بسم الله الرحمن الرحيم
الأحزان
( 9 )
سبحانك رب العالمين من كان يعلم ويصدق ويخطر على البال أنه يوما سوف تحدث هذه الامور المشينة المؤلمة والحرب الأهلية والتناحر والقتال بشراسة بين الإخوة على سلطات ومراكز تافهة، مهما طال وقتها ،لا تدوم و نهايتها الزوال والفناء ... التي لا يرضى عليها الله تعالى ولا شرائعه السماوية و لا قوانين الأرض في وطننا الحبيب ليبيا، التي كان يضرب بشعبها المثل في الطهارة والأخلاق الحميدة والأمن والأمان والشرف في المعاملات بالكلمة والمصافحة باليد كالعقد المكتوب لدى محرر العقود والمحامي والتسامح ، لا جرائم و لا قتل عشوائي ولا مد اليد وسرقة المال العام مهما كان المواطن محتاجا للعيش والصرف...
قطعا ليس كما يحدث الآن في وقتنا الحاضر القتل للإنسان بسهولة والأرواح اصبحت رخيصة نظير التناحر والصراع الدموي والنهب لحقوق الناس والمال العام... ولا من يتابع القضايا العديدة التي تحدث يوميا على مدار الساعة في وطن مات فيه الضمير وغاب عنه العدل ... يسير بدون دستور ولا قوانين صارمة عادلة في القبض على الأشرار المجرمين ذوي الأيدي الملطخة بالدم والسرقات و تقديمهم إلى المحاكم للعدل تحقيقا للحق... وبالأخص من أدعياء الوطنية والثورية المتطرفين الذين إستغلوا الفرص لإشباع البطون بالحرام بجميع الوسائل بالنهب وسفك الدماء و وصلوا للقمة بدون ركائز وإنتخابات حرة مستغلين أوقات الفوضى والهرج والمرج وأصبحوا زعماءا وقياديين بقوة سلاح المليشيات والمال الذي تم نهبه من المال العام للمجتمع ...
إنني آسف وحزين تكاد الدموع تتساقط على وجنتي رغما عني بدون الرغبة في البكاء والعويل من كثرة المآسي العديدة المتلاحقة الواحدة وراء الأخرى على الرؤوس .... والمواطن الشريف البريء ضاع وسط الخضم والصراع وأصبح مثل القشة تطفح في بحر الحياة المتلاطم الأمواج، تتراقص مع التيارات و المد والجزر على غير هدى وطريق مرسوم حتى تصل إلى مرفأ الأمان وتستقر... تتقاذفها إلى أي وجهة غير معروفة ترميها على الصخور أو شواطئ الرمال ، يسير على غير هدى بدون توقف عاجزا جفت دماء النخوة من الشرايين والعروق نظير العوز والإحتياج حتى ينهض من الكبوة والأزمات المفتعلة وغير قادرا على الهجرة والغربة حتى يبتعد عن الضرر والدم والمعاناة اليومية لضيق ذات اليد مما الكثير من الأشياء والمواد الضرورية الحياتية للعيش الكريم وسلامة النفس غض النظر عنها رغما عنه مؤقتا وإستكان للأمر مطأطأ الرأس للصعاليك قهرا بدون الرغبة حتى تمر الأزمات الصعبة على الخير والسلام ويستطيع تعويضها يوما ما إذا كتبت له الحياة وعاش ...
إنني مهما سطرت على الورق لا أستطيع الإلمام ولا العد من كثرة الأحزان المتلاحقة على أكتاف الوطن الحبيب من القرارات المصيرية والتصرفات الهوجاء من المستغلين للسلطة بالقوة ولا يريدون إتاحة الفرص والتنحي للغير بشرف... باعوا الوطن بأبخس الأثمان للحكومات من إخوتنا العرب والأجانب نظير نهب الكنز الكبير الخيالي إرث النظام الجماهيري السابق الذي كانت أرصدة أرقامه بالتريليونات من الدينار والدولار مجنبة في العديد من الحسابات والذهب موجودا مخزونا في عدة أماكن للحفظ...
ضاع الكنز و شاع الفساد والإفساد وغاب الضمير وذاب معظمه في شهور وسنوات بعد تمرد ونجاح ثورة 17 فبراير التي كانت جميع الآمال والتطلعات معلقة عليها للتغيير والإصلاح للأفضل وإسعاد الشعب وأثبتت الايام الآن بعد مرور خمسة أعوام عليها من الصراع الدموي من بعض الأطراف على الوصول إلى قمة السلطة، أنها حادت عن الطريق السوي نظير أخطاء أولاة الأمر قليلي التجربة والخبرة في الحكم، في غياب حراس أمناء وطنيين حافظوا على الثروة من الهدر والضياع كما كان ديوان المحاسبة والرقابة يعمل بالسابق بكل دقة أيام العهد الملكي الباسم الزاهر الذي مضى إلى غير رجعة بدون أحزان وبيوت عزاء ومؤاساة....
كان الصرف وقتها يتم بعناية وحرص وكل دينار يصرف من البند الصحيح للصرف والمراجعات بدقة في المصروفات العامة وكانت الدولة وقتها فقيرة تعيش على الكفاف ومن فتات العطايا والتبرعات الزهيدة من الأمم المتحدة والدول الغنية المانحة كمساعدات إنسانية والدخل البسيط من تأجير القواعد العسكرية الجوية في مدن طرابلس العاصمة (هويليس) وطبرق بالشرق (العدم) للحلفاء والقليل من عائدات التصدير لبعض الحبوب والمواشي الحية إلى اليونان وجزيرة مالطة والحلفاء والتبغ إلى بريطانيا وإيطاليا لصناعة الورق والسجائر...
وليس مثل حال اليوم الدخل الرهيب من تصدير النفط والغاز والمشتقات النفطية والمعادن المهمة التي الكثير منها مازالت في باطن الأرض لم تكتشف وتعرف بعد من الليبيين أصحاب الوطن وعرفها المستكشفون الأجانب أثناء البحث وتركوها في السر والخفاء ، وجعل اللعاب يسيل لدى الطامعين القوى الخفية التي عرفت الأسرار والخفايا والأنظار إتجهت للهيمنة على ثرواتنا القومية المنسية في الظلال بأي ثمن كان بدس الفتن والدسائس مستغلة الجهل والحماس الشعبي للوحدة العربية وقامت مسرحية الإنقلاب الأسود ثورة الفاتح حتى تستنزف الطاقات والمال في أوجه الحرام وتأييد الارهاب العالمي والفساد والإفساد للذمم ، ولا تتقدم ليبيا إلى الأمام...
نحن للأسف الشديد مشغولون بالصراع المشين، جهلة، لا نعرف ماذا لدينا من ثروات رهيبة تجعل المواطن يرفل في قمة الخير سعيدا لو إستغلت الإستغلال الجيد في بناء الإنسان بالتعليم الجيد والثقافة وينهض الفكر ويخرج من دوائر التخلف ويصل لمرحلة الحضارة والسمو ويبدع في التطلعات وتحقيق الأماني، وإعمار الوطن بالتشييد والبناء الحديث ضمن الدراسات والأصول... ونواكب العصر مع الأمم المتقدمة وليس البقاء ضمن دول العالم الثالث نعيش في الفوضى ونتحدى الكبار ، ونحن صغارا وضعفاءا بدون قوة ولا جهد على الصراع ....
الثروة الخيالية خلقت طبقة القطط السمان النهمة للمزيد والمزيد من الإلتهام لمال الحرام والزاقوم ، نهبت وسرقت وتناولت الكثير ولم تشبع بعد من المال العام للشعب، لا يهمهم عدد الضحايا القتلى ولا الجرحى والمعاقين أو الفارين المهاجرين الذين آثروا الهجرة والغربة للحفاظ على كرامتهم وعائلاتهم من الهوان القتل والخطف وطلب الفديات الكبيرة لإطلاق السراح .....
الأمة العربية الإسلامية في الوقت الحاضر تئن من الإرهاب في أشكاله وصوره العديدة في أوطان مات فيها الضمير وغاب عنها الحكم السليم بالديمقراطية والمسؤول يصل للقمة بدون إنتخابات حرة من عامة الشعب للفوز بالمنصب .... والحكم بالتطرف والتزمت والجهل والإكراه رغما عنا ، ناسين أننا في عصر العولمة ثورة الإتصالات والمواصلات لا شئ يخفى كما كان من قبل بالتعتيم، ودعوة ودولة المتطرفين الخوارج الدواعش أساسها الأول صناعة قوى الظلام الغربية خلقتها وظهرت على الوجود ودعمتها وأيدت السوس لينخر ويشوه دين الإسلام ، والتاريخ يوما سوف يثبت الأمر وأن الحركة لدمار الأمم بخلق المشاكل وإشعال الحروب حتى لا ترتاح ولا تستقر لخدمة مصالح البعض من الأطراف الخفية العالمية في الهيمنة على الشعوب الضعيفة الغنية بالموارد والثروات مثل وطننا ليبيا...
لقد نسى الجهلة صناع القرارات الشريرة أنه لا شئ مستمرا ويدوم إلى مالا نهاية وفناء حيث عجلة الحياة تدور بدون توقف وكل ظالم له يوما مهما طال سواءا بالحياة الدنيا ام بالآخرة له حساب عسير حيث عين الله تعالى الساهرة لاتغفوا ولا تنام لحظة طوال الوقت على مر الدهور منذ الأزل وإلى إنتهاء الأجل وحلول يوم القيامة... لا تخفى عليها أية ذرة خير أم شر مهما كانت ضيئلة، و لا تغفل على ما قدمت أيادي المجرمين من الآثام وبالأخص في حق الآخرين الأبرياء تصديقا لقوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار " صدق الله العظيم
الثروات الكبيرة والكثيرة التي حبانا ووهبها لنا الله تعالى رزق ونعم وعطايا جزيلة كبيرة لم نعرف كيف نحافظ عليها ونستغل عائداتها للخير والسلام، كما قال الكلمة المأثورة الملك إدريس الراحل رحمه الله تعالى بواسع الرحمة والمغفرة وقت الضغط على زر محرك أنابيب التعبئة لتحميل أول ناقلة للنفط للتصدير للخارج في أوائل الستينات من القرن العشرين الماضي ( اللهم إجعله لنا نعمة وليس نقمة ) وحسدنا عليه الكثيرون إبتداءا من الجيران والآخرين ولم نحافظ عليه كما يجب نظير الجهل وقصر النظر والتناحر على السلطة مما أصبح نقمة ولعنة إلاهية، ودفع وقدم الثمن الغالي الأبرياء المسالمين من عامة الشعب نظير الجهل والتطرف الذي أدى بالدمار والخراب لنا ، والهجرة القهرية لحوالي ثلث أبناء الشعب إلى الخارج وترك بيوتهم رغما عنهم محاولين النجاة من القصف العشوائي والقتل في الطرقات من قناصين لإشاعة الرعب، والغلاء الفاحش وإنقطاع تيار الكهرباء يوميا بالساعات العديدة ونقص الخبز في الأسواق والسيولة بالمصارف والوقود في المحطات في دولة تصدر حوالي مليون برميل يوميا وتعداد مواطنيها لا يتجاوز الستة ملايين ، نظير سوء الإدارة والخوف ...
نحتاج بقوة إلى رواد أوائل ذوي إيمان وعزم ووطنية يقومون بتحكيم العقل وجلوس جميع الأطراف المتناحرة على مائدة الحوار والمفاوضات بدون تدخلات الغير من الأطراف سواءا دولية أم محلية ويصلوا إلى حل جذري لتحقيق السلام حتى يعم الأمن والأمان ونأخذ عبرا ودروسا من الأحداث ونفسر نبؤة الولي الصالح سيدي عبدالسلام الأسمر من مدينة إزليتن منذ عشرات السنين الماضية بالتفسير الصحيح الذي قال في أحد جلسات الأذكار والتواشيح الدينية في الحلقة بالزاوية مع الرفاق المريدين والتابعين للطريقة الأسمرية الروحية وهم يمدحون الحمد لله تعالى والرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، ويدق على الدف (البندير) ويردد هائما في عوالم حب الله تعالى طالبا الرأفة والعفو من البلاء والسخط القادم للشعب نتيجة عدم الحمد والبطر بالنعم ومن كثرة الترديد قال ( ياطرابلس يا حفرة الدم جاءك الخلاء يازوارة ومن جنزور تظهر الإشارة الخ الخ ... ) حيث سابقا أيام عهده كانت ليبيا تابعة للحكم العثماني التركي الأول والثاني ومرحلة قرن ونيف من الحكم القرمانلي تعرف بإسم إيالة طرابلس، إلى حين الغزو الإيطالي في أكتوبر 1911م...
إن دورة وعجلة الحياة تدور بدون توقف وسيأتي الوقت بإذن الله تعالى مهما طال وغاب وتستقر الأحوال ويعم الأمن والأمان والسلام بجهود الرجال الوطنيين الصادقين وتصبح الأحداث المريرة والمحن السابقة قصصا وحكايات للأجيال القادمة عسى أن يأخذوا منها العبر ولا تحدث مرات ثانية لأن الخالق الله تعالى رب العالمين كريم رؤوف بالعباد... والله الموفق ...
رجب المبروك زعطوط
No comments:
Post a Comment