Sunday, July 26, 2015

قصصنا المنسية 30

بسم الله الرحمن الرحيم

 مدينة درنة الصحابة 5

               زاد الضغط على المدينة، لا أعمال ولا إستثمارات ولا حركة تجارية رائجة مما أصبحت مدينة درنة تحتضر، بالكاد ذلك الوقت تعيش وتتنفس شبه مهجورة من السكان إلا من القلائل المارين في الشوارع الضيقة... تحمل لقب شوارع بمقاييس ذاك الوقت وهي أزقة ضيقة (زنقة) ، معظم الدراونة خارج المدينة في طلب الرزق والموجودون قلة من الرجال والشباب وأكثرهم كبارا في السن عواجيز وأولاد صغار، ومعظم الشباب والرجال طلبة بالجامعات المحلية وبالخارج في طلب العلم، ومتطوعين طلبة بالكليات العسكرية من جيش وشرطة والكثيرون كانوا يعملون في الصحراء مع شركات النفط في وظائف عادية وكان إعتماد الدراونة على العمل في المدن الأخرى وبالخارج لإعالة عائلاتهم بالداخل، وتزداد رواجا وحركة فترات العيد والمناسبات والعطلات حيث معظم المهاجرين المقيمين في بنغازي والبيضاء و طبرق والبعض من طرابلس يأتون لزيارة الأهل ، وتمضية بعض الوقت .

           كانت حالة المدينة منذ عام 1956م إلى عام 1972م صعبة ومعاناة بالكاد تعيش ضمن الكفاف إلى أن بدأت طفرة غير عادية عشوائية بسيطة حوالي 5 سنوات من البناء والتعمير بعد الإنقلاب الأسود 1969م وغياب المملكة ولم تستمر طويلا حتى تم الزحف والتأميم عام 1978م وضاعت جميع الطموحات، وإنتكست المدينة مرة أخرى ودخلت ضمن سجل التهميش لسنوات عديدة ....

             مشاريع الإعمار والبناء وتشييد البيوت للسكن في جميع أنحاء ليبيا كان لغرض في نفس يعقوب من قبل القذافي، حتى يستجمع الأنفاس و يتحصل على الوقت لوضع وغرس أساسات الشر من معاونيه ورجاله الأوفياء الجهلة في مراكز حساسة ليقود الوطن حسب رؤياه وتطلعاته وكان التركيز على الجنوب الذي وقتها كان شبه منسيا، يعيش على الفتات، والثروة النفطية بدأت في الجريان والسيولة في أيدي الحكومة بقوة وظهرت بعض القبائل المغمورة والتي ليس لها ذكر ولا صوت أيام المملكة مهمشة تعيش وتنمو وتزدهر على السطح نظير بعض أبنائها الموالين للإنقلاب وهم غير مؤهلين للسلطة والحكم حيث لا علما ولا تجربة .

                 حدثت تجاوزات رهيبة أخطرها ملاحقة الطلبة المعارضين الأحرار الشرفاء والتشديد عليهم ومنع اللغات الأجنبية من التدريس بالمدارس والجامعات وحرمت أجيالا كثيرة من العلم والفهم ومعرفة ماذا يدور في العالم الخارجي من أمور، تحتاج إلى لغات أجنبية حتى يستطيعون الفهم والعمل ضمنهم بسهولة بدلا من الإحتياج إلى مترجمين مما يضيع الوقت والمال نظير عدم الرؤيا المستقبلية البعيدة والتعصب والجهل الشديد والنقص بالنفس بحيث لا يرغبون للآخرين بأن يكونوا أحسن مستوى علمي وفهما منهم .

                  حصلت مدينة درنة على نصيبها من الطفرة ، الفتات من البناء التقليدي للبيوت والشقق حيث اخوتنا   المهندسين المصريون (الجيل السابق)، الله عز وجل يسامحهم، خططوا لبناء المدن وبالأخص في المنطقة الشرقية وتم رسم الخرائط بنفس العقلية المصرية الضيقة في ذلك الوقت ، البناء الرأسي وليس الأفقي ونحن لدينا مساحات الأرض وقلة عدد السكان وعاداتنا تختلف كل الإختلاف في العيش سواءا الأفراح أم الأتراح ولدينا المال للتشييد والبناء فنحن كنا أثرياء مال ولكن فقراء عقول وخبرات وتجارب ، في ذاك الوقت،  حيث كنا نعيش في الأحلام الوردية وأمجاد الأوائل من الجدود من غير أن نعمل بجد ونصنع أمجادنا بأيدينا وقدراتنا .

             المشاكل عديدة ومنها العمالة المصرية الرخيصة، حيث كل من هب ودب وأتى إلى ليبيا من عامل عادي في وقت قصير، اكتسب الخبرة من التعامل مع  البسطاء الجاهلين وأصبح فنيا (معلما) حسب مايقولون وذلك في غياب الرقابة الصارمة حيث وقتها لم يكن  يوجد مهندسون ليبيون كما الآن بالعشرات ومعظمهم بحاجة إلى التقييم والتأهيل من جديد وإعطائهم دورات جديدة على الطرق الحديثة والبناء حسب متطلبات العصر، وليس الضخامة الزائدة عن اللزوم في حسابات البناء والتنفيذ لكميات الحديد والإسمنت وكأننا نريد العيش آلاف السنين .

            أبناء الشعب معظمهم ليس لهم دراية بالعمل والبناء، جهلة بالتشييد،  مما ضاعوا أمام نصائح الفنيين والذين هم أصلا لا يفهمون بل عمالا بسطاء،حيث البنائون المهرة لم يخرجوا مغتربين إلى أي مكان حيث الطلب عليهم شديد في مصر بأجور عالية .

              هذه حالة مدينة درنة بدون تخطيط كامل حديث بل انتشر البناء العشوائي، وأيامها كنت مقاول لبناء الطرق ولطالما حدثت مشاكل في التنفيذ حيث كنا نقول ونخاطب رسميا ضمن المراسلات الموثقة عمداء البلديات ونلفت انتباههم  في عديد من المناسبات إلى أن الشوارع ضيقة، عبارة عن  أزقة،   حيث عرضها في التفرعات بضعة أمتار وصعب دخول الآليات الثقيلة والعمل وسط السكان وحركة المرور، ولا يردون على مراسلاتنا ولا يهتمون بالمصلحة العامة ، وكنا نرغم من المسؤولين في الإدارات الحكومية الكثيرة على التقيد بالرسومات الخاطئة حتى لا يثبت العجز لديهم ومهما حاولنا الرفض والعناد وعدم التنفيذ ، جوبهنا بالتهديد وسحب العقود من التنفيذ وترسيتها على آخرين لا يهمهم صلاح المدينة، بل كم الإستفادة الشخصية من أموال حرام .

            تم  صرف الملايين خلال 42 عاما والمدينة لم تظهر بالمظهر الجميل اللآئق، مع ان مدينة درنة جميلة بطبيعتها ولها مميزات عديدة بحاجة للصقل وتحتاج إلى تغيير شامل، أو بناء مدينة جديدة في منطقة الظهر الأحمر حيث المساحات الشاسعة وتوفر المياه بغزارة من البحيرة الجوفية الكبيرة تحتها حسب تقارير الخبراء الجيولوجيين .

               نحتاج إلى بناء مدينة درنة الجديدة بحيث تصبح جوهرة يضرب بها المثل، ليس في ليبيا والوطن العربي فقط بل في جميع انحاء العالم، إذا أتيحت لنا الفرص وخرجنا من دوائر الدسائس والمكايد وأيادي الشر... فالنظرة ليست ربحا ماديا ولكن الوضع بصمات سوف نذكر بها أو ونخلد إلى الأبد لو تم التنفيذ كما يجب، فنحن أبناء المدينة (وأهل مكة أدرى بشعابها) .حيث تصوراتي وكلماتي ليست رجاءا لأي من المسؤولين الحاليين  أو القادمين مستقبلا... نريد ونرغب مساندة المدينة والمنطقة وإعمارها وفتح فرص عمل كبيرة لليد العاملة وشبابها وبناء المساكن اللائقة الحديثة مع جميع ملحقاتها من أعمال مدنية حتى يسعدوا في العيش الكريم.

               التشجيع على الزواج الجماعي حتى يكثر العدد، ولن نقف مكتوفي الأيدي كما كنا من قبل تحت أي ظرف ننتظر القرارات حتى تصلنا من أصحاب القرار من العاصمة طرابلس، ولكن حقنا كدراونة في ثروة بلادنا نظير دم شهدائنا ونظير تهميشنا طوال هذه السنين منذ الإستقلال، وسوف نأخذه بالحوار والنقاش والمنطق ضمن الدستور والقانون.

             إذا تطلب الأمر المتابعة الشديدة والمظاهرات والاعتصامات حتى نصل إلى الهدف الذي هو ليس طلبا شخصيا ولكن طلب الجماهير الدرناوية من جميع شرائح الوطن حتى ننهض من الكبوة والتهميش المفتعل بالقصد .

           لقد أثبت رجالنا وشبابنا قدراتهم في ميدان الحرب والنزال والقتال ضد الطاغية وشرفوا مدينة درنة أمنا، والآن نحن رجال الأعمال في السلم والسلام ذوي الخبرات والتجربة، جاء دورنا وسوف نثبت مدى قدراتنا في الإعمار والبناء والتشييد إذا أتيحت الفرص لأبناء المدينة الشرفاء الغيورين على مصلحتها حتى يعم الخير على الجميع في المنطقة ويتوقف القطط السمان وأشباه الرجال أدعياء الوطنية عن السلب والنهب... والله الموفق .

           رجب المبروك زعطوط

 البقية تتبع...

No comments:

Post a Comment