بسم الله الرحمن الرحيم
عائلة الهنيد 2
مدينة طبرق ذات الموقع الفريد المميز في شرق الدولة الليبية المهمشة نظير عوامل عديدة من النظام السابق القذافي ، الذي جعلها قاعدة عسكرية تعج بالآلاف من الجنود طوال الوقت في فترة زمنية من أيام حكمه اللعين بدون أي تطوير مهم حتى تتقدم وتظهر محاسنها للجميع ، وقبله الملك إدريس رحمه الله تعالى أيام عهد المملكة الزاهر قضى وقتا طويلا مقيما بها حتى سفره وقيام الانقلاب الاسود ، والتي لو تمت الرعاية لها كما يجب ستكون منارة تشع على الكثيرين وترفع اسم ليبيا عاليا في عالم السياحة والتجارة الحرة.
بها الطقس الجاف العليل والميناء الكبير المحمي من الجبل صنع الله تعالى ، ذو العمق الكبير الذي يستوعب السفن الكبيرة بحاجة إلى إصلاح وتطوير وتجديد حسب متطلبات العصر مما سوف يصبح من الأوائل في شمال افريقيا للتجارة الحرة ، من التوريد والتصدير وقربها من الحدود الشرقية مع مصر شرقا حوالي 140 كم ، لاتعتبر مسافة طويلة بمقاييس العصر الآن... والطريق للجنوب إلى واحة الجغبوب ، ولو تم رصف الطريق الصحراوي من الجغبوب إلى منطقة الكفرة الحدودية لفتحت أبوابا كبيرة للتجارة وتبادل السلع والنقل البري مع السودان ودولة تشاد وغيرها من دول أفريقيا المغلقة التي لا تطل على البحار .
بحاجة إلى تطوير الحركة التجارية حسب العصر الآن ، والاستغلال الجيد للسياحة العالمية في الدعاية للزيارات للمواقع المهمة الحربية التي دارت فيها المعارك بقربها مثل معركة (بئر حكيم) المشهورة في تاريخ فرنسا الحربي الحديث عن صمود الجنود الفرنسيين ضد الألمان حتى الرمق الأخير ، ووجود المقابر الضخمة لآلاف الجنود القتلى الموتى من الجميع، المحور بقيادة الماريشال ادوين روميل الملقب بثعلب الصحراء نظير القيادة الجيدة والدهاء ، والحلفاء بقيادة الجنرال مونتوجمري شامخة باقية شواهد حتى الآن ...
قبل الحرب العالمية الثانية في الثلاثينات من القرن العشرين الماضي، والدي الحاج المبروك زعطوط أقام بها سنوات عديدة تاجرا يعمل في البيع والشراء وأحدى أخواتي الشقيقات من مواليد طبرق عام 1938 م (رحمها الله تعالى) ولي صلات قربى ودم مع البعض من العائلات هناك ، حيث أيام الشباب والصغر كل سنة أثناء إجازات الصيف وعطلة المدرسة في زيارات لأسرة خالي الحاج عبدالسلام بورقيعة ، وأختي المتزوجة من آلسيد عطية بن خيال مدير المصرف باركليز الذي تغير الاسم إلى الجمهورية بعد الانقلاب .
لي فيها ذكريات عديدة حلوة بلا عدد حيث وقتها أثناء الزيارة الصيفية الذهاب للشاطئ والسباحة في البحر الهادئ الجميل مع أولاد خالي احمد وصالح ونجيب وبالمساء أذهب وأشاهد أحد الأفلام في دور عرض الخيالة لدي (حلمى طاطاناكي ، او عوض الزني ) القريبة من بيت الخال في نفس الشارع بدون رقابة من الوالد الذي كان وقتها في درنة مسموحا لي المشاهدة كل أسبوع يوم الجمعة بعد العصر أو بعض الليالي مع أخي الحاج صالح رحمه الله تعالى .
سكانها وأهاليها الاصليين من بادية وحضر من عدة قبائل وشرائح مختلفة من ليبيا الوطن ذوي أخلاق عربية أصيلة نفسياتهم طيبة بدون خبث يحبون الغرباء سهلى المعاشرة والرفقة والمودة ، تغلب عليهم البساطة والكرم ، ولي فيها أصدقاءا كثيرين عزيزين على النفس منهم المراحيم السيد عبدالحميد عبد ربه ، والسيد خليل طاطاناكي الذين ربطتني بهم صلات أخوة وماء وملح .
قمت بزيارة إلى الاستاذ الفاضل محمد الهنيد طريح الفراش في يوم العيد الأضحى المبارك عام 2012 م لتقديم تهاني العيد و سماع الذكريات عن القصص والمغامرات والنوادر والجهاد من أجل الوطن ، وتحصلت على نسخة قائمة بها العديد من اسماء شهداء عائلة الهنيد الدرناوية والتي لها فرع كبير منذ زمن ووقت طويل في طبرق ، وروت دماء شهدائهم ارض طبرق بالدماء الزكية فقد إستشهد في معركة الناظورة يوم 1911/12/22م المجاهد علي عبدالجليل ، والمجاهد نوح خليفة في معركة تلعزة عام 1914 م،
والشهيد محمد المبروك يوم 1914/7/11م في معركة وادي السهل ، ولحقهم المجاهد عثمان عبدالجليل في معركة إجعيدة عام 1915 م والمجاهد عثمان حسن في معركة سيدى رافع بالبيضاء الجبل الأخضر عام 1916 م ، والشهيد عبدالسلام المبروك في معركة الرمله جنوب خولان 1929 م .
والمجاهد علي صالح تم القبض عليه أسيرا فى احد المعارك وتم الاعدام شنقا في مدينة طبرق عام 1929م.... والمجاهد إحسين عبدالله الذي قام والدي المبروك بإنذاره ليهرب إلى مصر طالما الفرصة مواتية حيث إسمه على القائمة ومطلوب للسلطات الايطالية للإعدام التي تحصل عليها من مخبر يعمل لصالح المقاومة السرية ولم يسمع النصيحة ويهرب مما بعد أيام تم القبض عليه وارسل سجينا مكبلا بالقيد الحديدي إلى مدينة المرج وتم شنقه عام 1941 بالسجن...
المجاهديين حسن مفتاح ، وحمد عبدالجليل الهنيد تم الاستسلام طواعية بعد أستشهاد وشنق شيخ الشهداء، عمر المختار ، عام 1931م بناءا على العفو العام ، وقد تم الإبعاد والنفي للعديد من الأسر بكاملها من عائلة الهنيد إلى معسكرات الاعتقال بالبريقه والعقيلة ومرادة في ظروف بيئية قاسية وتجويعا متعمدا غير إنساني بقصد الخلاص والإبادة ، منهم اسرة المبروك حسن بكاملها ، وأسرة عبدالفتاح إ مراجع وأسرة صالح علي إحسين بكاملها ، المبروك علي وجميع أبنائه ، واسرة عوض علي إحسين الهنيد .
قائمة طويلة من الشهداء والمعتقلين في معسكرات الاعتقال سجناء نظير المواطنة الليبية والهوية العربية الإسلامية والوطنية التي تجرى دماؤها ساخنة بالعروق ، وهم مظاليم أبرياءا حتى تم الإفراج عن جميع المعتقلين الباقين ورجع القلائل أحياءا في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين الماضي بعد سقوط البطل عمر المختار عام 1931 م بالصدفة في آخر معركة له عن جواده ، وتم أسره والعدو غير مصدق الأمر ، وتم نقله إلى مدينة بنغازي ومحاكمة صورية سريعة وشنقه في بلدة سلوق جنوب غرب بنغازي عن عمر يناهز 80 عاما .
كان المخطط للمستعمر الايطالي إبادة العنصر الليبي العربي المسلم من الوجود وتسليم الاراضي الجيدة إلى المزارعين القادمين من جزيرة صقلية للإستيطان وتغيير الهوية العربية الاسلامية مع الوقت ومرور الزمن إلى مسيحية كاثولكية والتنصير بجميع الوسائل والإغراءات من مكافئات وشغل الوظائف والأعمال والحصول على الامتيازات ، ناسين متناسين إرادة الله تعالى ، عدم الرضاء بالأعمال البربرية الوحشية والابادة لشعب مظلوم وغياب نور الاسلام عن الأرض في شمال أفريقيا ، مما هزمت ايطاليا في الحرب العالمية الثانية وتغيرت جميع المخططات وباءت بالفشل ، ولاذ المستوطنيين الإيطاليين بالفرار راجعين الى جزيرة صقلية خوفا من الانتقام من أبناء الوطن .
لقد أبيدت أسرا كثيرة من عائلة الهنيد تعد بالعشرات من الشيوخ كبار السن والأمهات ،الرجال والنساء والأولاد نظير الغارات الجوية من الحلفاء والمحور، وأهمها الغارة يوم 1941/3/13م على مدينة درنة من طائرات الحلفاء والتي هدمت بيوتا كثيرة على رؤوس سكانها المسالمين نظير الصراع بين القوات المتصارعة على الفوز والنصر والتي نحن الليبيون لا ناقة لنا فيها ولا جمل، والمشاكل التي عاناها الشعب من وجود آلاف حقول الألغام المزروعة في أراضينا في الصحراء مما تسببت في قتل ألآلاف من أبناء شعبنا الضحايا وقطع وبتر الأطراف ، والذي كان من ضمن القتلى الأب والأم للحاج الأستاذ الفاضل محمد حسن الهنيد حيث توفيا من إنفجار لغم في بستانهم من بقايا الحرب عام 1946م نتيجة حرارة النار لطهي الطعام على لغم مدفون في الارض ، (حسب ما سمعت من الوالدة عندما كانت تتحدث عن المأساة ).
الشعب الليبي وبالأخص في المنطقة الشرقية ذاق الويل والمعاناة والضيق وعشرات المئات من المعاقين الذين فقدوا أحد الأطراف من الايدي او الأقدام نظير الجهل وعدم الفهم ، وكثيرون أصيبوا بالعمى وفقد البصر ولم يتم العلاج لهم كما يجب بعد نهاية الحرب إلى الستينات حيث الدولة فقيرة تعاني ، مما الضحايا الأحياء عاشوا بقية أيام حياتهم في بؤس وألم فى ظروف حياتية قاسية ومعاناة .
المعاناة الشديدة والقهر والإستبداد والنضال الطويل وتقديم الشهداء الضحايا قرابين على مذبح الحرية، والأسر ونفي الآلاف من السجناء وسجنهم بالسجون في الجزر الإيطالية والذي لم يرجع منهم إلا القلائل والإبادة الجماعية بالمعتقلات للسكان وقتل وشنق الأحرار، والمعاناة أثناء سنوات الحرب العديدة، خلقت أجيالا قوية ذات عزم وشكيمة لا تخاف ولا تهاب الموت في الدفاع عن الوطن بالروح والدم والدليل الأحفاد الشباب هبوا للثورة على الطاغية القذافي وتحدوه بصدور عارية وقلة سلاح وعدم تدريب تدفعهم الحمية والإرادة القوية والإيمان القوي بالنصر مهما كلف الأمر من تضحيات ودماء، والتي أذهلت العالم الجرأة والصمود وطلب الموت للحصول على الشهادة والفوز بالجنة .
العائلة ( عائلة الهنيد ) من ضمن آلاف العائلات الليبية الأصيلة التي قدمت الكثير من الشهداء ضحايا قتلى في ساحات القتال ، والعديد تم شنقهم ظلما على أعواد المشانق والكثيرون سجناء جوعى ومرضى في المعتقلات العديدة ضمن مئات آلاف من مواطني ليبيا من حضر وبادية بالشرق وبالغرب وبالجنوب ، ومهما كتبت لن أوفي العائلات المناضلة في جميع أرجاء ليبيا الذين قدموا القرابين على مذبح الحرية والخلاص ولهم مني ونيابة عن الجميع كل التقدير والإحترام ، والله الموفق .
رجب المبروك زعطوط
No comments:
Post a Comment