بسم الله الرحمن الرحيم
الحنين للوطن
(2)
هاجرنا من وطننا ليبيا في أصعب الأوقات من الحكم الجائر، وزرع الشكوك في الأوساط حتى خاف الآب من أبنائه والأخ من أخوه، والرفيق من رفاقه وأصدقائه في أي إعتراض ضد النظام الجماهيري وحديث سياسي يمس الطاغية، خوفا ورعبا أن تخرج أي كلمة أو همسة أو زلة لسان عفويا، عسى أن يكون أحدهم مجندا للنظام خوفا من الإتهام والملاحقات الأمنية التي لاتنتهي ولا تتوقف وبالأخص عندما يفتح ملف أمني للمواطن المشكوك في أمره، يتابع كل الوقت وبين الحين والآخر يستدعى للتحقيق مما يجعلون حياته جحيم . يعيش طول الوقت في الخوف والرعب من مصير أسود، كما حدث معي معظم الوقت حوالي عقدين من الزمن عندما نلت العفو ورجعت للوطن بعد غياب عنه إثنى عشرة عاما ونيف.
والتجويع المتعمد وطرق الأبواب في أية لحظة من زوار الليل والنهار من أشباه رجال اللجان الثورية والأمن للقبض على الضحايا المتهمين بحجج كاذبة مزورة، مما أصبح المجال مفتوحا للإنضمام والحصول على العضوية في اللجان العديدة للأوباش من أبناء الشعب والكثيرين المجنسين ذوي الهويات الليبية الذين لا تربطهم أية جذورا في الوطن، إستغلوا الفوضى وأصبحوا في المقدمة، داسوا بالأقدام على أبناء الشعب الأصليين وكالوهم الويل والثبور لخدمة مصالحهم الخاصة والتشفي في الأبرياء وحماية النظام من الإنهيار ووطننا ليبيا عانت الويل والشرور والنهب من هؤلاء عديمي الولاء والذمة لأرزاق المظلومين من خزينة المجتمع بالإحتكارات وقبض العمولات الكبيرة عن كل المواد والبضائع من جميع الأصناف والسلع التموينية التي تم إستيرادها من الخارج على مدى أربعة عقود بدون تساؤلات ومتابعة وتحقيقات مع الرؤوس الكبيرة التي عاثت الفساد والإفساد للذمم ، ونشأت وظهرت على السطح طبقة شريحة لصوص أثرياء أرصدتها بالمصارف والإستثمارات الخارجية بأرقام فلكية عالية من العائلة و المحاسيب والرفاق.
ولم نتوقف بالخارج أثناء سنوات المعارضة عن العمل السياسي وفضح النظام في كل مكان وإجتماع مهم في وسائل الإعلام، مما أصبحنا شوكة حادة في حلقه، أينما يذهب منافقيه إلى أي مؤتمر ولقاء دولة يجدونا أمامهم ثابتين صامدين، ونهتم بمشاغل الحياة الجديدة ونرتاح. قمنا بأدوار بطولية طوال الوقت في السر والعلن قبل الثورة وأثناءها نستحق فيها الثناء والشكر والإعتراف بالجميل، ولكن الأمر المؤسف الذي يجعلني في أسى وحزين الجحود وعدم الإمتنان. حيث معظم شعبنا جاهلا ذو حمية وعنجهية غير مدروسة عندما تتاح له الفرص، ليس له وفاء ولا ولاء ولا الإعتراف بالجميل، عن ماذا قدمنا من أعمال وتضحيات، أيام المعارضة بالخارج... وعن المعاناة للنجاة طوال الوقت من المطاردات والمتابعة والتحقيقات الأجنبية المتواصلة وتصفية المناضلين الجسدية بالإغتيالات في وضح النهار للمعارضين الشهداء وتم نعتنا شعبيا بأوصاف كاذبة زائفة لا تشرف إستهزاءا، نظير الحقد والحسد وحبا في الإنتقام ... ووصفنا من قبل الطاغية بأننا كلاب ضالة وعملاء للغرب ، وذوي الجنسيات المتعددة (دبل شفرة) بعد الفرحة والنصر للثورة، والكثير من النعوت والتسميات...
حيث في جميع الحالات لم ننجى من النعوت والألقاب القذرة نحن المناضلين الشرفاء الذي تحدينا الطاغية، هاجرنا وعارضنا النظام والظلم وبدلا من الثناء والشكر على المجهودات الكبيرة والكفاح من أجل ليبيا وأجلهم السجناء بالوطن تحت سيف الجلاد القابع والماكث على أكتافهم جاهزا للذبح والقتل لأي خطأ قد يحدث، تم الإتهام لنا بكثير من الصفات بالجحود ونكران الجميل والضرر للوطن... وأسفتاه!
ناسين متناسين منذ البداية تضحيات رجال العهد الملكي السابق الأحرار بدون خبث ودسائس وعلى رأسهم الملك إدريس رحمه الله تعالى الذي قاد سفينة الوطن حتى وصلت لمرفأ الأمن والأمان في أصعب الظروف، من الإحتلال والإبادة والفقر والجوع، والمقاومة الشعبية والجهاد بكل الوسائل ضد الإحتلال والغزو الإيطالي بدون وجه حق للوطن، والكر والفر والمفاوضات السياسية مع الأعداء الغزاة المستعمرين، والحلفاء الإنجليز، ومررنا بويلات الحرب العالمية الثانية وقسوتها وأضرارها ، ونحن كشعب ليبي حسب المثل الشعبي ( ليس لنا فيها ناقة ولا جمل ) حتى نلنا الإستقلال، بكرامة نظير التوفيق من الله تعالى، والمهارة والدهاء في السياسة وتضحيات الشهداء ودماء الجرحى وعرق ومجهودات وكفاح ونضال جميع الأبطال الزعماء الآخرين و الجنود المجهولين الشهداء في جميع أرجاء الوطن، الذين طواهم التاريخ بالموت في باطن الارض من غير جزاء ولا شكر ولا ذكرى جيدة لهم معترفا بها ضمن التاريخ الوطني بالخير والصدق بدون مزايدات وجهويات للبعض المنافقين العملاء، للأسف للأجيال الحاضرة والقادمة حتى تعرف تاريخها المشرف...
وزاد الخير بظهور وإكتشاف النفط والغاز بكميات كبيرة والذي بدل أن يكون نعمة لنا للنهوض والتقدم ، أصبح نقمة حيث إتجهت جميع الأنظار من القوى الخفية والدول الكبيرة والمغامرين طمعا في الإحتكارات للدخل الكبير الذي عم الوطن، وبدأ الفساد والإفساد والسوس ينخر في الدولة العهد الملكي نظير المصالح الخاصة الغربية والمحلية، حتى سقط وإنتهى بالدسائس والمؤامرات الأجنبية، وحل العهد الجماهيري الغوغائي مكانه المخطط له بإتقان، وزاد البلاء أضعافا كثيرة وسفك الدماء والقتل للضحايا الخصوم بسهولة.
بالخارج عشنا في ضغوط كبيرة ومواقف صعبة مادية ومعنوية بعد أن كنا سادة في وطننا، أصبحنا أتباعا للغير مطاردين علينا صفة ودمغة الإرهاب في أي مكان حللنا فيه بالعالم الفسيح، نجرى بكل الجهد وراء الحصول على الإقامات الشرعية والهويات وجوازات السفر الأجنبية حتى نستطيع التنقل والسفر من مكان لآخر بحثا عن الرزق الشريف بعرق الجبين والكد، والبقاء والعيش في أمن وأمان وسلام في أوطان الآخرين ...
ولم ننسى وطننا الغالي في أي لحظة مرت علينا بالغربة حيث له ولاء ووفاء خاص نابعا من القلوب بدون حدود نظير العلم والفهم والمعرفة من دروس المعاناة والمحن التي تعلمناها بالغربة والعيش في قمة الديمقراطية العادلة بدون هموم وغم من الملاحقات الفوضوية من أجهزة الأمن واللجان كما يحدث في وطننا ليبيا الأم والأب وجذور العائلة نابعة من أرضها، رافعين الرؤوس بدون خوف ولا مساءلات طالما نحترم في القانون بالدولة المضيفة.... والله الموفق...
رجب المبروك زعطوط
البقية تتبع...