Thursday, July 21, 2016

أحداث الوطن خلال القرن العشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

 لعنة الملك إدريس
 (2)


                           منذ وقت طويل، تنبأ الولي الصالح، سيدي عبدالسلام الأسمر، رحمه الله تعالى، من منطقة إزليتن بالغرب بنبوءة و حلم في قصيدة ألقاها بالرموز، لم يعرف شرحها وحقيقتها إلى الآن مع حدوث الكثير من الأهوال والدماء والمحن التي تحدثت عنها، وحذرنا بوقوعها على الواقع والطبيعة أنها سوف تحدث في المستقبل حتى نأخذ عبرا ولا نضيع دنيا وآخرة ... ولم نتعظ ونتعلم الدرس، فلسنا نعيش في عهد النبي ، سيدنا يوسف عليه السلام، مفسر الأحلام كما تم ذكره في القرآن الكريم... ومرت النبوءة مرور الكرام بلا تفسير ودراسة وفحص ونحاول قدر الإمكان البعد عن أشياءا كثيرة  بالهداية والإيمان حتى لا يحل علينا الغضب الإلاهي، ونقع في المحظور بأنفسنا، ناسين ومتناسين أنه قدرنا لا نستطيع تغييره مهما فعلنا وأردنا حيث مسجل في اللوح المحفوظ منذ الأزل....

                       بعض الأحيان كانت القصيدة والنبوءة تذكر عفويا في بعض الجلسات أثناء السهرات والسمر .... الحديث عنها بدون إهتمام كبير لمعانيها، ولا شرح ولا أخذ عبر حتى لا نتمادى في الآثام والشر ونتناحر و نقتل بعضنا البعض على تفاهات وحب النفس في الوصول الي مراكز وجاه وثراء مفتعل بالسرقات والنهب، الذي لا يدوم مهما طال الوقت، ولا يستمر لأنه حرام زاقوم ليس رزقا حلالا تم جنيه بالجهد والعرق بل لعنة ندفع في ثمنها الغالي إلى الآن من حروب وتناحر علي السلطة وسفك دماء وظلم وإرهاب وضحايا بالآلاف وخراب ودمار الوطن عندما قالها وذكرها في أحد الأوقات بالرموز وهو هائما في حب ورحاب الله تعالى، في الذكر وهو يضرب ويدق على الطبل (البندير) بحماس في الزاوية قائلا ومرددا لمريديه وأتباعه في ساعة صفاء وإتصال روحاني المقولة الخطيرة   (ياطرابلس يا حفرة الدم ...، الخ )، حيث وقتها كان يعيش حسب تسمية الوطن ، الذي أصبح يطلق عليه ( ولايتي طرابلس الغرب) بدلا من ليبيا أيام العهد العثماني مثل ما يحدث في كل عهد وحاكم حسب مايترائ له، ورجع الإسم السابق ليبيا منذ الإحتلال الإيطالي كما كانت تدعى منذ قديم الزمن... و طرابلس الغرب تعني المدينة وحدودها فقط حتى لا يتم الخطأ والخلط في المعرفة مع طرابلس الشرق في الشام والتي مع الوقت والتقسيم أصبحت من ضمن دولة لبنان .

                     تاريخنا القديم والحديث ملئ بالأحداث والمحن معظم الوقت والأزمان بالدماء والضحايا الشهداء المناضلين الوطنيين ، بالخراب والدمار، وبعض الوقت بالسعادة والإزدهار وتم حكمه من الطغاة من ولاة وحكام بدون عدل، وتولى العرش في العصر الحديث ملكا واحدا كان الاول والأخير طيبا مؤمنا تقيا قلبه عامرا بالإيمان والعدل زاهدا في العرش والحكم  سليل العائلة السنوسية العريقة، بقيادته الحكيمة بالصبر والعمل والنضال الجاد والدهاء ، حقق الاستقلال عام 1951م.  كان عهده باسم و زاهر ، مضى وتلاشي مثل الحلم لمن عاش أيامه وتذوق حلاوته ومازال حيا يرزق إلى الآن.  حيث كنت محظوظا لأنني  عشت فيه شابا مدركا و للأسف شاهدت نهايته و عشت أثناء عهد الجماهيرية وحكم الجماهير الغوغائي، وأعرف الفرق الرهيب بين العهدين الملكي الخير الآمن السعيد ضمن الدستور والقانون، والذي كنّا كل يوم نتقدم فيه للأمام خطوات وننهض، والجماهيري الفاسد اللعين، ضمن الحكم بتعاليم الكتاب الأخضر الهزيل ، الصادر والمؤلف من عقل الطاغية المجنون لخراب الوطن ودمار النفوس، وبث الفرقة في أوساط الشعوب وبالأخص العربية.

                       كانت أياما ترفل فيها المملكة الليبية المتحدة في السعادة و فيها براءة و طهارة وكل مواطن صغير الشأن  أم كبيره يعرف حدوده و واجباته ولا يتجاوزها، خطواته محسوبة حسب العدل والقانون والدستور إلى ان حل البلاء بإكتشاف النفط والغاز بكميات كبيرة وتغيرت الدولة من ثلاثة ولايات إلى مركزية من عدة محافظات وبدلا من النعمة وسعادة المواطن أصبح نقمة وبلاءا، وزاد الطين، بلل المزايدات من خطب الرئيس جمال عبد الناصر الوطنية الجوفاء بالساعات عبر الراديو وإذاعة صوت العرب التي التهييج فيها بالشعور الوطني والذي لا يمل ولا يتعب بدون كلل وهو يتحدث ويشرح وكأنه أستاذا قديرا لطلبة صغار التجربة والفهم السياسي من  الخليج إلى المحيط .

                       ومن ضمنها الإتهام المغلف للعهد الملكي بالضرر لمصر كتغطية على الخسارة في أيام النكسة والانتصار المزعوم بالزور والبهتان في حرب وإحتلال قناة السويس عام 1956م من قبل ثلاثة دول بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ردا و صفعة قوية للنظام المصري على تأميم قناة السويس ، ناسيا ومتناسيا ان الفضل لله تعالى و صمود و صبر الشعب المصري على المحن والمساندة والتأييد من جميع الشعوب العربية نظير الحب والولاء لمصر...  والإنذار المشهور بالإنسحاب والتهديد بالجلاء فورا ضمن مدة محددة والخروج للقوات الغازية الغربية وترك مصر من رئيس الإتحاد السوفيتي السيد خوروتشوف، أو يعتبر الإعتداء عليهم كروسيا... وعقلانية الإدارة الأمريكية وقتها التي لا تريد ولا ترغب في توسعة، النزاع وممكن الدخول في حرب ذرية من أخطاء حلفائها ضد مصالحها، و نصحت حلفائها بالإمتثال للإنذار، وخرجت القوات الغازية تجر في أذيال الخيبة، مما إستغلها النظام المصري أحسن الإستغلال في قلب الهزيمة الي نصر، نظير الإعلام القوي للرأي العام وصدقتها الشعوب العربية نظير الجهل ، مدعيا الزعيم، عبد الناصر بدون صدق تزويرا وبهتان في الإذاعات عدة مرات بأن طائرات الإنجليز الأعداء  قامت بالإعتداء على بورسعيد والقناة في مصر، إنطلقت من قاعدة العدم في مدينة طبرق الجوية العسكرية شرق المملكة  الليبية القريبة من الحدود مع مصر ، والمؤجرة لبريطانيا، والحقيقة قامت من قبرص وإسرائيل.

                  و على ضوء الإتهامات ونتيجتها قامت المسيرات في المدن المهمة طرابلس وبنغازي ودرنة وقتها ضد الأحلاف وتأجير القواعد الجوية العسكرية في طرابلس للأمريكان وطبرق للإنجليز،ناسين متناسين أن الدولة وقت التوقيع على عقود التأجير لمدة 20 عام، كانت مرغمة فقيرة معدمة بدون دخل في منتصف الخمسينات من القرن الماضي وقت الحصول على الإستقلال... وتعاني من العجز المستمر والمستديم لتغطية الميزانيات العامة السنوية لها،  حتى تستمر في الحكم ولا تعلن الإفلاس ... تعيش على الدخل البسيط من التأجير والهبات الدولية ومنظمة الأمم المتحدة وبعض العائدات من التصدير لبعض المواد إلى الخارج من الحبوب الزراعية والتبغ والحلفاء إلى مصانع صناعة السجائر في لندن ،  والمواشي كلحوم إلى اليونان للإستهلاك ، وجزيرة مالطة للتعليب لقوات بريطانيا الجرارة في ذاك الوقت قبل إكتشاف وتصدير النفط في أوائل الستينات من القرن الماضي... فسبحانك رب العالمين على الكرم والعطاء الذي غير الموازين والمعايير خلال وقت قليل في الوطن ليبيا من فقر مدقع إلى غنى فاحش...

                      مسيرة الشعب الحاشدة من العوام والطلبة  عام  964 1 م التي جعلت الملك يتأثر ويغضب من جحود الشعب في شارع جمال عبد الناصر في بنغازي، وزاد الطين بلل المظاهرات والمسيرات الضخمة الشعبية ردا على الخسارة الرهيبة للعرب على الهزيمة من دولة واحدة إسرائيل والذي الزعيم عبدالناصر كان يتوعد مختالا مغرورا أنه سوف يرميها في أحد البحرين الأبيض المتوسط أو الأحمر وإنتهت بالخسارة الفادحة ونكسة العرب يونية عام 1967 م ....

                         تنعت وتسب صراحة بالإسم الملك إدريس وتهتف بعنف وقوة في هياج مفتعل من بعض القوى الخفية (حكم إبليس الشيطان الرجيم للوطن، ولا حكم الملك إدريس)، مما تضايق وتأثر وحزن وهو يسمع النعت المشين من شرفة قصر المنار ، مشاهدا الجماهير الغاضبة وهي تهتف هادرة بالنعت الشيطاني له، ورد قائلا من القلب بدعوة صالحة ، إنشاء الله عز وجل تتحقق مطالبهم في التغيير ويحكمهم إبليس اللعين، مما كانت لعنة سوداء حلت علينا منذ ذاك اليوم، حيث أستجيبت الدعوة الصادقة من ملك تقي شريف الأصل والمحتد مظلوما في النعت والوصف بدل التقدير والإحترام والإمتنان له، يحصل على النعت والسب الأليم ناسين ومتناسين أنه قدم الكثير من التضحيات طوال عمره أكثر من سبعة عقود وهو يكافح ويناضل من أجل الشعب حتى تم الإستقلال للوطن وأصبح له شأن وكيان وعلما يرفرف في السماء عاليا معترفا به من جميع الأمم .

                           حدثت مظاهرات كبيرة حماسية لتضييع الوطن وجعله في متاهات نظير جهل الشعب السياسي والغفلة و راؤوها أصابع المخابرات المصرية على وجود اليهود الليبيين وحدثت تعديات بسيطة على البعض من الأفراد المسالمين وكأنهم هم الذين قاموا بالغزو على مصر والسبب في النكسة الشنيعة نظير العواطف والجهل وتقدم زعماؤهم إلى الدولة بطلب الهجرة خوفا على حياتهم من غضب الجماهير الهادرة من نكسة يونية بناءا على مخطط كبير من القوى الخفية الصهيونية لدعم إسرائيل ونشر الكراهية والدسائس والفتنة مع العرب والتي نعاني من ويلاتها ومآسيها إلى الآن .... وبلعت قيادات اليهود الليبيين المسالمين الطعم بسهولة للهجرة الجماعية عن الوطن، مما إستغلتها فرصة الحكومة الليبية وقتها وقدمت لهم جميع التسهيلات ببيع أملاكهم وتحويل أموالهم إلا من القلائل الذين رفضوا البيع وقتها في عجلة برخص الأسعار وباعوها بعد فترة للمعارف والشركاء لما طال عليهم وقت الرجوع ...

                        والسماح لهم بالهجرة بدون مماطلة ورفض حتى ترتاح من الغضب الشعبي والمظاهرات والمسيرات ومن الحماية المستمرة لهم من المزايدات والصراع الخفي الذي يغلي في أوساط الشعب الجهلة من خطب الإعلام المصري المستمرة من صوت العرب بصوت المذيع أحمد سعيد ذو الصوت الجهوري الزائف الذي هيج الجميع بالتزوير والبهتان بدون حق ولا منطق، وكانت من أحد أكبر الأخطاء أثناء عهد المملكة التي حدثت أن تتخلى دولة عن مواطنيها مهما كانت الأسباب ولو بناءا على طلب زعمائهم، بكل سهولة و بساطة نظير الإختلاف في الدين وهم ليبيين أصيلين من مواليد ليبيا منذ مئات السنيين ، ولهم الحق بالبقاء والعيش فيها إسوة بالآخرين ، ودعمت مخطط الصهاينة بدون أن لا تدري ولا تشعر بأبعاد اللعبة السياسية الدائرة في دعم دولة إسرائيل بالمزيد من المهاجرين من ذوي الأموال والعقول، ودمار وتعطيل قضية فلسطين ...

                        وقرر الملك الإقامة الدائمة في مدينة طبرق المشهورة في الحرب العالمية الثانية بصمود قوات الحلفاء تاركا مدينة بنغازي حيث الطقس جيد وجاف وقريب  في المسافة من واحة الجغبوب جنوب طبرق على خط الحدود و القريبة في المسافة من واحة سيوة حيث كانت أول الزوايا بدأت من مدينة البيضاء ثم واحة الجغبوب والكفرة ،... الخ... المعالم والمنارات الدينية التي تم نشر الدعوة السنوسية منهما في الوطن العربي ومجاهل أفريقيا عندما تركت زاوية البيضاء مؤقتا حتي تبتعد عن الأخطار من ولاة الأتراك وظلمهم فى الحكم ،، والغزو الإيطالي للسواحل، وجده عميد العائلة السنوسية مدفونا هناك يضم ترابها جسده الطاهر الشريف، وقدم لمجلس الشيوخ والنواب الإستقالة والتنحي زاهدا في الملك والعرش بسبب تقدم العمر و عوامل السن...

                    ولكن الحاشية المستفيدة من خيرات وعمولات النفط بقيادة آل الشلحي وأتباعهم العملاء المنافقين القطط السمان، بطرق خفيه ألبت الشعب حتى لا تفقد جميع المميزات بغياب الملك إدريس عن الساحة والعرش  حيث سندهم والراعي الوحيد لهم في البقاء بإقامة المظاهرات والمسيرات  امام القصر مقر إقامته في طبرق ، تهتف له بحماس للعدول عن الاستقالة مما إستجاب للأمر عندما شاهد الجماهير الهادرة تطالبه بالبقاء والإستمرار في الملك والحكم و لا يتنازل نظير المصلحة الوطنية و وحدة الصف من التشرذم والمتاهات.

                     و تقديرا للظروف بعدم هز الوطن وجره إلى نزاع وحرب أهلية للطامعين في السلطة في الصراع القوي والحرب الخفية الدائرة منذ سنوات عديدة بين عائلة الشلحي وأتباعهم ضد عائلة الشريف أبناء عمه السنوسيين علي إغتيال أبيهم السيد إبراهيم ناظر الخاصة الملكية والمقرب للملك، قتلا في وضح النهار في بنغازي في منتصف الخمسينات من أحد شباب السنوسية من عائلة الشريف الشاب السيد محى الدين الذي كان قريبا بالدم للملك ادريس وعمته الملكة فاطمة ، ولم يهرب ويتوارى بل ظل واقفا وسلم نفسه طواعية للبوليس وإعترف بالجريمة النكراء.

                           مما إستغلها الخصوم أسوء الإستغلال وتم تشريد العائلة السنوسية والشريف من جميع المميزات الملكية والوظائف العامة والحبس والسجن الإنفرادي لهم في بيوتهم المقيمين فيها وتجميع البعض من الأسر في الواحات والمناطق البعيدة والمنع من السفر والتنقل من مدينة إلى أخرى إلا بإذن خاص من القصر... مما ضاع سنده وعائلته في خضم الأحداث المؤلمة وأصبح لقمة سائغة لآل الشلحي عملاء بريطانيا في تسيير الأمور بالمملكة ...

                        ولم يتهاون الملك ويضعف ويرضخ أمام مطالبة بعض الملوك والرؤساء والزعماء بالعفو على المتهم أو  تغيير الحكم إلي المؤبد طول العمر والحياة، وتم شنق القاتل في سجن بنغازي بناءا على صدور الأمر القضائي العادل من محكمة بنغازي بالإعدام للمتهم حسب القانون وصدق الملك إدريس على الحكم ووافق لتحقيق العدل مهما كانت التضحيات، المؤلمة وقرابة الدم ، ووضع الجثمان تشفيا في المكان الذي قتل فيه الشلحي عدة ساعات حتى يشاهدها الشعب ويتداول الحديث عنها في الأوساط العالمية أن الأمر والشنق تم تنفيذه، وليس بخداع و كذب وتغطية ، وسلمت لعائلته للدفن...

 والله الموفق

 رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment