بسم الله الرحمن الرحيم
يوم الجمعة الموافق 2011/4/15م سافرت من الاسكندرية إلى القاهرة حوالي منتصف النهار ولم أتمكن من تأدية صلاة الجمعة بالجامع مع أنني دائماً حريص على الراحة وعدم السفر إلا لظروف قاهرة مضطرا فيها للسفر حيث بالنسبة لي يوم الجمعة يوم مقدس للراحة والعبادة وذكر الله عز وجل وليس للسفر والجري مهما كان أو كانت وراء الدنيا الفانية.
وصلت للقاهرة ورأسا إلى فندق السفير المطل على ميدان المساحة بالدقي حيث تم الحجز والإقامة ووضعنا الحقائب في الغرف وبعدها إنتقلنا إلى بيت السيد فرحات الشرشاري القريب من الفندق للقاء معه والغداء في بيته حيث كنا معزومين بناءا على ميعاد سابقا، وكان في الإنتظار السيد فرحات والسادة سيف النصر عبدالجليل صديقي العزيز الذي تربطني به أواصر الصداقة والأخوة والإحترام، وعلاقة كبيرة روحية وماء وملح، منذ بدايات الثمانينات في القاهرة مصر، ومعه إبن أخيه السيد معتوق،
وقد تعرفت على السيد سيف النصر عبد الجليل الذي كان من أعيان سبها ورجال ليبيا السابقين، وعائلته آلِ النصر لها بصمات عديدة مشرفة في الحكم للجنوب والجهاد ضد الاستعمار الفرنسي والايطالي في سبها فزان في القرن العشرين من تاريخ وطننا ليبيا.
كان صديقي السيد سيف النصر الذي يكبرني في العمر حوالي عقد من الزمان آخر وزير دفاع للمملكة الليبية عندما قام الانقلاب الأسود " ثورة الفاتح " كما يدعون… وأصبحنا أصدقاء وأخوة منذ بدايات المعارضة الحقيقية للنظام الفاسد الظالم وكنا معا من ضمن مجلس الرابطة الليبية بقيادة المرحوم السيد مصطفي البركي الذي كان المثل الأعلى للجميع في قوة الشخصية المعارضة الشديدة المتشددة ومعاداته ضد المجنون القذافي من القلب بضمير من أجل الوطن…وليس مقابل أطماع مستقبلية وتبوئ مراكز قيادية وتوفى رحمة الله عليه، غريبا فقيرا في الغربة في بريطانيا ودفن بها بعد أن حاول نظام الرئيس حسني مبارك بيعه والقبض عليه بالغدر وإرساله إلى ليبيا كما حدث مع المناضلين الآخرين السابقين أمثال الشهداء السيد جاب الله حامد مطر والسيد منصور الكيخيا وغيرهم…
ولكن بكل الجبروت والتفاهات والسقوط في الرذائل من حكام مصر الرئيس حسني مبارك المخلوع وبعض بطانته الفاسدين الذين مقابل المراكز والجاه والمال الحرام وعدم الإحترام لضيوف مصر المعارضين لنظام القهر والارهاب في ليبيا، الذين تم اللجوء منهم إلى مصر بلد الأمن والأمان أيام الرئيس الشهيد السيد محمد أنور السادات بناءا على وعود ومواثيق شرف بحمايتهم والذود عنهم…مقابل أطماع دنيوية ومال وفير عديمي الأخلاق الحميدة مرتشين لا يخافون الله عز وجل، قاموا بالقبض عليهم بغدر وتم تسليمهم إلى القذافي وهم يعلمون علم اليقين ويعرفون أن القذافي لن يرحمهم بذرة رحمة واحدة سوف يكونون ضحايا مقتولين …
لكن مازالت الدنيا بخير ومصر بها رجال شرفاء أحرار خيرين في الخفاء ووراء الستار لا يرضون بالغدر ولا ممارسات الحكم الفاسد، أبلغوه في السر في الوقت المناسب، الساعات الحرجة بأن يهرب ويغادر بسرعة مصر حتى لا يتم القبض عليه إسوة بالشهداء، مما فعل وأنقذ حياته من براثن نظام القذافي في آخر لحظة !!!
لم يحضر الشهيد السيد مصطفى البركي قيام الثورة المجيدة فقد توفى مريضا عليلا معدما بعد أن كان عزيزا فى مدينته بنغازى يشار له بالبنان كرجل أعمال ناجح، وزعيما سياسيا بالمهجر فى القاهرة مصر ،،، أيام رئاسته للرابطة الليبية بدون منازع عدة سنوات فى الغربة .
وأنا متأكد أنه فرح سعيد فى مثواه الأخير على قيامها فقد كان يحلم بها طوال الوقت فى كل لحظة من لحظات حياته من أعماق وأغوار نفسه الثائرة، رحمه الله تعالى بواسع الرحمة والغفران، فمثل هذا الرجل الشهيد الأخ والصديق ورفيق النضال والخطر، لا يوجد منه الكثيرون من الرجال على ساحة النضال الوطنى بضمير وخلق عظيم …
يوم السبت 2011/4/16م تمت إستضافتنا على الغداء من قبل عائلة الشهيد جاب الله مطر وإبنه السيد زياد وكانت إحدى خالاته " ب " موجودة لغرض العلاج في القاهرة ، وأحاديث طويلة شيقة عن الثورة المجيدة وأخبار الوطن العديدة من كر وفر لقوات الثوار الشباب وعن التكهنات الكثيرة وماذا سوف يحدث في المستقبل والجميع مستبشر بنهاية الظالم القذافي المجرم عن قريب حيث أيامه أصبحت معدودة وهو لا يريد أن يفهم نظير الكبرياء الكاذبة والغرور…
لقاء مثمر مع السيد سيف النصر عبدالجليل الساعة التاسعة مساءا بالفندق للتوديع ، وقد أهداني كتاب إسمه " ثورة عبدالجليل سيف النصر " مع إهداء شخصيا موقعا منه .
ذهبت إلى بيت السيد فرحات لتكملة السهرة إلى منتصف الليل، حيث وصلت السيارة التي سوف تقلنا إلى ليبيا، وودعت السيد فرحات على أمل اللقاء عن قريب وبدأت الرحلة للوطن وكانت الطريق مزعجة من كثرة المطبات والحفر والزحام الكبير من آلاف السيارات بدون نظام على الطريق السريع…
يوم الأحد 2011/4/17م ، طوال الليل السفر برا إلى ليبيا ووصلنا الحدود الليبية منتصف النهار، وتم الإستقبال بكل الاحترام والتقدير حيث الإسم معروف والإجراءت سهلة ولم أخرج من السيارة بل تم الختم على جواز السفر في دقائق…
التوقف والغداء في أحد الإستراحات على الطريق في منطقة " قصر الجدي " ولم نتمكن من مواصلة الرحلة إلى مدينة بنغازي مع الطريق الصحراوي عندما كنا فى منطقة بلدة " التميمي " حيث العواصف الترابية شديدة وبصعوبة الرؤيا بالنظر المجرد والدخول إلى الجنوب، مما طلبت من السائق أن يستمر على الطريق الساحلية إلى مدينتي درنة…
وصلت إلى المزرعة حيث السكن وكنا متعبين من الرحلة والسفر وشد الأعصاب من أن يحدث أي شئ على الطريق حيث الإشاعات تتردد بدون حدود عن تمركز بعض فلول كتائب القذافي على الطرق والقبض أو القتل لأي مناضل من الثوار، وحمدت الله تعالى كثيرا أننا إجتزنا مرحلة الخطر ووصلنا سالمين إلى مدينة درنة بدون أي تعرض لمأساة ومصيبة من المصائب نظير صفاء النية وعون الله تعالى ورضاة الوالدين والناس …
فرح الخفير " وردكوا " فرحا شديدا بوصولنا سالمين وتطايرت الأنباء عن وصولنا لمدينة درنة وحضر العديدون من المعارف والإصدقاء للسلام والتحميد بالقدوم، وسهرة طويلة إلى منتصف الليل في أحاديث وأخبار حقيقية صادقة عن ماذا حدث في درنة من أحداث مؤلمة عن قدوم المرتزقة والقتل للبعض والتمثيل بالجثث والتعليق لهم على جسر الصحابة مما خاف الجميع من أعوان القذافي ولم يتم أي هجوم على المدينة خوفا من الانتقام، مما أخذت فكرة عامة عن ماحدث في الأيام الأولى للثورة بدقة …
يوم الإثنين 2011/4/18م ، زيارة إلى مسجد الصحابة وقبل صلاة الظهر شاهدت المعرض الملحق لصور الشهداء الضحايا في غرفة العرض، وكم كنت حزينا أشعر برعشة قوية داخل النفس على رؤية الشباب القتلى الذين أعرف البعض منهم معرفة شخصية، وهم ما يزالون في مقتبل العمر شباب مثل الورد والزهور، الذين ضحوا بحياتهم من أجل حرية ليبيا من الظالم الرابض على أكتاف الوطن منذ اربعة عقود ونيف .
بعدها صلاة الظهر في المسجد الذي كان ممتلئا بجماهيرالمصلين وعن التكبير المتواصل لشحذ الهمم، والحمد لله عز وجل أن نصر وأزال الغم والهم وتحدى وكسر الشعب جدار الرعب وحاجز الخوف وقامت الثورة، والظالم الحاكم مثل الديك المذبوح يتراقص يتطاير من مكان إلى آخر طالبا الحياة قبل الموت والسكون…
الجميع فرحى بالثورة ووجد الكثيرون من الأدعياء وأشباه الرجال الفرصة للنفاق وركوب الموجة الجديدة وأنهم من السابقين والأوائل في التصدي ومحاربة كتائب النظام، وإختلط الحابل بالنابل وهذا شئ طبيعي في أي ثورة شعبية غير منظمة ولكن مع الوقت لا يصح الا الصحيح وجميع هؤلاء سوف يسقطون مثل أوراق الشجر الهشة عندما تهب رياح وعواصف فصل الخريف حيث التاريخ لا يرحم …
تعبت من السلام والمصافحة والعناق من الكثيرين من سكان وأهالي المدينة، حيث لدي شعبية كبيرة في المنطقة الشرقية وبالأخص في مدينة درنة التي بها ولدت وترعرعت، الجميع يهنؤنني ويشكرونني على المواقف الرجولية في الظهور على العلن مخاطرا بالنفس وعائلتي وكل من يمت بجذور الدم والقرابة، في القنوات المرئية صوت وصورة متحديا الظالم والظلم، في أحلك الأوقات الصعبة من القتال الشرس معرضا الجميع للخطر في حالة نجاح القذافي في السيطرة على الثورة والقضاء عليها…
رجعت للوطن فى عز الثورة وعنفوانها تشجيعا للثوار ورفع الحالة المعنوية أننا معهم في السراء والضراء، ولم أرتاح في الغربة مثل ما فعل الكثيرون من الأدعياء أشباه الرجال، الذين بعدي بشهور كثيرة قرروا الرجوع للوطن للمشاركة في الحكم، لم يرجعون في الأيام الأولى حتى ضمنوا سقوط النظام والآن بالصدارة، للأسف…
إتصالات عديدة مع كثير من الإخوان المناضلين والاصدقاء من جميع الإتجاهات وبالأخص مع مجموعة المناضل سالم دربي قائد كتيبة شهداء أبوسليم على التبرع والدعم والمساندة حيث كانوا بحاجة ماسة إلى السيارات ذات الدفع الرباعي للسير في الصحراء بسهولة.
كان لدي سيارة جديدة نصف نقل فورد بالمخزن مع الجرار لحمل 2 طن مما كانت جاهزة لتركيب مدفع رشاش نوع 14.5م م والجرار لحمل الذخائر والمؤن ووعدتهم بتقديمها لهم هدية للكتيبة كأول تبرع وكانت تساوي الكثير من المال ساعة الحرب والصدام ولكن رفضت جميع العروض للبيع للآخرين حيث الآن وقت الرجولة والشهامة، النخوة والنجدة وليست السمسرة وجني المال مثل مايعمل الكثيرون من أشباه الرجال الطامعين أغنياء الحروب والثورات على حساب الدماء …
وقتها ضحايا شهداء شباب في عمر الزهور يسقطون قتلى والآخرون يقدمون الدم جرحى ومعاقون ولا أساعد بالجهد والاتصالات والعطاء بالمال حسب القدرات والمتاح…
وجدت ممانعة قوية من بعض الرفاق مثل " ج ه + ع ك " طالبين مساندة احد الكتائب الأخرى، ولكن لم أهتم فقد وعدت وأعطيت كلمة وعهد للمجموعة ولن أتراجع مهما كان الثمن…
تمت زيارة وجولة سريعة للمعسكر خلف المزرعة، الذي تم الإستيلاء على ارضه من قبل اللجان الثورية على مدى طويل حوالي ثلاثة عقود من التأميم والزحف، والحمد لله تعالى بقيام الثورة المجيدة وزوال وهروب افراد الجيش القائمون عليه المؤيدون للقذافي خوفا من إنتقام الجماهير الغاضبة…
تم الترجيع له وقت الفوضى بالحق من قبلى الذى أنا مالكه الأصلى، وقمت بزيارته والمشاهدة وكم هالنى الخراب والدمار به ووضعت حراسا خفراءا عليه أنه ملك خاص وليس بعام حتى لا يدخل المخربون الغوغاء بحجج الثورة وهم أدعياء لصوص، يحاولون نهب وسرقة أي شئ من الموجودات بدون وجه حق…
العشاء مع الجميع في بيت إبن أخي خالد صالح والسهرة إستمرت لوقت متأخر في أحاديث عامة عن الثورة وكانت بالنسبة لي فرصة حتى أرتب الأفكار وأضع الخطط السليمة للتقدم في المشوار النضالي محاولا قدر الإمكان عدم الوقوع في أخطاء كبيرة قاتلة، تهدم جميع ما بنيته في سنين من الكفاح والمعاناة حتى تحصلت على الإسم الطيب الذي هو الرأسمال الحقيقي للمضى في دروب الحياة رافعا الرأس شامخا.
يوم 2011/4/19م كنا معزومين كمجموعة كبيرة على مأدبة غداء على شرفي في بيت آلِ إستيته من قبل الرفيق، رفيق إستيته، الذي قام بالواجب وزيادة، وبعدها زيارة على إنفراد مع الصديق الحاج الفرجاني إمداوي وطرح بعض الأفكار وكيفية الربط بين الشباب الثوار وإخوتنا الشباب الثوار المصريين في ميدان التحرير حتى يتم التلاحم وننتهى بالمرة من الطغاة مصاصى دماء الفقراء من أبناء الشعوب المقهورة في مصر وليبيا .
ووصلنا إلى قناعة بأن نبدأ بالمبادرة وقيام وفد من ليبيا بالزيارة الميدانية إلى القاهرة كوفد يمثل شباب ليبيا الثائر، وقررنا طرح الفكرة على عضو المجلس المحلي صديقنا الأستاذ عاشور بوراشد الذي تفهم الفكرة وقال أنهم بصدد القيام بمبادرة مثلها مما تراجعنا بهدوء عن الأمر وكانت خطأ أن نترك الفكرة التي نحن نؤمن بها عن ظهر قلب والتى تصب في مصلحة الطرفين وبين الشعبين فقد طفح الكيل وزاد عن الحد من الطغاة الإثنين الرئيس محمد حسني مبارك، وعقبال نهاية الطاغية معمر القذافي المجرم عن قريب حتى نرتاح من الهم والغم، وترجع لنا الحياة وننهض بالوطن…
رجب المبروك زعطوط
البقية فى الحلقات القادمة …