بسم الله الرحمن الرحيم
رجال ليبيا المنسيين
وصلت في عام 1980م إلى الاسكندرية للزيارة وقضيت بها عدة أيام في ضيافة الحاج صالح سرقيوة من مدينة درنة والذي تربطني به صداقة وأخوة مع فارق السن حيث من رفاق أخي الحاج صالح المبروك ... وقمنا بزيارة في الضحى إلى الرابطة الليبية الإجتماعية للتعرف على الليبيين المقيمين في الاسكندرية أيام عهد الرئيس محمد أنور السادات... وهناك تعرفت ببعض الشباب الغيورين على مآل ليبيا من الطاغية القذافي، من الطلبة في الجامعات المصرية في القاهرة، المناضلين حسني غولة الترهوني ورفيقه عزالدين القمودي ، وتحدثنا عن الهموم التي نعاني منها والتي تحتاج إلى رجال وطنيين لبتر النظام. حاولت دعوتهم للغداء معنا ولكن تم الإعتذار حيث يريدون الرجوع إلى القاهرة وتبادلنا أرقام الهواتف والعناوين للزيارة عندما اكون في القاهرة ووعدتهم بذلك في أقرب فرصة تتاح لي .
حاولت الانتقال إلى الفندق لمزيد من الحرية في الإتصالات واللقاءات ولكن مضيفي أصر على ضيافتي في بيته ورفض تركي مما قررت الذهاب إلى القاهرة لأنني لا أريد أن أكون ضيفا ثقيلا عليه
وقمت بتأجير عربة أجرة خاصة لنقلي وكان الطقس حارا حيث كنا في فصل الصيف والحرارة عالية مما إستعمل السائق جهاز التبريد طوال الطريق للإستمتاع بالهواء الرطب البارد لقطع أثناء قطع المسافة التي استغرقت حوالي 3 ساعات ووصلنا إلى مدخل القاهرة وشعرت ببعض التعب وبرودة الأطراف والعرق بدأ ينضح من الجسم وقشعريرة بسيطة وتذكرت دعوة الشباب بالزيارة والوعد لهم وعنوان البيت بالقرب في المنطقة التي نحن بها قريبا متفرع من شارع شهاب في الدقي مما طلبت من السائق المرور عليهم لإبلاغهم بوصولي حتى نتلاقى لمزيد من التعارف والحديث السياسي عن القضية الليبية التي تشغل بالنا طوال الوقت.
وصلنا إلى العمارة وكان الشقة بالدور الأرضي وضغطت على جرس الباب وفتح حسني الباب وهو يضع مئزرة على وسطه حتى لا تتسخ ثيابه فقد كان يطبخ طعام الغداء ورفيقه عز الدين القمودي موجودا وكانت فرحة باللقاء وأصر بأن أحضر حقيبتي وأتغدى معهم ولترضيتي قال بعد الغداء سأوصلك بسيارتي للفندق الذي ترغبه، مما وافقت حيث فرصة لا تعوض ومن عادتي لا أرفض أي دعوة لأحد وبالأخص على طعام حتى تحل البركة ، ووافقت وأخذ الحقيبة من السيارة ودفعت للسائق الأجرة ودخلت للبيت غير عالما بما يخبئه لي القدر أن الإقامة سوف تكون طويلة عدة شهور!
تناولت وجبة الغداء وأنا خائف من السقوط من الإعياء نتيجة الحمى مما لاحظ علي الإرهاق والتعب وطلب مني الدخول للغرفة لأرتاح على السرير حتى العصر ، وكانت طويلة مدة أسبوع وأنا طريح الفراش نتيجة مرض حمى شنيعة إنفلونزا شبه مغمى علي، نائما طوال الوقت، وهو يعمل جاهدا على رعايتي والتمريض بدون توقف و إحضار الدواء وعلاجي بالكمامات الباردة على الرأس والجسم للتبريد حيث كانت حرارتي عالية ، وقام مشكورا بمساعدتي على تناول وجبات الغداء والعشاء من الحساء من الطعام التي كان يعدها حتى تعافيت بعد أسبوع .
كان إنسانا فاضلا ذو أخلاق وشهامة وكرم وأصر على بقائي معه مقيما بالبيت كرفيق حيث كان يسكن بمفرده والبيت به ثلاثة غرف للنوم منها إثنتان تستعمل في حالة قدوم ضيوف ووافقت بعد الإصرار الشديد بالبقاء والإقامة معه بشرط المشاركة في المصاريف حيث كان طالبا يتقاضى مرتبا زهيدا ، مما وافق على مضض. وعندما تعافيت ذهبت معه في زيارات عديدة لبعض الإخوة الليبيين الوطنيين الهاربين من ليبيا للتعرف عليهم، وقدمني إلى الأخ مصطفى البركي رجل الأعمال السابق من بنغازي في بيته بالدقي الذي كان مفتوحا لجميع الليبين المعارضين بدون استثناء فاليبت مثل النادي لا يرتاح الليبي المعارض المقيم في القاهرة وقتها أو الزائر من الوطن من القيام بزيارة له. وقد رحب بي كثيرا وإحتفى بي حيث الاسم والشهرة سبقتني وتعرفت من خلال الزيارات واللقاءات اليومية على كثير من الإخوة إبتداءا من السيد فرحات الشرشاري وإخوانه من صرمان والسيد سيف النصر عبد الجليل من سبها والذي كان آخر وزير دفاع في العهد الملكي عندما قام الانقلاب الاسود.
واللذان ربطتني بهم صلات أخوة ، تقدير وإحترام للآن مع مرور هذه السنوات الطويلة علينا وتعرفت على الحاج رجب بن كاطو رجل الأعمال المشهور في بنغازي والسيد جبران سليم البصير التاجر بالاسكندرية وشبابا كثيرين وكان السيد مصطفى البركي أحد الرجال القلائل والمناضلين الذين تفخر بهم مدينة بنغازي حيث كان قلبه وبيته مفتوح لأي ليبيي طالما كان معارضا للنظام الهمجي القذافي. وربطتني به بعد كثير من اللقاءات والحوارات أواصر أخوة وصداقة فقد تجاذبت أرواحنا لبعض لأننا نحس بنفس النار التي إكتوينا بها عندما سلبت حياتنا كرجال أعمال وتم الاستيلاء على ممتلكاتنا وأموالنا وأصبحنا مطاردين من قبل طاغ ونظام أهوج يريد القضاء علينا بأي ثمن نظير رفعنا راية العصيان وعارضنا المعقد .
عن طريق المرحوم مصطفى تعرفت بالأمير السيد عبدالله عابد السنوسي الذي كان ضخم الجثة دمث الأخلاق ومرحا، تشعر بروحه الطيبة وبساطته .... وقضيت شهورا عديدة طويلة في الرفقة واللقاءات معهم ومعظم الأوقات وبالأخص أيام العطلات الأسبوعية بعد صلاة الجمعة كنا مدعوين في بيت الأمير بحضور مصطفى البركي والحاج رجب بن كاطو وجبران سليم والسيد سيف النصر. وكنت وقتها بينهم الأصغر سنا ومن خلال اللقاءات والمآدب والأحاديث، تعلمت الكثير من أخبار ليبيا أيام الاستقلال وخلال العهد الملكي من صراع على السلطة بين عائلة الشريف وعائلة الشلحي لم تعلن ولم تنشر ولا يعرفها الا القلة مما أصبحت ملما بكثير من الأسرار التي أفادتني معرفتها لاحقا .
هذا الصراع المؤلم صراع قوى خفية تبنته الماسونية الدولية والأيادي السوداء لتدمير ليبيا وعدم نهوضها وسرقة خيراتها بأساليب جهنمية تبدو في الظاهر سليمة ولمصلحة الشعب وفي باطن الأمر، دمار في دمار وخراب على جميع المستويات ، حيث القوى المحلية توزعت نظير الطمع وحب إمتلاك المركز والسلطة والنهب للمال العام في العمالة لأحد الدول ضمن المباراة الحامية، كل طرف يؤيد ويناصر طرفا آخر، مما أدى في النهاية إلى قيام الإنقلاب الأسود يوم 1969/9/1م ووصول المعقد للسلطة وسرق التاج وأطاح بالملك وتسلط على الوطن في غفلة من الزمن ..
أيام جميلة مرت ولن تعود حلوها ومرها قضيت حوالي 8 أشهر بالقاهرة في رفقة الإخوان الرجال لأنني لم أتحصل على التأشيرة الأمريكية للرجوع للعائلة مما إضطررت للبقاء هذه الفترة الطويلة في البعد عنهم ، أطحنا فيها بمكتب الرابطة في الأسكندرية الذي كان على راسه وآدارته رجال كبار في السن يفضلون الحوار مع القذافي ومهادنته لإتقاء شره بدل عداوته صراحة في العلن .
أذكر حادثة قمنا بها نحن الشباب وقتها والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير فقد دعينا كمجموعة القاهرة وكنا حوالي 30 فردا لحضور أحد الأجتماعات المهمة ولا حظت أنهم كانوا يتحاورون في جلسة مشحونة بعواطف قوية من الشباب على قضية ليبيا ومآسيها ومازالت صورة العقيد المعقد الكبيرة معلقة على الحائط في صدارة المكتب على رأس رئيس الجلسة مما أخذتها كذريعة وأنزلتها بعنف من الحائط لأنه لا يصح النقاش عن مأساة الوطن والظلم المستبد وصورة الظالم بالصدارة....وأثنائها في ساعة غضب قام السيد مصطفى وضربها بقبضته في عنف مما تكسر الزجاج وتمزقت الصورة وأصيب بجروح في يديه والصورة مازالت حاملا لها .
حدث لغط كبير على موضوع الإستسلام والمداهنة التي تدل على الضعف ، وتم البيان الأخير للجلسة المثيرة ، بنقل المقر إلى العاصمة القاهرة وتم الطلب بالحصول على إذن رسمي من الحكومة المصرية بالنقل مما تمت الموافقة على الطلب . وكان بالقاهرة مبنى كبيرا في ضاحية مصر الجديدة ملكا للحكومة الليبية يستعمل من قبل الملحق العسكري الليبي ومقفل جاهزا بالأثاث وشبكة الهواتف التي كانت وقتها صعب جدا الحصول على خطوط هاتفية وعدة سيارات بجاراج القبو للإستعمال .
عندما عرفوا أننا كنا ساعين للحصول على المبنى رسميا ، أو إقتحامه وإستعماله لأنه خاصا بليبيا ، قامت أحد الإدارات الأمنية المصرية واستولت عليه وأضطررنا للتأجير حتى يصبح لدينا مقرا ، وضاع إلى الآن وبعض أملاك الدولة الليبية إستولى عليها البعض من الليبيين المنافقين الذين يلعبون على الحبال يدعون الثورية وسجلوها لحسابهم الخاص وهي الآن لا تقدر بثمن قيمتها العقارية الآن بعشرات الملايين من الدولارات وصعب تعويضها . لكن سيأتي اليوم في المستقبل الذي سوف تفتح فيه ملفات كثيرة منسية الآن وتزال الأغطية والأقنعة الزائفة عن كثير من المغتربين أدعياء الوطنية اللصوص لقاء الإستغلال والنهب للمال العام لحساباتهم الشخصية .
قامت الرابطة الليبية الإجتماعية في القاهرة في جو ديموقراطي وبالإنتخابات الحرة وأعطى الجميع أصواتهم بالتزكية بدون منافسة الرئاسة لها للسيد مصطفى البركي وتم الإنتخاب بالأصوات والاقتراع ونجحت وأصبحت عضوا بمجلس الإدارة مما بعد فترة عندما قررت الرجوع إلى أمريكا إعتذرت وإنسحبت من العضوية تاركا المجال للبعض من الغير الوطنيين الترشح للمكان الشاغر في غيابي حيث الإقامة الدائمة أمريكا .
يوم إغتيال المرحوم المحامي محمود نافع بلندن إجتمع المجلس للرابطة في إجتماع طوارئ لدراسة الأبعاد الكثيرة عن المأساة التي حصلت للوطنيين والغدر من نظام القهر وكان الإغتيال الثاني وتقرر إرسال برقية للرئيس السادات بالسماح لنا بإحضار جثمان المرحوم ودفنه في مصر
وفتح باب التأشيرات لليبيين الوطنين للقدوم واللجوء إلى مصر للأمن والأمان على أرواحهم من الإغتيال والقتل ، وكتبنا الصيغة بالرابطة وذهبت شخصيا إلى مكتب بريد الدقي بالمساء وبعثتها إلى رئاسة الجمهورية واليوم الثاني بالضحى وصل وفد من رئاسة الجمهورية من 3 مسؤولين كبارا بالدولة المصرية بناءا على تعليمات الرئيس السادات شخصيا بتعزيتنا كرابطة ليبية في المرحوم والسماح لنا بإحضار الجثمان ودفنه في مصر وإبلاغنا ان الأوامر صدرت لوزارة الخارجية بالسماح لدخول الليبيين المعارضين للنظام في ليبيا إلى مصر من جميع المنافذ الحدودية بتأشيرات تصدر منها في الحال تحت ضمانة الرابطة أو أحد الشخصيات الليبية المقيمة في مصر مما قبلنا التعزية وشكرناهم على الحضور والمؤاساة وفتح الأبواب للجوء مما كان له الأثر الطيب في نفوسنا من هذا الموقف الجاد النبيل والمشرف.
بعد عدة أيام وصل الجثمان إلى القاهرة وواجهتنا عدة مشاكل أولها عدم وجود قبر لدفنه حيث المدافن في مصر خاصة وتم الاتصال عن طريق الحاج محمد السيفاط مع الملك ادريس السنوسي رحمه الله تعالى، الذي تبرع بقبر محجوز له في منطقة كرداسة لدفن المرحوم الضحية، والذي بعد مدة اشترت الرابطة قطعة ارض بالمنطقة وأقامت عليها مقبرة لليبيين الذين توفوا بعدها بالقاهرة موجودة وقد أمتلأت بالمراحيم المعارضين والهاربين من الأهوج القذافي.... وواجهتنا مشكلة أخرى قلة المجموعة الليبية التي سوف تشيع الجنازة إلى المثوى الأخير حيث الكثيرون خائفون من الملاحقة يوما من اللجان الثورية المندسين والذين سوف يقومون بكتابة تقارير وإلتقاط صور عن الجميع. تغلبت الرابطة على المشكلة بحشد مجموعات كثيرة من إخوتنا المصريين لمسيرة الجنازة معنا حتى أصبح العدد حوالى 500 مشيع .
قامت السلطات المحلية مشكورة بإخلاء وإغلاق ساحة ميدان التحرير الضخمة من المارة وحركة السيارات وصلينا على الجثمان صلاة الجنازة في جامع مكرم عبيد وخرجنا في مظاهرة صاخبة رافعين التابوت على الأيادي والأكتاف نذكر في الذكر الجنائزي الإلاهي والهتاف بأصوات مثل الرعد ، وفجأة نطق السيد حسني غوله عبر الميكرفون مرددا: "لا إلاه إلا الله ، إمعمر عدو الله" وردد وراءه السيد مصطفى البركي الهتاف مما الجميع رددوه بقوة بعض الطريق حتى عبرنا الساحة وركبنا السيارات العديدة التي كانت في الانتظار للموكب الجنائزي ذو الطابور الطويل وسيارات شرطة المرور أمامنا تفسح لنا الطريق المكتظة بالسيارات والمارة حتى وصلنا إلى المقبرة حيث تم وضع تابوت الجثمان على الأرض والذي كان باردا جدا حيث أخرج من الثلاجة نظير حرارة الطقس العالية في القاهرة وقام بالتأبين البعض ومنهم السيد مصطفى البركي الذي ألقى بيانا مؤثرا حزينا بإسم الرابطة عن جميع الليبيين يندد بالفعل الاجرامي والكثيرون يقومون بالتصوير بالأجهزة العديدة للإعلام والبعض من الأجانب المدسوسين مما ظهرت شخصيا على العلن صورة وصوتا !
رجعنا إلى مقر الرابطة وقمنا بمجلس عزاء للمرحوم لعدة أيام حيث حضره الكثيرون للتعزية والبعض جواسيس لجهات أمنية كثيرة ليبية وغيرها عن ردود الأفعال والحضور ولم نهتم بالأمر كثيرا منطلقين من المقولة المأثورة للسيدة فاطمة الزهراء :"هل يهم الشاة سلخها بعد ذبحها".
قضيت عدة شهور بالقاهرة مليئة بالأحداث ، مرت وكأنها يوما واحدا من العمر مع أنها كانت شهورا مهمة من تاريخ بلادي ففيها تم اغتيال الكثيرين من المعارضين الليبيين بالرصاص أو الذبح بالطعن المميت كما حدث لإبن خالي المرحوم أحمد عبدالسلام بورقيعة من مدينة طبرق في مانشستر في بريطانيا من قبل غوغائيي فرق الموت اللجان الثورية وأغمضت الدول الأوروبية عيونها عن المجازر التي وقعت في أراضيها والذي كان القتلة يتبججون وهم يرقصون على جثث الضحايا كما حدث في لندن عندما تم إغتيال المرحوم محمد مصطفى رمضان كأول ضحية في مسلسل الإغتيالات وهو خارجا بعد أداء صلاة الجمعة في المسجد الكبير ... وتجدد حدوث الأمر عندما أغتيل المحامي محمود نافع حيث هؤلاء القتلة ، للأسف الشديد لا يلاحقون قضائيا نظير تبادل المصالح ويرجعون إلى ليبيا ويكافؤون على فعلهم الشنيع وكأنهم أبطال مغاوير. مما دمغت ليبيا بصفة الإرهاب والتي عانى منها الشعب الليبي معاناة كبيرة ودفع ثمنها الأبرياء المظلومون .
تحصلت على تأشيرة أمريكية بعد صبر طويل وطول إنتظار وكانت فرحة كبيرة عن طريق الأمير عبد الله عابد السنوسي الذي كانت له بعض العلاقات والمعرفة مع السفارة ، وودعت الجماعة والقلب يدمى فقد كانت اياما حلوة قضيتها مع الإخوة في النضال من أجل الوطن ، ورحلت إلى أمريكا بعد غياب حوالي 8 أشهر عن العائلة والأولاد وكنت مطمئنا على إقامتهم لوحدهم بالغربة بوجود خالهم صهري قريبي من نفس العائلة الطالب حمدي محمد زعطوط الذي كان نعم الخال وقام في غيابي بالواجب .
قابلت الأخوة حسني ومصطفى عدة مرات في القاهرة وتعرف جاب الله بهم عن طريقي وكانوا إخوة رائعين من حيث الرجولة والوطنية الطاهرة التي تنبع من القلب والضمير وليست زائفة كما عند الكثيرين وبعد سنوات عديدة تقابلت مع المناضل حسني غولة في مدينة درنة على مأدبة غداء لدى أبن أخي وحاولت أستضافته وبقاؤه معنا عدة أيام ولكن إعتذر حيث ليس له الوقت الكافي فقد كان مستعجلا وإحترمت طلبه حيث من الوارد أن يكون في مهمة نضالية ، ووعد بزيارة خاصة لنا في درنة لأرد له بعض الجميل الذي طوق عنقي به أثناء مرضي والإقامة معه عدة شهور في القاهرة.
بعدها بمدة سمعت أنه توفى فجأة ولم أصدق الخبر مع علمي أننا جميعنا سوف نموت ولكنه صغيرا بالسن في منتصف العقد الرابع على ما أعتقد وكانت صحته جيدة، ولا أعرف كيفية وفاته في حادث أم وفاة طبيعية وشكوكي انه ضحية النظام، وإذا أطال الله تعالى في العمر يوما سوف أسأل معارفه او أحد أفراد عائلته عن الحقيقة فقد كان إنسانا شهما كريما ومناضلا من أجل الوطن طواه النسيان ولكن ذكراه لدى الكثيرين سوف لن تنتسى ولا مواقفه الوطنية العديدة التي من المفروض تسجيلها كأعمال لمناضل في سجل تاريخ الوطن الذهبي حتى تعرف الأجيال القادمة قيمة الرجال الذين ضحوا واستشهدوا من أجل الوطن.
والمرحوم مصطفى البركي الذي كنت أزوره في بيته زيارات خاصة في كل مرة أتواجد فيها في القاهرة وبيننا طعام ماء وملح ومحبة في الله تعالى ، وتقدير وإحترام وكثيرا مادعاني على وجبات الغداء في بيته فكما قلت من قبل عن الكرم فهذا المناضل زاد وكفى، ونظير ظروف معينة والخوف من إصطياده في القاهرة وخطفه من قبل المخابرات المصرية المتعاونة مع الأمن الليبي كما حدث لكثيرين أمثال المناضلين جاب الله حامد مطر ، والسيد منصور الكيخيا، وغيرهم، مما إضطر إلى الهرب بسرعة إلى بريطانيا رغم أنه كان مريضا وكبيرا في السن واستقر بها لفترة حتى توفاه الله تعالى هناك الله يرحمهم ويحسن لهم فقد كان هؤلاء نعم الإخوة والرفاق الذين ذكراهم عالقة بذهني إلى آخر نفس لي بهذه الحياة...والله الموفق...
رجب المبروك زعطوط
البقية تتبع...
No comments:
Post a Comment