Sunday, March 6, 2016

قصصنا الرمزية 34

بسم الله الرحمن الرحيم

 الرحلة ( 1)


             سبحانك رب العالمين عندما أرجع بالذاكرة للوراء سنين عديدة وكم تعبت في علاج الأسنان خلال مسيرة الحياة وأنا كل مرة أزور عيادة أحد الأطباء للخلع او للتركيب في العالم .... وتصادف أثناء التمرد والثورة في غابة المختار ضد الطاغية ، كنت في رحلة عمل إلى برلين العاصمة في ألمانيا، وأثناء الحديث مع أحد الأصدقاء الألمان  عن العلاج الجيد للأسنان الذي كنت أعاني في بعض الآلام منها وعدم القدرة على المضغ الجيد والإستمتاع بالطعام في كثير من الأحيان  ، مما شكر لي أحد أصدقائه الأفغان ، و قال  أنه دكتور أستاذ في جراحة الأسنان من المشاهير الذي يؤم عيادته كبار المسؤولين ، وزاد الإطمنان أنني مع إبني الرفيق والحارس في الرحلة الطويلة لكثير من الدول ...  وكنا نتناول  وجبة عشاء مع مسؤول في سفارة الدولة الجديدة الذي أخبرنا أن عيادة الطبيب الأفغاني احدى المعتمدين لديهم في علاج  المرضى بالأسنان القادمين من الوطن مما قررت زيارته ، وتم عمل ميعاد معه للكشف على حالتي وزرت عيادته حسب الميعاد وتم الكشف الطويل وإقترح على تركيب الأسنان على الطرق الحديثة (الزرع) مما وافقت حتى أنتهى من قصة الأسنان مرة واحدة للابد....

                و تفاديا للتعطيل  ، خصص لي يوم السبت عطلة نهاية الاسبوع الساعة العاشرة صباحا ، مما  حضرت وأنا لست ادري بما سوف يحدث لي من تعب ...  وتحملت الألم ووخز الإبر العديدة في لثة الفم والجراحة المتواصلة عدة ساعات والزرع لكثير من الدعامات بالفم أكثر من أربعة عشرة في عدة ساعات وهو يثقب ويحفر في عظم الفك وانا غير قادر على الشكوى أو الرفض لأنه ليس لدي  العلم بالأخطاء القاتلة بل مستسلما حتى لا يضيع الجهد والتعب ، وأمني   النفس بأن هذه الآلام آخر المطاف بإذن الله تعالى وارتاح بقية العمر من الشكوى من الأسنان ، التي آلامها ومشاكلها للمريض بلا حدود !!!

                    انتهى الزرع بعد ساعات عديدة وقبل الخروج سألت على الفاتورة للدفع وقال لي عندما ينتهي العلاج والمعاملة عن طريق صديقنا المرافق  ... وخرجت من عنده حوالي الساعة الرابعة مساءا وأنا أترنح غير قادرا على الوقوف بالكاد أسير على قدمي من شدة الألم فقد بدأ المخدر ينتهى مفعوله والألم الشديد والعذاب بدأ، وتحملت الأمر وأنا صابرا على مشيئة القدر ، ورجعت إلى بيت مضيفي محاولا الراحة والنوم عسى أن يمر الصداع والألم وأرتاح ...  وتناولت العديد من الأدوية  حسب تعليمات الطبيب والتي في نظري لم تفيد بسرعة ، وقاومت الأمر والحال الصعب  أثناء السفر وبدأت اشعر بالراحة الوقتية بعد مرور أسبوع من العذاب المستمر ...

                طوال الوقت كنت محروما من الأكل الشهي اللذيذ وتناول الطعام بسهولة وراحة والمضغ لا أستطيع تحريك الفك بسهولة بل معتمدا طوال الوقت في العيش على شرب السوائل كغذاء، والمفروض كان الرجوع إلى الطبيب بعد مدة شهرين من الزمن لتكملة تركيب الأسنان وشعرت باطنيا لأسباب لم أعرف كنهها نفسيا أنني لا اريد الاستمرار معه في العلاج والتركيب ولم تتاح الفرص للزيارة إلى المانيا مرة اخرى نظير مشاغل الحياة ...  وجاءت الفاتورة للدفع وصدمت من المبلغ الكبير الذي من المستحيل دفعه حيث يعتقد أنني ثري كما يتراءى له مما رفضت وبعد جهد جهيد تم الخصم ودفعت مبلغ عشرة الاف دولار مقابل الزرع وقفل الملف ...

                 في تونس العاصمة زلقت في أحد الايام بالصباح في بهو صالة الفندق في آخر درجة من السلم ووقعت على أرضية الرخام وتكسرت احد الأسنان الأمامية مما أصبح الامر مزعجا وأنا لدى العديد من المواعيد الرسمية المهمة ، واضطررت للذهاب إلى احد العيادات بسرعة وتم تركيب البديل لها صناعيا زائفة مؤقته وكنت أحافظ طوال الوقت اثناء تناول الطعام من الضغط القوي والجذب حتى لا تسقط ....

                عندما رجعت إلى مدينة درنة وذهبت إلى زيارة صديقي الطبيب فتحي المشهور في مدينتنا الذي كان أستاذا قديرا في معالجة الأسنان ، وبعد المراجعة وتعديل أسنان المقدمة قدر الإمكان ، طلب مني تتمة العمل مع أحد رفاقه الأساتذة في أحد العيادات في بنغازي حيث لديهم الآلات الحديثة ، وسمعت النصيحة وذهبت إلى هناك وتم العلاج على فترات وانا في الزيارات العديدة للمدينة حتى تم الفتح على اللثة و تطهير الخراج المؤلم مما ارتحت من الألم ، وإنتهى العلاج  و تركيب المقدمة مؤقتا حتى يتحصل على الخريطة ومسامير الدعم حيث الالمانية غير مألوفة ولا توجد الا بالطلب ، وتم الاتصال بالنت بالصديق وبعد عدة مراسلات تحصلنا على الخريطة ونوعية المسامير المطلوبة للتركيب ولم تتاح الفرص للحصول عليها حتى أذهب إلى المانيا والعلاج والتركيب هناك....

              اثناء الزيارة إلى غابة النسر رعاة البقر زرت احد العيادات المشهورة في تركيب الأسنان فى ولاية العشاق بالشرق على المحيط وتم عمل العديد من التنظيم  والتجهيز وتركيب بعض الأسنان المؤقته التي لا طائل منها بعد مرور بعض الوقت سقطت بسهولة بل ضياع المال والوقت في الذهاب والإياب والألم الشديد في كل زيارة لطبيب ...  وقررت ان لا أذهب إلى أي طبيب للعلاج على الأسنان حيث الأسعار غالية جداً وتكلف الكثير من الاموال وليس لدى التأمين الصحي عليها وغير قادرا على الدفع الكبير للعلاج حيث الوضع في وطننا لم يستقر بعد ويتم الإفراج عن أموالي التي تم الزحف و تأميمها من النظام السابق بدون اي وجه حق ... ومرت الأيام وأنا محروما من كثير من وجبات الطعام الشهي التي تحتاج إلى مضغ فقد كان لدى الثلث من الأسنان فقط مؤقتا ، أنظر وأشاهد في أطباق الطعام اللذيذ أمامي في كثير من الأحيان عندما أكون مدعوا ضيفا لدى البعض وأنا متحسرا غير قادرا على مد اليد والتناول حيث لا أسنان بالفك بالمؤخرة للمضغ، الأسنان بالمقدمة صناعية حتى تحافظ على جمال الشكل غير قادر على الطحن والمضغ بها...

             كان أحد أبنائي  في زيارة للمكسيك حيث عائلة زوجته تسكن في منطقة حدودية قربها، وشكر لي العلاج  حيث الآلاف من الأمريكان كبار السن المتقاعدين يعالجون هناك والذين يعانون مثل حالتي ليست لديهم البطاقات الصحية والتأمين للأسنان والأسعار بالمكسيك تعادل الربع  وعلى أعلى المستويات مثل غابة النسر رعاة البقر ، مما بعد ضغوط عديدة من إبني والزوجة  قررنا الذهاب إلى هناك لمعرفة الأمر والكشف والمعالجة ...

               خرجنا من مدينة دالاس فى رحلة برية بالسيارة للسياحة والعلاج حوالي الساعة الثانية ظهرا من يوم الخميس 2016/2/25م  وكان إبني  يقود وانا جالسا بجانبه وعلى الكرسي بالخلف الزوجة ، وكانت الرحلة البرية جميلة ونحن نشاهد في آلاف السيارات وعربات النقل الثقيلة محملة بمختلف البضائع سواءا أمامنا أو التى آتية على الجانب الثاني من الطريق السريع ، وكم أعجبت بجمال وتخطيط الطرق و كثرة العلامات للإرشاد التي تجعل الإنسان مهما كان جاهلا لا يتوه مثل مايحدث في أوطاننا العربية التي لا توجد بها أي علامات مميزة ولا خرائط ولا جهاز ( جي بي أس) الذي يرشد السائق خطوة بخطوة للطريق الصحيح بدون توقف ولا تعب ولا سؤال لأي كان ... وفي منتصف الطريق عبرنا مدينة ( أوستن ) عاصمة ولاية تكساس، ثم  مدينة (سان أنتونيو) المشهورة في التاريخ لغابة النسر وبالأخص لولاية رعاة البقر حيث بها موقع القلعة (الألمو) التي تم فيها الصمود والدفاع الأخير لتحرير الولاية حتى الموت إلى آخر رجل ضد جيش المكسيك الجرار بالألوف بقيادة ( سانتانا ) الذي لا يرحم ... وطلبت من إبني التوقف في أول فندق والعشاء والنوم للراحة وبالغد بإذن الله تعالى نكمل المشوار حيث لا اريد له التعب حتى نصل المكان المطلوب فلسنا مقيدين بوقت معين بل زيارة و سياحة للمنطقة وعلاج ... وتوقفنا في فندق الهيلتون حيث تم حجز الغرف ، والعشاء سندوتشات بالغرفة ومشاهدة الإذاعة المرئية عن آخر الأحداث العالمية والأخبار المحلية وما يحدث من صراع بين المرشحين للرئاسة عام 2016 م...

                       بصباح يوم الجمعة بعد وجبة الفطور الجيد من كل مالذ وطاب في مطعم الفندق واصلنا الطريق حوالي الساعة التاسعة صباحا وكان الطقس بدأ يعتدل والحرارة في إزدياد كلما توغلنا إلى الجنوب في الوادي أحسن بكثير من طقس مدينة دالاس البارد حيث الفرق أعلى حوالي العشرين درجة في مسافة قليلة بالبر ... ووصلنا إلى المدينة المنشودة (مكلين) حيث قام إبني بزيارة  والد زوجته المريض بسرعة ، ثم أكملنا المسيرة إلى ضاحية (وسلاقو) ومنها عبرنا الحدود إلى المكسيك بسرعة بدون أي تعب ولا جهد ولا حتى النزول من السيارة ولا تفتيش ولا ضياع الوقت في التعطيل المفتعل، بل دفع رسوم محددة بسيطة قيمتها ثلاثة دولارات للجانب الأمريكي وعبرنا الجسر الذي نصفه في امريكا والنصف الثاني في دولة المكسيك، على وادي ( ريو قراندي ) وكان رجال أمن الحدود الأمريكي والمكسيكي في قمة الأدب  والإحترام يشيرون بالأيدي لسائقي السيارات للمرور إلى الداخل بدون التوقف مما ذكرني الموضوع مايحدث في حدودنا الغربية مع تونس من تعطيل بالساعات حتى يتم المرور وضياع الوقت الكثير على الحدود الشرقية مع مصر الجارة الذين مازالوا يتعاملون بالطرق العقيمة لدول العالم الثالث، وسعيد الحظ من يمر بعد ساعات من التفتيش على السيارة ومستنداتها والتأمين والختم على الجوازات ودفع الكثير من الرشاوي والأتاوات لتسهيل المرور بسرعة مع عدم وجود اماكن الراحة ولا دورات المياه النظيفة ولا المطاعم للوجبات السريعة، بل المعاملة السيئة للكثيرين وكأنهم مجرمين وليسوا بشرا مسافرين من حقهم المعاملة الجيدة والإحترام والتقدير سواءا داخلين أم خارجين ، وقلت للنفس معزيا سبحانك رب العالمين نحتاج إلى وقت كثير وتعليم حتى نصل إلى السمو والحضارة و نبلغ  هذا المستوى الرفيع في المرور السهل عبر الحدود بين الدول مثل هؤلاء ...

             بعد الحدود مباشرة كانت بلدة (نويفو بروقرسو) المكسيكية حيث السوق عامرا بآلاف السائحين من كبار السن الأمريكان والموسيقى تصدح بأنغام جميلة (فلامنكو) وكأننا في حفلة عرس جماعية في كل مكان والبعض من العواجيز الأمريكان يرقصون بالشارع الرئيسي للمحلات وبأيديهم زجاجات البيرة يشربون منتشين من الفرحة والسرور والحرية  وعدم المنع حيث بالبلدة لديهم مثل  شعبي يقول (أهلا وسهلا بالضيف إضحك وألعب كما تشاء ولكن لا تعمل فوضى والا العقاب الشديد) ... وأوقفنا السيارة في احد الجوانب يحرسها أحد الخفراء الكثيرين بالمنطقة مقابل أجر بسيط حيث الأمن  مستتب ولا اي نوع من التعديات مهما كانت والجميع محترمين وبالأخص يعانون من الفقر الشديد ... وشاهدت الكثيرين من المحتاجين المقعدين الذين يمدون ايديهم للحصول على بعض المال وعشرات الصبيان الذين يقومون بطلاء الأحذية في كل مكان ولا أي إزعاج ولا إلحاح من أي أحد كان كما يحدث للأسف في أحد الدول العربية بالجوار لغابة المختار التي تجعل السائح يتأفف من الإحراج والسؤال والإلحاح على الدفع لبعض المال كهبات وكأنه حق مكتسب ضرورة الدفع !!!  أليس هذا الأمر بمخجل ومخزي مهما كان الفقر شديدا مدقع، لدى الانسان عزة وكرامة لا يريق ماء الوجه لكل من هب ودب في السؤال والإلحاح؟   والله الموفق  .... 

 رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع ... 

No comments:

Post a Comment