Saturday, September 15, 2012

شاهد على العصر 9


    بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر

 ( ٩ ) 



بالسابق و خلال أول زيارة لليونان لشركة هيراكليس ، الشركة العملاقة العامة لإنتاج الاسمنت ، كان في معيتي السيد ع. س.  وقاموا بوضع برنامج زيارات لعدة أيام ونحن مابين مكاتب الشركة وزيارة المصانع العديدة في مدينة فولوس وبيريوس وأماكن أخرى نسيت أسماءها مع طول الوقت وعدم تكرار الزيارات لها ، وحاولت الحصول على التوكيل ولكن لم أوفق  ، وحاولت مرارا في كل زيارة ولكن كانت توجد موانع خافية ، حتى وضعت عيونا لي وبذرت البذرة ورجعت إلى ليبيا وأنا متأكد ان العملية مسألة وقت ومهما طال الوقت سوف أنتصر بإذن الله عز وجل لأنني حاصل على  رضاء الله تعالى والوالدين يدعون لي بالربح والأجر طوال الوقت ….

يوماً عند الضحى رن جرس الهاتف وكان المتكلم من أثينا اليونان نائب المدير وقال كلمة واحدة أريدك ان تحضر غداً  ، وقلت له نعم إنتظرني في المطار وأقفلت السماعة وخلال ساعتين كنت أقود السيارة إلى مدينة بنغازي وأنا افكر ماذا سوف يحدث من أمور الآن ليس لى بها علم … 

وصلت إلى بنغازي حوالي الساعة الرابعة عصراً وذهبت رأسا إلى شركة نامتي السياحية حيث أعرف مدير المكتب السيد موصللي السوداني الجنسية الذي كنت أتعامل معه في شراء التذاكر وحجزت تذكرة درجة أولى على رحلة الغد إلى أثينا اليونان 
كان وقتها أيام العهد الملكي للمسافر الحق في شراء العملة بما قيمته ألف دولار أمريكي عن كل  سفرة مما يعد في ذاك الوقت مبلغا كبيراً … أما رجل الأعمال التاجر فله الحق في مبالغ كبيرة أكثر من عشرة أضعاف بالسنة  ولكن بشرط أن يقدم طلباً إلى بنك ليبيا المركزي ويتحصل على الموافقة  ، كذلك ضروري من الحصول على إذن تأشيرة خروج من إدارة الجوازات (  بالسابق أيام الولايات قبل الدمج يسمى البوليس الإتحادي )  حتى يتمكن المواطن  من السفر  للخارج وكانت التأشيرة تصدر  في نفس اليوم بدون أي تعطيل أو تأخير ( رحم الله تعالى أيام العهد الملكي السابق فقد كنا نعيش في الجنة ولم نعلم ! )
 
كنت وقتها دائماً جاهزا للسفر في أي لحظة حيث كنت أتحصل على إذن السفر من إدارة الجوازات لمدة ستة اشهر لعدة رحلات وكذلك التأشيرة اليونانية والإيطالية في نفس المعاملة أما ألمانيا فقد كان المواطن الليبي يدخلها بدون تأشيرات في أي وقت  ، وبالتالي لا أحتاج إلا لحجز تذكرة السفر مما فعلت  ، وذهبت إلى محل والد زوجتي أبن العم الحاج محمد الذي كان لديه ورشة ميكانيكا كبيرة وراء معمل شفيق لتصنيع الأردية الليبية النسائية ( حرامات ) بجانب فندق الخضار  لتصليح السيارات ، حيث المعمل كبير ومشهور جداً فهو الوحيد وقتها في السوق 

عندما دخلت الورشة وكانت التذكرة بالجيب واضحة وسلمت عليه سألني مستغرباً فقد كنت كثير السفر والترحال  ، إلى أين مسافر ؟ ورددت عليه بعفوية  وقلت إلى إيطاليا وكان القدر يتكلم على لساني ، ومازلت أتحدث معه حتى دخل علينا فجأة صديقه العزيز السيد نوري بن فائد رحمه الله تعالى الذي يكبرني على أقل تقدير عشرون عاماً في العمر ، وكان الشريك مع آل بوزيد والمنافس والخصم في تجارة الإسمنت والوكلاء لشركة هيراكليس لإنتاج الإسمنت طوال سنين عديدة في منطقة درنة ، ولا توجد إلا طائرة واحدة غداً إلى أثينا اليونان وأكيد سفره على متنها 

إذا وصل إلى الشركة قبلي فلن أفرح بالعقد مهما اعمل وشطارتي أن لا يشاهدني على متن الطائرة ، وكان ذكيا وشاهد التذكرة بارزة من جيب القميص وقال بلهجة استهزاء مع إبتسامة إلى أين مسافر يا سيد رجب وقلت له إلى إيطاليا روما  ، وتطلع إلى إبن عمي الذي أمن على الكلام بدون أن  يدري ، وقال إيطاليا مما إرتاح قليلاً وسألته وقلت يا سيد نوري وأنت ؟ ورد إلى اسطنبول تركيا !
 
شربنا الشاي معا وأحاديث جمة وتركتهم يتحدثون وذهبت إلى  بيت الحاج  صهري والعشاء والسهرة وأنا أفكر وأعصر في الفكر طوال الوقت ماذا أعمل حتى لا يراني على متن الطائرة غداً بإذن الله تعالى ، ووصلت الى حل… وغامرت وقامرت عسى أن أنجح …
بالصباح تعمدت التأخير في الوصول للمطار ولم أدخل الصالة بل ذهبت رأسا إلى مسؤول الأمن حيث تربطني به معرفة وقلت له أريد الركوب على الطائرة من غير أن  يراني السيد نوري بن فائد الراكب معنا لأنني أريد عمل مفاجأة له في مطار اليونان حيث لدي رهان كبير مع أحد الأصدقاء وكان الرجل يثق في كلامي ، وتطلع إلى قائمة بمكتبه وكان الإسم موجودا ضمن الركاب على الدرجة السياحية مما خدمني الحظ مرة أخرى ، وتبسم وقال لا مانع إنتظر في المكتب حتى السفر  وطلب من أحد العاملين وأعطاه التذكرة وجواز السفر  وقال أحضر بطاقة الصعود وأختم الجواز من مكتب بوليس المهاجرة ، ولم يكن معي حقيبة ملابس غير حقيبة اليد للمستندات ولو احتجت لملابس سوف أشتري من السوق هناك  مما سهل الأمر … و خلال دقائق كانت لدي بطاقة الصعود للطائرة الحمراء لركاب الدرجة الأولى  والختم بالخروج  وأنا جالس بالمكتب أشرب القهوة وأتحدث مع الرجل المسؤول ومرتاح من الأمر حيث الطائرة لا تقلع بدون أمر منه شخصيا 

نوديا على الركاب من  خلال الميكروفون لركوب الأتوبيسات والصعود للطائرة وإنتظرت وأنا اكاد أطير من الفرحة ، حتى الآن المخطط سليم ولم يراني الخصم بعد وعندما ركب الركاب جميعهم  أخذني شخصيا بسيارته داخل المطار حتى سلم الطائرة حيث صعدت وهو يبتسم مع وعد بأن  أحكي له عن الفكاهة عندما  أفاجئ الخصم بالحضور في أثينا عندما  أرجع من السفر … 

بالطائرة تكون مقاعد ركاب الدرجة الأولى بالمقدمة وتوجد ستارة  فاصلة بين الأولى والسياحية وركاب الدرجة الأولى يهبطون من سلم الباب الإمامي إلى سيارة أتوبيس صغيرة خاصة زيادة في التقدير والخدمات ، وركاب السياحية من الباب الخلفي للطائرة ، والرحلة قصيرة مدة ساعة فقط حيث وصلنا اليونان  وحطت الطائرة وكنت من أوائل الركاب  حيث العدد قليل ووصلت الصالة وختمت جواز السفر من إدارة الجوازات ومررت على الجمارك  بسرعة بدون تعطيل حيث ليست لدي حقيبة ملابس حتى أنتظر وصولها مع الجميع ، وخلال دقائق بسيطة كنت خارجا إلى الصالة الأمامية حيث صديقي نائب  مدير التصدير في الإنتظار وعندما شاهدني إبتسم وسلمت عليه ورأسا إلى السيارة بالخارج والمشوار لمقر الشركة 

قلت له أن السيد نوري ضمن الركاب ورد علي  بإقتضاب وعيونه تلمع بالإنتصار وقال لقد تأخر !  ووصلنا إلى مكتب الشركة الرئيسي للتصدير حيث إنتظرت بعض الوقت في الصالون لشرب فنجان قهوة وأنا غير مصدق الأمر ، كيف لم يلاحظ السيد نوري وجودي على الطائرة من ضمن الركاب ؟
 
بعد إنتظار بسيط دخلت على المدير العام للتصدير السيد ساكالاريو الذي نهض من مكتبه للاستقبال وتحدثنا قليلاً وكان الأمر مرتباً حيث آل بوزيد ممثلين في شريكهم السيد نوري تأخروا عن الميعاد فترة أسابيع ولا تستطيع الشركة الإنتظار حيث لها برامج … وساعدني الحظ ووصلت قبلهم وقال المدير لنائبه جهز العقد للسيد رجب بنفس شروط الوكلاء السابقين حتى أوقعه ، وخلال وقت قصير كان العقد جاهزا بإسمي لمراجعته ولم أصدق الأمر ووقعت بدون مراجعة دقيقة حيث لست بأشطر من الأخرين حيث جميع العقود متشابهة غير تغيير الإسم والكميات ومكان الدول ، وقدمته للمدير حيث وقع ، وتم التصديق والختم  وأخذت عدة نسخ ، ووضعت واحدة في ظرف وكتبت عليه إسم وعنوان أخي في درنة ليبيا ونسخة أخرى إلى المكتب وأرسلتهما بالبريد زيادة حرص في حالة الضياع أو السرقة من الجيب ، لا قدر الله تعالى حيث دائماً محتاطا أمنيا نظير القراءة  المستمرة للروايات البوليسية والمغامرات أيامها ( أرسين لوبين )  التي كنت مهووسا بها … وتركت نسخة معي ، ودعاني المدير على العشاء بالمساء إحتفالا من الشركة حسب العادة  وودعته وأخذت السيارة إلى فندق أمونيا لأخذ قسط من الراحة وأنا فرح سعيد فأخيرا تحقق الحلم وتحصلت على التوكيل الذي لا يقدر بمال حيث استطيع التحكم والإحتكار لسوق الإسمنت في مدينة درنة وأستطيع تلبية الطلب المتزايد من شركات المقاولات الأجنبية لتعمير مدينة البيضاء ….

ذاك اليوم من  فرط الفرحة والسعادة والتعب والإرهاق لم أتناول وجبة الغداء بل دخلت للغرفة وأطفأت  جهاز التبريد  القوي حيث أخاف من  الأصابة من ضربة برد أثناء النوم ، ونمت بعمق ولم أصح إلا على رنين الهاتف المزعج بالغرفة المظلمة  الذي كان من نائب المدير الذي قال لي الموضوع وهو منزعج حتى أستطيع مساندته ولا اضعف  حتى لا يفقد وظيفته وقال انه يتكلم من هاتف عمومي بالشارع وحكى القصة بالتفصيل ، أن السيد نوري مقيم بنفس الفندق أمونيا وعندما وصل من المطار تغدى وإستراح والساعة الثالثة جاء إلى مكتبه  بالشركة حيث الشركة مواعيد عملها من الثامنة صباحا حتى الخامسة مساءا مع فترة غداء لمدة ساعة ،  ولم يهتم به مثل السابق حيث غضب وطلب مقابلة المدير العام الذي فوجئ من الزيارة وقال له بصراحة آسف لا أستطيع عمل أي شئ لك فقد تأخرت عن الميعاد ووقعت العقد مع السيد رجب زعطوط ، وجن جنون السيد نوري وقال هذا الخبيث ( يعنيني ) قد إستغفلني وضحك علي ولم اشاهده على الطائرة وكيف وصل ؟ وحاول إلغاء العقد ولكن المدير العام أصر أنه لا يستطيع الإلغاء تحت إي ظرف وإلا السيد رجب سوف يقاضي الشركة نظير العقد الموقع معه ويطلب مبلغا كبيراً في التعويض وجميعنا نفقد وظائفنا 

بعد أخذ ورد قال له المدير تصرف على هواك لا استطيع الإلغاء إلا إذا جاء السيد رجب وطلب رسميا الإلغاء طواعية من غير  إكراه بكتاب موقع منه ، عندها أحول الأمر للدائرة القانونية لتقرر في الموضوع  وأزكيكم قدر المستطاع ، مما حلف بالطلاق بأنه سوف يشتريني بالمال حتى أتنازل وطلب مهلة أيام وخرج وهو غاضب، ورديت ببساطة على نائب المدير وقلت له لا تخف ، فأنت  تتعامل مع رجل يحافظ على الوعد والعهد بالروح والدم ، ولست من الطامعين لقروش زهيدة وسوف ترى بعيونك ماذا سوف يحدث بالمستقبل القريب  …   وقررت المبارزة والصدام والمنافسة الشريفة بأدب وأخلاق عالية وأن لا أخطئ واسب نظير الغيظ  والغضب بل أتعامل بذكاء ، وهذا الذي فعلت مع الوقت والزمن وأثبت الفوز والنجاح مع الخصوم ومع الوقت أصبحنا من أعز الأصدقاء.
حاولت النوم منتظراً المساء ولم استطع من الأفكار المتشابكة فقد بدأت الحرب والصراع مع قوى قوية لديها النفوذ والمال الكثير وبإمكانها عمل الكثير ولكن ليست لديهم روح المغامرة والإقدام  والجرأة مما عرفت داخل النفس أنني الفائز باذن الله تعالى … 
تحقق الأمل بسرعة ورن الهاتف مرة أخرى بإزعاج وكان على الخط الخصم الثاني السيد أنجلو هاجيداكس اليوناني الليبي المقيم في درنة منذ الولادة ،  والوكيل لشركة تيتان المصنعة للاسمنت ،  وعرفت صوته ولكنة الخواجة لديه وبعد التحية قال انه مقيم 
 بنفس الفندق و يريد مقابلتي للتباحث في بعض الأعمال وقلت له لا مانع  وأين اللقاء ورد كما أرغب في أي غرفة وقلت له لا تتعب سوف أتي اليك ، لانه حسب العادات لدينا صعب طرد أي ضيف في حالة ما إشتد النقاش والخصام ، أما إذا كنت ضيفا عنده في غرفته أستطيع الترك والإنسحاب في حالة عدم الإعجاب والإرتياح في نقاش الأعمال ،
وأعطاني رقم جناحه في الدور السادس مما نهضت بعجلة من السرير وحمام بارد سريع لم يتعدى بضع دقائق وجهزت نفسي وكانت الساعة تشير للساعة السادسة والنصف ، ومازال على غياب الشمسً والليل حوالي الساعتين حيث عز الصيف وركبت المصعد للدور السادس وفتح الباب بعد قليل السيد انجلو وتم السلام والتحية وجلست على كرسي الصالون وأحضر لي شرابا باردا وطلب لي القهوة من خدمات الغرف وبدأ الحديث باللوم عن ما عملته من موضوع ضد آل بوزيد والسيد نوري بخصوص التوكيل وكلام دش كثير مع الترغيب والترهيب المبطن أنه سوف تحدث منافسات شديدة وحرب في الأسعار وتخسر الكثير ولدينا الفرص للإثراء وأن ليبيا قادمة على مشاريع كبيرة نظير تدفق النفط ، وقررت مجاراته ولعب لعبة القط والفأر حتى يعرف مع من يتعامل …  وطرق الباب وفتح وحضر السيد نوري محاولاً قدر الإمكان عدم الغضب تجاهي ونهضت وومددت له يدي بالسلام ولكن رفض وقال بغيظ لا أمد اليد لإنسان كاذب ( يعنيني )  فقد قلت بالأمس لي بأنك مسافر إلى روما إيطاليا ، والآن أنت بأثينا اليونان ، وقلت له باستهزاء لا تزعل ياسيد نوري مع الإحترام والتقدير للسن أنت شخصيا كاذب فقد قلت لي بالأمس أنك مسافر إلى اسطنبول تركيا ولهذا السبب واحدة بواحدة مما إبتسم من الغيظ للصراحة القوية وعدم الخجل من المواجهة وغير الحديث إلى مداهنة وتملق ، وحاول السيد أنجلو تخفيف الأمر وأن نجلس ونتحاور عسى أن نصل إلى حلول ، وزيادة في رمي الطعم ليبتلعوه بسرعة من غير تفكير قلت لهم أنا تاجر أبيع وأشتري وإذا لدي عرض مغري  ممكن أتنازل وأبيع العقد لكم حيث العملية عملية سعر وثمن ، وبدأت المزايدة وبدؤا بالقليل ثم الرفع وأنا ممانع حتى وصلوا لرقم كبير مغري  لا استطيع الإمتناع او اللعبة تنكشف وقلت لهم أعطوني بعض الوقت لأقرر ،  وفرحوا وعرفت الآن سر العصابة فالظاهر لدى الجميع في درنة أنهم   ألد الخصوم  والواقع شركاء في الإحتكار وقررت المغامرة والخداع بشرف ، عن طريق المنافسة وأعلمهم درسا أن لا يستهزئوا بي ، رغم  صغر سني و عدم تجربتي …

تمت دعوتي  للعشاء ولكن قلت لهم أنني  مرتبط وقال السيد أنجلو لا ترتبط طوال الغد سوف نقوم  بجولة  سياحية مع بعض  في أثينا حتى ترى جمالها وآثارها وقلت لا مانع غداً باذن الله تعالى … 
وطلبت الاستئذان حيث لدي ميعاد على العشاء والسهرة  ولزيادة الغيظ قلت لهم العشاء في ضيافة الشركة الليلة مما ابتسموا مجاملة وانا عارف بالحدس من داخل النفس لو بيدهم سيدنا عزرائيل لكانوا أطلقوه علي ، ولكن الرب القدير هو المسير والقادر…

 
البقية في الحلقات القادمة …  
                                                            رجب المبروك زعطوط   

No comments:

Post a Comment