Saturday, September 3, 2011

قصصنا المنسية 10

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الصراع السياسي 

              قدمت عائلة الشريف أفدح التضحيات وقتها نتيجة غضب الملك عليها والدس والوشايات وتزوير الحقائق من أعوان ومنافقي آل الشلحي المستشارين بالتأكيد له ان إغتيال الضحية كان مدبرا من كبار عائلة الشريف وليس عملية فردية قام بها القاتل ويتحمل نتائجها شخصيا.... وبناء عليه تم سحب وإزالة الحصانة الملكية عن الجميع والإقالة الجماعية من الوظائف الرئيسية بالدولة من مدنية وعسكرية والإبعاد والنفي مع العائلات إلى العقيلة ومرادة والواحات والحصر كمعتقلين في البيوت وعدم الخروج والاختلاط مع الآخرين من ابناء الشعب والمنع بالتنقل والسفر من مكان إلى آخر بدون  إذن من السلطات المحلية ، مما كانت نكسة ومصائب حلت بعائلة آل الشريف السنوسية وأصبح الجرح عميقا بين الإخوة وأولاد العم القريبين من نفس الدم يرجعون إلى جد واحد ، لن يلتئم بسرعة ، وعجل بإنتهاء المملكة ، وقدوم القذافي إلى سدة الحكم والإستيلاء على الوطن بسهولة .
                 كان خطئا كبيرا إرتكبه الملك إدريس مع أنه كان ذكيا وداهية بإبعاد عائلته التي لها هالة قدسية دينية خاصة لمساندته والظهور يدا واحدة متضامنين... كانت لهم الهيبة والإحترام لدى الرأي العام... ولا يستغل المنافقين في القصر والحكومة غضب الملك لمآربهم الخاصة للضغط والتشفي والقهر للعائلات المنكوبة من جميع الأقارب والأصهار والأصدقاء الذين يمتون للمغضوب عليهم بصلات، بحيث أصبح الملك وحيدا أسيرا في قصره لعائلة الشلحي غطاءا ، ووراء الستار يحكمون المملكة فعليا بإسمه.
               وزاد القهر والأخطاء القاتلة إستدعاء الأبن الأكبر للمرحوم إبراهيم ، الطالب البوصيري الشلحي من لندن والمتزوج إنجليزية وقلده منصبا كبيرا بالديوان الملكي خلفا لوالده المغدور به (وكان ممنوعا تقلد مناصب رفيعة قيادية بالدولة للمتزوجين بأجنبيات غير ليبيات الاصل) ولكن تنفيذا لرغبة الملك تم التجاوز ، وبدأ السوس ينخر في جسم المملكة وأصبح آل الشلحي الحكام الفعليين من وراء الستار للوطن العملاء لبريطانيا في السر وكانت نقمة ومأساة على الوطن والشعب الليبي منذ ذاك الوقت في الخمسينات من القرن العشرين الماضي ونحن الوطنيين المظلومين ندفع الثمن الغالي ونقدم الضحايا والتأخر والتقهقر إلى الوراء حتى الآن .
                 لقد ساعد على قيام الإنقلاب سنة 1969م الأطماع الخارجية الدولية في الثروة وطرد المد الناصري والشيوعي عن شمال افريقيا ، وزهد الملك نظير الفتن والمصائب والدس في القصر والتنازل عن العرش لولي العهد ضمن ترتيبات خاصة سرية بحيث يتم التتويج سلميا في الاسبوع الاول من شهر سبتمبر 1969 م وجميع الضباط الكبار بالجيش والمسؤولين ذوي القرار على علم بطريقة أو أخرى بالتغيير السياسي الذي سوف يحدث في المملكة.
                إستغلت القوى الخفية الدولية الماسونية وخططت ودعمت عميلها القذافي البديل للقفز بسرعة وخداع الجميع مستغلا الجيش والوصول للسلطة قبل الوقت المحدد بفترة أيام مما نجح الانقلاب في الساعات الاولى من قيامه والاعلان عنه في الراديو عبر الاذاعات العديدة والقناة المرئية الليبية التي مازالت حديثة وتبث الإرسال عدة ساعات كل يوم ، بدون أي نوع من أنواع المقاومة ، وتم القبض والسجن للجميع خلال ساعات وهم نائمين وعلى رأسهم ولي العهد الذي تحت ضغط الانقلابيين والتهديد بالقتل تنازل عن العرش طواعية وشاهدته شخصيا في القناة المرئية صورة وصوتا وقتها،  مما كانت صدمة كبيرة لجميع مؤيدي الملكية التنازل بسهولة بدون أية مقاومة تذكر!
                وصل الملازم القذافي لقمة الهرم والسلطة صغير السن، في السابعة والعشرين من العمر، نظير الخداع والمفاجأة للشعب الذي يريد ويحب التغيير والجاهز نفسيا ومعنويا من خلال خطب الرئيس عبدالناصر اللاهبة ضد المستعمرين بريطانيا وأمريكا على الوجود والقواعد العسكرية في ليبيا ضمن المعاهدات ، ومستغلا المؤامرات والدسائس في القصر بين العائلات ، والفراغ السياسي وعدم وجود أحزاب وكتل وكيانات سياسية تقود الوطن للأصلح والتي ألغيت بمراسيم ملكية بناءا على نصائح المستشارين البريطانيين بدايات استقلال ليبيا . وبالأخص عندما تفجرت ثروة النفط الخيالية ، وأصبحت ليبيا بين ليلة وضحاها من فقر مدقع  تحتاج للمعونات إلى أغنى دولة في شمال أفريقيا، يتهافت عليها الجميع .
             كانت المؤامرات والمغامرات في القصر تحاك في سرية تامة ولا تكاد تظهر لأبناء الشعب أخبارها الا القليل من الحديث أثناء لحظات النشوة من بعض المسؤولين وأصحاب القرار في الحكومة والذي تحصلت على الكثير من المعلومات المفيدة أثناء أقامتي لعدة شهور في القاهرة بمصر في معية ورفقة بعض رجال العهد السابق المسؤولين عام 1980م اللاجئين المقيمين والمهاجرين فى مصر وبعض الدول الآخرى من خلال المعرفة والصداقات والاجتماعات العديدة للمعارضة ضد النظام .
             كان البريطانيين وبعلم ومباركة الملك ادريس يعدون  البوصيري الشلحي عميد الأسرة بأن يكون الحاكم الفعلي لليبيا ،  وبعقلية ذاك الوقت البالية في الوحدة والمناصرة بين العائلات اللإلتحام بعلاقات الدم بالمصاهرة والزواج،  وتم طلب يد كريمة والي برقة السيد حسين مازق للزواج من عمر الشلحى أحد أخوة البوصيرى النافذ بالقصر والديوان ، لضمان تأييد ومساندة عائلة الشلحي من قبل قبيلة البراعصة التي لها الحظوة عند الملك ضمن علاقات خاصة روحية مع عميد الأسرة السنوسية الشيخ محمد بن علي السنوسي عند مروره  بليبيا قادما من الجزائر ذاهبا إلى الحج ، حيث آل الشلحي أصولهم جزائرية   ولم يكن لهم جذورا قبلية ولا عائلية في ليبيا ، وتم طلب الزواج من قبل الملك أدريس، والذي لم يستطيع الوالي وقتها الرفض لطلب الملك وهو يعلم أن الزواج غير عادل ووافق نظير إعتبارات سياسية واحتراما لطلب الملك.
               في ذلك الوقت كانت النعرة القبلية في قمتها بالمنطقة الشرقية وبالأخص أهل البادية الذين يؤمنون بالتلاحم والمناصرة برباط الدم والمصاهرة، متناسين ناسين أن هذه الأمور مع الزمن والتقدم والعلم وزيادة عدد السكان بدأت تتلاشى وأن القبائل في إضمحلال مع الوقت بحيث مستقبلا تصبح عبارة عن روابط أجتماعية وليست وحدات وكيانات سياسية لها التأثير في صنع القرار .
             وقام الملك بخطبة يد كريمة السيد الطاهر باكير القرمانلي، والي طرابلس في ذلك الوقت، كزوجة لولي العهد الحسن الرضا، ترضية لكي  يضمن ولاء الطرابلسيين كما كان يعتقد ويخطط رجال القصر بأن ملكة ليبيا المستقبل من الغرب، وهو أمر  لم يحدث نظير الإنقلاب وزوال الملكية من خريطة الوطن .
              المشكلة أن الدولة فى ذلك الوقت كانت تدار بالعقليات التى عفى عليها الزمن ولا تتماشى مع العصر والتقدم وحسب ما سمعت كثيرا أيام الشباب في العهد الملكي من أشخاص موثوق بهم معظمهم في ذمة الله تعالى (رحمهم الله تعالى) عندما تأتي للملك أي شكوى من أحد شيوخ القبائل أو المسؤولين الصادقين الوطنيين عما يدور بالمملكة من تجاوزات وأخطاءا فادحة للمتابعة قبل أن تسبب الأضرار بالمستقبل للوطن، وتصل إلى أسماع حلقة رجال القصر، بطريقة أو بأخرى، يتم الإبعاد والحصار له في السر من أياد الشر الخفية ، وجميع المصالح تتعطل حتى ينتهى مقدم الشكوى والنصح في صمت نظير الإبعاد المتعمد .
               الملك إدريس كان أسيرا ورهينا ضمن حلقات وجواسيس وعيون آل الشلحي والبريطانيين في القصر والإدارات وأوساط الجماهير ، ولا يستطيع عمل أي شىء فعليا ضدهم مع أنه داهية ليس سهلا كما يعتقد الجميع ، ولكن مسالما ليس بشرس ، لا يحب العنف والدم، ويقال أن التأثير الكبير والغريب والذي يشاع في الاوساط الشعبية في همس نتيجة أسرارا او قوى باطنية سحرية خاصة لها تأثيرا كبيرا عليه منذ بقاء أبراهيم الشلحي في خدمته المدة الطويلة والمتابع لجميع ما يحدث وحدث من أسرار وخفايا حتى يوم إغتياله ووفاته، والعالم بالأمور الله عز وجل ...  والله الموفق .

                 رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment