Sunday, June 7, 2015

قصصنا المنسية 20

 بسم الله الرحمن الرحيم

لمسة وفاء  (عائلة الهنيد)1

الاستاذ الفاضل محمد حسن الهنيد مؤسس جمعية الهيلع 
                 مهما كتبت وسطرت عن التاريخ الجهادي بمنطقة درنة ، لن أستطيع الذكر للجميع من المشاهير والمغمورين الذين كانت لهم أدوارا محلية وجهادية وفداءا خلدت أسماؤهم في المجتمع الليبي الماضي بالتقدير والاحترام ، طواهم النسيان مع مرور الوقت والأيام ، حيث العرفان بالجميل والوفاء للبعض من عائلاتهم مواضيع أساسية الذكر للأبطال والشهداء بالخير والتقدير والإحترام لما قاموا به من أعمال وطنية تشرف ضد المستعمرين الأجانب ، إبتداءا من الغزو الايطالى والحرب العالمية الثانية والانتداب البريطاني والاستقلال وإنتهاءا بنظام الطاغية القذافي الارهابي من أجل المبادىء السامية الخلاص وتحرير الوطن.
             ضمن العائلات المجاهدة الصابرة عائلة الهنيد الدرناوية التي تربطنا بهم صلات دم ومصاهرة مع بيت الكاسح الذي نحن كعائلة زعطوط أخوالهم ، والتي لم تشارك طوال العهود السابقة واللاحقة إلى الآن ، التي مرت في تبوء أية وظائف رسمية مهمة بالدولة في العهود السابقة ، مما تدل دلالة كبيرة على الأصالة وعدم النفاق ، يعيش أفرادها على البسيط من الدخل كموظفين للعيش والحياة بكرامة مثل الآخرين من أبناء الشعب العاديين ، ولهم مواقف وطنية في تاريخ النضال الوطني ضد الإيطاليين صفحات مشرفة ساطعة وأمجادا بلا حدود لا يستطيع أي احد من الأدعياء المنافقين المزايدة عليهم أو النسيان .
                    عائلة الهنيد قدمت عشرات الضحايا التي مهما الانسان عدد لا يستطيع الإلمام ولا الإيفاء ، رجالها جنودا مجهولين دخلوا تاريخ ليبيا الوطني من أوسع أبوابه نظير التضحية والجهاد بالنفوس من غير طمع في جاه ولا مراكز مثل البعض من الأدعياء الآخرين ، وينتمون إلى قبيلة التواجير في مدينة درنة أحد القبائل الأساسية في مجتمع الحضر ، والتي تتفرع إلى بيوت عديدة ، والبيوت تتفرع إلى أسر كثيرة منها أسرة الكاسح والذي عميدها السابق الشيخ عبدالله الهنيد الذي نحن أخواله كما ذكرت ، والذي إستمر يقود قبيلة التواجير من أواخر العهد التركي والعهد الإيطالي اكثر من خمسة عقود شيخا للقبيلة حتى وفاته .
             تولى إبنه الشيخ ابراهيم عبدالله مكانه بالإقتراع والانتخاب من جميع رؤساء البيوت بالقبيلة عام 1947 أيام الانتداب البريطاني قبل الاستقلال للوطن بعدة سنوات ، وواصل الدرب على خطى والده المرحوم إلى أواخر الثمانينات من القرن العشرين الماضي ، وكان صلب العود شجاعا شرسا حكيما لا يخاف من قول الحق في الوجه والصدارة ولا يخشى اللوم من أي لائم ، لانه كان عادلا في أحكامه يسير على الحق ، وله قصصا عديدة محلية تشرف ، والجميع الأصدقاء والأعداء والمعارف يهابونه وصنع المجد والفخار لنفسه ولعائلته ولقبيلة التواجير ومدينة درنة بالعمل المضني والرأي السليم بالحكمة والتوفيق بالخير بين المتخاصمين طوال عقود حتى أصبح له الشأن المرموق .
                   عرفت الشيخ الوقور منذ الصغر والصبا حيث كان يتردد على بيتنا في الكثير من الأوقات نظير صلات القربى والجيرة في زيارات للوالد للتشاور والسعي للصلاح والإصلاح وعمل الخير بالمدينة درنة التي كانت وقتها تفور وتغلي مثل موقد النار (الكانون) غير مستقرة متمردة شعبيا سياسيا على بقاء المعاهدات في المملكة للقواعد العسكرية مع بريطانيا وأمريكا نظير شحذ الهمم والتطبيل من راديو صوت العرب من القاهرة ومذيعه ذو الصوت الجهوري أحمد سعيد ترديدا لخطب الرئيس المصري ،عبدالناصر، اللاهبة ، مما طغت الروح الوطنية بالمدينة نظير الذكاء الغير عادي والذي لقبت بكناية (قيادة الأحوال) والتي دائما مدينة درنة كانت سباقة في العمل الوطني والتضحية من اجل الحرية والوحدة مع الجميع .
                  الشيخ آبراهيم كان فقيرا عفيف النفس يعمل بعرق الجبين كمزارع في بستانه ويتقاضى مرتبا زهيدا من التقاعد عائشا على الكفاف وكان بإمكانه إستغلال وضعه المرموق كشيخ لأكبر قبيلة وقتها بالمدينة وان يصبح من الأغنياء الأثرياء لو أراد مالا وجاه الحرام ونافق مثل الكثيرين السلطة والقصر ، حيث الكثير من العروض المغرية قدمت له ولم يرضخ ويرضى بمد اليد ، آثر الآخرة على حب الدنيا والمظاهر حتى توفاه الله تعالى بعد حوالي خمسة عقود مثل والده في تولى المشيخة مما أصبح صيته وذكره على كل لسان بالمنطقة نظير أعماله الخيرة والتي عشرات الحكايات والقصص المحلية ترددت ولا مجال لذكرها.
                 الشيخ الجليل الوقور إبراهيم عبدالله الهنيد تنازل طواعية وتقاعد برغبته عن المشيخة لما كبر في السن والعمر متجاوزا التسعين عاما ، حيث كان حسب أحد أحاديثه التي سمعتها منه شخصيا في جلسة سمر ، شابا مجندا جنديا في القوات العثمانية التركية في درنة وقت إحتلال ايطاليا للوطن اكتوبر 1911 م  من القرن العشرين الماضي وتوفى معمرا وقد بلغ من العمر حوالي 115 عاما .
                     أختير مكانه الحاج عثمان الهنيد الذي كانت له صفات عديدة اهمها الطيبة وحسن الخلق، حكيما هادئا لبقا في الحديث والسياسة بدون شراسة وعنف وسار على نفس الخط بالقبيلة حوالي 17عاما حتى توفاه الله تعالى ( له الرحمة والغفران ) فقد عرفته معرفة شخصيا وكنت أزوره شبه أسبوعيا في بيته في شارع الحرية (البحر) للتشاور وسماع القصص والحكايات الفريدة الرائعة عن كثير من الأحداث التي حدثت بالمدينة والمنطقة في الماضي والتي مرت الأيام عليها وطواها النسيان .
               أحد رجال العائلة المشاهير الاستاذ محمد حسن الهنيد ، صيته في كل مكان نظير الاعمال الخيرة وحبه للإكتشافات الأثرية التي تزخر بها المنطقة الشرقية من ليبيا  والكثير لم يكتشف بعد... وأسس بمجهوداته الخاصة بدون دعم مالي ولا مساندة قوية من الدولة مع بعض الرفاق أمثال الحاج صالح بودربالة والاستاذ احمد الغيزواني وصالح الكيرطي الماجري وعبدالله بن عمران وإبريك بودراعة وغيرهم من الرجال الكهول والشباب "جمعية الهيلع للإكتشافات الميدانية" ، التي كانت واجهة مشرفة لمدينة درنة ونافذة لمن أراد المعرفة والعلم بالتاريخ القديم للمنطقة والحضارات التي سادت يوما وبادت عبر الزمن ، خلال مسيرة نصف قرن من الجهد والتعب في البحث المتواصل بلا كلل ، وهو في جولات وزيارات ورحلات شبه يومية في ربوع الجبل الأخضر الوديان والكهوف باحثا مدققا عن أي شئ له علاقة بالآثار ، وقد تجولت معه في البعض من الجولات أثناء قضاء عطلات نهاية الاسبوع والأعياد.
                  لقد عرفت الاستاذ الفاضل جيدا وربطتنا صداقة وأخوة روحية ستبقى باقية طالما لنا نفس بالحياة أحياءا نرزق ، والآن جمعية الهيلع تعاني وتحتضر نظير مرض الأستاذ المقعد في الفراش منذ عدة سنوات بإرتخاء الأعصاب غير قادرا على النهوض والمشي طالبا له من الله تعالى الشفاء فمثله قلائل قلما يجود الزمان بأمثالهم .

مدخل وادي مرقس بالجبل الأخضر ليبيا
                الجبل الأخضر فى المنطقة الشرقية معجزة الطبيعة في ليبيا جوهرة فريدة بما يحويه من جمال من جبال ، غابات وكهوف ووديان وشواطئ طويلة ممتدة جميلة مهجورة وطقس عليل ، ذو الفصول الأربعة لحوض البحر الأبيض المتوسط ، وآثار الحضارات الاغريقية والرومانية والفينيقية من قديم الزمن ، الذي لو إستغل الاستغلال الجيد في السياحة والزيارات لإستقطب الملايين كل سنة من السواح وبالأخص وادي مرقس بالمنطقة الشرقية الذي يبعد عن مدينة درنة غربا حوالى 40 كم ، مهد الرسول مرقس الأب الروحي لجميع الأرثودكس في العالم المسيحي الذي رجع لموطنه الأصلي هاربا من جور وظلم الرومان عندما الله عز وجل رفع سيدنا الرسول عيسى المسيح عليه السلام إلى السماء وشبه لهم الغير مما تم الصلب له على الصليب .

              منطقتنا الشرقية تزخر بالمعالم من جميع الأطياف التاريخية والدينية والحروب عبر الزمن، ومنها مدينة طبرق التي قاست الويلات الدمار والخراب أثناء الحصار الطويل أيام الحرب العالمية الثانية والصراع الرهيب الدموي بين قوات المحور والحلفاء كل طرف يريد ويرغب الفوز والنصر بأي وسيلة وثمن ... والله الموفق ....

         رجب المبروك زعطوط 

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment