بسم الله الرحمن الرحيم
منذ عدة ايام مضت كان يوم السبت العاشر من شهر ذي الحجة في التقويم الهجري الإسلامي الموافق 2014/10/4م ، الذي لم يوفقنا الحظ بأن نحضر أنا والحاجة رفيقة العمر صلاة العيد الأولى في احد مساجد مدينة دالاس تكساس امريكا ، حيث تأخرنا في الطريق والمفروض ان اكون بالجامع الساعة السابعة والنصف صباحا والمسافة من البيت حيث اقيم حوالي 40 ميلا واحتاج إلى الساعة على الطريق حتى اصل إلى هناك مع انه كان يوم سبت عطلة نهاية الاسبوع في المدينة وحركة السيارات والمرور قليلة.
خرجنا من البيت ووصلنا إلى هناك متأخرين ساعة مما كانت أفواج المصلين تخرج من الصلاة الأولى وأفواج داخلة مثلنا لحضور وتأدية الصلاة الثانية وحاولنا قدر الإمكان العثور على مكان بالموقف في ساحة الجامع الكبيرة والتي تعج بمئات السيارات المنتظرة لأصحابها المصلين ، لترك السيارة ولكن لم يكن بالإمكان حيث المداخل مقفلة والشرطة تمنع الدخول من الزحام حيث لا وجود لأماكن مما درنا دورتين على المكان ولم نوفق ... وحاولنا في اماكن الانتظار الاخرى من الجيران الآخرين أمام المحلات بمافيهم مكان انتظار مطعم ماكدولاند الشطائر السريعة ولم نوفق مرة اخرى حيث انهم يرفضون وقوف السيارات مدة الصلاة بحجج ان المكان مخصص للزبائن فقط.
مما ادارة الجامع وضعت الكثيرين من المتطوعين يشيرون على سائقي السيارات المسلمين القادمين لاداء الصلاة بكل لطف وادب بعدم الوقوف منعا للشكاوي ، واضطررنا إلى وضع السيارة في ساحة الكنيسة البعيدة التي سمحت للمصلين المسلمين بوضع سياراتهم في مرآب الانتظار الكبير لديهم مما كانت بادرة جيدة ولطف منهم يدل دلالة واضحة وكبيرة على التسامح الديني والسلام وان الدين لله تعالى جزاهم الله تعالى كل الخير .
وضعنا السيارة ومشينا على الأقدام أتوكأ على العكاز المسافة الطويلة أنا وزوجتي وقبل ان نصل باحة الجامع إلتقينا مع عائلة مفراكس الليبية وهم خارجين من الصلاة الاولى فرحى سعداء مما كانوا اول المعيدين نشاهدهم ونفرح بلقائهم ونتبادل معهم تهاني العيد .
وصلنا إلى الجامع ودخلت من باب الرجال والحاجة من الباب المخصص للنساء ، وكان المئات من المصلين في احسن زينة لابسين أبهى الثياب الجديدة احتفالا بالمناسبة السعيدة جالسين يكبرون باسم الله تعالى طالبين الرحمة والغفران ويهللون فرحين مسرورين بحلول عيد الأضحى المبارك ، وقام احد الحاضرين المصلين بتوزيع ورقات مكتوبة فيها الأدعية باللغة العربية واللغة الانجليزية لغير الناطقين بالعربية من الدول الاسلامية بآسيا مثل الباكستان والهند إيران والصين وغيرها الذين كانوا بالمئات في كل صلاة أقيمت ويؤلفون الأكثرية فى الحضور .
جلست على احد الكراسى حيث لا استطيع الصلاة على الارض لأنني مريض مازلت تحت العلاج الطويل غير قادر على السجود نظير الجهاز الموجود على القلب داخل الصدر لتنظيم الدقات والوخز والصدم بقوة في حالة التوقف لا سمح الله تعالى . حتى يبدأ ويستمر في النبض من جديد بأمر الله تعالى طالما كتب لي الحياة والعيش .
رددت الدعاء عشرات المرات مع الجميع ثم الخطبة من الخطيب التي تشرح الكثير عن مناسبة العيد وتدعو الى صلاح حال جميع المسلمين بالعالم والتركيز على عبادة الله تعالى الواحد الأحد والتسامح وعدم العنف والارهاب كما يحدث الآن في هذا العصر والوقت المضطرب الصعب الذي نمر به نحن الشعوب العربية والاسلامية من تفرقة وتمزق.
كانت خطبة جيدة مهمة ومؤثرة ثم صلاة العيد مع التكبير ثلاث مرات في الركعات قبل الركوع والسجود مما كانت الأصوات جميلة وهي تخرج من الحناجر متناغمة في وقت واحد مكبرة باسم الله عز وجل وهي تتردد في أجواء الجامع من الجميع وهم خاشعين للخالق الواحد الأحد طالبين التوبة الرحمة والغفران بمناسبة العيد وأن يصلح الحال للآخرين من الشعوب العربية الاسلامية في كل مكان بالمعمورة.
كنت سعيدا فرحا وانا اردد الدعاء المستمر على تزايد عدد المسلمين وانتشار الاسلام بسرعة في الغربة ، ففي مدينة دالاس وفورت ورث والمدن العديدة ضواحيها الملتفة عليها مثل السوار ، يبلغ عدد السكان حوالي ستة ملايين نسمة مما يعادل سكان وطني ليبيا في العدد، وعدد المسلمين فيها لا يقل عن مائة الف مسلم وكل يوم في زيادة وانتشار مما حمدت الله عز وجل على الهداية والإيمان .
انتهت الصلاة وقمت بالسلام والمصافحة باليد على جاري من اليمين ومن الشمال ونهضت وخرجت مع الجميع وانا أتطلع في الوجوه العديدة من المئات في الزحام والجميع يتعانقون عسى ان اتعرف على اي احد حتى اهنئه بالعيد، وأصبت بالإحباط وغم النفس عندما لم يساعدني الحظ وأشاهد اي احد من الاصدقاء او المعارف حتى اتجاذب معه الحديث والتهنئة بالعيد وشعرت بالوحدة فعلا وانني غريب في وسط الجماهير ، ولو كنت في وطني ومدينتي درنة لعانقت وعانقني العشرات من المعارف والأصدقاء في موقف ومناسبة مثل هذه.
الله تعالى يجازي ويعاقب من كان السبب في الغربة والهجرة المفروضة علينا نظير الرعب والارهاب والقتل للأبرياء المظلومين بدون اتهام مبين وجريمة كبيرة تستحق الحساب العسير والعقاب ، أليس بأمر مؤسف ومأساة ان نصاب بمثل هؤلاء الخوارج المارقين المرتدين؟
وقفنا بعض الوقت حتى نستقل احدى الحافلات الصغيرة التى وضعتها إدارة الجامع لنقل المصلين كبار السن مثلنا إلى موقف الانتظار بالكنيسة وعندما تطلعت وشاهدت المئات ينتظرونها ، طلبت من الحاجة ان نمشي المسافة على القدمين حيث الأجر حاصل ولدينا الكثير من الوقت ، مما وافقت وتابعنا الخطى على مهل المسافة حتى وصلنا بعد جهد جهيد مرهقين إلى السيارة ورأسا إلى البيت.
هذه السنة لم أتحصل على عدة شياه لذبحها كسنة حسنة وفداء كأضحية مثل العادة مع اننا طرقنا العديد من الاماكن والأبواب من بعض المزارع ومربي الحيوانات للشراء ولم نوفق واستقر الامر بأن نتبرع بالقيمة المالية إلى احد الجوامع والله تعالى عارف بما في القلوب من نوايا صافية عسى ان نتحصل على الأجر والثواب الحسن.
بدأت الحاجة في تحضير (طبيخة العيد بالقرع والحمص والزبيب مع اللحم الضأن) على الطريقة الشعبية مثل العادة في وطننا ليبيا حيث نحن دائماً محافظون في الغربة على هويتنا العربية الاسلامية وعاداتنا الليبية الأصيلة محاولين بكل الجهد غرسها في الأولاد والأحفاد حتى تستمر الهوية الاسلامية ولا تنتسى مع الوقت ومرور الزمن وبالأخص في الأجيال الصغيرة المولودة في الخارج والتي لا تعرف الوطن ولم تزره بعد.
قبل العيد بيوم حضرت ابنتي أميرة من فلوريدا وحضر إبنى محمود وزوجته وحفيدتي صفية ذات العام عمرا لقضاء العيد معنا وحضر إبني الكبير مصطفى وعائلته لتهنئتنا بالعيد وقضاء بعض الوقت بعد ان رجعنا من الجامع وكان إبني المبروك وحفيدي آدم ابنه المقيمين معنا مما اجتمع البعض من العائلة على مائدة العيد والباقون جميعهم بالاتصالات الهاتفية يعيدون علينا ويتمنون لنا الصحة والعافية وعيدا سعيدا وعمرا مديدا.
شعرت بالعيد وبهجته عندما معظم العائلة كانت معنا أبتداءا من رفيقة العمر والبعض من الأولاد والبنات والبقية سوف يأتون عن قريب اليوم آخر النهار ام بالغد ، مما سوف تكون لمة جميلة لا نحظى بها طوال الوقت حيث نعيش في عالم آخر يختلف عن عالمنا في ليبيا وعاداتنا وتقاليدنا لانشعر فيه بالروابط الروحية لديهم مثلنا ، الا من بعض القلائل كبار السن الذين مع الزمن بدؤوا يتلاشون بالموت ويتلاشى الحنين العائلي إلى عدم ، نظير التكالب على الحياة وعدم وجود فراغ الوقت للزيارات لبعد المسافات . وبالمساء حضرت إبنتي الكبيرة هدى وزوجها عادل لقضاء يومين معنا في لمة العيد مما زادونا بهجة وأنس .
واليوم الثاني الأحد حوالي العصر بعد ان جهزت الحاجة الكثير من الأطباق من طعام العيد الشهي لأخذه معنا ، ذهبنا إلى احد المنتجعات في الغابة فى احدى ضواحي مدينة دلاس لحضور تجمع "لمة" العيد مع الجالية الليبية ، حيث كل عائلة تحضر ومعها طبقها الخاص من طعام العيد مشاركة مع الجميع بحيث العبء لا يكون صعبا على اكتاف اي احد مما كان جيدا التفكير فيها والحضور الجماعي مما يوصل ويزيد في المودة والتعارف ويباعد الجفوة ويجعل الجميع متحابين متآخين أخوة، جزى الله تعالى كل الخير لأصحاب الفكرة ومن قام بها وخدمتها في الاتصالات المكثفة بالهاتف وبذل مجهودا في التحضير، والتجهيز حتى اجتمع الجميع معا .
وصلنا إلى الحديقة العمومية "البارك" وكانت إبنتي أميمة وزوجها وحفيدي يوسف قد سبقونا في الحضور مما كانت مفاجأة لنا ، وكان مكانا جميلا واسعا به جميع الاستعدادات وحضر الكثير من الليبيين وأسرهم وتجاوز عددهم المائة والخمسين فردا من الرجال والنساء والأطفال... الكثيرون منهم معارف واصدقاء وقضينا وقتا جميلا في الأحاديث الشيقة مبتعدين عن الكلام في الدين والسياسة حتى لا يتم احراج أو اغضاب أي احد فالجميع اخوة.
وتعرفت بالعديد من الرجال الشباب ، وكان الطعام بكثرة شهيا يحتاج لمن يأكل ويتلذذ ، وكان البعض من ذوي الاخلاق الحميدة وقمة الادب يريدون راحتي ، يخدمون ويقدمون لي الطعام والمشاريب وأنا جالسا ، حتى لا اقوم من مكاني نظير الاحترام والسن مما حمدت الله تعالى على الفضل الذي اكرمونى به.
طلب مني الإمامة والصلاة بالجميع صلاة العصر مما وافقت حيث كنت اكبر سنا في الحاضرين وصليت بهم ثم التكبير جماعة عدة مرات والحمد لله تعالى على العيد وعلى إتاحة الفرص لنا بالجمع في هذه المناسبة السعيدة بالغربة مع ان قلوبنا تدمى حزنا على مايحدث في وطننا ليبيا من مآسي وأحداث حزينة من دمار خراب ودم ولكن ما باليد حيلة! فنحن بعيدون في الغربة بيننا وبينهم مسافات محيط يفصلنا وآلاف الأميال .
وكان الطقس في الاصيل جميلا ممتعا به طراوة حيث نحن في بدايات شهر اكتوبر ، بعد ان ودعنا الحر الشديد منذ عدة ايام فقط ، مما لعب الاطفال طوال الوقت بالكرة وعلى الاراجيح وجميع الألعاب المتاحة في الموقف ( البارك ) المجهز بجميع الوسائل لتقضية العطلات الجماعية ، مما كانوا فرحى سعداء.
والرجال والشباب كونوا فريق كرة قدم ووضعوا براميل القمامة البلاستيك في جهتين الملعب كعلامات للمرمى وطلب مني المشاركة ولكن اعتذرت نظير كبر السن وعدم الجهد والمرض وبدأت المباراة وحمى الوطيس ولعب كل فريق ضمن الجهد لتحقيق الفوز وكنت جالسا على كرسي بجانب المرمى أتبادل الحديث مع الحارس عندما تكون الكرة في الجهة المقابلة البعيدة متتبعا ومتنبها يقظا لها عندما يتم الهجوم على جهتنا حتى لا أصاب بضربة كرة قدم فجأة بقوة على الصدر حتى انتهت المباراة على خير وسلامة والجميع مرهقين يتصببون من العرق .
رجعنا الى مائدة الطعام وجولة اخرى فى تناول الاكل وشرب الشاي الاخضر بلا حدود والحلويات من عدة أصناف وأشكال تم عملها من ربات البيوت ، ثم التقطنا صورا كثيرة جماعية وتم كتابة الاسماء وارقام الهواتف والايميلات على ورقة سوف توزع نسخ منها على الجميع حتى نتراسل بالنت كذكرى مناسبة الحفلة بالعيد ، وودعنا بعضنا البعض على امل اللقاء عن قريب ورجعنا إلى البيت ونحن متخمين من كثرة الطعام الشهي اللذيذ .
كانت السهرة في البيت جماعة جميلة ممتعة والحديث معظمه عن الحفلة واللمة الليبية الجميلة التي قضيناها بمناسبة العيد السعيد . واليوم الثالث يوم الاثنيين غادر الجميع الى بيوتهم بعد وجبة الغداء الدسم ، مما اصبحنا ، أنا والحاجة وإبني المبروك وحفيدي آدم في فراغ ووحشة بالبيت الكبير بعد ان كان مملوءا بالأصوات وضجيج عائلتنا التي بدأت تكبر وتزيد في العدد بالزوجات للأبناء والازواج للبنات والاحفاد.
وعموما كان عيدا جيدا مر بسهولة وفرح وتلقيت فيه عشرات المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية عن طريق "الفايبر" والحاسوب "النت" من الوطن وانحاء العالم من الكثيرين من المعارف والاصدقاء يهنئونني بالمناسبة السعيدة ، جزاهم الله عز وجل كل الخير على المودة والتواصل ، وكل عام والجميع بخير ... والله الموفق...
رجب المبروك زعطوط