بسم الله الرحمن الرحيم
رجال ليبيا المنسيين
بدايات حرب فلسطين عام 1948 م تطوع الآلاف من الرجال والشباب ذوى الحمية للجهاد من جميع دول المغرب العربي تحت اسم لواء المغاربة الشعبي ( ليبيا وتونس الجزائر والمغرب ) ومن ضمنهم شباب مدن ليبيا العديدة ومنها مدينة درنة المجاهدة والسباقة للنصرة والنجدة رجالا وشبابا كثيرين تطوعوا للنضال والحرب في ساحات القتال العديدة بالرغبة تدفعهم الحمية للدفاع عن أرض العرب والكرامة.... وعلى رأس القائمة الأولى من الشهداء البطل أول شهيد ليبي درناوي ، قتل وسقط شهيدا بالإصابة من شظية قنبلة في الرأس في بداية الحرب المقدسة الشهيد علي عمر جبرين الذي والده العمدة من أعيان المدينة وشيخ من مشايخ قبيلة مصراته في ذاك الوقت .
كثيرون لم يذكروا في تاريخ الجهاد الليبي من مجاهدي الوطن الوطنيين الأحرار الجنود المجهولين حيث طمست أسماؤهم من قبل أشباه الرجال والمنافقين لنظام القذافي المسؤولين عن كتابة تاريخ الجهاد الليبي بقصد وعدم البحث والتقصي الصادق عن قصص الرجال والذين في السبعينات الكثيرون في اواخر العمر مازالوا أحياءا يرزقون، تم توثيق الكثير من التراهات والزيادات الغير صادقة حتى تدمغ مع الوقت وتصبح متداولة ويصعب الطعن فيها، نظير إشهار وإظهار وتمجيد البعض من المحاسيب أقارب ومعارف القذافى على الرأي العام من بعض العائلات المغمورة بدون ذكر ، أنهم أبطالا مجاهدين من أجل الوطن والواقع المرير عاديين مثل الآخرين من أبناء الشعب .
قصصا عديدة حدثت وطواها التاريخ والنسيان إلى الابد ولم تعلن وتنشر الا من البعض في السرد أثناء الحكايات والسمر في جلسات السمر السهرات واللقاءات وبقيت في الصدور والقلوب ولم تدون على ورق وتوثق حتى تستمر إلى ماشاء الله تعالى وتبقى إلى ان يأتي اليوم وتجد من يهتم بالنشر والظهور بها لدوائر النور ، وللأسف توفي أصحابها وذهبت إلى ظلام القبور للأبد... مما كانت من أهم أسباب التأخر وعدم السمو والحضارة والتقدم ، النسيان وعدم الاعتراف بالجميل والتذكير بالأبطال العديدين الصادقين حتى يصبحوا عناوين وأمثلة للأجيال الصغيرة والقادمة حتى تعيش الأمجاد وتقوم بالتضحيات والعطاء مثل السابقين .
لقد عرفت المناضل عبدالرحيم بن خيال "الغشيم" - عائلة بن خيال مشهورة في مدينتنا درنة بتقديم الشباب المناضلين إلى ساحات الحرب والصدام في عدة أماكن بالعالم دفاعا بالروح والنفس للنجدة ورفع شأن دين الاسلام.... والذي سمعت منه شخصيا إحدى الحكايات عن المعارك والتضحيات في حرب فلسطين عام 1948 م والتي ساهم فيها شخصيا وتم النصر والحصول على الغنائم وسلمت للقيادة المصرية ، واللأسف غيرت وجيرت وحسبت لهم وضاع مجدها للأبطال الصناديد الليبيين المغاربة الذين قاموا بها وضحى البعض بنفوسهم من أجلها.
في بدايات السبعينات كان لدي موقع عمل مقاولات للبناء والتشييد في الساحل الشرفي بمدينتنا درنة ، وفي ذاك الوقت كانت العادة المتبعة لدينا فترة راحة بسيطة وقت الضحى لتناول بعض الطعام وشرب الشاي وتبادل أطراف الحديث عن مايجري من أمور سريعة ، وشاءت الصدف الحسنة وحضر المرحوم للموقع بالصدفة ، الذي كان يملك ويقود في شاحنة كبيرة للنقل الثقيل ، آتيا ببعض المواد للموقع مما تمت دعوته للإنضمام معنا في الجلسة ولبى الدعوة وجلس ضمن الحلقة .
كان المناضل وافر البنية ذو شخصية وهيبة معروفا بالصدق والأمانة في الوعد والعهد محترما من الجميع في حوالى العقد السادس من العمر ، وتطرق الحديث في مواضيع عديدة ووصلنا إلى قضية فلسطين وخسائر العرب في 3 حروب ، وهل يوما عن قريب نثأر للهزائم وننتصر؟
مما فتحنا جروحا لديه كادت تندمل بمرور الزمن وتأثر من الحديث والنقاش عن الحرب وقضية فلسطين وحدثنا عن التطوع في الحرب أيام الشباب والحمية ، وإنضمامه مع العديد من رفاقه الدراونة إلى لواء المغاربة الشعبي عام 1948 م مع الآلاف من رجال وشباب المغرب العربي ( ليبيا وتونس الجزائر والمغرب) وأنه عاصر الحرب حتى النهاية والخسارة والهزيمة للعرب ، و حكى لنا حكاية غريبة عجيبة عن بطولات إحدى الفرق الذي كان من ضمنها .
كانوا حوالي 40 متطوعا في حالة مزرية وبائسة يعانون الجوع والنقص في التجهيز والعتاد وقلة السلاح ، ينتظرون في الأوامر من القيادة المصرية للتقدم التي في كل يوم كانت تؤجل مع ان الساحة مفتوحة للإستمرار والعدو الصهيوني متعثرا بالكاد يلتقط في الأنفاس ، ولو تم ترك جميع المتطوعين وهم بالآلاف من غير الجيوش النظامية لكانوا حققوا النصر بسهولة ، متخذين مقرا لهم مدرسة خاوية مهجورة بدون ماء ولا كهرباء فى بلدة خانيونس الفلسطينية .
يوما سمعوا الصراخ والإنذار من احد الفلسطينيين وهو راكبا على صهوة جواده مهرولا بسرعة داخل البلدة رافعا كوفيته لأعلى ملوحا بها لجذب الاهتمام ولإخطار المحليين في السوق بحضور وهجوم مدرعات الصهاينة القادمة في الطريق وراءه لإحتلال خانيونس حتى يتخذوا الحيطة والحذر و لا يباغتون بالغدر والقتل فجأة .
قرر آمر المجموعة الليبيين المغاربة بأن لا يهتم بأي تعليمات وأوامر من القيادة حيث لا وقت وصعب الاتصال ... وقرر المقاومة دفاعا عن النفس ووزع رجاله على أسطح محلات السوق من الجانبين حتى ينقضوا على المدرعات وقت الدخول في شريط السوق الضيق بغتة حيث لا مجال للمناورة والهرب السريع ضمن تمويه جيد .
دخلت المدرعات في طابور طويل وكانت 11 مدرعة ولما تكاملت في الدخول وهم غير عالمين بالكمين وأعطى الآمر الاشارة فجأة وحدثت المفاجأة الغير متوقعة للعدو الزاحف وقفز الأشاوس وتم تعطيل الرتل في المقدمة والمؤخرة مما الباقي حوصرت ولم تتحرك ووبالسلاح الابيض بالخناجر بدون طلقة رصاصة واحدة تم القتل والطعن لجميع الصهاينة وسقط بعض من الليبيين شهداءا وجرحى.
وكانت فرحة كبيرة بالنصر والغنائم من السلاح والذخائر والتموين ، ومنذ ذاك اليوم والكمين إلى نهاية الحرب لم تحدث اي حالات وحوادث وتعديات من الصهاينة خوفا ورعبا من أي مجزرة من الاسود المغاربة الليبيين. وتم تسليم المدرعات إلى قيادة الجيش المصرى حسب الترتيب والأصول العسكرية ، واللأسف بعد فترة من الوقت ظهرت صور المصفحات والعتاد في مجلة المصور المصرية والحديث عن الحادثة بإسهاب ومبالغات وكيف القوات المصرية تصدت في المعركة وهزيمة العدو الصهيوني ومبالغات كثيرة وتمجيد وجميع المواضيع زيف وكذب لا تمت للحقيقة بأي صورة من الصور ناسين متناسين عن قصد وعمد الشهداء الضحايا والجرحى أثناء المعركة القصيرة الشرسة وان الفضل للمتطوعين الليبيين الذين قاموا بالفعل المعركة والتضحية.
مما نتائج هذه الحادثة وكيفية الكذب والتزوير المتعمد وإسناد الحق والعمل الحقيقي لغير أهله ، هبطت الروح المعنوية لدى المتطوعين في جميع جبهات القتال حيث لا إهتمام ولا تشجيع للعمليات ولا أي إعتراف بالجميل والبطولات، تاركين الامور بدون إهتمام كبير لأية أوامر .
وكانت مثل هذه الاحداث النضالية والبطولات العشرات من الاحداث والمواضيع والمعارك الجهادية الفردية ولو القيادات العربية غير متورطة في العمالة صافية القلوب والنوايا في حربها بدون فساد ورشاوي وتركت المغاوير وغضت البصر عن لواء المغاربة ومجاهدي الاخوان المسلمين المصريين ومتطوعي العرب بالآلاف الراغبين في التضحية والموت والحصول على الشهادة بصفاء القلوب لتم التوفيق من الله تعالى والنصر المبين وفاز العرب بسهولة... والله الموفق .
رجب المبروك زعطوط
البقية تتبع...
No comments:
Post a Comment