Saturday, September 22, 2012

شاهد على العصر 12


بسم الله الرحمن الرحيم

 شاهد على العصر 

12


المجاهد البطل المرحوم  الحاج / المبروك صالح زعطوط 
في منتصف الستينات أثناء الإحتفال الكبير لأحد أيام ذكرى تأسيس الجيش الليبي ، الذي تأسس في دولة 
مصرالملكية في الكيلو 9 جنوب القاهرة على الطريق الصحراوي أثناء بدايات الحرب العالمية الثانية حيث تم الإتفاق مع الأمير السيد ادريس المهدي السنوسي ، عميد الاسرة والطريقة السنوسية والقائد العام للمقاومة والنضال ضد الطليان في منطقة برقة ، على تأسيسه وضم المتطوعين الليبيين الذين بالغربة المبعدين الفارين خوفا على حياتهم والمهاجرين عن وطنهم من قبل المستعمرين الطليان ، مقابل وعد من حكومة بريطانيا باستقلال برقة والإعتراف بإمارة الأمير عليها بعد النجاح والفوز في الحرب ضد قوات المحور …   كان معظم المتطوعين من المنطقة الشرقية ( برقة ) حيث زعامات وشيوخ طرابلس والمنطقة الغربية رفضوا الإنضمام في البدايات حيث لديهم منافسة مع الأمير ادريس السنوسي على الزعامة ، ولديهم بعض الإعتراضات والتحفظات على الوعد البريطاني الذي تم ، نظير الإختلافات في وجهات النظر ، إن الوعد ناقص غير متكامل ولا يشمل بقية أجزاء الوطن ، الغرب والجنوب ، وتم تدريب المتطوعين من قبل المدربين الإنجليز تدريبا جيدا بحيث اصبحوا جنودا يعتمد عليهم وأصبحوا لواءا عاملاً مستقلاً تحت قيادة الجيش الثامن وقامت بعض كتائبه بأدوار وتضحيات مهمة في الخطوط الأولى والتغلغل في المنطقة الشرقية وبالأخص تجميع المعلومات المهمة لمعسكرات العدو وأماكن مخازنه ومطاراته داخل الأراضي الليبية حيث يعرفون المناطق جيداً لأنهم أهلها ويعرفون دروبها ومسالكها  ولديهم الإتصالات والعيون المحلية من السكان و التي لا يشك فيها العدو و التي تراقب في صمت وهدوء جميع مايدور من تحركات قوات المحور ويقدمون أهم الخدمات على الأرض حيث يقومون بإيواء الطيارين الذين تصاب طائراتهم بالقذائف من المدافع الأرضية أو خلال المعارك الجوية وتحترق طائراتهم أو ينقصها الوقود ويضطرون بالهبوط بالمظلات وكذلك بإرشاد قوات المغاوير ( الكوماندوس ) على الأرض وراء الخطوط الخلفية لقوات العدو ويشاركون في الغارات الليلية المفاجئة الغير متوقعة ويفجرونها وبالأخص مستودعت الوقود مما قطعت وقصمت ظهر العدو وأصابه الشلل ، وأصبحت الدبابات والآليات والسيارات وكل شىء يتحرك بالوقود لجيوش المحور ، مشلولة غير قادرة على التحرك ، قادتها يعانون النقص المستمر في الوقود  وكثير من العمليات توقفت نظير عمل الجواسيس المهم ، حيث المعلومات الجيدة الصادقة هي أحد أساسيات الفوز والنجاح لأي حرب ، ( المساعدات القيمة لفرق الكوماندوس للجاسوس بينيكوف البريطاني الجنسية الروسي الأصل ، الذي قاد دوريات عمليات خاصة في أحلك الظروف وأصعبها أثناء الحرب الشرسة الضروس عن التغلغل والتدمير للمخازن والمطارات لعشرات القصص والمغامرات ، يشهد بها شخصياً عن مدى قدرات الليبين وشجاعتهم وعونهم الكبير في مذكراته مما تشرف وتجعلنا نحن الأحفاد نرفع الرؤوس عالية ونفخر بأجدادنا الذين قدموا الجهد والأرواح فداءا لتحرير وخلاص الوطن من المستعمر ) ونحن بعون الله عز وجل على دربهم سائرون …

 ذاك اليوم ، أحد أيام ذكرى الحفلة كنت في رحلة عمل إلى مدينة البيضاء كالعادة ونسيت أنها عطلة رسمية وجميع الأعمال العامة في أجازة وعطلة والجماهير محتشدة في الشارع الرئيسي وقتها وهم فرحون بذكرى المناسبة السعيدة وتحرير الوطن والخلاص من الطليان المستعمرين ،  وأن الحرب الشرسة مرت على خير وسلام ، حيث كان المخطط الفاشيستي الإيطالي إبادة الشعب الليبي عن بكرة أبيه بالقوة يالقتل والشنق لأتفه الأسباب ، وتجميع عائلات البادية العجزة والرجال والنساء والأطفال وبالأخص الأكثرية عشائر قبيلة العبيدات مع كثير من الأخرين والحضر من عشائر وقبائل أخرى يعيشون خارج المدن حتى لا يساعدوا الثوار بالإيواء والمعلومات والتمريض للجرحى والتزويد بالطعام في منطقة برقة ، ورميهم في معسكرات منعزلة بالصحراء القاحلة بدون كميات كافية من المياه الصالحة للشرب في مناطق البريقة والعقيلة بدون طعام كاف ولا رعاية صحية ، حيث تفشت الأوبئة والأمراض الصعبة مثل الطاعون …  وكل يوم نظير البؤس والقهر والجوع القاتل يتوفى العشرات والمئات ، والشنق المستمر لكل من يحاول الهروب من أسوار الأسلاك الشائكة المتعددة والمحروسة جيدا من حراس قساة غلاظ القلوب ليست لديهم ذرة شفقة ولا رحمة يطلقون الكلاب الشرسة المفترسة على الضحايا ، لتمسك بهم بالجرم المشهود وإحلال عشرات الآلأف من المهاجرين من جزيرة صقلية ( سيشيليا ) ليحلوا مكانهم حتى تتغير الهوية في خلال عقود وتصبح أراض ليبيا العربية المسلمة ، إيطالية مسيحية كاثوليكية مع الوقت ولكن الرب الله عز وجل غير جميع الخطط عندما دخلت إيطاليا الحرب مع المحور على أمل النصر ، وخسرت وضاعت مستعمراتها ، وعلى المنصة الرئيسية وحولها كان يوجد العشرات من المجاهدين الأحياء والذين الكثيرون منهم أدعياء والبعض منهم كانوا فعلا من رفاق البطل الشهيد عمر المختار الذي قبض عليه في كمين أثناء آخر معركة له بالصدفة في الجبل الأخضر ، وخاف الإيطاليون من نقله بالبر حتى بنغازى ، حتى لا يستميت أعوانه الثوار في قطع الطريق الطويلة للوصول التي كانت حوالي المائتين كم ، وتخليصه بالقوة ويدفعون الثمن الغالي من أرواح جنودهم وخسارة العتاد ، وتم نقله عن طريق طراد بالبحر إلى ميناء بنغازي ، وتمت محاكمته جزافا بسرعة ، بدون إعطاء الوقت الكافي والفرص للدفاع عن النفس من قبل الحاكم الجزار غراسياني ، وتم إصدار الحكم بأقصى العقوبات بالإعدام  شنقاً  في بلدة سلوق وهو طاعن في السن وعمره وقتها 80 
عاما … رحم الله الشهيد عمر المختار و كل شهداء الوطن
كان جميع المجاهدين بألبستهم الليبية الوطنية ( كيطان ملف ) جميلة بعدة ألوان زاهية ، ويلتحفون بالأردية البيضاء الناصعة ( الجرد ) ويلبسون على رؤوسهم الطواقي الحمراء تميزا لولاية برقة ، والسوداء تميزا للغرب والجنوب ( الشناني والبعض البسكل التي بها الشناوير ) وعلى صدورهم الأوسمة وهم فرحى بالمناسبة يجلسون في خيلاء وزهو ، ومررت أمام المنصة وشاهدت بأم العين الفرحة والسعادة تعم الجميع . رجعت إلى مدينة درنة ، وعندما أوقفت السيارة كان الوالد يقف أمام المكتب في أزهى حلة ، وسألته عفويا لماذا لم يحضر الحفلة في البيضاء مع أن الدعوة مفتوحة للجميع حسب علمي ؟؟ وغضب الوالد من الحديث ، وكأنني إتهمته بأنه غير مجاهد حقيقي ، حيث في كثير من الأحيان عندما تأتي سيرة الجهاد أوقات السهر والسمر وبالأخص أثناء  طهي الشاى بعد العشاء في بعض الأحيان كان يحكي عن بعض مما  حدث أيام التمرد على المستعمر ، وكنت وقتها صغير السن غير مهتم مثل إهتمامي  الآن وكم أنا نادم لأنني  لم اسجل بعض الأحداث المهمة التي عاشها وعاصرها الوالد والبعض قام بها ، وكنت أعرف شخصيا عوامل النفس لديه ، حيث عندما يغضب يكتم غيظه وغضبه داخل النفس ولا يظهر عليه الإنفعال ، ولم يعلق وإنطلق يمشي إلى الجامع.  كانت العادة أن أتناول معه وجبة الغداء وبعدها وأثناء شرب الشاي الأخضر نهض وفتح الخزانة من داخل حجرته وأحضر لفائف ورق قديمة عفى عليها الزمن ، وقال لي أود إعلامك  بماضي والدك وبأنني مجاهد عن حق وضمير ولست بدعي مثل الكثيرين مما شاهدتهم اليوم بالحفلة بالبيضاء ، وقرأت البعض بصعوبة وذهلت منها حيث كانت رسائل وشهادات موثقة بإسم الوالد عن الأعمال البطولية ومجموعته والدعم بالمال والسلاح لمعسكرات المجاهدين في الجبل الأخضر ، ( الأدوار ) وموقعة من الأمير ادريس السنوسي ( الملك وقتها ) والبطل الشهيد عمر المختار بتوقيعه وختمه ، مما إرتعدت وزادتني الدهشة أن والدي بطل وطني و أحد الجنود المجهولين وأنا إبنه الأصغر ، لا أعرف غير بعض الرتوش ، وأخذ المستندات ومضى لحجرته وخبأها في الخزنة ، ولم أشاهدها مرة أخرى فقد ضاعت وطارت بطرق خفية ويد خبيثة ، حيث بعد سنوات عديدة سنة 1972 م ، مرض الوالد وأخذته إلى القاهرة للعلاج من سرطان البروتستاتا ، وبعدها توفي رحمه الله تعالى ، وكان العزاء كبيرا من كثرة المعزين الذين يواسوننا على الفقد للوالد استمر مدة طويلة ، والأسبوع الأول فطنت للمستندات وطلبت من الوالدة أن أشاهد الخزانة في غرفة الوالد المقفلة لأرى مافيها بحضور إخوتي الكبار وأخواتي كشهود حتى لا يتهم أحد منا أنه لعب فيها ، ووجدنا الخزانة مفتوحة وفاضية وكل شىء داخلها قد سرق ، حيث كانت صدمة للجميع فالوالد رحمه الله تعالى لديه كمية من الذهب يحتفظ بها لغائلة الزمن والذي سرق الذهب دخيل من داخل الأسرة ، استغل الفوضى والعزاء والنحيب ساعة خروج النعش إلى المقبرة الغربية للدفن وسرق المفتاح وفتح الخزنة وسرق كل شىء حتى المستندات المهمة ، والمهم بالنسبة لي كانت المستندات الأصلية حيث الإثبات الدامغ لبطولة وجهاد الوالد وتاريخ وطني يشرف الأسرة ، وعرضت أثناء كثير من الجلسات العائلية أنني مستعد لدفع مبلغ كبير لمن يدلني عليها ولكن حتى الآن لم تظهر ، فالذى لديه المستندات هو السارق … وخوفي الكبير أنه تم حرقها نظير الخوف والجهل ، بقيمتها التاريخية للأسرة ، حيث الآن مرت 4 عقود  ( 1892/1972 م ) بعد وفاة الوالد الله تعالى يرحمه (1892-1972م) ، تم إصدار ميدالية ذهبية من مركز الجهاد الليبي طرابلس أثناء العهد الثوري السابق تقديرا وعرفانا بجهود الوالد في الجهاد ضد المستعمر الإيطالي ، وتم تسليمها إلى الحاج صالح أخى الأكبر في أواخر السبعينات ، حيث أنا وأخي الحاج حسن وقعنا له بالتنازل حتى يستلمها ، وبقت عنده يتباهى ويفخر بها عندما كان يشارك في الحفلات والمناسبات الوطنية وبعد وفاته سألت عليها أحد أبنائه خالد ولكن لا إجابة واضحة ولا أحد يعرف ماذا حدث ، الظاهر أن القدر بطريقة ما يريد أن لا تظهرالمستندات ولا الميدالية للعلن لأمور غيبية خافية ليست فى علمنا ، وأن يبقى إسم الوالد ضمن الجنود المجهولين الذين قدموا المتاح وما بوسعهم لخدمة الوطن ، لا يريدون جزاءا ولا شكورا من أي أحد من البشر إلا الأجر والثواب والله عز وجل الأعلم.  