بسم الله الرحمن الرحيم
الحاجة صفية ( الولاء والوفاء )
قصص وأحداث وحوادث فردية كثيرة وطنية لم تذكر ولم تروى ولم تدون كتابة على الورق حتى يعرفها معظم أبناء الشعب التي قام بها الكثيرون والكثيرات بصورة عفوية نظير الحب والولاء للوطن، عن وطنية نابعة من القلب، بغض النظر على النظام حيث الشعور القوي لدى الإنسان وقت الغيظ والغضب تجعله وحشا جريحا شرسا لا يتوقف بسهولة وبالأخص عندما يهان من الغير بقصد الاستهزاء والسخرية من بعض الأجانب القادمين للعمل والإسترزاق بالوطن.
تحز في النفس مشاهدة إخوتنا أبناء الوطن وهم يسمعون القذف والسب ولا يفهمون اللغة ولا الغمز ولا اللمز الذي يدور مما يبتسمون لهؤلاء الصعاليك وهم لا يعرفون ماذا يقولون عنهم من كلمات ومعاني قذرة تمس الكرامة والحياء، ولو يفهمون ويتكلمون اللغة بطلاقة لكان الرد صعبا مشادة قوية وضربا مبرحا حتى يتعلموا الدرس ولا يستهزؤن على الشعوب الأخرى لأي سبب كان إلا بالحق .
قصص ونوادر كثيرة حدثت ، أحببت تجميعها وكتابتها ونشرها في المدونة حتى يعرف الكثيرون من أبناء الشعوب الأخرى بالعالم مدى حبنا نحن الليبيين الوطنيين من الجنسين للوطن ، وماذا قدمنا من تضحيات خلال الأوقات الصعبة، مثلا أثناء الحصار الإقتصادي الذي دام سنين عديدة على الوطن نظير قضية لوكربي المفتعلة (سقوط الطائرة الامريكية) والشعب الليبي كان بريئا ومظلوما من الحدث ودفع وقدم الثمن الغالي نظير الاتهام الزائف من هيئة الأمم المتحدة لإبتزاز الطاغية القذافي أنه وراء الحدث.
الشعب الليبي بسيط وقليل العدد والكثيرون يجهلون قدراته غير آبهين ناسين قيمته ومعتبرين أنه لا وزن له، يعتقدون أنه جاهل لا يفهم وهو عملاق كبير مكبل بالأغلال والقيود طوال عقود من الإرهاب نتيجة القتل والتعذيب لأتفه الأسباب... والقصة والحكاية حدثت في التسعينات من القرن العشرين الماضي أثناء الحصار الجوي المفروض على ليبيا والمنع للسفر بالطائرات للخارج أو القدوم، مما تسبب في الكثير من المعاناة والتعب للمسافرين الليبيين الابرياء نظير الحاجة للسفر .
حدثت في مالطا حيث كانت الحاجة زوجتي وإبنتنا الصغيرة الطالبة ذات الثمان سنوات أثناء العطلة الصيفية للمدرسة في امريكا في زيارة إلى ليبيا للأهل والأقارب وكانت الوسيلة الوحيدة للوصول السهل عبر مالطة بحرا بالسفن او بالبر عبر الحدود سواءا من تونس والجزائر ام مصر وغيرها الحدودية ، وكانت مالطة مركزا ومحطة عبور لجميع الأجانب العاملين في قطاع النفط والنهر الصناعي لجلب المياه في أنابيب ضخمة من الصحراء للمدن .
الجميع يتزاحمون على صعود الباخرة الليبية المتجهة إلى طرابلس العاصمة ، ويمرون بمعاناة ومضايقات بلا حدود نظير الجهل والخوف من تسرب البعض الضارين بالنظام والانتظار في الطابور الطويل للفحص وختم تذاكر الصعود بالساعات وكانت الحاجة تنتظر دورها لتسأل عن التذاكر والحجز من ليبيا من طرف والدها.
أثناء تلك الفترة الطويلة في الوقوف في الشمس المحرقة ولا من مهتما بالوضع ، والفوضى عارمة والزحام من المسافرين الركاب يتدافعون على السلم مثل العادة الليبية للجماهيرية الفوضى والهرج والمرج، حيث كل راكب يريد ويرغب ان يكون الأول في الصعود بدون ترتيب ونظام وإحترام الدور فى طوابير... وكانت فرقة أجانب كنديين من مهندسين وفنيين في قطاع النفط في الطابور الطويل يتسامرون يمزحون ويستهزئون على فوضى الليبيين ويقولون كلاما كثيرا بذيئا ونكتا قذرة تجعل الدم في عروق أي ليبي وطني فاهما اللغة والمعاني يغلي من الغيظ والغضب... كانت الحاجة وراءهم في الطابور مع إبنتنا الصغيرة بالكاد واقفة من التعب وطول الانتظار وتسمع النقد الجارح البذئ لبني الوطن والإستهزاء عليهم وهي تغلي من الغضب في صمت .
قاومت الكثير ولم تتحمل السكوت والصمت وربتت على كتفيه وتدخلت في الحديث بغضب وفوجىء الكندي بالرد الغاضب وتلعثم في الكلام ولم يعرف الرد المناسب عليها غير تمتمة كلمات غير مفهومة نظير المفاجأة ، لم يكن يدرى ويعتقد أن هذه السيدة الليبية الواقفة بجانبهم تتحدث جيدا اللغة الإنجليزية، و سمعته طوال الوقت وكيف كان يسخر ويستهزء على الليبيين العرب .
حاول البعض من رفاقه التدخل في الأمر والإعتذار وأنه لا يقصد السباب لأنه مخمورا ونشوان ، ولكن الحاجة تمادت وقالت له بصرامة وكأنها محقق أمني ماهو عملك في ليبيا؟؟ ورد عليها مرتبكا وقال لها فني في شركة نفط ، وردت الحاجة هذا التعب والمعاناة لنا نحن الليبيون سببه أنتم الأجانب فقد صوتت دولتك كندا على الحصار الآثم بالموافقة في مجلس الأمن على الحظر الجوي وكبرت القصة وتباعد رفاقه عنه وبدؤا يغنون في أغنية شائعة في ذلك الوقت بينهم على وصول كائن من الأجرام السماوية إلى الأرض ليتجسس على البشر ومعنى الأغنية لرفيقهم ليحتاط فهذه السيدة ممكن تكون من اللجان الثورية الأمنية، وردت عليهم ساخرة مستهزءة وقالت آسفة الأغنية معروفة وأعرف ماذا تعنون وتقصدون مما زادوا ارتباكا ، وقالت: عليه الإعتذار وأن يحترم الشعب الليبي إذا أراد أن يسافر ويعمل فيها .
وفي تلك الأثناء حضر الكثيرون من المسافرين وحراس أمن الباخرة لمساعدتها عندما عرفوا المشادة والقصة مهنئين لها على الموقف النبيل الذي يشرف أي مواطن ومواطنة ليبيين ويقولون لها (صحيتي ياأخت) وتمت معاونتها في حمل الحقائب ووسع لها الجميع الطريق حتى صعدت على الباخرة بدون تذاكر وتمت التوصية عليها وقادها أحد المسؤولين والعامل وراءهم يحمل في الحقائب ويفتح في الأبواب حتى الغرفة المطلوبة، وقال سيدتي تفضلي هذه من أحسن الغرف لدينا لترتاحن .
دخلت الحاجة صفية وإبنتنا الصغيرة وهي غير مصدقة كيف تمت الامور وفتحها الله عز وجل في وجهها بهذه المشادة مع الكندي الغير مقصودة والغير مرتبة والتي حدثت عفويا، و تجد نفسها من أوائل الركاب وبأحسن الغرف في الباخرة بعد الوقوف الطويل والإنتظار في الشمس اللاهبة والمعاناة والتعب نظير السفر الطويل عبر القارات من أمريكا إلى جزيرة مالطة مجانا بدون تذاكر .
نهاية الأصيل تم الصعود للجميع وبدأت الباخرة مع حلول المغرب والظلام في الإقلاع ببطء من الميناء متجهة إلى طرابلس ليبيا وخرجت زوجتي وابنتي وجلستا على كرسي طويل على الجسر تشاهدان الميناء بأنواره المتلألئة وهو يتباعد رويدا رويدا وتستنشق هواء البحر العليل عندما مر فجأة المسؤول المراجع وقال لها متسائلا هل تعشيت ياحاجة ؟ وردت بأنها لا تريد الزحام وسوف تنتظر حتى يخف ورفض وطلب منها ان تتبعه إلى المطعم وتبعته وأميمة بجوارها عبر الطرقات الخلفية في الباخرة وفتح أحد الأبواب المؤدية إلى صالة الطعام حيث البوفيه جاهزا من جميع أنواع الطعام الشهي مما لذ وطاب للمسافرين وجبة العشاء ، واختارت طاولة لتناول الطعام ، وعبأت صحون الطعام الذي تحبه وبدأت في الأكل اللذيذ إلى أن تم فتح الباب ودخل المسافرون بسرعة للعشاء ووجدوها أمامهم مع أبنتها تأكل في راحة مما تم الإستغراب من كثيرين ماهذه الشخصية التي تعامل بكل الإحترام والتقدير ... والبعض يتهامسون أنها من الأمن والمخابرات (واصلة) على الطريقة الليبية وهي براء من التساؤلات والإتهامات ولكن هذه عادة الليبيون البسطاء نظير الخوف والرعب من النظام القمعي كل شىء غير عادي يتم تأويله إلى العيون والجواسيس التابعة للأمن .
تطلعت فى وجوه المسافرين الكثيرين ولم تشاهد الفني سبب المشادة ولا المجموعة الكندية في الصالة . وذهبت إلى الغرفة للنوم والراحة ، وبالصباح في صالة الطعام لوجبة الافطار وقبل ان تنتهي مر عليها احد افراد المجموعة الكندية يعتذر على سوء تصرف رفيقه ويطلب منها السماح له ، خوفا عليه من البلاغ للسلطات مما قالت لا مانع بشرط ان يتعلم الدرس ويحترم الآخرين مستقبلا ولا يستهزئ عليهم.
وصلت الباخرة إلى ميناء طرابلس ورصفت على الرصيف حوالي الضحى ونزلت مع الركاب والجميع يساعدون فيها على حمل الحقائب ومرت على الجمارك للفحص ولم تفتح لها اية حقيبة حيث جماعة أمن الباخرة من بعيد شاهدتهم وهم يشيرون عليها لضابط الجمرك بعدم الإزعاج والتدقيق مما مرت بسلام ووجدت نفسها خارج الميناء أمام صالة الوصول ولم تكن سيارات أجرة متوفرة للنقل مما جماعة الأمن قاموا بمساعدتها وركبت حافلة النهر الصناعي مع المدراء والفنيين إلى موقع المركز الرئيسى وبعده بسيارة خاصة إلى المطار ولم يكن لديها حجزا على الطائرة ولاتوجد مقاعدا للحجز عندما سألت... مما أسقط في يدها ، ولكن سائق العربة الذي أوصلها كان يتمم الإجراءات لبعض المسافرين الأجانب وجدها حائرة، حجز لها مقعدين من مقاعد النهر الصناعي الموضوعة للطوارىء وأحضر لها بطاقات الصعود ودفعت له قيمتهما وهي شاكرة وممتنة وكانتا من أوائل الركاب على متنها، وصعد الركاب ووجدوها قبلهم جالسة ، وكل هذه المصادفات دليلا على حسن النية والحظ ووصلت إلى مطار بنينا بنغازي وكان والدها الحاج محمد في إنتظارها و فرحة بالوصول .
حضرت إلى درنة وأقامت بالمزرعة فترة اسبوع ، وسافرت إلى بنغازي لزيارة بقية العائلة من الأخوات والأقارب ولم يكن لدي علم بالموضوع والمشادة كاملة غير رؤوس أقلام بدون الشرح الكامل حتى فوجئت يوما بالمزرعة حضور مدير الأمن الخارجي في منطقتنا درنة (العقيد فتحي خليل) حوالي الضحى وطلب مقابلة الحاجة للحديث معها في موضوع هام وخاص وكان الرد حاليا غير موجودة ، وأصر على رؤيتها لقفل الموضوع والملف حسب قوله وخفت عليها أن تكون متورطة في أي شىء أحضرته معها أو بالصدفة في حقائبها وبالأخص المناشير ومجلات المعارضة حيث كانت جريمة كبرى وقتها يحاسبون عليها بأقصى العقوبات .
منع الإعلام الحر من التداول بأي صورة كانت للجماهير بالداخل المحرومين من المعرفة سنوات عديدة من المجلات والصحف والكتب المعادية في نظر المسؤولين ، وتتداول في السوق كتب وصحف النظام والمجلات المأجورة من عديد من الدول العربية وليس مثل الآن كل المعرفة متوفرة (بالنت والشبكات العنكبوتية والقنوات المرئية الفضائية) .
وإضطررت للذهاب معه إلى بنغازي في سيارته وهو يقود مما إعتبرت الأمر هاما محاولا معرفة كل شىء حتى أستعد له وحاولت إستدراجه طوال الطريق لأعرف أي شئ عن الموضوع كرأس خيط حتى ترتاح النفس من التساؤلات العديدة ، ولكن بدون فائدة فقد كان خبيرا في الإستدراج والحيل حيث هو رئيس الدائرة والمدير... ووصلنا إلى بنغازي و تمت المقابلة في بيت والدها في الحدائق بالفويهات وسمعنا قصة المشادة كاملة منها وشكرها على وطنيتها وموقفها وتصديها الجيد للأجانب، وأنا أسمع في الشكر والثناء سعيدا فرحا ان الأمور انتهت على الخير ، وطلب منا زيارة المدير للأمن في مقر الرئاسة للمنطقة الشرقية في منطقة الحدائق الفويهات، العميد عبد المولى العرفي ، مما فعلنا للتأكيد على الموضوع وقفل الملف للأبد ، وتركت الحاجة في بنغازي لتكملة زياراتها ورجعت بالمساء مع العقيد فتحي إلى مدينة درنة وأنا سعيدا مزهوا على الموقف الوطني للحاجة وأن الأمور مرت بخير... والله الموفق...
رجب المبروك زعطوط
البقية تتبع...
No comments:
Post a Comment