون فيها بذل كل شيء... الأرواح والدم وليس المال فقط ،  لقاء الفوز والنجاح بشرف وكرامة...  والله الموفق ...                 

     رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment