Sunday, January 6, 2013

شاهد على العصر 61



بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر
 61



استمر الهتاف الصاخب من القلوب والحناجر تندد بالظالم معمر القذافى وأعماله الإجرامية في حق الإنسانية وبعد فترة من السير على الأقدام توقفنا فى نقطة معينة وركبنا سيارات كانت معنا تتبعنا وواصلنا المسيرة وراء الجثمان والجنازة حتى وصلنا إلى المقبرة في منطقة " كرداسة " حيث القبر جاهزا لإستقبال الجثمان وكنت احد الذين وضعوا الجثمان في القبر مما تجمدت أصابعى من البرودة نظير التبريد القوي للجثة عندما اخرجت من الصندوق فقد كانت مثل لوح الثلج ،  دفنت المرحوم مع السيد مصطفى البركي والدكتور حسني غولة وآخرين وتم القفل للقبر ووضع اللحائد وترحمنا على المرحوم وزوجته الاجنبية على ما اعتقد فى لباس الحداد الاسود  واقفة من بعيد تشاهد  الدفن 

قام البعض بالقاء خطابات مؤثرة  ترحما على المرحوم وانه ضحية من ضحايا الصراع على البقاء في السلطة من مريض مجنون وعن الاعمال البربرية التى تشين جبين الانسانية من تافه حقير ضرب بجميع القوانين والأعراف السماوية والدين عرض الحائط … وبعدها رجعنا ونحن في حالة حزن و أسف عن ما حدث !!! وننتظر فى ما يخبئه القدر بالمستقبل غير عالمين بماذا سوف يحدث من مهاترات من امثال هذا الجاهل .

قدمت طلب الإستقالة من الرابطة الوطنية حيث لا استطيع القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقى حيث اقامتى فى امريكا طوال الوقت مما قبلها السيد مصطفي البركي الرئيس على مضض واكبر فى التواضع وانه بخروجي أتيح الفرصة للآخرين حتى يتقدمون فى المناصب وقلت له انه شرف كبير مابعده شرف ان اكون من ضمن الادارة فى الرابطة بمصر وانا احد مؤسسيها بالقاهرة معكم منذ البدايات ... ولكن التواجد والتواصل  مهم جداً وبخروجى سوف أتيح الفرصة لغيرى ليبدع لأننى لا استطيع البقاء فى مكانين فى وقت واحد .

بدأت الاغتيالات على قدم وساق والكثيرون من الضحايا سقطوا وتوفوا نتيجة الإهمال وعدم التصديق انهم على قوائم الموت !! وكان النظام يقتل عشوائيا بدون أية أسباب جوهرية لإشاعة الخوف والرعب بالداخل والخارج حتى يستتب حكمه اللعين الى ماشاء الله تعالى ... ونسى انه بقتل هؤلاء الأبرياء الضحايا وضع المسمار الاول فى نعشه ونعش نظامه الهش الهزيل فالعنف يولد العنف والدم للضحايا لن يصبح هباءا منثورا ... حيث القذافي يزرع  الشر والشرور وسياتى يوم الخلاص يوما ويتم الحصاد ويدفع هذا الغبي المجرم حياته اللعينة لقاء جرائمه الكثيرة التى ارتكبت فى حق الجميع.

بعدها بمدة تم الاتفاق بان نذهب فى لجنة الى  مدينة الرباط بالمغرب  للطلب من المسؤولين عن طريق المرحوم المجاهد المناضل فى صمت السيد محمد عثمان الصيد من الجنوب الذى تقلد رئاسة احد الوزارات ايام العهد الملكى الذهبى  السماح لنا كمعارضة ليبية بعمل اول لقاء وندوة خاصة بالمعارضة ضد النظام العفن .
وصعدنا على متن  الطائرة المغربية الوفد المكون من ثلاثة السادة السيد فاضل المسعودى والسيد جمعه اعتيقه وانا كاتب هذه السطور من مدينة القاهرة  مصر  فى رحلة طويلة تستغرق عدة ساعات بالجو حتى الوصول الى مدينة الدار البيضاء بالمغرب ... وفى منتصف الطريق وبدون أية اسباب واضحة  بدات الأضواء الحمراء تلمع وان الطائرة بها خلل ومضطرين للهبوط على الارض والا سوف تحدث عواقب لا تحتمد .

سمعنا اننا الان فى الأجواء الليبية مما زاد الطين بلل اننا مطلوبون من قبل اللجان الثورية وسوف نكون لقمة سائغة تصل لهم حيث نحن الثلاثة مطلوبين احياءا ام اموات من قبلهم وغاص الدم من العروق وشعرنا بالعرق البارد نتيجة الرعب والخوف ينساب فى أجسادنا وعشنا حوالى الربع ساعة ونحن ننتظر فى الحدث المريع .

بدأت الطائرة فى الهبوط السريع والأنوار الحمراء تسطع والركاب في قلق مريع غير عارفين ماذا نعمل فنحن مربوطين الى المقاعد باحزمة الأمان  وليس لدينا غير الصبر والتحمل والإيمان بقدرات الله عز وجل وكادت القلوب تتوقف من النبض والطائرة تهبط بسرعة وسط السحب والغيوم وكانت لحظات حرجة ظهرت فيها معادن الرجال عن مدى الصبر والإيمان .

تطلعت من خلال النافذة وشاهدت من بعيد العلم الأحمر خفاقا فى الجو  فقد كنا على مشارف مطار قرطاج تونس وكم كانت الفرحة والبهجة والسرور ورجع الدم  يتدفق بقوة الى اجسادنا بسرعة بعد ان مررنا على جسر رهيب من الخوف والرعب وحمدنا الله عز وجل على السلامة وأننا هبطنا فى مطار تونس الخضراء العاصمة حيث الأمن والأمان .

لم نهبط من الطائرة وبقينا فيها حوالى الساعة حيث تزودت بالوقود وكان العذر للتغطية على الهبوط ان الوقود من مصر كان غير كاف للرحلة الطويلة ... وبدأنا الرحلة مرة اخرى وكنا فرحى سعداء اننا لم نهبط في طرابلس ليبيا والا كان الامر صعب لنا حيث حياتنا على المحك وواصلنا الرحلة الجوية عبر تونس والجزاائر ووصلنا الى مطار الدار البيضاء بسلامة .

كانت الإجراءات سهلة وبدون اختام على جوازات السفر وسيارة خاصة أقلتنا الى مدينة الرباط وأقمنا بفندق وتم اللقاء مع المناضل السيد محمد عثمان الصيد الذى دعانا الى وجبة غداء فى بيته بالرباط وكانت وجبة شهية وتم النقاش معه عن الندوة والسماح من القصر بعقدها وكان رد الحاج انه سوف يعمل ما بوسعه .

تمت الموافقة عليها بسرعة من الملك الحسن الذى كان يريد ويرغب فى قرص المجنون الاهبل على مساعداته فى قضية الصحراء ضد مملكة المغرب مما مع الوقت والدهاء اجبر المجنون على قبول الصلح  … وقرر السيد جمعة اعتيقه السكن فى المغرب واستأجر شقة للعائلة على ان يأتى بهم من روما ايطاليا حيث بدا يحس انه لا أمان هناك ... اما عني فقد رجعت الى امريكا والسيد فاضل المسعودي رجع الى الجزائر حيث عائلته هناك على امل اللقاء عن قريب . 

تم الترتيب للمؤتمر الأول وبدأت الوفود من الشباب يتوافدون والإقامة فى منطقة "المحمدية " ان لم تخني الذاكرة  ، وكان لهم نزل كبير خاص بالليبيين من الحكومة المغربية  حتى تكامل العدد  وبعدها الإنتقال الى مدينة تطوان بعيدا عن العيون فى الشمال الشرقى للمملكة ووصلت من امريكا عبر مطار مدريد وكان المرحوم سليمان دهان فى الانتظار بالمطار  والذى عرفته فى زيارتى السابقة  وقام مشكورا باخذى معه فى سيارته مسافة طويلة عبر المغرب استغرقت عدة ساعات قيادة  حتى وصلنا الى مدينة تطوان حيث الجماعة فى الانتظار للبعض قبل البدا .

بدأت الندوة يوم 27 سبتمبر 1980م وكانت  ناجحة وتخللها كالعادة فى اى لقاء الاحاديث الجانبية السياسية وكل طرف يحاول استمالة الاخرين فى التصويت ورجعنا مرة اخرى الى المحمدية وكان رفيقى بالغرفة السيد جبران سليم الذى ربطتني به صداقة وأخوة صادقة من قبل عندما تلاقينا فى القاهرة والإسكندرية وقضينا أياما وأوقاتا سعيدة مع المجموعة  كبار السن والمقام فى لقاءات عمل وسمر " رحم الله تعالى تلك الايام الخالدة التى مضت ومرت مرور الكرام من أعمارنا  ولم نحس بها "
انتهى المؤتمر على خير وسلام وكان المطلوب منا عدم المغادرة لأى ظرف  وأخذ الأذن من احد المسؤولين المغاربة الوكيل علينا كوفد ليبي حتى لا نتعرض للمشاكل ... والمقيم معنا في النزل  وكان السيد جبران سليم يريد قضاء بعض الوقت فى زيارة لمدينة الرباط حيث قال لي بالليل ونحن نتسامر  عندما كنا مع بعض بالغرفة انه يؤسفه ان يأتي هذه الطريق كلها من مصر ويزور المغرب ولا يشاهد العاصمة مدينة الرباط وقلت له غداً إجازة والمؤتمر انتهى وسوف أخذك فى زيارة للمدينة .


الرباط ، المغرب 
في اليوم الثانى اخطأنا خطئا كبيرا حيث كنا حديثى المعرفة بالمغرب ومدى الأمن بها ونسينا بدون قصد اعلام المسؤول باننا نريد الذهاب للعاصمة والا كان رتب لنا الامر بالزيارة .. وأخذنا عربة أجرة من امام النزل ببراءة كالعادة ووصلنا الى العاصمة وقضينا وقتا جميلا فى الزيارة وزرنا قبر الملك الاب محمد الخامس وكانت العاصمة الرباط نظيفة والشعب المغربى خلوق محترم في تصرفاته مع فقره كانوا عفيفى الأنفس لايمدون ايديهم بالشحاذة والطلب المزعج بالعطاء او التحايل والغش  كما يحدث فى دول عديدة بالمشرق .

تغدينا فى احد المطاعم وكان البرنامج ان نمر على سكن السيد جمعه اعتيقه لشرب الشاى الاخضر لديه وتوصيلنا بسيارته الى المحمدية القريبة .. ووصلنا الى بيت السيد جمعه بدون ميعاد مسبق معه  وقابلنا بجفاء وكانه لا يعرفنا واول مرة يشاهدنا مما استغربت من الامر فقد كان معنا فى المؤتمر من الألف للياء .. وبعد شرب الشاى طلبنا منه توصيلنا بسيارته وكان رده مفاجئة لنا ان السيارة عاطلة وبالجاراج للتصليح مما اسقط فى ايدينا وكان الوقت الاصيل وضرورى من الرجوع بسرعة الى النزل حتى لا يتم الفقد والغياب  لنا على العشاء  وتبدأ المصائب تحل 

فعلا حسب ما توقعت حدثت النوادر الغير متوقعه وليست فى الحسبان والحمد لله تعالى اننا خرجنا منها بسلامة وتحصلنا على سيارة أجرة مرسيدس  عتيقة لتوصيلنا وتم الاتفاق معه بمبلغ زهيد وركبنا السيارة وقاد السائق حتى وصل الى احد مراكز الشرطة وتوقف وطلب جوازات السفر واعطيناه الجوازات بكل البراءة وغاب فترة ورجع  وقال لنا ان الضابط المسؤول يريد مشاهدتكم مما نزلنا من السيارة ودخلنا الى المخفر .

فقد كان الأمن شديد وعمل طوق قوى على العاصمة بحيث يعرف من دخل او خرج من الأجانب وأى سيارة أجرة تحمل ركابا ضرورى من المرور على احد المخافر وأخذ إذن خاص بالخروج من العاصمة .

تطلع الضابط فينا وتعجب من دخولنا بدون تأشيرات او اختام على الجوازات ولم يستطيع ان يفهم كيف دخلنا للمغرب وشك بنا وكان وقتها الأمن فى اشد مراحل الخوف من ابناء الصحراء او الليبيين بعمل احداث وتخريب بالمغرب سواءا بالتفجير او الاغتيالات ووضع بعض الحرس بجانبنا فى حالة  نريد الهرب ... واحضر الة كاتبه  وبدا يحقق معنا وكل أسئلته مركزة ونحن لا نريد قول الحقيقة الا مع احد المسؤولين الكبار .

بعد ما انتهى من التحقيق الطويل جاءه امر بالهاتف بان يرسلنا الى مكتب اخر خاص بالمخابرات  واركبونا سيارة لاند روفر جديدة ومعنا اربعة من الحرس شاكى السلاح يحرسوننا وطلبوا من سائق عربة الأجرة ان يتبعنا حتى وصلنا الى مبنى كبير ضخم وادخلونا بالداخل ضمن سلالم وطرق ضيقة ومتاهات يصعب على الانسان المتابعة والمعرفة فى اى  دور كان حتى وصلنا الى غرفة فسيحة بها صالون فخم ووجدنا أمامنا احد رجال الصحراء وهو مقيد بقيد حديدى جالسا على الكرسى ينتظر وتطلعت له وكم هالنى قوته وضخامته وان عديدا من الرجال يحتاجون الى مصارعته للتغلب عليه وتقيده فى حالة المقاومة .

جلسنا ننتظر وقتا طويلا حوالي الساعتين ثم وصل اثنان من الشباب مما يدل انهم ضباط رفيعى المستوى بالمخابرات وقابلونا بكل الاحترام والبشاشة وطلبوا منا الدخول الى احد المكاتب الرئيسية وكان فخم التاثيث ،، وتساءلوا كيف دخلنا الى المغرب وانه ليست لدينا اختام بالدخول وهناك كانت اللحظة المناسبة لقول الحق والصدق !!! وتحدثت معهم بصراحة وقلنا لهم نحن ضمن وفد المعارضة الليبى موجودون بالمحمدية ودخلنا الى المغرب بناءا على تعليمات من القصر الملكى .

تمت الإتصالات العديدة بالهاتف بأحد المسؤولين بالقصر  ونحن ننتظر فى الرد والجواب حيث مصائرنا معلقة على الجواب من الطرف الاخر والا سوف يودعوننا بالسجن ولا احد يعلم وممكن ننتسى او نسلم مقايضة مع النظام فى يوم من الايام .
وأخيرا جاء الرد بالايجاب مما قاموا بالاعتذار الكبير عن التعطيل واوصلونا الى عربة الأجرة الذى السائق كان يرجف من الخوف والرعب وقالوا لنا اذا تحبون سوف نوصلكم نحن وقلنا لهم سوف نذهب بسيارة الأجرة ولكن لا نريد التعطيل مرة اخرى من احد الدوريات او المخافر وقالوا لا تخافوا الامور سليمة وسوف نعطى التعليمات حتى تصلون الى هناك بسلامة وودعونا بكل الادب والاحترام جزاهم الله عز وجل على المعاملة الطيبة . .

وصلنا الى النزل حوالى الساعة الحادية عشرة ليلا ونمنا من غير عشاء وتعذر رفيقى السيد جبران سليم على التعب بسببه وقلت له بالعكس هذه مغامرة جميلة وحتى وان  ضاعت بهجة اليوم والزيارة الى العاصمة الرباط نظير الأخطاء والتسيب وعدم الالتزام والتقيد منا بالتعليمات .  وتعلمت الدرس القاسي ان الجرة لا تسلم طوال الوقت من الكسر وانه مرة اخرى لا تحدث في اى دولة مهما كان السبب وبالاخص عندما اكون ضيفا في اي مؤتمر ... ان اكون ضمن القوانين والتعليمات التى تعطى لنا ،
و حمدنا الله تعالى على السلامة وكان درسا كبيرا قويا تعلمنا فيه ان الدول مهما كانت  لها عيونها وقراراتها وعلينا الطاعة والاحترام اذا اردنا المعاملة معهم وحمايتنا من نظام الجهل والمريض القذافى .

                      رجب المبروك زعطوط 

البقية فى الحلقات القادمة 

No comments:

Post a Comment