قصص كثيرة حدثت في مدينتنا درنة عن الماضي والحاضر عن رجال أبطال وسيدات جنود مجهولون الكثيرون ماتوا وهم في أشد الحاجة للعيش بكرامة لمن يأخذ بأيديهم ويهتم بالصرف عليهم وعلاجهم ، ومرت أسماء عديدة بالذهن ولا أريد الشرح الوافي عن بعض الأسماء ، حيث للأسف لا وفاء لدينا ، ولا الوعي ولا التقدير والشكر من المسؤولين للأبطال الذين ضحوا من أجل الوطن لعائلاتهم من الأبناء والأحفاد حتى يفخرون بهم ويدعون لهم بالرحمة أنهم خلدوا ذكرى تشرف … إحدى القصص كانت عن  السيدة ( المرغنية ) التى كانت بالنسبة لجنود الأحباش الموالين لإيطاليا تعتبر قديسة حيث يزورونها أيام العطلات الاسبوعية والأعياد للتبارك بها ، وكانت تلبس جلبابا وشالاً أخضر حسب ماسمعت من الذين يعرفونها أيامها زيادة في التأكيد أنها مباركة وتستطيع عمل الخوارق والمعجزات وتصدر لهم بعض الأحيان  ( حجابات ) لتمنع من إصابة الرصاص لأبدانهم وقت النزال وهم يصدقون الأمر عن قناعة حيث كانوا سذجاً يعتقدون فيها ، وكانت تطلب منهم عندما يرجعون من المعارك في الجبل الأخضر، بعد أن أبادوا عائلات بأكملها ويبقى الصغار من سن العاشرة إلى الرضع حيث يحضرونهم إلى المدينة ويتم التوزيع على الكنيسة لتربيتهم على الديانة المسيحية وتوزيعهم على العائلات الإيطالية التي ترغب في التبني أو بعثهم إلى إيطاليا ، أن يأتون بهم لها ، وبالأخص البنات وقامت بإيواء العشرات والصرف عليهم من الهبات وتوزيعهم على دور المواطنين القادرين ليربوهم ضمن العقيدة الإسلامية ، أليست هذه السيدة الفاضلة بعملها وحميتها للدين الإسلامي بقديسة مطلوب تخليد ذكراها حتى تصبح عبرة للأخريات ؟؟ بل خلال نصف قرن لم أسمع إلا القليل من كبار السن عن أدوارها المشرفة أما عن المسؤولين والجهات الرسمية لم يقوموا في أي يوم خلال المدة بأي نوع من أنواع التقدير والشكر والتكريم لعائلاتهم وأحفادهم ــ أليست بمأساة ؟؟ وسيدة أخرى قمة الشجاعة والإقدام الحاجة عائشة البرعصية التي كانت تضرب في الطبل متقدمة جنود الثوار ( المحافظية ) سواءا راكبة على مركوب أو راجلة ، وهي تغني وتنشد  الأغاني الوطنية تشجيعا للرجال للتقدم ومقارعة العدو وجها لوجه غير خائفة من أزيز طلقات الرصاص الكثيف حواليها ، مما شجعت الحمية وكثير من المعارك تم الفوز فيها بسببها حيث من العيب الجبن والتراجع من المعركة ، الرجال يتأخرون عن الهجوم على العدو وهي إمرأة ، أليست ببطلة؟؟  ضروري من متابعة الموضوع وإحياء ذكراها طالما مازال البعض من كبار السن  أحياءا يرزقون !  الأبطال أيام الجهاد ضد الغزو الإيطالي اللعين الغاشم ، بلا عدد يصعب على الإنسان مهما كتب أن يوفي الشكر والعرفان لهم ، ولا أريد كتابة أسماء مع أنني سمعت القصص البطولية عن الكثيرين حتى لا أنسى أي أحد ، والذي أريد الوصول له ، الوفاء ورد الجميل بتخليد الذكرى ، أن تقام لجان من الناس الموثوق بهم ، ذوي الأخلاق والقيم ، بأن تقوم  بالبحث والحصر للأبطال الشهداء والموتى وإحياء الذكرى بالعدل والمساواة حتى تتداول سيرهم ويفخر أولادهم وأحفادهم بهم ، أطالب بعدم التهميش لأي بطل قدم أي عمل جهادي نظير حسابات أخرى خاطئة ، أريد تحكيم الضمائر الحية حتى ننهض ونتقدم ،  فلا يصح إلا الصحيح ، والذي ليس له ماض مشرف يعتمد على القيم 
والأخلاق والوفاء ، لن يكون له حاضر مهما حاول من إقناع وخداع ، ولن يكون له مستقبل

 رجب المبروك زعطوط 

البقية فى الحلقات القادمة …

No comments:

Post a Comment