بسم الله الرحمن الرحيم
الحنين للوطن
( 1 )
سبحانك رب العالمين مهما وصلنا من علم ومعرفة ودراية بكثير من الامور، لا نفقه الا القليل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" صدق الله العظيم)، لأننا مخلوقين بشر من ضمن عبادك البلايين من الأحياء والأموات، من نسل سيدنا آدم وأمنا حواء والذي لا يعرف أي انسان مهما كان ووصل لقمة العلوم والمعرفة، الغيب وكم العدد من يوم الخلق و إلى إنتهاء الأجل ومتى توقيت حلول يوم القيامة، للحساب والجزاء
في أواخر السبعينات من القرن العشرين الماضي أيام الشباب والدم الساخن بالعروق، تم الزحف والتأمين علي العقارات والمؤسسة للتجارة والمقاولات وجميع الأصول التي كنت أملكها، في 22 من شهر سبتمبر 1978م ، ووفاة الوالدة بالمساء نتيجة الصدمة الكبيرة بالإستيلاء والسرقات للأرزاق بجرة قلم من الطاغية مما ضاع كل شئ بسهولة ، فقدت أعز شيئين لي في الحياة الأم الحنون والمال في توقيت واحد، ومن ثراء وغنى بعدها بفترة شهور عجزت عن الكثير من الأمور وتقديم رغيف الخبز لأولادي ووضعه على المائدة والذى كنت قبلها من الأغنياء !
وإضطررت رغما عني بناءا على نصيحة أحد الأصدقاء الثقات للهرب من وطني لإنقاذ نفسي من براثن وقبضة اللجان الثورية والشعبية الغوغائية التي كانت تطالب بالتحقيق معي وإسمي كان ضمن اللائحة الطويلة مثل غيري من التجار ورجال الأعمال البؤساء سيئ الحظ الذين تم القبض عليهم وتم إيداعهم بالسجون يعانون الإتهامات والعذاب و الضرب بالسياط كما حدث مع الكثيرين من رفاقي. ومن حسن حظي و رضاة الله و الوالدين لم يصلني الدور بعد للقبض والتحقيق معي على كثير من الأكاذيب والتهم الملفقة، للنيل مني والتهمة الرئيسية أنني صاحب أموال وثراء، حسب إدعاءاتهم يريدون معرفة كيف حققت الثراء والنجاح في الأعمال بدون فساد وإفساد لبعض المسؤولين في قطاع الأعمال والمقاولات بالرشاوي بدون أي دليل واضح غير الإتهامات، حتى نخاف ونركع، ناسين ومتناسين أنه عطاء من الله تعالى الوهاب وأن كل دينار ودرهم كنت أملكه بالسابق والآن ، حلال بالمجهود والعمل وعرق الجبين .
كان معظم أعضاء اللجان من العوام وأراذل الشعب الجهلة الحقودين، وأنصاف المتعلمين أدعياء الفهم والمعرفة عن قناعة شخصية وولاء بأطروحات العقيد الطاغية المجنون خريجي المدرج الأخضر الذين وجدوا الفرص للتعبير عن مكنونات صدورهم من الحسد والأحقاد والإنتقام من التجار ورجال الأعمال الأبرياء نظير عوامل عديدة راسخة في النفوس من الصغر، الفقر والبيئة الشريرة التي تربوا وعاشوا بها بدون أخلاق حميدة ولا أصل ولا فصل ينهاهم عن فعل الشر، نتيجة الغيرة العمياء، الحقد والحسد على كل ذا نعمة ومال أعطاه ومنحه الله تعالى الخير الكثير لحكم وعبر لا يعلمها الا هو، سبحانه وتعالى القادر القدير...
والبعض المنافقين أدعياء الذكاء والفهم عن قصد وقناعة تامة نتيجة ضحالة العقول والتفكير والطمع في الوصول إلى المقدمة ناصروا وساندوا أطروحات العقيد بقوة وعنف، للتغطية حتى لا ينالهم الشر والإتهام وينالون الحظوة والرضاء العام ويتقلدون المراكز والمناصب العالية، يطبلون للنظام فى جميع اللقاءات الخاصة والعامة والإجتماعات في مجلس الشعب والمسيرات الغوغائية المستمرة، أساتذة قديرين بشهادات مزورة يشرحون ويفسرون في تعاليم الكتاب الأخضر التافه الصادر من عقل مجنون مغرور يعيش فى الأحلام التي لن تتحقق حيث تتعارض معظمها ضد جميع الأديان والأعراف والقوانين والذي للأسف الشديد أصبحت تعاليمه التافهة وأطروحاته أساسات الدستور في الحكم لوطن طاهر من الخبث والدسائس على مدى حوالي ثلاثة عقود ونيف ، منذ صدوره على العلن مما جعل جميع الموازين والأعراف تنقلب رأسا على عقب، ويعم الفساد والإفساد الشعب الليبى حتى قامت ثورة 17 فبراير وتم البتر والخلاص.
أي مواطن مهما كان وضعه وشأنه كبيرا أم صغيرا من الشرفاء الوطنيين يرفض ويتأبى للمسيرة الغوغائية بدون حريات ودستور يحافظ على الحقوق المشروعة، يصاب بالبلاء والمضايقات وتقفل في وجهه جميع أبواب الرزق الشريف ويجد نفسه متهما مجرما من لاشئ وهو بريئا يوصم ويدمغ أنه عدوا للحكم والنظام في نظرهم ضرورة الإصلاح له حتى يعتدل ويرجع إلى حظيرة الجماهير مهما كلف الامر من إيذاء، نظير عوامل عديدة وتصفية حسابات قديمة شخصية، ولإشعار الطاغية أنهم رجاله المخلصين ذوي العيون الساهرة على امن الجماهيرية الخضراء من أي ضرر قد يحدث من البعض، في السر والخفاء.
ونشر الرعب والخوف في أوساط الشعب بطرق جهنمية مدروسة من أساطين أساتذة الشر، عقابه السجن والضغوط النفسية والتحقيقات المملة بعشرات الصفحات للبحث عن مستمسكات وأدلة لتأليف قضايا مزورة يدان بها المتهم والتعذيب بوحشية الضرب بالسياط ونزع الأظافر والصعق بالكهرباء وإستعمال وسائل عديدة حديثة في عالم الشر وقتها غير معروفة جديدة، تجعل الإنسان مهما كان قويا صامدا صابرا على الآلام يتكلم ويعترف زورا وبهتانا بتهم باطلة ملفقة على رفاقه ومعارفه الأبرياء بالزور والبهتان بدون وجه حق عسى أن ينال الراحة بعض الوقت ويتوقف الضرب والتعذيب عن الإيذاء والإستمرار...
إنها رحلة عذاب ومأساة مررنا بها وطريقا طويلا إستمر وقتا كثيرا حوالي أربعة عقود ونيف من حكم الجنون حتى بلغنا النهاية ووصلنا الى الهدف الخلاص والحريّة بعد تطبيق الكثير من الأطروحات الهزلية والأكاذيب الواضحة في العلن والوجه من المجنون على شاشات القنوات العديدة بلا كسوف ولا خجل، وكأنه يخاطب في شباب غر صغار جهلة لا يفهمون الحياة ولا الخداع الذي الطاغية من خلال كذبه الكثير وتطبيل المنافقين ولا من يعترض علي الأخطاء صدق نفسه أنه على طريق الحق والصواب يسير، ذو الشخصيتين يتصارع الخير والشر في نفسه، اللوامة الأمارة بالسوء لتركيع أبناء الشعب الرافضين، لحكم الجماهير اللعين بالقوة .
وقامت الثورة نتيجة الضغوط الكثيرة من الصبر والتحمل عدة عقود من التجهيل والحكم الجائر والقتل والشنق للخصوم وبث الصور على الشأشات والقنوات المرئية ساعة التنفيذ وبالأخص خلال ليالي شهر رمضان الكريم، شهر الغفران المقدس للتخويف بدون إستحياء ولا أي إحترام لحرمة الموت، مما زاد الضغط عن الحدود المألوفة حسب قوانين الطبيعة بمراحل وأدى إلى الإنفجار الشعبي في توقيت واحد في كل مكان ومدينة بالوطن دفعة واحدة مما عجز الزبانية المنافقين أعوانه ولجانه وقواته العسكرية والآلاف المرتزقة القادمين من دول أفريقيا للمساندة والنصرة والنجدة، مهما فعلوا من مصدات ومخططات عن حصر لهيب النار المستعر الذي شب في الهشيم اليابس الجماهيرية الهزلية التي ليست لها أساسات وأعمدة قوية حتى تصمد ضد التمرد والثورة والدفاع والصد للجماهير الهادرة الغاضبة ضد النظام كما كانوا يعملون من قبل حصر اي تمرد في مكان واحد بالوطن ضمن حلقة محكمة ضيقة، ويقطعون المدد من الوصول والإنتشار والقضاء على الثوار وسحقهم بقوة وعنف حتى يصبحون عبرا لكل من تسول له نفسه بالقيام بالتمرد فى المستقبل ، مما يخاف ويستسلم الآخرون ويتم الصمت والتعتيم فترة من الوقت وتبدأ من جديد جذوة النار الخامدة تحت الرماد بالإشتعال بدون توقف نظير المغالطات والأخطاء الجسيمة من الضحك على الذقون، وكأنها جولات في حلبة ملاكمة ومصارعة قوية، جميع الجولات كانت لصالح النظام، إلا الجولة الأخيرة القاصمة للظهر كانت الحد الفاصل النهائى والهزيمة الكبري بالضربة القاضية، وتم الفوز للثوار الإشاوس الوطنيين والخلاص، والقبض والقتل للطاغية العقيد في ساعة الفرحة بالنصر وهو يستجدى في الشفقة والرحمة من آسريه الشباب بالمغفرة، وإنتهت أسطورة الجماهيرية وحكم اللجان الشعبية الغوغائية من الإستمرار في الحكم والسلطة.
ورجال الحكم السابقين البعض الذين أتيحت لهم الفرص للنجاة بالجلد هربوا للخارج خوفا من الحساب والقصاص، والآخرون بالسجن ينتظرون المحاكمات بالحق والعدل والبعض القلائل تم الإفراج عنهم لعوامل عديدة معظمها صحية وجهويات، ولديهم صلات الدم والمعارف والصداقات برجال الحكم الجدد، وكانوا من رجال النظام السابق عبارة عن صور لا يهشون ولا ينشون، عبارة عن ملئ فراغات، وإن شاء الله تعالى تقفل جميع الملفات للآخرين بالسلب أو الإيجاب في آقرب وقت إلى الأبد، حتي نرتاح من الهم والغم، ونهتم ببناء الإنسان المواطن والوطن ...
رجعت للوطن اول مرة بعد غياب دام إثنى عشرة عاما بأمريكا وطني الثاني، وطن الحريات والفرص للعيش بكرامة ضمن الإحترام والقانون وكلى أمال بأن أعيش هانئ البال متقاعدا بقية أيام العمر في مدينتنا الصغيرة درنة الزاهرة حيث مسقط الرأس، لأن الوطن غاليا مهما كانت الظروف والتضحيات الجسيمة لا نستطيع البعد عنه والفراق ونسيانه حيث ولدنا وترعرعنا وجذورنا منه منذ مئات السنين، هو الأم الحنون الراعية الساهرة والأب الفاضل الذي له التقدير والإحترام ونحن الأبناء مهما فعلنا من تضحيات وبطولات، في السر والعلن مازلنا مقصرين في حقه وعمل الواجب كما يجب ... والله الموفق ...
رجب المبروك زعطوط
No comments:
Post a Comment