Thursday, April 21, 2016

قصصنا الرمزية 42

بسم الله الرحمن الرحيم

 الغربة

                 مهما حاولت الكتابة والتعبير عن قساوة  الغربة والبعد عن الوطن لا استطيع مهما فعلت وعملت من جهد ، فقد جربت العيش والبقاء مرتين خارج الوطن ، الأولى رغما عني للنجاة بالنفس من الظلم والقهر من نظام غوغائي لا يفهم إلا لغة العنف والدم للإرهاب والتغطية على الضعف حتى نشر الرعب والخوف لدى الجميع بالداخل وإستكانوا لتراهات الكتاب الأخضر الصادر من عقل مجنون مغرور و طاغية، بدل التسامح والسلام مع بني الوطن... و هي غربة  استمرت اكثر من إثنى عشرة عاما كنت فيها مطاردا في العديد من دول العالم من كلاب اللجان الثورية القتلة الذين كانوا يسعون للقبض علي أو الاغتيال والتصفية الجسدية ونجيت من سبعة محاولات إغتيال بفضل الله تعالى والعمل الطيب ورضاء الوالدين ... ورجعت للوطن عندما تحصلت على العفو العام في إطار مبادرة "أصبح الصبح" حيث الطاغية له طفرات وقفزات في بعض الأحيان ، خيرة تريد من يغتنم الفرص، ويستسلم للأمر الواقع حتى يسلم من الأذى متحديا النظام في السر والخفاء في الداخل ، لأنني كنت واثقا من نفسي بأنني على حق و شريف ولم أكون عميلا مع أي دولة ضد ليبيا المختار كما فعل البعض حتى وصلوا بالمراوغات والفساد والإفساد وهتك الأعراض ودماء الشهداء الأبرياء للقمة ولم يستطيعوا البقاء والصمود لأن النفوس مريضة همهم المال والشهرة وليس الاصلاح في الوطن ...  ولا كتهم الألسن من كل مكان عن الأعمال الشريرة وآثروا التخلي والنجاة بدل العيش في الصدارة والرعب والخوف من الإغتيال  ، أو يوما القبض والحساب والعقاب والحقائق يعلمها الله تعالى ...  

              الغربة الثانية بدأت منذ عامين ولا أعرف متى سوف تنتهي وأرجع للديار ، مع أنني الآن أعيش هانئ البال بدون أي خوف ولا رعب ولا نقص لأي شئ وبالأخص الدواء والعلاج الجيد والذي أنا في الوقت الحاضر في أمس  الحاجة للإستعمال والمداواة حيث تقدمت في العمر وأعاني من العديد من الأمراض  المزمنة وأخطرها النفسية ، الكآبة ،  وعدم الرغبة للحركة ولا عمل أي شئ مهما كان حيث الطموح توقف نتيجة المعاناة والمحن والبعد عن الوطن ... مرض الغربة الخبيث الذي ليس له دواءا ولا ترياقا غير الرجوع للوطن والبقاء والإقامة فيه إلى آخر نفس مع الأحباء الأعزاء تحت اي ظرف وصورة من الصور مثل الآخرين من أبناء الشعب الغير قادرين على الترحال والسفر الصابرين يعانون طوال الوقت الخوف والرعب وعدم إستتباب الأمن حيث الجسم بالغربة الثانية موجودا على قيد الحياة حيا يرزق والروح تحوم هائمة في أجواء الوطن بدون توقف غير قادر على التركيز ولا الفهم لكثير من الامور الحياتية لأنني بعيدا عنها غير عائشا وسطها غير السماع ، طالما أنا غريبا أعيش الهم والغم بعيدا عن مسقط الرأس والأحباء بالغربة التي متى بإذن الله تعالى تنتهي وأرجع للوطن اذا طالت لنا الحياة ...  وا آسفاه على هذه الحالة المؤسفة والضغوط التي أعاني منها ، والتي جعلتني ممزقا متألما بقوة أكثر لأنني مهاجرا في الغربة الثانية بعيدا عن وطن المختار ، ومقيما في الوطن الثاني رعاة البقر بمحض الإرادة  بدون اي خوف من الملاحقة والعقاب على أي أمر بالسابق ، فخلال مسيرة الحياة لم أكن موظفا عاما في أي وظيفة ومسؤولية كبيرة ... ولم أنهب و لم أسرق من خزينة الشعب حيث عملي عمل حر خاص بالجهد وعرق الجبين ... أنا رجل  أعمال ، تجارة ومقاولات حتى توجه لي  أصابع  الإتهام بأي شئ مخالف للقانون قد قمت به وتحقيق الثراء الفاحش في وقت قصير وضرورة الايضاح على أي شكوك كانت ...  والأسباب للبقاء بالخارج ضد الرغبة ، المرض والعلاج المستمر الذي يحتاج إلى رعاية فائقة ودواء غير متوفرا في الوطن بإستمرار في وقت الفوضى وحكم الرعاع ، وزاد الطين بلل المرض النفسي والكآبة على سوء الأحوال الأمنية وعدم الإحترام والنقص لكثير من الاشياء الحياتية للعيش بكرامة في وطننا المعطاء الذي به جميع الخير والنعم وغائبة عنه العقول الذكية والنفوس الخيرة لتحقيق المصالحة الوطنية العامة والإدارة السليمة والأمن والأمان  في الوقت الحاضر فلست بطامع في سلطة أو غنى ومال حرام وثراء ، حيث في نظري الذي يحدث الآن من إرهاب و قتل ودم و خطف و نهب لأرزاق المجتمع من البعض من الأدعياء عبارة عن مسرحية كبيرة عنوانها الكبير الظاهر الخير وصلاح الوطن وباطنها الشر والدم ومباراة لعينة لإثبات الوجود لقاء الغرور والطمع في السلطة و الثراء.... ولا أريد ولا أرغب أن أكون ممثلا أو لاعبا من ضمن اللاعبين ، وأنا في هذا العمر المتقدم بدل السقوط في براثن الشيطان الرجيم وأضيع دنيا وآخرة ، مع العلم أنه لدي العديد من القدرات الغير متوفرة للكثيرين الآن على الساحة وأستطيع الوصول بإذن الله تعالى وعمل الكثير... لدي الإسم المشرف يشهد عليه العمل النضالي النظيف السابق على مدى أربعة عقود وقوة العزم والجرأة لو قررت الإستمرار في المسيرة النضالية  ، ولكن إحترمت عامل السن والمرض حيث الوطن بحاجة ماسة إلى دماء شابة فاهمة وقادرة  تستطيع عمل الكثير لو وجهت التوجيه الصحيح ...

                الحمد لله تعالى ، حامدا شاكرا له في كل الأوقات أنه أعطاني ووهبني الرزق الحلال  ، والذرية الصالحة حيث يعملون بالجهد والعرق بشرف وكرامة ويقدمون الخير ويضعونه بين يدي من غير أي سؤال ولا منن ولا شكوى أية كانت ، طوال الوقت يتمنون لي جميع الخير وأن أكون راضيا عنهم ، وأنا مرتاحا متقاعدا من غير اي هموم حياتية مثل الكثيرين في الوطن و  بالغربة ، غير مهتم بسلطة وسلطان مثل البعض الذين جرفتهم الحياة وملذاتها ، والتي نهايتها الأمراض والسقوط مهما وصل إلى العلياء والمركز ... حيث في وقتنا الحاضر لا نجاح ولا فوز لأي زعيم كان من غير دفع وتقديم الثمن  الغالي في صور عديدة لا يشعر بها الآن أثناء المشوار والحماس والتطبيل من الكثير من الرفاق المحيطين به مثل السوار على المعصم والذين بعضهم منافقين أشباه رجال ،  يطبلون ويزمرون ويؤيدون لقاء المصالح الشخصية حتى يصبحوا في المعية في حماية الجواد المتقدم في الحلبة  ، وظل النضال من غير أي لوم مستغلين الإسم والهيمنة على البسطاء الغافلين ،  ناسين الاساس ان لكل جواد مهما كان أصيلا  كبوة وسقوطا على الارض وبعضها يصاب بالجراح والكسور ، ولا يستطيع النهوض والبقاء والجري في الحلبة مثل السابق ومع الوقت ينتسى ولا يذكر إلا بالقيل والقال وبالاستهزاء أنه لم يكن ذكيا و لم  يستغل الفرص للبقاء لان معظم البشر ذوي النظرة القصيرة يحكمون بالظاهر ناسين الأعمال الجيدة الخيرة السابقة حيث المصالح توقفت ...  

              طالعت في الأنباء منذ عدة ايام رجوع المهاجر الفار خارج الوطن السيد الطيب الصافي الذي عرفته شخصيا في لقاء عدة دقائق بالصدفة ايام العز والسلطة في مكتبه في السلع التموينية بالعاصمة طرابلس ، وقلت سبحانك رب العالمين الوطن غالي ، حتى يرجع أمثاله المتهمين بأمور كثيرة ضد أبناء الشعب الاحرار ، وأكبرت فيه الشجاعة وحسن الرأي بالرجوع ،  وقلت للنفس وطننا المختار ليبيا مازالت بخير وبها أمثال هؤلاء الذين مهما عملوا من شرور بالسابق   وجرائم وإتهامات ،  أصحاب مبادئ في الإخلاص للحاكم و الطمع ، لديهم الحكمة والجرأة ويعرفون كيف ومتى يأكلون الكتف السمين،  منافقين ...  وكل وقت وعصر وموضوع كبير لديهم وله وضع ورأي خاص...  أيام الطاغية السابق كانوا من المقربين،   و من ذوي الأسماء اللامعة في النظام وتقلد العديد من المراكز والمناصب المهمة في دولة الجماهير الغوغاء نظير الخدمات الشريرة والولاء للصقر الوحيد الذي كان  صعلوكا من صعاليك الزمن ... قام  بالكثير من الجهد في التحقيق والتعذيب فى معتقل سبعة ابريل بنغازي للشرفاء حسب الاتهام والمتداول بين أبناء الشعب ، وأثناء التمرد والثورة لم يترك اي وسيلة كانت في سبيل مساندة الطاغية والنظام من السقوط والنهاية ولم يفلح مع غيره من زعامات اللجان الثورية في صد العاصفة وتحدي الجماهير الثائرة الزاحفة ، وإضطر للهرب والعيش بالخارج عدة سنوات حتى لا يتم القبض عليه مثل الكثيرين ، آملا في النجاة ، والآن رجع ، و إستقبل من عائلته والبعض الآخرين الغافلين إستقبال الأبطال الفاتحين والتي  الحمد لله تعالى كل شئ مسجل  ويتداول في الإعلام ، والتاريخ لا يرحم ، وأي ذرة عمل شرير او خير مسجلة في لوح القدر ، يوما ما ، سواءا بالدنيا أم بالآخرة ،  لها حساب وعقاب أو مكافئات فالرب غفور رحيم ...     قلت للنفس متسائلا،  هل تم عقد صفقة في الخفاء مع المسؤولين بمنحه الأمان ، حيث الحقيقة لا يعلمها الا الله عز وجل !!!!

                    لأن رجوع هذا المواطن له دلائل عديدة اولهما ان ليبيا المختار وطن الجميع وليس لفئة دون الاخرى حتى يظل طريدا مدى الحياة بعيدا عن الوطن ، ورجوعه بهذه الصورة في وضع غير آمن ولا أمان في شبه حرب اهلية يحتاج إلى أجوبة كثيرة حتى يرتاح الانسان لأمثال هؤلاء  ، وتركهم بلا حساب وعقاب عن الماضي اللعين والذي يدل على التسامح والمصالحة الوطنية التي نحن كشعب حائر في مسيس الحاجة لها حتى تستقر الأوضاع وتهدأ وتبدأ مسيرة التقدم ، والخطوات التي  تتلو الرجوع وعدم القبض والعقاب والقصاص إذا كان مذنبا بالجرائم الماضية حسب المتداول في أوساط الشعب والحقيقة يعلمها الله تعالى... لها فوائد عديدة ، أهمها إخراس الكثير من الأبواق والأصوات العدائية ضد مسيرة الوطن حتى يرتاح من الدس وتمويل المؤامرات ، ويتم الخلاص والقضاء على كل شرير يدعم الإرهاب، والكثيرون من المهاجرين الخائفين من الرجوع لقاء هذه الحادثة والصدمة الغير متوقعة والجرأة في الرجوع سوف يفيقون من الخوف والرعب النفسي ومع مرور الوقت سوف يرجعون وتزدهر ليبيا كما كانت بالسابق بأبنائها بدل وجود مئات الآلاف بالغربة يعانون شظف الحياة والإستهزاء ...

                   كم سررت اليوم وسعدت عندما سمعت الأخبار المفرحة من وطننا المختار التي أتابعها يوميا ، رجوع البعض إلى الوطن بعد غياب عدة سنوات مهاجرين بالخارج ، وفرحت أن المصالحة الوطنية بدأت تأتي بثمارها، حتى وهي قد تأخرت بعض الوقت ولكن لكل موضوع كبير ميعاد وأجل ، وبدأ رجوع أبناء الوطن الفارين الواحد وراء الآخر وبالأخص أمثال هؤلاء فقد خدموا الطاغية والعهد الجماهيري الغوغائي بكل الإخلاص ، حتى سقط النظام للأبد إلى غير رجعة ...

                 وا أسفاه على الأخطاء العديدة التي مرت وإنتهت من جميع الأطراف نظير الجهل وعدم التجارب والتي دائماً حكمنا بعجالة والحقيقة يعلمها الله تعالى بقدر هؤلاء الرجال لديهم مساوئ وشرور كما تدور الأحاديث في الساحة كما نعتقد بدون أدلة واضحة تحتاج إلى بحث دقيق  ومتابعة ، لديهم البعض من الحسنات التي لم تذكر والتي مع الوقت سوف تظهر الحقائق الخيرة أو الشريرة فلا شئ يستمر في السر والخفاء، إلى الأبد ، فلابد ان يأتي  يوما ويتم  ظهوره  في العلن.

              مررت بالتجربة المريرة من معارضة قوية بالخارج على مدى إثني عشرة عاما سببت للنظام الكثير من المتاعب ، ومع ذلك رجعت للوطن مارس 1991 م مضحيا بكل شئ معتمدا على الله تعالى في عز عنفوان اللجان الثورية والبحث عن طرائد للتضحية بها حتى يرضى الطاغية ويشبع من سفك دماء الأبرياء ...  وجئت للوطن طواعية بعد خطاب المصالحة والعفو بثلاث سنوات حتى تأكدت بدون أية صفقات كانت ، والحمد لله تعالى وعمل الخير ورضاء الوالدين ،  أعماهم الله تعالى عنى ولم أذهب ضحية مقتولا ، أو سجينا بالسجون سنين عديدة منسيا مثل ماحدث للكثيرين  من رجال ليبيا الاحرار الذين معظمهم قتلوا شر قتلة وبالأخص فى المذبحة المشؤومة في معتقل سجن أبو سليم التي ضاع فيها أكثر من الف وأربعمائة ضحية من رجال وشباب الوطن في ساعات بدون اي عدل ... قتلوا ببرود أعصاب وكأنهم حشرات ضارة وليسوا مواطنيين بشر من حقهم الحياة ....  مر علي في الوطن من يوم الرجوع إلى يوم التمرد والثورة عقدين من الزمن عشتها تحت الأنظار والملاحقة طوال الوقت في حصار شديد وسجن عدة مرات في الحجز وتحقيقات عديدة ترهق الأعصاب مما أصبت بالعديد من الامراض الصعبة التي أعاني من  شرورها وآلامها الآن وعدم إعطاء الفرص في العمل الشريف وعشت على الكفاف بعد أن كنت ميسور الحال بعيدا عن العائلة ممنوعا من السفر للخارج ، فقد كان جواز سفري الوطني  محجوزا طيلة  سبعة سنوات من الزمن ، ولم أتنازل عن المبدأ والكرامة مهما قدمت لي من إغراءات من بعض المسؤولين الجهلة الغافلين لشراء  ذمتي و الذين  كانوا يعتقدون أنه بالمال قادرين على عمل أي شئ كان ...  ورفضت الجاه والمال الحرام حتى قامت الثورة يوم 17 فبراير 2011م وتم قتل الطاغية في يوم 2011/10/20م  بعد مقاومة عنيفة ودمار وخراب على جميع المستويات ومطاردات ونهاية النظام الجماهيري للأبد... رجوع هؤلاء المواطنين الهاربين الذي كانوا يوما بالسابق دعامات قوية للنظام الجماهيرى بعد سقوطه فى مثل هذا الوقت الغير مستقرا على كف العفريت يتأرجح ،، الوضع الساخن لا وجود لدستور وقانون يردع المجرمين ولا حماية ولا عدل ...  له أسئلة عديدة عليها علامات استفهام كثيرة وخطيرة تحتاج إلى أجوبة شافية والحقيقة يعلمها الله عز وجل ، حيث يوما ما سوف تظهر الكثير من الاسرار والحقائق الخافية علينا ، والله عز وجل في عون الجميع

والله الموفق

 رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment