Saturday, September 24, 2016

خواطر عامة 8

 بسم الله الرحمن الرحيم

 السوق السوداء

                       كان الله تعالى في عون المواطن البسيط قليل الفهم والعلم الغافل عن مواضيع كثيرة تحدث يوميا بإستمرار بدون توقف حيث بإلكاد يحقق قوت يومه من العمل والجهد بعرق الجبين، أو معتمدا على الراتب الزهيد للصرف على متطلبات العيش والحياة في حالة القبض آخر الشهر او بعد عدة شهور نظير الفساد والإفساد كما حدث في ليبيا في العهد الثوري الذي إنتهى إلى غير رجعة بخيره وشروره والآن مستمرا نفس الموضوع التأجيل، مما يعيش الموظف في حالة قلق وهم بالنهار وغم بالليل ولا يرتاح طوال الوقت ويضطر للإستدانة وإهراق ماء الوجه، إو القيام بأي عمل آخر غير مشروع ليغطى احتياجاته ويتحول إلى ضحية مرتشي شريرا غصبا عن ارادته من ظلم الدولة في سوء الإدارة والعدل...

                       وآخرون بدون وجه حق ولا ضمير ذوي حظ كبير يحققون في أرقام خيالية عشرات الآلاف من الدينارات والدولار واليورو في صمت في الخفاء من غير أن يشعر بهم أي أحد كفروق اسعار وعمولات على أي موإد وسلع من جميع الأنواع سواءا في التصدير أم الإستيراد للوطن، أغنياء الفرص والغفلة ذوي كروش كبيرة وبطون واسعة، قطط سمان مهما تأكل لا تشبع مستغلين الأوضاع في جميع الظروف ايام السلم او الحروب والقتال التمرد والكر والفر حيث الكثيرون من الأبرياء نظير الحاجة الملحة الشديدة والضغوط في حاجة ماسة للعيش لإطعام أفواه أولادهم الجوعى وبالأخص الذين بالغربة مهاجرين بدون عمل ولا دخل يبيعون في ممتلكاتهم بالوطن بأرخص الاسعار وأبخسها والتحويل للخارج بأعلى وأغلى الأسعار للنقد الأجنبي مما الخسارة جسيمة لقاء الحفاظ على الكرامة من أن تهان، نظير إستغلال القطط السمان لسلع عديدة غير متوفرة في الأسواق وعلى رأسها العملات الصعبة من بيع وشراء مثل المنشار اليدوي لقطع الأشجار الذي ينشر ويقص في الخشب والألواح في الحالتين الهبوط والإرتفاع ....

                       السوق السوداء إسمها فيها، شر وشرور وعنوانها قاتم وضرر فادح للكثيرين المحتاجين، وثروة وغنى فاحش لذوي الإحتكار، آفة سوداء ومرض العصر الذي ليس له علاج بات للأبد، موجودة في جميع أنحاء العالم منذ القدم شراء الذات والضمير من ضعاف النفوس للمال والجاه والمركز وتختلف من مكان لآخر الكيفية والغطاء عن المخالفات القانونية حتى في الدول التي تدعى انها متقدمة لديها الكثير من الامور الخطأ، الفساد والرشاوي والإستغلال والإحتكارات الشائنة التي تدور في الخفاء والسر بأوضاع اخرى حيث لا مسئول بالغرب يستطيع الوصول للقمة وكرسى الرئاسة إلا عن طريق التبرعات، يحتاج إلى ميزانية كبيرة وقت الترشيح والإنتخابات للإعلام واللقاءات والإجتماعات المكثفة لحث الجماهير على التعريف بالنفس والمساندة وبالتالي بطرق خفية يقع في المحضور بحكم العادة والقانون وعند نجاحه لا يستطيع رفض اي موضوع للمانحين المتبرعين الكبار لتمرير مصالحهم من أن لا تتعطل، نظير الإعتراف بالجميل والدعم له وقت الحاجة....

                  هكذا الحياة أخذ وعطاء، بيع وشراء وإبتزاز وقهر وضغط في صور عديدة، لم تتوقف بالماضي ولن بالحاضر ولا بالمستقبل مهما شرعت الحكومات من قوانين صارمة تحد من قيامها ومد أذرعتها مثل الأخطبوط الذي يخنق الضحايا في قاع البحر، ستظل السوق السوداء قائمة نظير الحاجة والنقص تعمل في السر والخفاء والعلن، فذكاء ونبوغ أسيادها أعلى مستوى وفهم من أي مشرع أستاذ عالم علامة كان!  حيث في أي قانون مهما كان وضعه سليما وعادلا به فتحات وفجوات عديدة ينفذون منها بصور شيطانية عجيبة  يعجز الشيطان الرجيم عنها...

                     المسألة مسألة ضمير وعفاف بالنفس لدى الانسان من أن لا يخطأ ويسقط في مستنقع الوحل، مخاضة الرمال المتحركة ويغوص ولا يستطيع الخروج حيث مال الحرام تسرب في العروق والشرايين... لا خلاص وبالأخص عندما يزداد الإحتياج لدى البعض وتصبح جميع الطرق مسدودة  ومقفلة في وجوههم وهم يشاهدون البعض الآخر من  المسؤولين وغيرهم من جميع الشرائح والأطياف، أمورهم تتقدم برزق الحرام ويزدادون ثراءا وغنى بقوة المال، مما يتعطل ويفسد الضمير لدى ذوي النفوس الشرهة للمال الحرام والمراكز، ويأخذ إجازة طويلة ليس بعدها من استفاقة  ولا نهاية، مهما كان الوعظ والنهي بعدم التورط...  وهذا الامر مصيبة كبيرة من مصائب الزمن وسبب قاتل يؤدي إلى دمار الشعوب وتفسخ الحضارات، حسب المقولة الشعبية  (الجوع كافر)... يجعل الإنسان المحتاج المضطر يقوم بكثير من المساوئ وبالأخص سرقة أموال الدولة ، الأموال العامة ،  حيث الكثيرون في ليبيا تاهوا عن طريق الحق ، أقنعوا أنفسهم الأمارة بالسوء اللوامة أنها رزق حلال طالما يشاهدونها في الضياع والهدر للآخرين في أوجه الشر والارهاب بدون أي وجه حق كان !  وهم في أشد الحاجة لها محتاجين، تتوفر لديهم القناعة ويؤمنون أنها من حقهم الحصول عليها بأي ثمن وطريقة كانت ولو كانت غير شرعية وضد القانون...

                      أليست بمصيبة ان يهبط المستوى إلى هذا الحد المؤسف والدولة غنية من الدخل الكبير من تصدير النفط والغاز ومشتقاته العديدة مقارنة بعدد السكان وبإمكانها عمل الكثير لسعادة مواطنيها وتمنع الكثير من المتاهات والسرقات والتزوير بالعمل الصادق والإرشاد والشرح المستفيض لأبناء الشعب ان الاموال العامة أموال الجميع ...  وأن يتم الصرف السليم بالحق والمراجعة ضمن الأصول وليس لجهة وفئة  خاصة دون أخرى، بل تركت الحبل على الغارب مما ضاع الكثيرون في غير طاعة الله تعالى  ، والنتيجة النهائية والمحصلة هذه الآلام والقتال والخطف. وفرض الأتاوات المجحفة علي ضعاف النفوس وغيرها العشرات من جميع اعمال الشر والدم والقتل لم تأتى من فراغ حيث الله عز وجل غاضبا علينا لأننا تركنا الطريق المستقيم، طريق الحق والصواب مما حلت علينا اللعنة الإلاهية بأن نقدم وندفع الثمن غاليا في كثرة المحن والمعاناة، عسى الضمير الميت أن تدب فيه الحياة يوما ويفيق من السبات والنوم ويرجع إلى الصفاء، مثل السابق كالأجداد والآباء، وننال الرحمة والغفران...

                           لا أريد كثرة الحديث عن السوق السوداء حيث متشعبة إلي عشرات ومئات المواضيع وصعب الإحصاء والعد لها، ولكن للعبر والتذكير سوف أتناول موضوعا واحدا لتوضيح بعض المعاناة والمرارة للمواطن البسيط وعلى رأسها التعامل بالنقد الأجنبي، فى ثلاثة عهود، العهد الملكي الزاهر، والعهد الجماهيرى الفاسد، وعهد ثورة 17 فبراير الفوضى والتناحر على السلطة والنهب والتي تم النصر فيها منذ خمسة سنوات مرت، شاكرا وحامدا الله تعالى على طول العمر حيث عشت الثلاثة العهود كشاهد عيان حيا أرزق .... على سبيل المثال في العهد الملكي الباسم كان التسمية للعملة الورقية الليبية الجنيه أيام الإستقلال ثم تغير و أصبح الدينار، وكان وقتها النقد الأجنبي ومنها الدولار متوفرا في المصارف للتحويل الرسمي ضمن قوانين وحدود وموافقات مصرف ليبيا المركزي مهما كانت المبالغ المالية للإستيراد ضمن فتح الإعتمادات المستندية والتحويل ضد المستندات و للعلاج والدراسة للمواطن رسميا عن طريق المصارف بسهولة ....

                       مع أن الدولة كانت وقتها فقيرة قبل الإكتشاف للنفط والغاز، معظمها صحراء قاحلة لا وجود لحياة، ولا دخل غير العيش على الدخل البسيط من الرسوم الجمركية فى تصدير بعض الأشياء من اللحوم والحبوب  وبعض المواد الأخرى، والإعانات من منظمة الأمم المتحدة وتأجير القواعد العسكرية في طرابلس وطبرق للحلفاء لتغطية الميزانيات العامة سنويا و يتم الصرف والتعامل ضمن الأصول ولا أحدا من أفراد الشعب مهما كان غنيا بمقاييس ذلك الوقت، مر فى خياله حتى مرور الكرام أن يكون له حسابات بالخارج حيث القناعة والثقة العمياء فى العهد الملكي متوفرة ، وكان الدينار قويا في السوق العالمية له تغطية بالذهب دولية بحيث يساوى ثلاثة دولارات وثلث ، ويستطيع المواطن الحصول وشراؤه من المصارف بالطرق القانونية بسهولة من غير تعب.

                         إلا البعض الأذكياء الذين إستفادوا ، سعيدي الحظ ذوي المعرفة والإطلاع والدرس للوضع العام مسبقا مما أخذوا عبرا من أحداث التأميم في دولة مصر في منتصف الخمسينات من القرن العشرين الماضي، وقاموا بفتح الحسابات الخارجية وشراء العقارات في دول عديدة أجنبية مما مع طول الوقت تضاعفت القيمة عدة مرات، ولم يطالهم الزحف والتأميم عام 1978 م....

                         بعد قيام ثورة الفاتح وحدوث الأخطاء القاتلة والنهب والزحف والتأميم لأرزاق وأملاك التجار ورجال الاعمال بالقوة وبالغصب ، من العوام الغوغائيين الجهلة تقدمت وتوسعت السوق السوداء خطوات للأمام على مستوى كبير من الإحتكارات والاستغلال وفى فترة السنوات العجاف من حكم الجماهير هبط سعر الدينار تدريجيا ووصلت قيمة الدولار الى ثلاثة دينارات وفى إرتفاع مع أن المعاملة للمواطن فى المصرف رسميا بأقل بكثير ولكن غير متوفرا للجميع حيث الأيادى الشريرة من بعض المسؤولين وموظفي المصارف أصبحوا تجار ورجال أعمال بالغش والبهتان تحول وتمنع تدفق الدولار ليد المواطنين رسميا بسهولة من غير عقبات ويباع في السوق السوداء للأسف بعلم الدولة ومنها...   حيث يقال في الأوساط  أنها تدفع الرواتب المحلية وغيرها من فروق البيع والشراء للدولار ، والتحصيل للرسوم حيث أصبحت الدولة هي التاجر ورجل الأعمال، الحكم والخصم في نفس الوقت بدون منافسة شريفة حرة في السوق، مما الدينار هبطت قيمته أمام العملات الأخرى الأجنبية بسرعة وكل يوم كان يضعف حتي وصل للحضيض ، للأسف في دولة غنية ذات ثراء فاحش مثل ليبيا...

                       الإحتكارات والإستغلال ضمن قوانين الفوضى الآرتجالية بعد الزحف والتأمين من جميع الجهات من مسئولين الدولة حيث لا عمل خاص حرا مهما كان في السوق والساحة حتى وإن كان صغيرا بعرق الجبين بدون قيود، طالته يد التأميم، الجميع أصبحوا موظفين يعملون برواتب زهيدة، في القطاع العام الإشتراكي مما عم الفساد والإفساد و ظهرت طبقة ثرية ثراءا فاحشا من العائلة والمحاسيب والرفاق وتجار ورجال أعمال الغفلة المحظوظين وأصبحوا من أصحاب الملايين والبلايين نقدا فى المصارف الخارجية وأصول عقارات وإستثمارات كبيرة بالعالم، وبدلا من صرف كميات الاموال الخيالية من الدخل لصالح الشعب، كانت تصرف في الإرهاب وتكديس السلاح والفواحش على جميع المستويات.

                       وأبسط مثال علي التدهور للحضيض أمورا كثيرة توارت وغابت في خضم الفوضى، لا إستقرار ولا حرية الرأي والفكر دائماً المواطن فى خوف ورعب من زوار الليل والنهار من أشباه رجال اللجان الثورية والأمن للإستجواب بدون تهم أكيدة غير إشعار الضحايا بين الحين والآخر أنهم موجودين عيون ساهرة لأي أي موضوع يمس النظام، ولا مستشفيات للعلاج جيدة والمريض من أبسط الامراض والعلل يضطر للسفر للخارج للمداواة ، ولا تعليم عالى منظم من غير أطروحات وتعاليم الكتاب الأخضر التافه في محتوياته في التدريس للنشأ من الصغر الي الجامعات وسعيد الحظ الذي من غير معرفة ولا واسطة قوية أتيحت له الفرص وتحصل على إيفاد للخارج على حساب التعليم العالي من الدولة حيث محتكرا علي فئات معينة جهوية، حتي يستطيع أن يكمل تعليمه فى الدراسات المتقدمة ( ماجستير ودكتوراه ) مهما كان متفوقا وله درجات عالية وتقدير من معاهد وجامعات الوطن، أليس الأمر بمأساة ؟؟؟

                        ثورة 17 فبراير بدلا من أن نتقدم رجعنا للوراء والخلف عشرات ومئات الخطوات من كثرة النهب والتسيب والهدر للمال العام بالسرقات الضخمة والذي كان مجنبا في عشرات ومئات الحسابات بالداخل والخارج في دول عديدة بالمليارات، والمسجل تحت أسماء الأعوان الثقات خوفا من الحجز الدولي للمال العام كما حدث في العديد من الحالات وقت المقاطعة في قضية سقوط الطائرة ( لوكربي ) والتي تم الإتهام للنظام الليبى بالفعل الشائن وضياع الأرواح مما ضاعت الأرصدة المالية هباءا في تسمين حسابات البعض وهبطت قيمة الدينار نظير الحاجة، ووصل الدولار فى وقتنا الحاضر إلى أعلى المستويات للأسف و بلغت قيمته  خمسة دينارات !

                                      والتساؤلات للنفس خلال هذه العهود الثلاثة من دفع. الثمن الغالى نظير سوء الإدارة والإحتكار والإستغلال فى أبشع الصور والغلاء للمواد والسلع الحياتية ونقص الوقود في المحطات والوطن ينتج ويصدر في النفط بكميات كبيرة ،، غير المواطن البرئ ، فالقطط السمان زادت ثراءا وغنى والشريف المواطن العادي مازال يدور فى نفس الحلقات الفارغة يحاول العيش والنجاة بشرف وعفاف ،، والقصة مستمرة بين مد وجزر وغير معروف متى تستقر الأوضاع وتنتهي السوق السوداء للنقد الأجنبي من العملات وتصبح متوفرة فى المصارف بسعر مناسب للشراء...

                           حيث الصورة العامة الآن في وقتنا الحاضر قاتمة غير واضحة حتى يستطيع المواطن البسيط الفقير المؤمن بالهداية والإيمان التخطيط السليم والعيش الكريم ضمن الكرامة والعفاف والشرف بدون خوف ورعب من السقوط فى الرذيلة والحرام ،، نظير الاحتياج ويضيع دنيا وآخرة ... والله الموفق...

 رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment