Sunday, May 22, 2016

يوميات خاصة 2

بسم الله الرحمن الرحيم


 يوم 17 فبراير 2011 م حوالي الساعة الثانية والنصف ظهرا وصلنا إلى مطار بنينة بنغازي للسفر إلى إسطانبول تركيا بعد أن تناولنا غداءا سريعا في بيت أختي التي كنا  مقيمين في ضيافتها منذ يومين ، وكانت جميع الامور هادئة هدوءا غريبا  غير عاديا وكأن هناك شيئا كبيرا سوف يحدث...  و لاحظت عدم الاستقرار في وجوه عاملي المطار من موظفين ورجال الأمن واللجان الثورية العابسة الحزينة وكأنهم في مأتم،  حيث في اليومين الأخيرة منذ مجيئنا من مدينة درنة بالليل تشتعل النيران بالتمرد الشعبي كبدايات في مدينة بنغازي منذرة بالخطر .. وكانت تحدث الكثير من المصادمات بين الشباب ورجال الأمن من الظلام إلى الفجر وبالنهار كل شئ هادئ وعادي غير بقايا النيران في أكوام القمامة في الأركان وبعض سيارات الأمن المحروقة التي تم إلقاء قنابل المولوتوف عليها لقفل الأزقة الضيقة من المرور السهل في المطاردات للشباب الثوار وبالأخص في منطقة ميدان الشجرة والأزقة المتفرعة منها إلى وسط المدينة القديمة وسوق الحوت وميدان البلدية...

                 كنت ذاك اليوم المشهور في تاريخنا الوطني الحديث مع الحاجة رفيقة العمر والتي كانت مصرة على السفر معها لزيارة بقية العائلة في أمريكا حيث لنا فترة طويلة عليهم، ومررت عبر الأجهزة الامنية وأنا متوقعا في كل لحظة التعطيل والحجز وعدم السفر مثل السابق في كل مرة وبالأخص في الظروف الصعبة التي يمر فيها الوطن ولكن ستر الله تعالى وتم ختم جواز السفر الليبي بالسفر ودخلت إلى صالة العبور ( الترانزيت ) في إنتظار الصعود للطائرة على الخطوط الجوية التركية وأنا داخليا بالنفس قلقا ولدي الشعور وغير مصدقا سهولة المرور بهذه الكيفية وبالأخص في مطار بنغازي المشهور بالتعقيد للجميع في الإجراءات والسماح بالمرور والسفر من كثرة اللجان العديدة المتضاربة الغير معروف عددها وعيون الامن التي كانت تفحص  الجميع بنظرات الريبة والشكوك، وجلسنا على الكراسي المنزوية بأحد الأركان في الانتظار مشدود الأعصاب متوقعا في أية لحظة النداء على الاسم والمنع وسحب جواز السفر ، كما حدث الأمر معي في الكثير من المرات ....

                    بعد إنتظار بسيط صعدنا الطائرة ، ولما بدأت تصعد فى الفضاء الفسيح تنفست الصعداء وكانت رحلة مريحة حوالي ثلاثة ساعات إلى مدينة إسطانبول ووصلنا سالمين وبعد الإجراءات الرسمية للدخول وإستلام الحقائب إستقلينا عربة أجرة إلى الفندق في وسط المدينة ضاحية تقسيم وفي الغرفة فتحت الجهاز المرئي على قناة الجزيرة كالعادة لمشاهدة ومتابعة الأخبار ، وكم صعقت  من الأنباء السعيدة وفرحت فرحا شديدا حتى كدت أن أصاب بأزمة قلبية وأنا مريضا بالقلب من المفاجأة والفرحة العارمة الكبيرة عندما شاهدت المذيع وهو يصف  الاحداث الدموية القوية في بنغازي فقد قامت الثورة في العلن بعد مغادرة الطائرة ارض المطار والنيران شبت فجأة في معظم أرجاء الوطن دفعة واحدة والشعلة الأولى الرائدة ظهرت من مدينة التحدي، بنغازي طوال العهد الجماهيري الفاسد، ويوم التمرد والثورة غادرت الوطن والفرق في حدوثها ساعات فقط وكم حزنت وبدأت أعاتب  زوجتي على السفر في هذا اليوم السعيد الذي كنت أنتظره طوال عقود عديدة متمنيا حضوره بشوق قبل الوفاة  ويأتي وأكون خارج الوطن!! وكان ردها بسيطا لو موجودا بالوطن ماذا تستطيع ان تعمل ؟؟ وجودك فى الخارج مهم في الدعم للثوار وإذا ترغب فى الرجوع تستطيع غداً أن تسافر جوا إلى القاهرة مصر وبعدها بالبر عبر الحدود إلى مدينة درنة ، وكانت صائبة في النصيحة و في كل كلمة قالتها فتوقفت عن اللوم والعتاب مؤمنا أنه تسيير من القدر وممكن فيه الخير الكبير بدون أن أعلم ...

                        اليوم الثاني غادرنا إلى العاصمة واشنطن امريكا حيث كان إبننا البكر في الانتظار بالمطار وغادرنا العاصمة بالبر عدة ساعات في سيارته إلى مدينة فرجينيا بيتش على الساحل الشرقي وأقمنا في بيته وقتها حيث كان لدي موعد مهم مع الطبيب المعالج على القلب ولا أستطيع تأجيله ....   وخلال الانتظار تمت عدة اتصالات رسمية مع الادارة المعنية في البيت الأبيض موثقة عن طريق الحاسوب بالتواريخ واللقاءات مع الوسيط طالبين العون والنجدة للإبرياء من السفاح الذي بدون الصد له بالقوة دوليا وكبح جماحه مستعدا للتضحية بالشعب الليبي كله ببساطة مقابل وجوده وحكمه الجماهيري الفاسد حيث مغرورا لم يسمع صوت العقل ويرحل خارج الوطن  ، كما نصحه الكثيرون من أصدقاؤه القادة والزعماء الأفارقة وأمريكا الجنوبية ، أنه يستحسن المغادرة والنجاة بالجلد حيث لا بقاء ولن يستمر مهما قام من حيل ودهاء و ترغيب بالمال والترهيب بالقوة حيث صعب كبح جميع الأحرار من الوطنيين بالقوة كما كان يعتقد، ببساطة وسهولة مهما فعل!!!!

                   حدثت إجتماعات عديدة مع الوسيط الذى تعاطف معنا عارفا الضرر الكبير والمذابح التي سوف تتوالى بعنف من المخبول إن لم يتم التدخل السريع ولجم الشيطان الرجيم ...  وخاطر الرئيس السيد باراك أوباما بكرسي الرئاسة والتساؤلات العديدة له من الخصوم عندما أصدر الامر بالتصدي والبدء في الحرب من غير علم وموافقة مجلس الشيوخ ( الكونجرس ) كالعادة المتبعة نظير السرعة وعدم وجود الوقت الكافى للمباحثات والمشاورة وإتخاذ القرار، وكانت الضربة الأولى من أمريكا بالعديد من الصواريخ للأماكن الحساسة للنظام فى الاتصالات مما كانت مفاجأة للطاغية وأصيب بالشلل في المتابعة مع القطاعات الموالية له بالصمود والتحدي وبدأت الفوضى تدب في صفوفه نظير تضارب الأوامر والإرتباك ...

                         وتمت المباركة وإعطاء الضوء الأخضر للتحالف الغربى بقيادة فرنسا بالتدخل الفوري و الحظر الجوى وتم القضاء على الرتل القادم الى بنغازى لسحقها من الغرب بطول حوالى اربعين ك م على الطريق السريع العام فى طوابير ،، بغارات جوية مما تعطل وخسرت قوات الطاغية الجولة الأولى المهمة التى كسرت ظهره مما أصبح يبكى عندما سمع الأنباء بالهزيمة والفشل وعرف أنها النهاية وشيكة الحدوث ولا فرصة له للهرب، وفي مدخل المدينة الغربي تم الصمود من فرق الثوار من شباب درنة حوالي ثمانمائة مقاتل شباب معظمهم محاربين تدربوا في جبال أفغانستان والعراق بقيادة المناضل سالم دربي الذي أغتيل بعدها بسنوات من تنظيم الخوارج المرتدين فى مدينة درنة، وثوار بنغازي بقيادة المناضل إسماعيل الصلابي الذين معا أبلوا بلاءا حسنا وقاموا بالبطولات الرائعة في الصد والدفاع عن المدينة بقلة السلاح الذي توفر بأيديهم والتي أذهلت الجميع من الخبراء العسكريين المتابعين لسير المعارك عن مدى التضحيات الجسيمة وطلب الشهادة والموت من أجل الوطن... وبداخل المدينة حصلت بطولات عديدة فردية من البعض وبالأخص الاستيلاء على المعسكر الرئيسي الفضيل بوعمر فى ضاحية البركة والإغارات عدة مرات على الرتل القادم من بعض الطيارين الإنتحاريين بطائرات بدون صيانة ولا تجهيز تدفعهم الحمية والوطنية للخلاص مهما كلف الأمر من تضحيات بالدم والأرواح ، رحم الله عز وجل جميع الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن الغالي عندما تم النداء وسمع صوت النفير عاليا للخلاص من الطاغية .

                   تمت الاتصالات مع دولة تشاد عن طريق أحد الشباب الليبيين الغيورين المقيم في العاصمة، واشنطن، المناضل ياسين المغربي صديقي والذي تربطه مع سفيرها علاقات مودة وصداقة ،  وتم اللقاء الأول في مبنى السفارة يوم عطلة أسبوعية بعد الظهر حتى نبعد عنا الأنظار الفضولية وكان نعم الرجل الدبلوماسي الفاهم للقضية ويتحرق شوقا لرد الصفعة بقوة وللخلاص من الطاغية القذافى الذي قام بالكثير من الدمار والخراب والقتل للمدنيين وتدخلاته في الدعم ومساندة طرف على الآخر في الحكم وشئونهم الخاصة والمآسي التي خلفها أثناء حرب تشاد المفتعلة نكاية في دولة فرنسا على الشريط الحدودى ( أوزو ) الغني باليورانيوم والنفط والكثير من المعادن الثمينة المهمة الغير مكتشفة بعد إلى الآن ،  والذي بعد اتصالات سرية مع حكومته تمت الموافقة الرسمية بعدم التدخل عسكريا في المنطقة الحدودية مع ليبيا ومنع أية قوات أفريقية أخرى من التسلل لضرب الثورة من الخلف الجنوب ، وكانوا أمناءا صادقين أوفوا بالعهد وتم الاتفاق المبدئ على حضور رئيسهم إلى بنغازي للدعم والتشجيع للثورة الوليدة كبادرة سلام وحسن الجوار ، ورجعت الى ليبيا وذهبت مع مجموعة ثوار دراونة إلى بنغازي إلى معسكر كتيبة شهداء بوسليم في منطقة قنفوذة وسلمت المناضل الآمر سالم دربي سيارة طاوية جديدة فورد ومبلغ مالي كبير لشراء سيارات طاوية أخرى ولمصاريف الإعاشة حسب الجهد والمقدرة  ، مما كانوا شاكرين على الدعم والمساندة ...

                وأثناؤها تم الاتصال مع السيد مصطفى عبدالجليل صديقي الرئيس الجديد للمجلس الإنتقالي الذي كان غير مصدقا الدور الذي قمت به ، وأفادني بالاتصال برئيس الوزراء السيد محمود جبريل في الدوحة قطر حسب التسلسل الإدارى وأعطائه العلم بالتنفيذ والقبول للعرض حتى يقوم ويأتي الرئيس التشادي في الزيارة إلى بنغازي للمزيد من الدعم الدولي والإعتراف المبدئى بالثورة وشرعيتها ، حيث معظم الجميع من الدول متعاطفين و مترددين في إتخاذ القرار والإعتراف في العلن حتى تبدأ أمريكا بالإعتراف ،،ناسيا ومتناسيا أننا فى حالة حرب ومازالت المعارك قائمة والطاغية مازال حيا يرزق يقاوم بكل الجهد والقوة، والوضع يتراوح بين الهزيمة والنصر ..

                     وسافرت إلى مدينة الدوحة، قطر، عن طريق   البر الى القاهرة ومنها جوا عبر الامارات العربية حيث شاركت فى الإعلام فى عدة قنوات على الهواء مباشرة عن المذابح والمجازر فى ليبيا ،، أذكر منها قناة الآن والعربية والحرة والمجد وغيرها ،، وبعدها الى الدوحة إمارة قطر وكان معى إبنى البكر كمرافق وحارس على حسابي الشخصي في جميع الرحلة المكوكية التي كلفت الكثير من الاموال من تذاكر السفر والإقامة فى الفنادق ، والتنقلات والوقت الثمين والجهد والدعوات والمآدب للبعض من الوسطاء حتى ننجح فى المهمة...

         
                      قابلت رئيس الوزراء الجديد في مكتبه بالدوحة وشعرت بالخطأ الفادح بعد الزيارة للدولة الجديدة كيف يتم تسيير الثورة من الخارج مهما كان الأمر والأسباب ، في نظري عبارة عن صفقات مريبة ومصالح للبعض وأموال بأرقام خيالية تتسرب إلى جيوب البعض والأبرياء الغافلين  الثوار الحقيقين في الوطن يحاربون بضمير ويبذلون  الدماء والكثيرون سقطوا شهداء وجرحى ومعاقين من أجل الخلاص  ، وكانت أول مقابلة لي معه شخصيا وتحدثنا  في الموضوع بإسهاب وكان رده مائعا في نظري وقتها ووصلت إلى قناعة أنه ليس  بالرجل القوي الشخصية صاحب القرار للمرحلة الحالية التي نحن في خضمها تمرد وثورة ودماء ، همه الرئيسي أن يستحوذ على الأنظار في الاعلام ، يحب أن يستأثر ويحتفظ بجميع المواضيع لنفسه ناسيا أنها عامة ومن حق الجميع المشاركة والمساهمة والتضحية ، وشعرت أنني غير مرغوبا مني في المواصلة في هذا الموضوع الدولي لأنني لست من اعوانه ومنافقيه ، وليس لدى منصب وصبغة رسمية مما إعتبرت الأمر مبدئيا أن مهمتى إنتهت .

                وغادرنا الدوحة إلى الوطن ، وشاهدت العديد خلال الأيام الثلاثة التي قضيناها بالفندق على حسابنا الشخصي وليس ضيافة من حكومة قطر كالأخرين في لقاءات مع أدعياء الثوار ذوي الشهادات العالية والبعض من رجال الأعمال والاسماء الرنانة في الفندق في لقاءات وإجتماعات مكثفة ليل نهار للوصول والحصول على المناصب في نظري وتقديم الولاء والطاعة للسادة الجدد حكومات قطر والإمارات وغيرها للأسف... ورجعت إلى القاهرة ومنها بالبر إلى بنغازي ،  وأعلمت السيد مصطفى عبدالجليل بالذي حدث بصدق وضمير وكان متأسفا وحزينا بإنتهاء هذه المهمة على هذا الشكل والوضع ، وشعرت أنه يعاني من  ضغوط خفية لا علم لي بها... والله الموفق...

   رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقة القادمة...

No comments:

Post a Comment