Sunday, June 14, 2015

قصصنا المنسية 22

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحاج الصابر مجيد 1

            الكثيرون من المناضلين الجنود الغير معروفين المجهولين وكذلك الجنود المعروفين طواهم التاريخ عبر الزمن ولم يتم ذكرهم بالسابق والعرفان بالجميل والوفاء والإشادة بهم،   إلا من القلائل القريبين اللذين اتيحت لهم فرصة معرفتهم  عن قرب، فترة التضحيات والعطاء والفداء من أجل حرية الوطن ، وإنضم أخيرا للقافلة الطويلة من المتوفين والشهداء، المناضل  الحاج الصابر مجيد الغيثي، الذي إنتقل الى رحمة الله أخيرا منذ حوالي الشهرين من الزمن وتوفي عن عمر حوالي ستة وسبعين سنة، في الغربة بمدينة  لندن بريطانيا بعد معاناة طويلة مع المرض إستغرقت عدة عقود من التعب في العلاج أملا في الشفاء .
                 المرحوم قدم الدعم والمعلومات المهمة عن الخفايا لكثير من الأمور من الأسرار الخاصة للنظام نظير علاقاته المتشعبة في الأوساط الرسمية للدولة والمال بدون حدود لدعم المعارضة الليبية عندما تم الطلب منه للمساندة للقضية النبيلة برحابة صدر وبدون ممانعة وتفرقة بين الفصائل العديدة ، حيث جميعهم في نظره ليبيين، وقت الحاجة في الثمانينات والتسعينات، عصر التحديات والمطاردات والتصفيات الجسدية لرموز المعارضة ضد نظام القهر والجهل القذافي الفوضوي، عصر الجماهير .
                     كان بيته طوال الوقت إلى يوم الخلاص ونهاية النظام في ليبيا في لندن بالغربة عامرا بالضيوف والزوار من جميع الفئات والمحتاجين للمساعدة والبعض من المندسين الجواسيس عملاء النظام يستقصون اخبار المعارضة وتسجيل المواقف على البعض من الحضور الضيوف المعارضين ممن حضروا أحد المآدب والسهرات بعفوية وفاهوا بكلام وزل لسانهم بأخبار عن ليبيا الجريحة الأسيرة التي ترزح بالفساد والإفساد للحرث والنسل من الطاغية ونظامه الفاسد .
                 تردد الحاج الصابر على أوروبا للعلاج ، والهجرة الأخيرة والبقاء النهائي بعيدا عن الوطن والاستقرار  في لندن بريطانيا كان صيف عام 1982 بعدما قضى شهورا في سجن السابع من أبريل في بنغازي ، السجن المشهور في المنطقة الشرقية مثل سجن أبو سليم في المنطقة الغربية، طرابلس بالتعذيب الرهيب ، وبالأخص للتجار والمقاولين رجال الأعمال المتهمين زورا وبهتانا  وهم أبرياءا مظلومين... وفرض الاعتراف عليهم بتهم مزورة على أنفسهم وعلى البعض الآخرين من خصوم النظام للتشكيك والدس عليهم والإيقاع بهم بتهم كيدية، رغما عنهم،  عارضين عليهم القبول بالأمر والكتابة والتوقيع حتى يتوقفوا عن الضرب والجلد ولا يستمر العذاب.
               قضى وقتا طويلا في التحقيقات والإهانات والتعذيب ليلا نهارا من قبل العديد من الزبانية  الصعاليك أشباه الرجال الذين إستغلوا الفرص والنقص بالنفوس لإرواء الغليل والتشفي فيه بالضرب والجلد بالسياط يوميا حتى أصبح عاجزا غير قادر على الوقوف ولا المشي، كسيحا بالكاد قادرا على التنفس والحياة...  ونظير التدخل والواسطة من أولاد العم (ابراهيم بكار + والضابط بالجيش إمبارك عتيق) المسؤولين بالنظام وقتها وحسن الحظ من الله عز وجل،   تم نقله إلى مستشفى الجلاء في بنغازي للعلاج من الآلام البدنية والنفسية التي لازمته طوال الوقت والحياة .
                   بالغربة رفض الرجوع مهما عرض النظام عليه من عروض ووعود وإغراءات بلا حساب بتسديد أمواله التي تم الزحف والتأميم لها شهر سبتمبر عام 1978 م عام الحزن والمأساة للتجار والمقاولين وأصحاب الأعمال الحرة والملاك ذوي العقارات الأبرياء وهو في شيخوخته وكبر السن محتاجا للمال والسيولة حيث كان يعول  عائلة كبيرة ومسؤولا عن الجميع... ولكن بإباء وفخر وعزة نفس رفض جميع العروض في سبيل الكرامة بأن لا يتعاون ولا يرضخ للنظام الذي ذاق منه السجن والويل والعذاب وضرب السياط وهو برئ.
              الصابر الرفيق الصديق والأخ من الدهر وليس من الظهر كانت تربطني به صلات مودة وطعام ماء وملح وأعمال بالسابق قبل التأميم والزحف وضياع الأموال ، نضال وكفاح في الغربة ، ولم ينسى الجميل والأفضال أيام بدايات ظهوره على السطح والضوء في عالم المقاولات في مدينة درنة ، وكان بالكاد مبتدئا في الأعمال الحرة بدون رأسمال كبير للعمل بداية السبعينات...  وكنت وقتها تاجرا موردا لمواد البناء مثل الإسمنت وحديد الخرسانة والعديد من المواد المطلوبة للبناء والتشييد ، وساندته قدر الاستطاعة والمتاح بتزويد شركته وتمويله بالآجل بمبالغ كبيرة لكثير من المواد للبناء والتشييد، وعدم تضييق الخناق عليه في المطالبة للتسديد الفوري بشدة تاركا له المجال حتى تتيسر أموره ويستلم دفعاته ومستخلصاته من الدولة ويدفع . ولم ينسى  الجميل والعون والمساندة له في الوقت الصعب وقت الحاجة والضيق لأنه شهم كريم وأصيل .
                   بالغربة وقعت في ورطة مالية كبيرة وخسرت أموالا كثيرة من أجل عملية خاصة بالقضية الوطنية للقضاء على الطاغية ، وقبل أن ارتبط في الموضوع وأوافق طلبت رأيه على الهاتف من أوروبا والمشاركة وكان الرد توكل على الله تعالى وقلت له ان المبلغ المطلوب كبير لست قادرا عليه لوحدي وشجعني وقال حسب التعبير الليبي الشعبي: "لو جمعنا المبلغ في منديل أحمر".... مما تشجعت ووافقت حيث لدي شريك يعتمد عليه، ودفعت العربون مبلغا كبيرا من المال ، والتي لو نجحت العملية لتغير الكثير من الامور في ليبيا  وقتها، ولكن باءت بالفشل في أخر اللحظات نظير أخطاء البعض والتراجع وقت التنفيذ، وإضطررت لكتم الموضوع حتى لا يخرج السر للعلن نظير المطالبات والتهديد لأنني كنت الوسيط في الصورة والجهة المعنية لا تعرف أي أحدا غيري أنا للسداد حيث دفعت العربون و كنت الضامن للموضوع في البقية وفي حالة الرفض سوف أصبح ملاحقا ضحية ويتم القضاء علي بسهولة بالخارج .
                   ومنعا للمهاترات والمطالبات لدفع بقية المستحقات حيث عقد أدبي غير مكتوب على الورق لا يمكن شطبه وإلغاؤه بسهولة لأي سبب من قبل أي طرف، تحملت المسؤولية الجسيمة على كاهلي وتنازلت عن العربون وسددت جميع الإلتزامات الأخرى من أموالي وإضطررت لإستدانة مبلغ كبير من الحاج الصابر تم تحويله لحسابي على دفعات كقرض خاص للسداد، مفتوحا بدون تاريخ محدد لعديد من السنوات حتى وفقني الله تعالى وقبضت بعدها من الدولة عام 2010 م تعويضا عن شركتي للمقاولات والتي كانت مؤممة ، جزءا من مستحقاتي من الزحف والتأميم .
                سددت له ماله إلى آخر مليم  ولم آخذ منه مليما واحدا كتعويض حيث شريك في الموضوع حتى لا يكبر الموضوع ويتداول في الأوساط ويعم الضرر على رؤوس الجميع، وتم الإيداع في المصرف في ليبيا تحت أعين النظام مخاطرا بالإتهام والقبض والسجن نظير المعاملة المالية الكبيرة حيث مازال متهما مشبوها للنظام ، وأثبت له أنني وفي وأصيل وكان فرحا سعيدا يوم استلامه للمبلغ  غير مصدقا وصول هذا  المبلغ الكبير وخاصة  في ذلك الوقت المناسب الحرج، دفعة واحدة عندما خابرته شخصيا بالهاتف بالتسديد بالكامل من أمام مصرف التجارة والتنمية في درنة وبحضور ابن أخيه ونسيبه مجيد، وطلبت منه سندا بالمخالصة النهائية على الحياة والموت حيث نحن في سن متقدمة من  العمر ولا اريد حسابات مدينة كبيرة معلقة مفتوحة وهي مسددة بالكامل منعا للمشاكل مستقبلا . مما فعل مشكورا وبعلم أبنائه وقام بإرسال السند وقتها عبر الحاسوب (النت) بالسداد بالكامل وابراء الذمة مع الشكر على الوفاء .
                     كان الحاج الصابر إنسانا بسيطا عاديا طيب القلب ليس لديه اي نوع من أنواع الخبث صادقا في الكلام والعهد والوعد ، أمينا كريما ذو أخلاق عالية وشهامة ، يقوم  بعمل  الخير بالسر والعلن طوال الوقت محظوظا في أي موضوع تجاري يقوم به حيث كان طاهر السريرة طيبا بدون خبث...  وكنا  على اتصال هاتفي بالغربة بصفة شبه يومية بالسابق إلى ان رجعت إلى ليبيا يوم1991/3/31م  وتوقفت الاتصالات الهاتفية اليومية بيننا فترة طويلة نظير الخوف والحماية من المراقبة والملاحقة من عيون النظام التي كانت تراقبنا طوال الوقت حيث كنت موضوعا تحت الرقابة الشديدة من الجهات الأمنية العديدة ، التي كانت تنتظر مني أية هفوة بسيطة واحدة لفتح أبواب التساؤلات ويتم الإتهام والتوقيف والتحقيق ، ولكن ستر الله تعالى ومر الموضوع بسهولة من غير اي نوع من انواع الملاحقة ، على ما أعتقد كانت خطة من النظام مرحلة هدوء وسلام طمعا في رجوعه لأرض الوطن وقتها.
               الحاج الصابر كان أول سجين متهم من ضمن طابور طويل يفتتح سجن 7 ابريل الرهيب في بنغازي حسب إفادة احد الحراس العديدين على البوابة الامامية، الذي كان وقتها ينفذ الأوامر غير قادر على الرفض  ، السيد منصور الجروشي المصراتي الذي ربطتني به بعد سنين عديدة أخوة وصداقة ، وكان يشاهد  دخول السيارات المغلقة وعلى متنها  المتهمين وقت إحضارهم والجلادين الداخلين والخارجين من اللجان الثورية... حيث شاهد عيان مهم في فترات مناوبته ويسمع في بعض الأحيان الصراخ والأنين المكتوم للكثيرين من السجناء لقاء التعذيب القاسي والضرب بالسياط وتقليع الأظافر من الضحايا للإعتراف وهو غير قادر وعاجز على عمل أي شئ او المساعدة،  غير السكوت والصمت وتعذيب وتأنيب الضمير على الضحايا المساكين .
                كان التعذيب يمارس على الضحايا بطرق شيطانية يعجز الشيطان الرجيم نفسه عن إتيانها والتي زادت عن الحد ضد الدين والشرع والسنن والقوانين و تعاليم الأمم المتحدة وحقوق الانسان، من قبل الجلادين المحققين من اللجان الثورية واللذين كانوا ملثمي الوجوه حتى لا يقع التعرف عليهم، والسجين نفسه مغطى الوجه حتى لا يتعرف عليهم ، ويتم الثأر منهم يوما من الأيام اذا طالت الحياة له وتم الإفراج وإطلاق السراح .
                  السجين موثقا مقيد اليدين مربوطا على كرسي حديد لا يتحرك ثابتا في الارض باللحام أو بخرسانة الإسمنت، او معلقا في معلاق ثابت من السقف يتدلى مثل الحيوانات المذبوحة لدى الجزار ، لا يستطيع الحركة ولا الدفاع عن نفسه وإتقاء الضرب والجلد العشوائي على الجسم العاري حسب المزاج من السجان المحقق الذين كانوا كالكلاب الضارية الجائعة ينهشون ، ويتداولون على الضحايا السجناء بدون ذرة رحمة ولا شفقة في القلوب ولا صوت ضمير يؤنب على البؤساء .
                   ينفذون التعذيب بفرح وسرور وكل سادية بالرغبة وطواعية أمثال فلان وفلان المعروفين الذين أحدهم معروفا في منطقتنا درنة توفي ومات وهو مجنونا يتكلم ويتفوه ويصرخ في أواخر أيامه بدون عقل ولا إدراك نتيجة الغضب الإلاهي على عمله الشرير ضد الضحايا المواطنين في السجن وإشتراكه في قضية إختطاف وقتل الإمام موسى الصدر ورفاقه حيث مثل دور الشبيه البديل ولبس ثياب الإمام ووصل إلى ايطاليا وأقام بالفندق لإثبات الوجود وهرب إلى ليبيا بهوية أخرى مزورة تاركا حقائب سفر الإمام وجواز سفره بالفندق حسب ما سمعت همسا من ثقات صادقين وقت كان الحديث متداولا في أضيق نطاق ، والبعض الآن أحياءا يرزقون بالسجون والكثيرون هاربين بالغربة لاجئين في مصر والمغرب وبعض الدول الأخرى بالعالم يعيشون الرعب على ما قدمت أيديهم من شر وشرور .
                سمعت الكثير عن أمور السجن والتعذيب من الحاج الصابر شخصيا في العديد من اللقاءات والجلسات الخاصة في لندن وهو يتحدث عن الكيفية بإسهاب مما تجعل الانسان يتقزز ويقشعر البدن ويصاب بالرعدة على الذي يحدث وحدث من جرائم بشعة في الخفاء من نكرات وأشباه رجال مجرمين أعضاءا باللجان الثورية الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها سادة وهم صعاليك ونفايات المجتمع .
              بعد مدة سمح النظام الليبي بالسفر والعلاج بالخارج للبعض من السجناء ذوي الحالات المستعصية ضمن الوساطة من الكبار في السلطة وكان من ضمنهم السجين الحاج الصابر المريض وتم الاتصال الهاتفي منه بدون أن أعلم بخروجه للخارج ، وكانت مفاجأة سارة وكبيرة لي خبر نجاته عندما سمعت صوته ووصوله لأوروبا ، طالبا مني القدوم إلى جنيف سويسرا واللقاء للمشاورة في بعض المواضيع الخاصة ، وخاطرت بالنفس والحياة مغامرا للقاء بالأخ العزيز نظير الثقة الغالية بيننا والمودة والأخوة ، وبدون خوف من الوقوع في أي مكيدة ممكن تكون مدبرة لإغوائي وإغرائي بالقدوم لإصطيادي ، حيث كنت مطلوبا حيا ام ميتا من قبل فرق الموت والاغتيالات اللجان الثورية في أوروبا وقتها.... والله الموفق .

                رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment