Sunday, August 14, 2016

جاهلية القرن 21

بسم الله الرحمن الرحيم


   

                            رحم الله تعالى الداعية الإسلامي سيد قطب بواسع الرحمة والمغفرة الذي تحدى الطاغوت والحكم الظالم في مصر أثناء الخمسينات والستينات من القرن العشرين الماضي الذي كان وقتها تديره قوى خفية من وراء الستار بسرية من بعض المسؤولين الكبار بإسم الدولة للبقاء في مناصبهم على حساب أرواح ودم الأبرياء، وفي كثير من الأحيان الرئيس الحاكم لا علم له بما يحدث من جرائم شنيعة في حق الآخرين بإسم المصلحة العليا والحفاظ على الأمن للدولة، ضمن قصص محبوكة بدهاء وهي هراء لا أساس لها من الصحة غير نشر الخوف والرعب لدى أبناء الشعب البسطاء المغررين بالخطابات الحماسية بالساعات وذر الرماد في العيون الحائرة الجاهلة من الجماهير المتعطشة للمعرفة حتى تستكين وتركع ولا تهتم بما يحدث من فساد وإفساد، ولا تتساءل عن الجرائم في حق الانسانية بدون وجه حق كان... ولا تتم المحاسبة والعقاب القاسي لمرتكبيها من الرؤوس الكبيرة في الدولة، حتى يصبحون عبرة للآخرين بأن لا يتمادوا في الشر !!!!!

                   كتب العديد من الكتب والمقالات بصراحة عن الحق والهداية شارحا البعض من الحقائق المرة مابين السطور لمن يدرس بتأني ويفهم عن التزييف والتدجيل والجعجعة في الإعلام متحدين الغرب وهم مازالوا بأول الطريق ضعفاء ليست لديهم القوة للصدام غير الكلام والهتافات والتراهات، وعندما جد الجد تمت الهزيمة والنكبة النكراء وضياع عمل سنوات عديدة ودماء الجنود الأبرياء في ساحات القتال في خمسة ساعات فقط للأسف الشديد، ناسين أنهم محتاجين لكل صديق يمد يد العون حتى يستطيعون تجاوز المراحل الصعبة من مشاكل حدثت وحصار طويل لم يتوقف، وأصبحت مصر الغنية بمواردها وعرق وصبر أبنائها أيام عهد الملكية فقيرة تمد اليد لكل من هب ودب، وشعبها جرب وعاش المر صابرا لم يضعف ويستكين، حبه وولاؤه لمصر فاق الحدود...  حدثت الكثير من الأمور في السر والخفاء وأفعال شريرة في الأمة العربية الإسلامية نظير الجهل والغرور وعدم الرؤيا الواضحة من عقليات حكام مستبدين بالرأي لا يتيحون الفرص لأهل الرأي والضبط والربط الوطنيين الصادقين في العمل والشورى للمصلحة العامة التي تهم حياة وعيش المواطنين، مما أضرت بالجميع في عصر القرن العشرين من الجاهلية التي كانت ضاربة أطنابها على أنفسنا تحت مسميات عديدة مستغلة العواطف الحارة الجياشة للإتحاد والوحدة العربية مع بعض.

                        نصح سيد قطب بالتوقف عن الهراء والرياء والتدجيل والتمثيل على الشعوب والتزييف والرجوع إلى طريق الحق والنور بالهداية والإيمان وتحصيل العلم ، حتى شعوبنا العديدة الإسلامية العربية تخرج من نطاق الجهل والتخلف الفكري الذي وصل بها إلى الحضيض بدلا من أن تسمو وتتحضر وتتطور مع الوقت وتتجدد في الكثير من المفاهيم  المهمة العصرية وتتقدم إلى الأمام، ولديها جميع المؤهلات نعما وخيرات من الله تعالى بلا إحصاء ولا عدد، ويصبح لها الشأن الكبير وسط الأمم بالعلم والتطور الصحيح في العديد من كتبه ومقالاته الخالدة التى تمت كتابتها بصدق وضمير شارحة وضعنا المؤسف العربي الإسلامي وكم كل يوم يمر من الزمن نظير حكم الطغاة نتقهقر فيه للوراء سنوات بدل من أن نتقدم للأمام خطوات...

                  وضع بعض اللمسات الروحية والنقاط العملية فيها للتطبيق الصحيح للأمة الاسلامية العربية وكان من أبرز كتبه ومؤلفاته (في ظلال القرآن، ومعالم في الطريق) في عصر جاهلية القرن العشرين، مما تم له الإتهام بالتحريض ضد أمن الدولة والوضع السياسي فيها من كلاب الشر ، وشكلت محاكم صورية لأمثاله للإنتقام وإزالتهم من الطريق حتى لا يصبحون حجر عثرة أمامهم، و حكم عليه مع غيره من الوطنيين الأحرار بالإعدام شنقا في السجن وهو أسير، نظير آرائه ومعتقداته الفكرية التي من حق أي إنسان مهما كان وضعه في المجتمع، كبير الشأن أم صغيرا من عامة الشعب حرية الفكر والرأي والأخذ والعطاء بالمنطق مع الآخرين ضمن السلام والأمن والأمان وبالأخص من داعية عربي إسلامي علامة مثله فذ قلما يجود التاريخ بأمثاله، وضاع إسمه وتاريخه المشرف في زوايا النسيان وطمس مع مرور الوقت ولم يذكر إلا في بعض الأحيان في احاديث عابرة تمر مرور الكرام ولا من مهتم ولا من يتساءل الآن من الأجيال الجديدة، من هذا الرجل العظيم (رحمه الله تعالى) حتى نتخذ البعض من رؤياه قدوة  في المستقبل في المواضيع المهمة المصيرية، و لا تتكرر الأخطاء...

                     أننا نكرر نفس المأساة، لم نفهم ولم نتعلم من الدروس والمحن السابقة والأخطاء التي أرتكبت في حق ذوي الفكر والعلماء من جميع الفئات، من أولات أمورنا الطغاة مما زاد الجهل وتأخرنا نظير العصبية والجهوية ومازلنا نعاني إلى الآن نتيجة الأوهام والأحكام الخطأ التي نفذت من بعض النفوس على قهر العلماء من البحث المفيد، والإستفادة منهم، بجهالة الضاربة أطنابها على العقول والذات والتي معظم أولات أمورنا مرضى بالبقاء في المراكز يجرون وراء حب الدنيا من جاه ومال ومناصب ناسين الخالق الله تعالى،  يتبعون  خطوات الشيطان الرجيم عدونا الأول منذ الأزل وإلى إنتهاء الأجل.

                     الطغاة ناسين ومتناسين الآخرة وأنه مهما طال الزمن لهم نهاية وموت وحساب وعقاب لكل من قام بذرة ضرر لأخيه الانسان من البشر الأبرياء المواطنين بدون حق ولا عدل إلى ماشاء الله تعالى من وقت في علم الغيب الذي لا يعرفه أي أحد غيره عز وجل ....

                     ليبيا كبيرة  في المساحة و قليلة  في عدد السكان ذات الغنى والثراء الكبير والجهل والخلط بين الأوراق والأمور السليمة مع الرديئة والحق مع الباطل والغث مع السمين والعيش في الفساد والإفساد، تعيش الآن مفككة  مهزوز  تتقاذفها العواصف والرياح في بحر هائج متلاطم الأمواج لم تصل بعد لمرفأ الأمان، نظير التناحر بين أدعياء الزعامات والخوف الكبير أن تتجزأ إلى دويلات قزمية شرق وغرب ووسط وجنوب حسب مخططات من قوى خفية عالمية مستغلة العواطف المحلية من بعض الأطراف نظير الجهل والمؤمرات الجهوية مثل ماحدث في دولة السودان في عصر الجاهلية القرن الواحد والعشرون، الذي المفروض أن يكون عصر العولمة و عصر التلاحم والوحدة بين الشعوب والتقدم في المواصلات والإتصالات والكثير من الأشياء لخدمة الإنسان حتى يعيش في رفاهية وسعادة ضمن الديمقراطية الحقة في الحكم والتنفيذ ، وليس التباغض والفراق بين الأخ وأخيه والانفصال الذي ضرره مع المستقبل أكبر من فوائده لجميع الأطراف...  

                     ناسين ومتناسين أننا بدون تلاحم وتعاون ووحدة نصبح مجزئين لا خير فينا ولا نستطيع الصمود، ونصبح تابعين إلى أية جهة قوية إذا أردنا الحياة ، ويلعننا التاريخ والأجيال القادمة أننا ضيعنا الوطن الغالي نظير حب النفس والذات والمصالح الشخصية، وللأسف كعرب ليبيين رجعنا وتقهقرنا للوراء إلى  جاهلية قريش منذ حوالي اربعة عشرة قرنا مضت، نعيش في الأمجاد والفخر والطمع والإعتماد على الدولة في مد اليد وقبض المرتبات وإستغلال رخص السلع التموينية الآساسية والوقود والكثير من الأشياء وأهمها الأمن والأمان وبعض الفئات المسؤولة مستغلة سلطاتها في النهب بدون حق من خزينة المجتمع، ولا عمل وكد وتطور للأحسن، ندور في حلقات بدون أبواب للخروج والنجاة نظير الأفكار والأوهام والجهوية وحب النفوس لنفسها وذاتها والحقد والحسد على الآخرين بدون الرجوع للحق وإصلاح النفوس ضمن الولاء والإيمان والهداية بالله تعالى والوطن  بصدق للمصلحة العامة، نابعة من القلوب والضمير الذي مازال يغط في السبات لم يستيقظ بعد وينهض بالأمة... 

                         بدون وحدة وتلاحم وعمل جاد ضمن العلم ومخططات ودراسات وتضحيات بالروح والدم من أجل الجميع، لن نوفق ولن ننجح، إلا بالمصالحة العامة والتفاهم والمحبة مع جميع الطوائف والشرائح حيث لدينا المنهاج الحقيقي القرآن الكريم الصالح لكل زمان ومكان بالتطبيق بعقول واعية نيرة ضمن دستور وقوانين عادلة مستمده من روحه النورانية المشعة بالضياء بمفاهيم العصر الحديث بالعدل والشورى وإنتخاب ولي الأمر الصالح عن طريق صناديق الإقتراع كما يحدث في الدول المتقدمة، ونتطور ضمن السلام والأمن والأمان وحسن الجوار مع الجميع بدون أية تفرقة مهما كانت لدين ومعتقد، حتى ننهض ونتقدم ...

                        إنه يؤسفني أن أعيش في وطني الثاني بعيدا عن وطني ليبيا كجسد، أما الروح فهي هائمة فيه طوال الوقت غير قادرا مهما فعلت على النسيان حيث جذوري منها خرجت ونبتت وترعرعت، ملاحظا العديد من الفروقات التي تتجدد مع الوقت والتطور العلمي الرهيب عن مفاهيمنا العربية الحاضرة والذي نحن مازلنا لم نتطور ونسمو ونتحضر بعد، وغير قادرا على عمل أي شئ للتغيير في وطننا الأول نظير تقدم السن والأمراض، وطننا الذي بحاجة ماسة للخبرات والدعم الفكري من كل مواطن قضى مدة بالغربة، تعلم ذو ثقافة وعقل واعي أفاقه واسعة لخدمة الجميع للتطور والتقدم إسوة بالآخرين حتى نتقدم ونصبح في الصفوف الأولى...

                     للأسف لا عقول واعية تفهم الواقع المرير بالوطن الآن من المسؤولين، حيث هم في صراع وتناحر على السلطة والمناصب، والوطنيين الصادقين ذوي العقل السليم والقادرين على عمل العجائب في النهوض، مهمشين باخر الطابور غير قادرين على الانطلاق نظير الموانع والسدود من فئات لا تقدر ولا تحترم أصحاب الأفكار الصالحين الصادقين من زعماء ذوي نفوس مريضة حبها لذاتها وليس للمصلحة العامة وحان عزلها عن الساحة العملية بأي ثمن كان مهما كانت التضحيات جسيمة، حتى تتوقف عن الضرر الكبير للجميع من نشرها الفساد و الإفساد في بيئة خصبة جاهلة مخدرة تعيش في الأمجاد السابقة بدون توقف ولا نهاية، ولا تطور وإستقامة حتى ننهض من الكبوة الحاضرة المفتعلة بقصد مبيت، ونضع المعالم الأساسية لأجيالنا القادمة...

                   العقول الواعية هاجرت إلى أوطان الآخرين في أرض الله تعالى الواسعة من الظلم والقهر وتركت الوطن رغما  عنها بدون إرادة نظير النجاة والشعور بالأمن والأمان والطموح وحب الحياة في رغد العيش بالجهد والعرق وتشعر أن لها كيانا وإحتراما للذات نظير الحصول على فرص البقاء والتقدم ، مهما تمت من تضحيات ، حيث الأرض للجميع وتسع الجميع والدين لله تعالى الذي وضع الموازين بالحق، لا تفوت منه ذرة مهما صغرت من خير أو شر في علم الغيب إلا يحاسب عليها بالحسنات والمكافئات الجزيلة او الحساب والعقاب الإلاهي إلى مايشاء من وقت.

               سبحانك رب العالمين تعز من تشاء وتذل من تشاء، طالبين و داعينا من القلوب بصدق بدون نفاق ولا خداع، أن ترحمنا وتغفر لنا وتزيل اللعنات من على أكتافنا والغشاوة عن أبصارنا، ونمضي في طريق الحق و الصواب ونتبعه بإستقامة، آملين في العفو والمغفرة والرضاء عنا ونصبح من الفائزين حيث الطريق الصحيحة للرقي والسمو إلى الآن لم نصلها بعد... مازلنا نتعثر نظير الصراع والتناحر بغباء عن جهل... والمفروض أن لا نخدع أنفسنا وننافق بعضنا البعض ونعيش في الأوهام والأحلام والهرج والمرج...

             مازالت الطريق طويلة والكثير من النفوس مازالت خبيثة في صراع أبدي بين الخير والشر تحتاج إلى وقت لا نعرف متى نهايته، حتى تشاهد الحقيقة المرة وتستقيم، آملين أن يكون الخلاص قريبا عن جاهلية القرن العشرين ونتعلم الدروس ونأخذ عبرا من الماضي و نصبح افضل بكثير في  القرن  الواحد والعشرين، بالهداية والعلم والنور والعمل بضمير والولاء لله تعالى والوطن، الذي نحن في بداياته من عدة سنين، حتى نفوز دنيا وآخرة... والله الموفق...

رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment