بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة
يقولون في الأمثال الشعبية "الجنة من غير ناس ما تنداس" ومهما كان جمالها وحسنها فالانسان لا يعيش سعيدا طالما هو وحيدا بدون اصحاب ومعارف... حيث العيش والاقامة صعبة بدون رفاق وأصدقاء يتحدث معهم في أي موضوع لتمضية الوقت ويستأنس بوجودهم بجانبه ساعة الحاجة والطلب ... ولم أعرف بصدق هذا المثل حتى مررت بالتجربة وقضيت سنين عديدة في الغربة مع العائلة وأبنائي والاحفاد لوحدنا من غير معارف وأصدقاء بالقرب منا ، حيث الجالية العربية كل إنسان في حاله يعاني همومه للعيش الكريم وليس لديه الوقت في الزيارات اليومية حيث يعمل طوال ايام الاسبوع ، لا نتواصل ولا نجتمع الا في المناسبات و الأعياد ، وحالات الزيارة للمرضى أو للتعزية في وفاة عزيز قريب بالوطن مما تزداد الألفة بالإجتماعات واللقاءات الأخوية ويمر الوقت بسرعة وسهولة في أنس مع الأخذ والعطاء.
والتواصل بيننا عبر الحاسوب والهاتف بين الحين والآخر ، فالعائلة تستقبل يوميا العديد من الاتصالات الهاتفية العائلية من كل مكان وبالأخص من أبنائنا بعد ساعات العمل في المساء ، فهم يتصلون ويسألون عن الصحة والعافية وإذا كنا محتاجين إلى اي شئ للخدمات السريعة في حدود الاستطاعة والقدرات حيث نحن الوالدين تقدمنا في السن متقاعدين مرضى إلى أن يفرجها الله تعالى ويمن علينا بالشفاء والرجوع إلى وطننا المختار ... واللقاءات الشخصية والقدوم للبيت عطلة نهاية الاسبوع والمبيت ليلة معنا حيث المسافات بعيدة بين الواحد والآخر في السكن مع أننا نعيش في مدينة واحدة كبيرة دالاس فورت وارث في ولاية تكساس متعددة المدن والضواحي يسكن ويقيم بها حوالي ستة ملايين نسمة تعداد وطننا المختار ليبيا ، بدون أية مشاكل مهما كانت حيث الوضع مستقرا والقانون سيد الجميع وكل من يخطأ بقصد وتعمد يحاسب بالعدل ، والقصاص والعقاب الرادع متى تم إثبات التهمة بعد إعطاء المتهم جميع الفرص للدفاع عن نفسه و يكون العقاب حسب الجرم بدون شفقة ولا رحمة ولا واسطات والأخذ بالخاطر والرشوة كما يحدث في أوطاننا العربية من تجاوزات...
حياك الله تعالى ياوطني الثاني ، وطن النسر رعاة البقر الذي آوانا وشملنا بكل التقدير والإكرام عندما كنا في مسيس الحاجة للإيواء والحماية مطاردين من نظام فوضوي يريد كتم وإخراس الأصوات لكل من يرفض مسيرة الجماهير الغوغائية وتعاليم الكتاب الاخضر التافه في معانيه وإرشاداته كنظرية ثالثة للعالم الثالث لا يعرف الباحث البداية ولا النهاية حيث صادرا من عقل مخبول مجنون ، وضمن مضامينه وتعاليمه حكم الجماهير والخلاص والتصفية لأي معارض يرفض الأمر بأي طريقة كانت ... من ضمنها وآخرها تضييق الخناق في العيش عليه بطرق شيطانية لا تخطر على البال ، غلق ابواب الرزق الحلال الشريف والإتهام في اي وقت من صعاليك اللجان الثورية كتصفية حسابات قديمة تافهة مرت ومضت وإنتهت عفى عليها الزمن حتى يرضخ ويركع رغما عنه نظير الضغوط الكثيرة مما الكثيرون من الوطنيين الأحرار ذوي الدم الحار الساخن عندما أتيحت لهم الفرص للنجاة ، هربوا من الوطن من جنة العقيد الطاغية الخضراء .. مأثرين الغربة والتعب والمعاناة والمرارة على البقاء في حالات الانتظار والرعب من قدوم زوار الليل او النهار من رجال الأمن واللجان الثورية للسؤال والقبض العشوائي والعذاب في حالة الشكوك للحصول على إعترافات للتغطية والعقاب القاسي والسجن بدون قضايا ولا أي وجه حق ولا عدل كان بهدف إشاعة الخوف و الارهاب ، والجميع يطأطؤن الرؤوس للتفاهات بدون أي سؤال و لا رفض....
وجدنا التقدير والاحترام وراحة البال والسعادة بدون خوف ورعب وأهمها كانت الحماية ، الأمن والأمان ، مما عشنا سعداءا بالجنة الدنيوية حتى مرت الأزمات الصعبة على الخير والسلام وزادتنا صلابة وقوة وإيمان ... وتعرفنا على طريقة الحياة الجديدة التي تختلف إختلافا كبيرا عن حياتنا السابقة ، مما أخذت بعض الوقت حتى تأقلمنا وعرفنا وأصبحنا من ضمن المجتمع الجديد نعيش في ظل القانون... ومهما مر الوقت في الغربة من سنين عديدة مرت ومضت ، لم ننسى وطننا الاول ونتجاهل مسقط الرأس حيث ولدنا وترعرعنا ولدينا المعارف والأقرباء والأصدقاء الذين يوميا بالسابق كنا في لقاءات واتصالات وزيارات والتي فقدناها بعد الغربة والبقاء في أوطان الآخرين لاجئين ، والوقت والزمن يمر علينا بسرعة ونحن لاهون في هموم الحياة والعيش الكريم ضمن الأصول والدين حيث نحن سفراءا في المجتمع الجديد تحت الرقابة ... اجهزة الامن العديدة تراقب في الصمت والسر بدون أي نوع من المضايقة مهما كانت ، يراقبون مسيرتنا وتوجهاتها من غير ان نشعر أو ندري .
اليوم الطقس جميل ومعتدل ، و نحن نقيم في مزرعة بأطراف المدينة والجيران بعيدين وكل واحد في حاله وشأنه بدون اي إزعاج للآخرين حسب حياتهم وعاداتهم ، والزيارات ضمن مواعيد مرتبة مسبقا بالهاتف بفترة حتى يستعد الجار للزيارة ، وليس كما في أوطاننا عدم الاحترام والكياسة بدون مواعيد يطرق باب البيت في أي لحظة للزيارة والإزعاج بدون القصد، والتي للأسف تدل على عدم التحضر والسمو... السماء صافية بدون سحب وغيوم ومهما مد الانسان البصر يشاهد بدائع الرحمن تعالى في عظمة الخلق والابداع ، فقد بدأ فصل الربيع في الحلول ، والارض والأشجار تزهو بالاخضرار وتسبح للخالق الأحد على كرمه وعطاياه التي لا تعد ولا تحصى لبني البشر اللاهين في إتباع خطوات الشيطان الرجيم من فساد وإفساد في الحرث والنسل الناسين عظمته وإبداعه وأنهم مخلوقين من دم ولحم ذرية سيدنا آدم وأمنا حواء عليهما السلام ، وأن لكل شئ ثمنا ضرورة التقديم والدفع بأي طريقة كانت له لمن اراد الحياة الكريمة وراحة البال بالدنيا والفوز بالجنة...
جلست خارج البيت في الساحة الكبيرة على الكرسي الهزاز مستمتعا بأشعة الشمس الذهبية الدافئة مشاهدا البدائع ، الجنة الحقيقية بالدنيا، بدون خوف ولا رعب و لا ملاحقة ، ولا أية مضايقة كانت وإزعاج يعكر صفو الحياة وتبادر للذهن وطاف بالخيال المثل الذي ذكرته بالأول (جنة من غير ناس لا تداس) مما كانت لحظات وجوم هم وغم غير سعيدة ، عذاب وتإنيب للضمير بالنفس على الغربة مرارتها ومعاناتها، فأنا المسؤول الأول على الهجرة وخروج العائلة هاربين وتربية الأولاد والأحفاد خارج وطنهم وبيئتهم الحقيقية حيث أنا شخصيا ، هناك في الوطن الأول ليبيا المختار في مدينتي درنة ، معروف معرفة جيدة من معظم الجميع و ألاقي المودة والإحترام والتقدير ولي وضع خاص في اي مكان أحل به محترما حيث الاسم معروف مشهور في المجتمع ، يسبقني قبل الوصول إلى أي مكان !!! غير الوضع الذي فيه نحن الآن بالغربة مجهولا من الجميع معروفا كرقم على الحاسوب ، مما مزايا كثيرة حسنة ضاعت في الخضم والغربة ....
قلت للنفس سبحانك رب العالمين لولا الضغوط والمعاناة والمرارة والزحف والتأميم لجميع ما أملك في وقت قصير ولم تتاح لي الفرص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ووضع الاسم على لائحة المطلوبين من رجال الأعمال بالقبض و الحجز في معتقل 7 ابريل في مدينة بنغازي كما قضى به البعض من الأصدقاء فترة رهن الإعتقال وشاهدوا الويل و التعذيب و هم مظلومون بدون أي ذنب كان ، غير انهم كانوا أثرياء ... والذي بحمد الله تعالى ورضاء الوالدين و العمل الخير والطيب لخدمة الآخرين ، تم إبلاغي في الوقت المناسب بما يحاك لي من شرور وهوان وأنا بريئا من غير أي تهم ... كنت لا أفكر في أي لحظة في الهرب والخروج من الوطن والبقاء والعيش بالخارج طريدا !!! إنها حكم وأمور غيبية لا أعرفها مهما حاولت المعرفة حيث الحياة لها حسنات وسيئات سعادة وفرح ، ومرارة وحزن ومن غير تجارب ومحن قاسية صعبة قوية لا يتعلم الانسان مهما درس في الكتب وأخذ العبر من تجارب الغير إذا لم يمر شخصيا بالمعاناة ويذوق المر على الطبيعة حيث تصقل الروح ويزداد معرفة وحكمة ومناعة من خلال التجارب والمرارة وبالأخص المسؤول عندما يصل يوما منصورا لقمة السلطة الذي يعامل الجميع بالمودة والإخلاص والحق والصدق ضمن الاصول والحقوق بدون أية محاباة لأي طرف على آخر... مما يكبر مستواه ويعلو شأنه في عيون المواطنين وبالأخص المقربين ، وتستمر خطواته في طريق النجاح بإعتدال ويصل إلى الهدف مهما طال الوقت ومهما كانت العوائق والعراقيل ، الفوز والنجاح مضمون بإرادة الله تعالى وليس كما يحدث الآن وحدث بالسابق ، الجري للحصول على المناصب والثراء الفاحش في غير طاعة الله تعالى...
فرحت وسعدت كثيرا عندما سمعت الأخبار المفرحة السعيدة بأن مدن درنة وبنغازي في المنطقة الشرقية تحررت من السيطرة والهيمنة والمعاناة من إخوان الشر الخوارج المرتدين، وإن شاء الله تعالى بقية المدن الأخرى عن قريب يتم الخلاص وتطهيرها ، وقلت سبحانك رب العالمين ، لا يصح إلا الصحيح وليبيا وطن المختار طاهرة نقية مهما حاولوا العبث وتشويهها بأي صور شيطانية... لك الشكر والحمد ياربنا الذي أيدت ونصرت الوطنيين الصادقين في الجهاد والكفاح من أجل الحق والصدق ، طالبا من الله تعالى أن يستمر النصر ولا يصاب بنكسات، حسب المثل الشعبي الذي يقول ويتردد في الأوساط " رجعت حليمة لعادتها القديمة" ، فالشعب قدم الكثير من الضحايا والتضحيات خلال المسيرة الطويلة في الكفاح والمعاناة، من قبل الاحتلال الإيطالي والعهود التي مرت في الأفراح والأتراح منذ ذاك الوقت ... يكفي من الدم والخطف والنهب والصراع والتناحر على السلطة في الوقت الحاضر، فقد بلغ السيل الزبى و فاض الشر في الإناء عن الحد ولا يستطيع تحمل المزيد من المهاترات والتراهات من أشباه رجال منافقين أدعياءا بالوطنية والثورية طامعين في السلطة والنهب والثراء الحرام من أموال المجتمع... والله الموفق ...
رجب المبروك زعطوط