Monday, September 17, 2012

شاهد على العصر 10


                                                   بسم الله الرحمن الرحيم 
    
                                                     شاهد على العصر 

                                                           ( 10 ) 


بالليل حضرت العشاء مع البعض من إدارة التصدير للشركة وعلى رأسهم المدير السيد ساكالاريو  ونائبه صديقي السيد خرستو وإثنان آخرين السيد بدرو وآخر نسيت إسمه  ، وكان الحديث عن العقد الذي تم اليوم ووصول مندوب آل بوزيد المتأخر السيد نوري بن فايد ، والذي سبق ان بعثت الشركة لهم عدة برقيات  بالقدوم للتوقيع ، ولكن نظير التأخير وعدم الرد  إعتقدت الشركة أنهم لا يرغبون في التجديد مما لحسن الحظ  تم التوقيع معي ، وقد شكرت السيد المدير على مساندته لي وسوف بأذن الله تعالى أثبت له أنني قادر على تحمل المسؤوليات ولست بآفاق طامع لبعض المال وأتنازل عن العقد  كوخز إبرة  ورد مغلف عن حديث اليوم في مكتبه  عن حلف المندوب بالطلاق بشراسة لشرائي والتنازل ، حيث لا يعرف أن نائبه في صفي ، عين لي مما استغرب من الثقة الكبيرة لدي وأنا الصغير في السن قليل التجربة … 

زيادة في الحديث وذر الرماد في العيون حتى لا يتساءل يوما ويكتشف اللعبة ويرفض التجديد السنة القادمة ، قلت له  ان  سيرتي الذاتية حسنة مع الشركة  خلال معاملات حوالي العام ، مما تبسم المدير وقال ملاطفا: "سوف نساندك في حدود الصلاحيات الممنوحة لي ، طالما انت مثابر مجد تعمل بصدق" … وتناولنا عشاءا شهيا و كان الحديث معظم الوقت  عن الثراء الذي حل بليبيا إثر استكشاف النفط  و إن العالم الغرب والشرق لن يجعلنا نرتاح بدون قلاقل ، ضروري أن ننحاز في اللعبة والصراع الخفي لأحد المتنافسين الأقوياء ، حيث من الصعب البقاء على الحياد …  ثم إعتذر عن تكملة السهرة حيث ميعاد نومه حل حسب العادة ، ورحل وتركنا لتكملة السهرة في أحد علب الليل حيث نحن شباب!  نريد أن نمرح وهو عجوز في الستينات من العمر 

عرفت كثيراً من الأمور التي كانت خافية والصراع بين الشركات المتنافسة من اليونان وغيرهم من الدول المجاورة وبالأخص يوغوسلافيا وبلغاريا   على التصدير للخارج  وإحضار العملة الصعبة كدخل قومي لليونان ، والبواخر تعمل في النقل مما قطاع كبير من رجال الأعمال والبحارة  يستفيدون  من العمل وبالأخص مع ليبيا الجارة  القريبة لهم ، ورجعت من العشاء والسهرة حوالي الساعة الواحدة صباحا إلى الفندق 

بالصباح عند الساعة التاسعة كنت في عز النوم واستيقظت على صوت السيد أنجلو هاجيداكس يتحدث العربية بطلاقة بلكنة الخواجة وقال لقد تأخرت نحن نتظرك في الصالة وقلت له سوف أكون جاهزا خلال ربع الساعة ، وتحت مياه الدش الباردة القوية  التي تضرب  الجسم مثل السياط  أفقت من الكسل والتعب من السهر  ولبست بسرعة وهبطت بالمصعد إلى الصالة حيث السادة هاجيداكس وبن فايد ينتظرون وإنضمت لنا زوجة السيد أنجلو وإبنته المتزوجة حيث سلمت عليهم وأصبحنا خمسة أشخاص وقامت إبنته بالقيادة والسياحة إلى أماكن عديدة سياحية وبعدها الغداء الفاخر سمك و ثمار البحر في منطقة مارينا مشهورة   " تركو ليمانون " في أحد المرافئ في بيريوس على البحر وأمامنا عشرات القوارب واليخوت الراسية  ، ورجعت إلى الفندق قرب المساء وأنا مرهق ومتخم من الأكل والشرب 

استرحت قليلا في غفوة بسيطة حيث كنت مدعواً لمأدبة عشاء وسهرة من السيد خرستو نائب المدير وخطيبته لأتعرف عليها. أفقت من الغفوة البسيطة على رنين الهاتف المزعج بأنه سوف يكون في الفندق بعد قليل ونهضت متثاقلاً وحمام مياه  باردة مما استعدت النشاط من جديد وجهزت نفسي ونزلت  إلى  الصالة و بقيت  في الإنتظار عدة دقائق حتى وصلوا وتعرفت على الخطيبة وكانت خجولة وذهبنا إلى مطعم شعبي  في منطقة بلاكا المشهورة الجبلية بقرب المسرح القديم من العصر السابق " الأكروبوليس " وهي منطقة سياحية مشهورة  حيث العشاء على أنغام الموسيقى اليونانية والأغاني الحلوة من الفلكلور اليوناني الذي يشبه الكثير من العرب والسهرة بنفس المكان ومشاهدة برامج عروض جميلة  راقصة وكانت العادة بين الفصل والآخر استحسانا وتقديرا للمغنين والراقصين والراقصات تكسير أطباق الفخار العديدة مما أدهشني !

رجعت منتصف الليل وأنا مرهق وتعب  وبصعوبة أغالب النوم حتى لا أقع وودعت المضيف ورفيقته عندما نزلت من السيارة أمام الفندق وتمنيت لهما السعادة في الزواج القريب خلال شهر وقلت مداعبا لهما سوف أحضر الزفاف مع العائلة إذا أتيح لي الوقت ، وقالوا أهلا وسهلاً أنت مدعو من الآن !  استيقظت اليوم الثاني بنفس الطريقة من السيد أنجلو هاجيداكس والسيد نوري بن فايد والأم  والبنت وجولة أخرى  مثل الأمس طوال النهار وهم يحاولون قدر الإمكان بأن أكون سعيداً حتى أتنازل لهم عن العقد 

حجزت للسفر بالغد في اليوم الثالث بدون أن أعلمهم … وذهبت معهم في السياحة والزيارات لأماكن عديدة وكل اليوم في برامج ترفيهية ولم أدفع دراخمة واحدة حيث كل شىء مدفوع مسبقا وكأنني فى عهدة عطاء ، وعند المساء قبل الرجوع إلى الفندق في أحد المقاهي سألوني متى يتم الإتفاق وأتنازل ورددت عليهم وقلت لقد فكرت في الأمر ملياً ولا استطيع التنازل في الوقت الحاضر!  مما أثار غضبهم  من الخداع  والتأجيل وبدا السيد أنجلو يرتعد من الغيظ والغضب ورفع صوته وقال لن ندفع فواتير الفندق لمخادع!  وقلت له بقوة :"من المخادع  والطامع؟! أأنا أو أنتم يامصاصي الدماء ؟  هل تعتقدون أنني مغفل يسهل شراؤه بالمال؟ إنني أحذركم من التهديد أو القيام  بأي إزعاج  لي في اليونان ومصيركم أن نتلاقى في مدينة درنة وستعرفون من أنا ؟ وكان السيد نوري جالسا بهدوء يغلي من الموقف الصعب وكيف استدرجتهم وضحكت عليهم مرة أخرى ، وهو يبتسم من الغيظ ويكبح في جماح الآخر حتى لا يتمادى في الكلام والتهديد السخيف ، وقال له ألم أقل لك منذ أيام أنك تواجه خصما صعب المراس؟!

نهضت ودفعت الحساب وقلت لست بحاجة لكم وتركتهم حيارى وأخذت عربة أجرة للفندق وأخذت حقيبة السفر وبها بعض الحاجيات من الملابس التي إشتريتها للاستعمال وحقيبة اليد  ودفعت الفندق نقدا  وذهبت إلى عنوان صديقي خرستو لشرب القهوة وبعدها إلى فندق آخر زيادة في الإطمئنان حتى لا ألاحق 
 
اليوم الثاني ذهبت للمطار ،  ركبت الطائرة وأنا أكاد اسقط من الفرح على المبارزة وكشف النيات السيئة  ورجعت إلى مدينة بنغازي وقابلت صديقي مسؤول الأمن وحكيت له الذي حدث مما ضحك كثيراً على هؤلاء الأغبياء الذين لديهم الثراء ومايزالون يحاولون  الإحتكارات ، ونسوا أن العالم فى تقدم و أن العقلية تغيرت !

رجعت إلى مدينة درنة أقود سيارتي ، ورجع الجماعة من اليونان بعد فترة وبدأت المنافسة القوية والحرب الشديدة وخفضت الأسعار إلى ربح بسيط تافه لانه لدي وكالة بحرية وتوكيل وخرج آل بوزيد بعد فترة  ومعهم السيد نوري بن فايد من تجارة سوق الاسمنت للأبد ، ورجعت عرى الصداقة والإحترام والتقدير مع السيد نوري بن فايد مع الوقت  وأصبحنا أصدقاء وفي كثير من المرات عندما نتلاقى بالصدفة أو أشاهده مع ابن العم صهري الحاج محمد صديقه العزيز أثناء المرض وزيارته  ببيته في شارع رافع الأنصاري يلاقيني بالإبتسام وصفاء القلب والكرم ، والتقيت معه في لندن بعد سنين عديدة للفحص الطبي مع إبنه وصديقي السيد إبراهيم شقلوف حيث عزمتهم أكثر من مرة  على ولائم وقضينا مع بعض عدة أيام جميلة ، ثم زرته عدة زيارات في بيته \، حتى وافاه الأجل رحمه الله عز وجل 

تبقى الخصم العنيد في الميدان السيد أنجلو هاجيداكس  حيث لديه توكيل الشركة المنافسة " تيتان " ووكالة بحرية المناولة والتفريغ ، وحلت النكسة وخسارة الحرب سنة 1967 م وضاعت الضفة الغربية والقدس الشريف وغزة وأراض مصر شبه جزيرة سيناء   وخسرت الجيوش العربية مصر وسوريا والأردن خلال ساعات وأيام عديدة من الضربات الصاعقة والغارات المفاجئة ، وكانت ضربة في الصميم للرئيس عبدالناصر عن التهور والجعجعة وتحدي اسرائيل والغرب ووضع اللوم الكبير على حكومة  ليبيا ، أنها ساعدت الإنجليز وسمحت لطائراتهم لضرب مصر من الغرب من مطار العدم قرب مدينة طبرق  شرق مصر وكانت أكبر أكذوبة على ليبيا صدقتها الشعوب العربية الجاهلة لما يجري من أمور في الخفاء والخداع حيث دولة ليبيا الملكية  ساهمت منذ البدايات مصر الثورة بالدعم المالي القوي في السر وهي مازالت تحبو تريد النهوض  أكثر من أي  دولة عربية سواءا السعودية أو دول الخليج الغنية  ، والمحاضر عن الدفع موجودة ، والنتيجة الإتهامات المغلفة من خلال خطاباته الطويلة بالساعات والتي لا يمل ولا يكل فيها  من الحديث والتهييج بالخداع وكأنه أستاذ يشرح والبسطاء المغفلون يصفقون بدون معرفة ولا وعي حيث لا يوجد إعلام مثل الآن وتعليم ورقي …

كانت مسرحية كبيرة نهايتها سوداء على العرب حيث لم يسمعوا لصوت العقل وإحتواء اسرائيل من البدايات  قبل أن تتنمر وتصبح قوية وسط المنطقة العربية نظير أخطاء قاتلة من الرئيس عبد الناصر والقيادة المصرية ، هم الذين عملوا من الحبة قبة نظير عدم الرؤيا الواضحة وصدقوا التطبيل والتزمير من أعوان السوء والمنافقين ، الذين همهم زيادة  الكيروسين على النار حتى تلتهب ولا تخمد أليست بمأساة ؟

النتيجة ضياع الرجال الجنود البواسل والمال والسلاح الذي كدس خلال سنين عديدة  من الاستيراد من روسيا الشيوعية التي لاتؤمن بالأديان السماوية وقتها ،  مما جعل أنوف العرب في الأرض غير قادرين على رفع الرؤوس وكان بالإمكان الوصول لحلول تشرف لو سمعوا لصوت العقل من الفقيد الراحل الرئيس بورقيبة رئيس جمهورية تونس وقتها

 لقد نصح الكثير من الملوك والقادة العرب  باستعمال العقل وعدم التحدي لإسرائيل والغرب ولإفشاله والحط من شأنه لانه يقول الحق والصدق ، أطلق الإعلام المصري عليه أبواقه بشراسة ولقب بالخائن للقضية السامية  الفلسطينية والعميل للغرب  وهو بريء من التشويه والإعلام المضلل ، هذه مأساتنا نحن العرب لا نريد تحكيم العقل والضمير  والتخطيط السليم بدون إندفاع ولا غوغائية حتى ننجح 

المهم أصاب العهد الملكي الشلل ولم يهتم القادة وأولي الإمر بإتخاذ الإحتياطات الأمنية لبقاء العرش وبدأ الحراك السياسي يتبلور إلى تيارات ناصرية تؤمن بالقشور تريد الإنعتاق والحرية والتحرر من تبعية الغرب 

الوضع هادئ بالممملكة والأعمال مستمرة والحراك السياسي في الخفاء يتطور ويطبخ تحت السطح  ، والاستمرار في حركة البناء والتعمير مستمرة على قدم وساق في جميع أنحاء ليبيا بتعقل ضمن مخططات ودراسات والإدارة جيدة وتبشر بالخير والنهوض ببطء مستمر لأعلى وكل يوم للأحسن وكنت في حرب مستعرة مع السيد أنجلو هاجيداكس وأتيحت لي الفرصة يوماً في الصباح الباكر من يوم شتاء بارد ممطر  عندما دخلت إلى الميناء لأشاهد رسو أحد البواخر حيث رئيس الميناء المرشد في البحر على متنها  يحاول دخولها إلى الحوض والمرفا  ضد التيار والبحر الهائج  والأمواج العالية من غير أن تصطدم بالسفينة الغارقة بمدخل الميناء وكان الجو مكفهراً وملبداً بالغيوم كأننا بالظلام مع أن الساعة الثامنة بالصباح ولا أحد على الرصيف بل الجميع بعيدون في  المكاتب والمقهى خارج الميناء   يحتمون من هطول رذاذ  المطر المستمر حيث لا سفن على الرصيف راسية  تفرغ 

شاهدت السيد أنجلو هاجيداكس   جالسا في سيارته الصغيرة " الفولكس فاجن "  وراء المقود لوحده يراقب ، وراقبت حيث لا أحد يراني  حتى لا يصبح شاهداً ضدي يوما ، وبهدوء ومن غير أن يحس وضعت مقدمة سيارتي المرسيدس القوية خلف سيارته ودفعت بها  إلى حافة الرصيف حيث البحر العميق  وهو يصرخ بالداخل غير قادر على فتح الباب و الخروج حتى وصلت للحافة وتوقفت ورجعت بالسيارة  للخلف بسرعة عدة أمتار وحاذيته وأنزلت زجاج النافذة  وقلت له ، المنافسة الشريفة أقبلها ولكن ان تدس انفك في الشركات الأجنبية بمدينة البيضاء  التي أمثلها محاولاً الكيد وتقديم عروض اسعار رخيصة حتى ينقلبون علي وأخسر العقود معهم ،لا أقبلها !

اليوم درس بسيط حتى تعرف مع من تتعامل! ولسنا بأثينا في اليونان حتى تهدد ،  والمرة الثانية ألقيك في البحر لتموت وأتخلص منك وكان الرجل العجوز  يرتعد شبه مشلول وخفت أن يصاب بشلل نظير التصرف الخاطئ والتهور الذي قمت به وتندمت على الفعل اللعين ولكن حدث الذي حدث 

بالمساء عنفني الوالد حيث إشتكى له على التصرف ولامني لوماً شديدا على العنف ولم أعترف بل أصريت على عدم الإعتراف بالفعلة الخاطئة ، وأن الرجل مصاب بلوثة في العقل ويتخيل ، ومن ذاك اليوم والحادثة كانت من حسن حظ البعض حيث قام بمساندة بعض الليبيين ووضعهم في الصورة والمواجهة ضدي في السوق  وأصبح يحركهم بالخيوط من الوراء مثل السيد العوامي وشركة الاستثمار التي يملكها الشركاء الديباني والطرابلسي وكان يدعمهم من الوراء في استيراد الاسمنت والمناولة البحرية وقصص كثيرة حدثت في ميناء درنة البحري في السر والعلن  من التحديات والمنافسة التي معظمها غير شريفة بخبث وربحت الكثير منها وفشلت في البعض وهكذا معارك وحروب رجال الأعمال مكاسب وخسائر والبقاء للأصلح الذي يستطيع المقاومة والصمود وله نفس طويل … رحم الله تعالى الجميع بواسع رحمته فالآن جميعهم أموات ، وأنا باق بهذه الحياة أنتظر يوم الرحيل وأتذكر وأنا اسرد  الاحداث بصدق وضمير ….

حادثة بسيطة حدثت بالميناء أود سردها حيث كان صديقي مع فارق السن الكبير  السيد "ح ك  " وكان ذو فكاهة ونكته في المدينة حيث سريع البديهة ( رحمه الله تعالى بواسع رحمته ) وكان له مكتب بوسط المدينة في بداية  شارع إبراهيم الاسطى عمر ( وسع بالك ) لتسجيل الركاب المسافرين إلى أي مكان  في الغرب أو الشرق ويتقاضى عمولة لقاء العمل البسيط وقتها من سائقي سيارات الأجرة " الركوبة  " حيث لا وجود لحركة تجارية رائجة في الستينات وبالكاد يعيش من الدخل البسيط … كان يعز علي وله إحترام وتقدير خاص نظير سلاطة اللسان والذكاء الحاد وطلبت منه القدوم إلى الميناء والعمل المتصل في تاجير سيارات النقل الثقيل حيث الدخل الكبير وبالنسبة لي إنسان موثوق به استطيع الإعتماد عليه  ولا أتعب مع السائقين مما وافق عندما سنحت له الفرصة الذهبية  الكبيرة للعمل 
حضر إلى الميناء وإجتمعت مع السائقين وقدمته لهم  وطلبت منهم جميعا العمل معه لمن يريد العمل مع وكالتي البحرية في النقل ، ووافق الجميع إلا البعض  وساندته بقوة وفرضت وجوده وكان نعم الرجل المثابر الذي يعرف طريقة  التعامل مع هذه الشريحة الصعبة ومع الأيام ومرور الوقت أصبح مميزاً ومهما حاول البعض منافسته خسروا الجولات ضده نظير الدعم الكبير من طرفي 

كان يحب الفكاهة والدعابة وممثل كوميديا بالوراثة والسليقة يعمل أي شىء نادر ودعابة سمجة مع البعض الذين لا يعرفهم  ويقف مثل الصنم ولا يرف له جفن  ولديه قصص ونوادر كثيرة تداولت بالمدينة ،  وكان بالصيف أيام الحر القائظ والبحر هادئ مثل الحصير في الميناء والعمال التشاديون يعملون في المناولة وتفريغ السفن والشحن على سيارات النقل كان يأتي ويقلع جميع ملابسه بدون استحياء في الركن الأخير من الميناء ويقفز للبحر ويسبح ، والعمال يتوقفون عن العمل استحياءا ويضعون عماماتهم تغطية لعيونهم حتى لا يشاهدونه عاريا ، وطلبت منه أكثر من مرة أن يتوقف  حتى لايتعطل العمل بعض الوقت حيث في عز المشوار والرافعات ترفع وتفرغ  مما أخسر ولكن مازال مصرا 

كانت لديه نقطة ضعف يخاف ويرتعد كحالة نفسية من مشاهدة أي ثعبان ، وقد شاهدت الامر بنفسي في أحد الرحلات لقضاء عطلة نهاية  الاسبوع خارج المدينة على شواطىء البحر للراحة والسمر حيث يوما بعد السباحة في البحر استلقى في الظل ونام ووجدنا ثعبانا صغيرا قتلناه واحضره أحد الرفاق ووضعه على  بطنه وهو نائم بعمق وشاهدت بأم العين كيف كان لحم وعضلات بطنه تتحرك لا شعوريا ، وطلبت منهم رمي الثعبان الصغير بعيدا حتى لا يشاهده ويصرخ وممكن يمرض أو يصاب بسكتة قلبية ونكون نحن السبب 

طلبت منه أكثر من مرة التوقف ولم يهتم وكان لدي أحد العمال أسمر من منطقة تاورغاء سباحا ماهرا في الغوص وكانت عندما تسقط في بعض الحالات صناديق البضاعة في البحر كان يقفز ويغطس ويربطها في العمق ويرتفع إلى السطح ويبتعد ويطلب رفعها من جديد وطلبت منه يوما أن يقفز من الناحية الثانية للسفينة ويسبح تحت الميناء المعلقة على عواميد حديد ضخمة ، ونحن من رصيف الميناء سوف نجذب إهتمامه حتى لا يشاهده ويمسكه بعنف من مؤخرته ويتركه من غير أن يخرج رأسه للسطح حتى لا يراه وتضييع المفاجأة 

يوما جاء السيد ح ك وكالعادة قلع ملابسه جميعها وأصبح عريانا كما خلقه الخالق تعالى وقفز للبحر وأشرت للسباح ان ينفذ المهمة ، وأصبح البعض يتحدثون مع العريان وهو يسبح حتى يرفع رأسه ويركز علينا فوق الرصيف بدون أن يدري  وفجأة أطلق صرخة عالية مرعبة عندما قبض عليه التاورغي الأسمر من مؤخرته من قاع البحر وخرج بسرعة من البحر على السلم لأعلى وهو يلهث ويعتقد أن ذراع أخطبوط كبير حاول مسكه ولكن أنجاه الله عز وجل  وحرم من ذاك اليوم السباحة في المياه العميقة السوداء بالميناء واسترحت من دعاباته السمجة واستمر العمل بدون توقف … واعطيت هبة عشرة جنيهات للتاورغي الذي فرح كثيراً  فقد كان المبلغ يساوي عمل خمسة أيام في تعب وإرهاق وهو يرفع اكياس الاسمنت! 

قصة اخرى مع السائق السيد " ح ق " وكانت سيارته للنقل الثقيل تحمل بالميناء تحت الرافعة التي تحمل من العنبر ( ألونش )  والعمال على ظهر السيارة يفرغون ، واحد العمال التشاديين يرصف  الأكياس والظاهر أن بها بعض الميل مما سوف تسقط بالطريق عندما تتحرك السيارة ببطء وبدلاً من سؤال العامل بلطف حتى يصلح الميل ، تمادى بعنف وقال له يا حمار مما زعل العامل ورد على السائق وقال  أنت الحمار ، وقفز من إرتفاع ثلاثة أمتار على  الأرضية الأسمنتية ببساطة وخفة وكانه بهلوان وكنت اشاهد  الموقف بالصدفة وجرى السائق وأحضر قضيباً  طويلا من الحديد يستعمل في الضرب والتأكد من سلامة الإطارات أو  الخلع لتغييرها بأخرى، وحاول ضرب التشادي الخفيف الوزن ولكن العامل اسرع منه ومسك القضيب من طرفه الأخر بقوة مما جعلت السائق وكان قوي البنية محاولا مسك القضيب بقوة حتى لا يتناوله العامل ويضربه به ، وتلك اللحظات الثمينة تدخلت بين الإثنين في المنتصف مواجها العامل التشادي طالبا منه ترك القضيب والسائق خلفي ممسكا بالقضيب حيث أربعة أياد تمسك بعنف وأنا بالمنتصف مما حز بالظهر وتألمت عدة شهور من الظهر ، وبكى العامل من القهر لأنني بالمنتصف إحتراما لي كصاحب الرزق والمعلم  وترك القضيب وأخذته من الإثنيين ورميته على الأرض بعيدا عن الأطراف المتعاركة وتوقف العمل في ثلاثة بواخر وقفز حوالي المائة عامل من التشاديين على الرصيف لمواجهة بقية السائقين الليبيين وبيد البعض أمواس حادة ( بوحلقة ) ولولا وجودي لحدثت معركة ومذبحة فقد كان معظم العمال التشاديين ثوارا جنودا مدربين على القتال في الجنوب ضد حكومتهم في ذاك الوقت في الحدود الفاصلة  على الجبال ، ياتون إلى ليبيا للعمل والاسترزاق ثم يغادرون ويأتي غيرهم حتى يتحصلوا على بعض المال للاستمرار في حربهم وثورتهم 
 
البقية فى الحلقة القادمة … 

                                  رجب المبروك زعطوط 
 
  

No comments:

Post a Comment