بسم الله الرحمن الرحيم
دورة الحياة
( 1 )
الحمد لله تعالى أن جعل دورة الحياة مستمرة إلى أن يشاء من وقت وكل شئ يرجع إلى أصله من البداية كما خلق ، مهما طال الوقت ، حيث الصراع بين الخير والشر منذ بداية الأزل و إلى إنتهاء الأجل ونحن بشر مخلوقات مسيرة بالقدرة الإلاهية نعيش ونحي فترة زمنية ضمن منظومة الحياة ونموت ويأتي بعدنا آخرون وآخرون الخ .... لعبادة الخالق تعالى وإعمار الارض إلى يوم القيامة والحساب والجزاء على أعمالنا الخيرة أم الشريرة أثناء الحياة الدنيوية حيث الدنيا فانية ولن يبقى في الوجود إلا الخالق الله تعالى الواحد الأحد حيا لا يموت.
عندما يراجع الباحث بعمق ودقة حال الأمة العربية اليوم وكيف تعيش في الدرك الأسفل متأخرة من ضمن دول العالم الثالث وهي تصارع من أجل البقاء، يتأسف على الحال والوضع المشين الذي وصلت له وهي التي ذكرها المولى تعالى أنها أمة وسط ومن أحسن الأمم التي خلقت ورسولها ونبيها سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام آخر وخاتم الأنبياء والرسل على الأرض، يستغرب ويتعجب على الحال الحزين المؤسف والمأساة ويحزن من أعماق القلب والضمير أن تصل إلى هذا الحال المزري والسقوط للحضيض و هي التي كانت من الأوائل والرائدة في العديد من العلوم التي فتحت آفاق النور للكثيرين من الأمم ... ناسين أن دورة الحياة لا تدوم على حال واحد طوال الوقت ، تدور إلى مالا نهاية حتى يأذن الرب تعالى يوما بحلول يوم القيامة ، فسبحان الله عز وجل مغير الأحوال من حال لآخر كما يشاء ويرغب ...
إنها مأساة كبيرة تعيشها الأجيال الحاضرة والقادمة إذا إستمر الحال على هذا الوضع والمنوال في البؤس والشقاء تعاني من القهر و المحن المفتعلة الواحدة وراء الأخرى ، رغم أنه لديها جميع المؤهلات الروحية والإمكانيات المادية للنجاح والتقدم بالدنيا والآخرة من جميع الموارد والأشياء الغير متوفرة ومتاحة للبعض الآخرين من الشعوب ... وبعضنا من المنشقين الخوارج المرتدين من وجهة نظرنا يعيشون في الضلال بعقليات متأخرة عفى عليها الوقت ولا تصلح لهذا الزمن الذي زاد فيه التطاحن والتناحر والصراعات الدموية بين الشرائح والفئات على السلطة ونهب المال العام والعمالة للغير من حكومات الدول العربية والأجنبية مما تأخرنا عن المسيرة ولم نواكب بقية الأمم المتقدمة في الحضارة والسمو والديمقراطية (الشورى) التي هي أحد أعمدة وركائز ديننا الإسلامي الحنيف ونكون دائماً السباقين والرواد في المقدمة والقمة للآخرين، كما كان أجدادنا الأوائل الذين نشروا العلم والنور في مجاهل عديدة في العالم وبالأخص في أوروبا عندما كانت ترزح في الظلام أثناء القرون الوسطى نتيجة طغيان الكنيسة وإستبداد الأثرياء النبلاء الإقطاعيين على عوام الشعب بدون رحمة ولا شفقة وكإنهم عبيد لخدمتهم ، في صراع دموي شرس بين القديم والتحديث ونجحت وتقدمت إلى القمة بسرعة عندما فصلت سلطات الدين الكنيسة القديمة، التي لم تتطور ، عن الحكم في الدولة ....
كل فترة زمنية تدور عجلة الحياة ضمن مصطلحات وأمور خفية خيرة وشريرة ومحن عديدة حدثت وتحدث إلى هذا اليوم، ولا أستطيع تجميعها أو عدم نسيان إحداها وهي مهمة لأخذ العبر من كثرة العدد... إبتداءا من الصراع الديني ونشر دين الإسلام وقت ظهوره والحروب الصليبية والإستعمار والغزو لمعظم الوطن العربي في العصر الحديث من طرف بعض الدول الأوروبية وتم إستنزاف الخيرات بقوة السلاح والإحتكارات ودس الفتن والفساد والإفساد بين الاخوة في الدين والمصير، الجيران ، مما عاشوا طوال الوقت في خصام وعراك وتناحر ، جهل وتنافس وصراع دموي على الحكم والمناصب ... وإرتاح المحتلون فترة زمن من القلاقل والمشاكل من الشعوب المحتلة و إستمر الإحتلال سنين أخرى عديدة نتيجة الجهل ، وضعنا دنيا وآخرة ....
إننا كشعوب عربية جاهلة و مغرورة ، لم نعرف ان مصلحتنا الأساسية وعزنا وسعادتنا الرجوع للطريق السوي بما أمر الله تعالى والإتحاد والوحدة بالمنطق والحوار على مائدة المفاوضات ضمن العقل والحكمة والعمل مع بعض ضمن الأصول بدون هيمنة البعض على البعض ونتجاوز عن الخلافات ونعرف من عدونا الحقيقي للجهاد ضده بجميع الوسائل والإمكانيات ... الجهل والطمع التزمت والتعصب الفارغ بأمور دينية تحتاج إلى تأويل وتفاسير حسب الوضع والعصر الذي نعيشه بدلا من إتخاذه عناوين وغطاء للفرض والإكراه وسفك الدماء كما يحدث الآن من الجهلة في التفاسير والفتاوى الخاطئة ناسين الأمر الإلاهي الذي يقول في القران المجيد بسم الله الرحمن الرحيم (لا إكراه في الدين) صدق الله العظيم ...
متناسين أن الأساس في النهوض والتقدم هو السلام والعدل، الأمن والأمان والحوار بالمنطق الهادف وتحصيل العلم النافع إسوة بالآخرين في هذا العالم المضطرب الذي يهوج ويموج وأن ديننا الحنيف يأمر بالعدل والإحسان والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف والتسامح مع الجميع مهما إختلفت العقائد والمذاهب الدينية حيث الدين لله تعالى والأرض للجميع....
كان لدي أخ وصديق رحمه الله تعالى أيام المعارضة والكفاح في أواخر الثمانينات من القرن العشرين الماضي لديه حكم عديدة وأقوال مأثورة و دائماً كان يردد ويقول في الجلسات عفويا ينصح ويذكر "أحسن مافي الزمن طوله والكفيل بإلتئام الجراح مهما كانت غائرة مؤلمة وتنزف بالدماء"، والبشر خطاؤون ينسون الأحداث الصعبة الأليمة وتصبح في زوايا النسيان مع مرور الوقت بدون ذكر وإحياء حتى تتجدد ذكراها وترسخ في الأذهان ، يغطيها الغبار حسب سنن وقوانين الحياة والقلائل ذوي المعرفة والفهم الذين يأخذون منها الدروس والعبر التي مرت وحدثت موعظة ولا تتكرر الأخطاء مثيلاتها مع المستقبل ...
للأسف كنا لاهين عن المعرفة ولا نأخذها بجدية وأصبحنا في آخر الطابور نسير و نحن مسيرون ، نعاني من المتاهات والتراهات ، الكبير والصغير والعالم والفاهم والجاهل منا، بلعبة الشطرنج الدولية للهيمنة والإستغلال، من قوى خفية أجنبية ومحلية... حيث جميعنا بشر خطائون ولا أي واحدا من أولاة الأمر ،أصحاب القرار لدينا كأمة عربية ، لديه الشجاعة الأدبية وقوة العزم والجرأة لكي يعترف بالواقع المرير الذي حدث ويحدث من الأخطاء في النظام والحكم ويغير للأحسن والأصلح للمواضيع السيئة الخاطئة حتى ينهض الشعب ويتقدم بالصراحة والتفاهم بين الحاكم والمحكوم ... يدعون الذكاء والمعرفة، أساتذه فطاحل بدون شهادات ولا خبرات ولا تجارب الحياة والزمن وهذا هو سبب البلاء الكبير الذي نعاني منه طوال الوقت، الجهل و الغرور والحماس في إتخاذ القرارات المصيرية بدون دراسات عميقة و لا تأني و لا مشاورة مع اصحاب الرأي الصادقين الوطنيين، مما تأخرنا عن الركب ومسيرة التقدم ....
الأمة العربية طوال الزمن الماضي مرت بعهود زاهرة سعيدة في مجالات عديدة بقوة الإيمان والعقيدة المحمدية ونشرت العلوم للبشر وحاربت الجهل في جميع صوره وأشكاله إبتداءا من أول سورة من قرآننا العظيم نزلت، بالأمر الإلاهي الذي يحث على العلم والدراسة (بسم الله الرحمن الرحيم: "إقرأ بإسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم") حتى نتحضر ونسموا ونتقدم بالعلم والنور الإلاهي، ونضمن الحياة الهانئة السعيدة وراحة النفس والبال من الشكوك و وسوسة شياطين الإنس والجان بالدنيا، والفوز في الآخرة .....
عهود جهل ودمار على جميع المستويات نتيجة عجلة الزمان التي تدور ولا تتوقف إلى ان يشاء الله تعالى من وقت وكثرة التحديات والصراعات ودس الفتن في الأوساط من الخصوم وقوى الظلام التي دائماً تخطط للأمة الشر حتى لا تنهض لأنهم يعرفون عن يقين أنها ماردا جبارا لديها جميع المعطيات والمؤهلات لو إستيقظت من النوم والتخدير المبرمج لإبقائها متأخرة ... نستطيع عمل الكثير كما كان الأجداد الأوائل بدايات الدعوة للإسلام ذوي النوايا الصافية والقلوب الطاهرة و الذين هم لم يصابوا بعد بالخبث والطمع وإغراءات الحياة العديدة والسقوط في الرذائل نتيجة الدس في الأوساط الدسائس الضارة الهدامة في قوالب حلوى لذيذة شهية المذاق مثل العسل الحلو يشتهي كل إنسان تناوله بدون بحث ولا سؤال و لا تدقيق عن مصدره ونوعيته، والسم الزعاف القاتل بسرعة ممزوج به عن قصد وسابق الإصرار من الخصوم والأعداء مما أصابتنا الأمراض العديدة المعدية نتيجة تطور الحياة والفساد والإفساد وأصبحنا نعاني من المشاكل والمحن المفتعلة لدمارنا وخراب أوطاننا ، ندور في فراغات وحلقات لا تؤدى إلى أبواب النجاة والإنقاذ....
والحل الأساسي لهذه الآفات المؤلمة الكثيرة وفساد النفوس بالجهل والطمع نتيجة مرور الزمن، بتر الأمراض والشر حتى تنتهي وتتلاشى مع الوقت وننهض من دياجير الظلام بالرجوع إلى الهداية والطريق السوي، الحق والعلم والسلام والعدل و حب الآخرين بصدق كما نحب أنفسنا، و نتعاون في تبادل المصالح والأعمال مما مع إستمرار الوقت تزال الأحقاد من النفوس ويحدث التآلف والصداقات والإحترام لأننا جميعنا بشرا إخوة من نسل أبونا آدم وأمنا حواء عليهما السلام ... والله الموفق ...
رجب المبروك زعطوط
البقية في الحلقة القادمة...
No comments:
Post a Comment