Thursday, December 18, 2014

الغربة الثانية 15

 بسم الله الرحمن الرحيم

             جلست وحيدا امام البيت في امريكا ساعة اصيل تحت اشعة  الشمس الدافئة الذهبية،  أتطلع   إلى الأشجار والاراضي الزراعية للجيران على امتداد البصر وبها الأبقار والخيول ترعى ، خلق وبدائع الرحمن ، وتساءلت مع النفس لماذا نحن نعاني هذه الغربة المصطنعة ووطننا ملئ بالخيرات ومستباح من قبل قوى شر وأدعياء لانستطيع الرجوع والعيش فيه بأمان .

            هل كتب علينا نحن الليبيين الشقاء في هذه الحياة المضطربة في آخر العمر والحياة بدلا من التقاعد والعيش فى امن وامان وسعادة بقية الايام قبل الممات ، بل غرباء مهاجرين موزعين في اوطان الآخرين نتجرع المآسى والذكريات الماضية بنفوس قلقة وارواح حائرة ضمن الكآبة الهم والغم لا جئين بدون رفاق ولا أصحاب ولا أهل أعزاء.

            ان نعيش في قلق بدون راحة ، نعيش بدون استقرار طوال الوقت نعاني من الخوف من المجهول عن ماذا سوف يحدث فى المستقبل للوطن الغالي ولنا من أمور ، لم نرتاح في وطننا حتى نبدع ونعمل... فالضربات والمصائب والمصاعب نتيجة الطمع والاستغلال من بعض المسؤولين الفاسدين عديمي الضمير والدين ، ضغوط الجيران والعالم الخارجي الذين يحاولون امتصاص خيراتنا بطرق ملتوية...  مما لم نستطع إلتقاط الأنفاس ونرفع رؤوسنا الا بصعوبة ونستقر ونزهى في وطننا ليبيا فترات بسيطة من الوقت ، ثم تحل المصائب والكوارث على الرؤوس بأمور خبيثة مفتعلة عن قصد مبين ، مما نستقبل الصدمة نمتصها ونعمل جاهدين على الصمود والتصدى بالمتاح وحسب الاستطاعة وبالصبر وقوة التحمل حتى يفرجها الله تعالى ويأتى الضياء والنور وتبدأ دورة الحياة الطبيعية من جديد.

             وبدلا من أخذ العبر عن المآسي والمؤامرات التي حدثت والتلاحم مع بعض كشعب متحد ، والعمل معا يدا واحدة للخروج من التأخر والتخلف والعيش في امن وأمان وسلام مع جميع البشر نجد أنفسنا بطريقة او اخرى من الفتن والدس في اوساطنا متورطين الى الأذقان في مشاكل وأمور صعبة تجعلنا ندور في حلقات فارغة نظير العصبية القبلية والجهوية والجهل وتسلط البعض للإستئثار بالسلطة والبقاء في القمة والتحكم فى رقاب العباد ومصادر الثروات الرهيبة من الاموال والكنوز المجنبة والمخبأة في اماكن كثيرة بالوطن وبالعالم الخارجى وبالأخص المجنبة التي لا يعرف أسرارها الا القلة من المحاسيب من العائلة والحواشى المقربين ذوي الثقة للدجال المقبور.

              كنت محظوظا طوال حياتي العملية المهنية لنصف قرن في التجارة ، فأنا مغامر  وأصبت عدة مرات بكبوات وخسائر جسيمة مما وصلت للحضيض وحافة الافلاس نظير التورط في احد المشاريع السيئة في المقاولات نتيجة التحديات مع عميد البلدية في السبعينات للتخلص مني وكسر الشوكة أثناء الصراع والفتنة بين القبائل والطوائف من النظام والتي مازلنا نعاني منها إلى الآن... وزادت المصائب الزحف والتأميم والاستيلاء على الاملاك وشركات المقاولات والتجارة مما جردوني من كل شئ مادي ولكن لم يجردوني من العقل وقوة الإيمان والقناعة فقد كنت مؤمنا بالقضاء والقدر عالما عن يقين ان العاطي ، الله تعالى،  حي دائم،  ممسكا بقوة بالعروة الوثقى حبل الله عز وجل متحليا بالصبر قانعا راضيا بما يحدث.

          وبقدرة القادر ، الله سبحانه وتعالى ، ان الفرج قريب وسوف أرجع إلى القمة من جديد نظير الأمانة والجهد في العمل الشريف الحلال وعمل الخير والعطاء والزكاة بدون حدود مما نهضت من جديد ووهبني الله تعالى المزيد في خلال سنوات من الصبر والجهد والتعب . هاجرت من الوطن مرتين ، المرة الاولى بعد الزحف والتأميم والاستيلاء على كل شئ من أموال وأملاك ومعدات كانت لدي وبحوزتى وتم قفل جميع ابواب الرزق الشريف في الوجه ، ثم محاولة القبض علي مما تداركت الامر قبل ان يصلوا لي ، نظير المعارف والعلاقات الجيدة ، واضطررت إلى الهجرة والفرار من الوطن غصبا عني وبدون إرادتي يوم 21 مارس 1979 م  إلى امريكا وليس بحوزتي أية أموال ، لم أترك في حالي بل تم وضع اسمي في قائمة المطلوبين للتصفية الجسدية من قبل اللجان الثورية وأنا برئ مظلوم مما إستخرت الله تعالى وتحديت النظام وقمت مع غيري من الرفاق بالمعارضة في العلن للدجال ولم نترك اي باب الا وتم طرقه بعنف وقوة حتى سمعتنا بعض الآذان الغافلة مما تجاوب معنا الكثيرون مع الوقت ، وقمنا بوضع الأشواك في طريق الدجال والفضح للأعمال المشينة التي تدور في الخفاء ، مما إستدرك الامر وحاول بجميع قدراته التصفية الجسدية او الاحضار إلى ليبيا كمجرم عن طريق البوليس الدولي " الانتربول " ولكن امريكا رفضت الاتهام والترحيل ولما عجز حاول الترغيب والاستمالة وشراء النفوس بالمال كعهده في الحكم ولم أرضخ للإغراءات الكبيرة وقاومت بالمتاح...

             وعندما آن الأوان بعد خطاب "أصبح الصبح" والعفو العام سنة 1988م ، فكرت كثيرا واستخرت الله تعالى في كل صلاة بأن يوفقني الرأي السديد والسعي في طريق الخير مما قررت الرجوع عن قناعة ، مؤمنا ان حرب النظام من الداخل حتى نتطلع على الخفايا وتشرح للغافلين في السر عن الكوارث والمصائب حتى يفيقون يوما من الأحلام الزائفة ، وليس التحديات من الخارج وبيننا وبينه آلاف الأميال ، محيط بحر ودول رجعت إلى وطني ليبيا من مدينة اسطنبول تركيا إلى مطار بنينا بنغازي برفقة زوجتي يوم 31 مارس 1991 م بعد غياب اثني عشرة عاما وعشرة ايام ، الموافق 15 شهر رمضان الكريم ، ووطئت أقدامي ارض المطار حوالي الساعة الخامسة والربع قبل رفع الآذان لصلاة المغرب وكان معظم افراد العائلة المقيمين في بنغازي والبعض الآتين من درنة في الانتظار للاستقبال.

 وكانت فرحة كبيرة بالرجوع واللقاء!

           الهجرة الثانية بدون اي تخطيط مسبق ولا أية موانع بل خرجت من مطار طرابلس يوم 2014/4/11م   كالعادة للقيام برحلة عمرة إلى الاماكن المقدسة وزيارة العائلة فى امريكا ومراجعة الطبيب المعالج على عمليات القلب ، وأنا خالي البال أنني سوف أبقى بالخارج في غربة ثانيه لا أعلم متى تنتهي ؟؟ وارجع للوطن الحبيب نظير عدم الأمن والأمان الفوضى الهرج والمرج ، والنهب للسكن الخاص في طرابلس ودرنة وضياع الكثير من الموجودات والسيارات من قبل الادعياء الثوار وهم ليسوا بثوار بل قطاع طرق حللوا ارزاق وعرق الكثيرين بانه مستباح ومن حقهم بلا واعز ضمير ولا وفاء للذين قاموا بالكثير من العمل الوطني للوطن في السر والصمت بدون مباهاة ولا إعلام مثل الآخرين أشباه الرجال الذين عملوا من الحبة قبه للظهور حتى وصلوا لأعلى المراكز .

           لا اريد ترديد المحن الكثيرة التي مضت عبر الزمن ولكن لإعطاء بعض الصور منذ تاريخ الانقلاب الاسود ووصول الدجال المقبور القذافي على رأس السلطة ونحن نعاني الصفعة وراء الأخرى ، إبتداءا من القضاء على العهد الملكي الزاهر ، وفرض تعاليم الكتاب الاخضر التافه والزحف والتأميم والقضاء على الاقتصاد الوطني والفساد الذي عم والإفساد في العقول والذمم وتمويل الارهاب في كل مكان بالعالم بحجج مناصرة الثوار الاحرار والتدخل في شئون وامور الآخرين ونحن كشعب ليبي ليست لنا لا ناقة ولا جمل فى القافلة حتى نتدخل.

            عشرات بل مئات المتاهات والكوارث حدثت ، غطاها بالتمثيل والتدجيل والإفراط في القوة لضرب الخصوم المحليين حتى دان الجميع بالسمع والطاعة ، وشراء النفوس بقوة المال والتوظيف في المراكز العالية حتى جعل معظم رؤساء الدول الغربية يأتون إلى ليبيا للزيارة والمداهنة او يبعثون وفودا لإسترضائه ويزورونه في الخيام كإذلال لهم أنه قوى ومسيطرا على الوضع عائشا في وهم وأحلام خيالية انه ملك ملوك افريقيا.

            والضرب بيد من حديد بلا عدل ولا قانون على كل حر انسان شريف رفض التراهات والمهاترات للمجنون وطالب بالعدل والصرف على الوطن حتى ينهض بدل الصرف لأموال الشعب فى غير طاعة الله تعالى على الآخرين ، وأولاده تربوا تربية جهل على التعالى والكبر فى وسط المعسكرات مع الأجلاف ضمن المؤامرات والفتن، وليس تربية ملوك وأمراء على الأصول والاحترام على الأخلاق والشرف ، بل لأنه شرير وفاجر ، دمر الشعب الليبي وأرجعه للوراء سنوات ولد وخلف فجارا يصرفون بلا حساب الملايين على الفساد المخدرات والقمار العاهرات والليالي الحمر، بأرقام خيالية بدون حساب ووطننا محتاج للتعمير من الألف إلى الياء...

            لكل ظالم يوم ونهاية ونتيجة هذه المتاهات وقتل الاحرار والضيوف الزائرين امثال الامام السيد موسى الصدر ورفاقه بدون ذنب جنوه غير الاختلاف في الرأي مما في ساعة غضب وجنون أمر بالتصفية الجسدية لهم ...  والغرور الزائد على اللزوم والتورط في الكثير من  الجرائم وعلى رأسها فضيحة مجزرة سجن ابو سليم والقضاء على الف وثلاثمائة سجين في ساعات بالضرب بالرصاص وهم محاصرون وراء القضبان حتى سقطوا قتلى شهداء والجرحى الباقين تم  الاعدام لهم فورا في الميدان حتى لا يصبحون شهودا يوما ما على الجريمة البشعة في حق الانسان والمجتمع الدولي ...

             قامت الثورة وعندما شعر بالضغوط القوية من كل مكان حاول في البدايات التحايل للوصول إلى مصالحة وطنية بعهود غير موثوق به فهو دجال كذاب معروف عنه وصفة من صفاته لا ثقة في اي كلمة كانت منه ، وشراء النفوس بقوة المال نظير الخبث والجهل والغرور ولم يع الدرس الذي حدث للآخرين الجيران في تونس للرئيس بن على ومصر للرئيس مبارك وسقوطهم من على كراسي الحكم مما كانت ضربات قاصمة له حيث أجنحته الخبيثة وحلفاؤه في الجرائم البشعة تم جزها من الجذور حتى اصبح كسيحا غير قادرا على الطيران.... مما كانت نعمة كبيرة وهبة من الله تعالى لأحرار ليبيا ومساندة غير متوقعة للفوز في التمرد والثورة التي كللت بالنجاح والنصر...

             الدجال ضاع في وسط خضم الاحداث والتمرد في كل مدينة وقرية في الوطن ولم يتدارك الامر ويهرب للنجاة بل أصر مستكبرا على البقاء بالقوة وكأن الوطن ملك خاص له لانه مجنون وبالأخص عندما تجاوز الحدود ونعت الشعب بأبشع النعوت وتحداهم بالويل والثبور وأنه سوف يطارد الاحرار " زنقه زنقه وبيت بيت " وهو يعلم ان الشعب الليبي يزداد عنفا وتحديات عند السب واللعن له، مما زادوا عنادا حتى تم أسره وهو يحاول الفرار فى صحراء سرت، وقتله وهو يسترجي  آسريه الثوار صغار السن مواليد عهده الاسود ، الرحمة بأنه كبير في السن في عمر آبائهم ...

           هلك الطاغية ونجحت وإنتصرت ثورة 17 فبراير وتطلع الجميع إلى مستقبل واعد زاهر ، واللأسف لم نرتاح وكل يوم مهاترات باسم الثورة والتسيب والنهب مستمر وضاعت واستولى عليها البعض مرتدين عباءات الدين للصلاح والإصلاح وهم في نظري ادعياءا عليه لا يمتون للدين بأي صورة من الصور غير الهدم ....

              وبدأ مسلسل الرعب مرة اخرى بدل الفرح بالنصر والقضاء على الطاغية خرج على السطح پقوة وعنف طغاة آخرين الخوارج المارقين أشاعوا الرعب وسط الشعوب العربية البريئة وكأنهم رؤوس الشياطين، ظهرت فجأة وتكاثرت بسرعة فى وسط الأوساط وكأنها مرض سرطاني او طاعون خبيث إستشرت بسرعة مثل النار في زرع يوم الحصاد ، مما بدون قوانين وعدل ، بالإرهاب والذبح وقطع الرؤوس أشاعت الفساد والإفساد في الحرث والنسل بسرعة ، القتل بدون حساب بدون اي موازين للشرف ولا الاحترام للموت ،، بل جز الرؤوس ببساطة بدون رحمة ولا شفقة ورمي جثث القتلى في اماكن عديدة وعلى قارعة الطريق بدون دفن لإشاعة الرعب حيث الكثيرون تحللت أجسادهم بدون رؤوس ولم تعرف هويتهم الحقيقية ... أليست بمأساة شنيعة تحدث في القرن الواحد والعشرين والعالم المتمدن الذي يدعي  السمو والحضارة والدفاع عن حقوق الانسان نائما لا يهتم بالتصدي والقصاص من هؤلاء الادعياء ؟

           المصائب توالت الواحدة وراء الاخرى بدون حساب ولا عدد على الشعب الليبي البرئ المظلوم بحيث خرج من أزمة وسقط في متاهات اخرى أصعب منها بمراحل مما الكثيرون من الخوف والرعب مع عائلاتهم وأحبائهم تركوا ديارهم غنيمة للخوارج المارقين وآثروا الفرار للنجاة بالجلد والحياة من الخطف ومطالبة الفدية بأرقام خيالية غير متوفرة الا للبعض حيث السيولة اصبحت معدومة لدى معظم الجميع نظير شلل الدولة في تسيير الامور بوضوح....

             تم الاستيلاء على ممتلكات وحقوق الشرفاء المواطنين وكأنه رزق مباح لهم وليس عرقا ومجهودات سنين العمر وهم يكافحون ليصبح هدفا سهلا لهم للاستيلاء عليه بدون اي واعز للضمير او تدميره وخرابه بالحرق حتى لا يستفيدون أصحابه مستقبلا منه نظير التشفي والانتقام... كما حدث مع أصدقاء وإخوة لي من رجال الاعمال التجار الوطنيين الذين ساهموا في نجاح الثورة ضد النظام بالمتاح ، حتى أنا شخصيا لم أنجى وكنت احد الضحايا مثلهم في النهب للبيت في طرابلس ودرنة... بدل الاعتراف بالجميل والتكريم لرفع الروح المعنوية ، بدون اي احترام ولا وفاء ، أليست بأمر مؤسف ومأساة ؟؟

           وتساؤلاتي هل هؤلاء بشر ذوي عقل واتزان يطمئن الانسان على توليهم مقاليد الحكم ، وهم مجرمين قتله مارقين من إخوان الشياطين ، بحاجة إلى تصدى وردع حتى يفهمون ان الاموال حقوق آخرين مواطنين وطنيين وليست سائبة كما يتراءى لهم في اعتقادهم ونفوسهم المريضة....

           رحم الله تعالى العهد الملكى الزاهر الذي كان القانون هو الاول في الصدارة يحكم بالعدل والمساواة بين الجميع حافظا للكرامة والمال والعرض من ان يستباح... كما يحدث الآن للأسف بإسم الدين ، والإسلام براء وبعيد عن هذه الامور الشنيعة الشيطانية ، حيث هذه الامور ضمن مخططات ودراسات تحدث لهدمه وتشويه الصورة ،، ونسي هؤلاء المارقون الخوارج انهم يحاربون الله تعالى الذي يمهل ولا يهمل ، في   يوم ما سوف يدفعون الثمن الغالي فالصبر له حدود ...

              انها مؤامرة على الوطن العربي الإسلامي حتى لا ينهض ولا يتقدم من القوى الخفية العالمية وحلفائهم المحليين الطامعين في مكاسب وقتية السلطة ونهب الاموال بالحرام ، ناسين وجود الرب الله عز وجل انه مهما طال الوقت سوف ينتقم .

            ليبيا طاهرة كما قلت العديد من المرات ومهما تلقت من الضربات والصدمات والمصائب، النكبات والفواجع ، لا تسقط ولا ترضخ ولا تموت مهما حاول الأعداء ،  ستظل شامخة بإذن الله تعالى الى الأبد... وإذا مد الله تعالى في أعمارنا سوف نرجع للوطن !!! والله الموفق...
                                 رجب المبروك زعطوط

 فجر السبت 2014/12/13م 

No comments:

Post a Comment