Thursday, May 15, 2014

ليبيا 5

 بسم الله الرحمن الرحيم

الملك ادريس السنوسي يعلن استقلال ليبيا في مدينة بنغازي
 أثناء العهد الملكي الزاهر الذي مضى نتيجة التآمر الدولي والمحلي، كان كل يوم تتقدم ليبيا إلى الامام وتخطو خطوات جبارة للنهوض في أصعب الظروف وأدق المراحل الإقتصادية، حيث الوطن لا دخل له، يعيش على الهبات من بعض الدول والأمم المتحدة لم تبخل وقدمت مساعدات عديدة في جميع المجالات وبالأخص في قطاع الزراعة والتعليم، وركزت الحكومة الليبية الناشئة من العدم على التعليم وفتحت المدارس في جميع أنحاء ليبيا والتي كانت بالسابق ادارات أو معسكرات للمستعمر الايطالي، معظمها  بحاجة إلى صيانات ومرافق صحية وطلاء غير صالحة للإستعمال ...

بنغازي تحتفل بزيارة الملك ادريس السنوسي
 ولن أنسى أيام الشباب والدراسة وبالإخص في الصفوف الاولى في بدايات الخمسينات عندما كان يوزع علينا كطلبة صغارا بالسن التمر واللبن وحبوب زيت الحوت حتى نسترد العافية حيث كنا ضعاف البنية من أكل النشويات طوال الوقت، وكانت نسبة الوفيات بين الأطفال عالية نظير عدم وجود التمريض الجيد والدواء، وبين بعض الوقت والآخر كانت فرق من الصحة تأتي إلى المدارس لتفحص الطلبة وتوخزنا بالإبر المضادة للأمراض السارية في ذاك الوقت (التراخوما للعيون ومرض السل والإنيميا فقر الدم ) .

      والطلبة الممتازين المتفوقين في الدراسة تعطى لهم كراسات وأقلام كحوافز للقراءة والاطلاع مما جعلت الجميع يتسابقون على الاطلاع والمعرفة وخلقت أجيالا ذكية تفهم.... 
 والمكتبة المتحركة بالسيارات التي تمر شهريا في جميع مناطق ليبيا التابعة لمنظمات الامم المتحدة، تعير الكتب للقراءة لكل من يريد ويرغب من الطلبة الإطلاع والمعرفة...

 والكبار في السن من الجنسين لهم مدارس خاصة بالمساء لمحو الأمية لتعليم القراءة والكتابة...  وبدأ العلم ينتشر رويدا رويدا في ربوع الوطن والجميع حامدين الله عز وجل على العطاء والأمن والأمان والعيش في بساطة وراحة بال، حيث كل مواطن يعيش في حاله ضمن القانون والأعراف السارية في ذاك الوقت بدون طموحات سياسية كبيرة غير العيش الكريم بشرف، لا حقد ولا حسد، لا جرائم ولا إغتيالات، ولا سرقات...

      لقد كان العهد الملكى جوهرة نادرة وكل يوم تزداد إشعاعا، وحبانا الله تعالى باكتشاف النفط بكميات كبيرة وجودة عالية في أواخر الخمسينات مما كان نعمة كبيرة، وفي نفس الوقت نقمة ولعنة حيث جميع أنظار الطامعين من القوى الخفية والدول الكبرى وجهت أنظارها تريد الهيمنة والإستغلال...

 وبدأ الصراع على الحكم بين أطراف عديدة وبالأخص بين عائلة الشريف السنوسى الذين لهم السبق والمكانة والتقدير فى أذهان الشعب وبالأخص فى المنطقة الشرقية ولاية برقة نظير جهاد عميدهم السيد أحمد الشريف السنوسي، وعائلة الشلحي التي كانت ملتفة على الملك إدريس السنوسي رحمه الله تعالى كالسوار . زاد الصراع ضراوة بين العائلتين بإغتيال عميد عائلة الشلحي السيد ابراهيم ضربا بالرصاص مواجهة في وضح النهار وهو راجع من الديوان الملكي وقت الغذاء إلى بيته فى بنغازى بدون ان يعلم انه مستهدف ومطلوب للقتل، ولم يهرب القاتل بل وقف فى شموخ حتى تم القبض عليه وهو غير نادم على الفعل المشين جريمة الإغتيال، كان القاتل من أقرباء الملك ادريس من آل الشريف، وعمته الملكة فاطمة ولم تشفع له، ولا الكثيرين من الزعماء بالرحمة من القتل والسجن مدى الحياة ، فقد أصر الملك الزاهد العادل على إحقاق العدالة وتمت محاكمته وإعدامه بالحق حسب الشرع الإسلامى فى السجن في بنغازى شنقا وأحضرت الجثة الى مكان القتل على نقالة للعرض لبعض الوقت حتى تشاهدها جماهير الشعب ان القاتل قتل مما كان موقفا يشرف العهد الملكى على إحقاق الحق العدل والمساواة .

     بدأت الكراهية وإستغل آلِ الشلحي الموقف الصعب للثأر من خصومهم آلِ الشريف ، ناسين أنهم معرضين ليبيا للخطر، وبدأ الصراع يأخذ أبعادا كبيرة بدلا من محلي أصبح دولي حيث تدخلت أطراف ودول في الحلبة تساند كل واحدة أصدقائها المقربين ( العملاء )، وكانت بريطانيا في صف آلِ الشلحي، وقفز السيد البوصيري الشلحي على حلبة السياسة وهو شابا صغيرا في السن... عندما أصر الملك تعينه مكان أبيه المغتال رئيس الديوان الملكي وهو طالبا في لندن ومتجوزا من بريطانية ولا يحق له حسب الدستور الليبي تبوء مركز ومنصب عالي بالدولة مما تم تعديل بند في الدستور لخاطره بناءا على رغبة الملك من المنافقين...  وأعطيت الزوجة البريطانية الجنسية الليبية كتحايل حتى يتمكن من المنصب، حسب ما أشيع في ذاك الوقت في الأوساط... مما أغاضت عائلة الشريف الذين كانوا يعتقدون أن السيد ابراهيم الشلحي المقتول كان حجر عثرة أمامهم للتواصل مع قريبهم الملك، وبدلا من يرتاحوا من ضغوط  الغيرة الحقد والحسد والمنافسة، جاءهم إبنه في المنصب الكبير للإنتقام !!!!

 شرد الملك العائلة السنوسية وآل الشريف بناءا على نصائح السوء من المستشارين البريطانيين وآل الشلحي الخصوم من جميع الألقاب والمزايا، وسجن الكثيرين رهن الإعتقال في بيوتهم والبعض في الواحات والكثيرين من السادة الشيوخ في منطقة مرادة والعقيلة الصحراء، وفرض عليهم عدم التجوال من مدينة الى أخرى حتى فى حالات الوفيات والمواضيع المهمة الطارئة بالأسرة للتواصل، لا سفر ولا تنقل بدون إذن مسبق من القصر. وزاد الحقد على معارف وأصهار ومؤيدي آلِ الشريف الكثيرين فى ربوع ليبيا بحجج تافهة، وهرب البعض الى مصر أمثال السيد صالح بويصير ،، وآخرين الى دولا عديدة بالجوار حتى لا ينالهم العقاب ،، وقدم الكثيرون الثمن الغالي من الإبعاد عن المناصب والوظائف وضيق الخناق عليهم فى لقمة العيش مما كان الأمر له تداعيات كثيرة كبيرة مع الوقت وبالأخص كان قائد البوليس في الشرق ولاية برقة (قوة دفاع برقة ) وقتها صهرا لعائلة الشلحي عقيلته أحد بنات المرحوم !!!
 الملك إدريس السنوسي (على اليسار)، وخلفه (من اليسار) حسين مازق وزير الداخلية لحكومة برقة، ومحمد الساقزلي رئيس وزراء برقة، مصطفى بن حليم وزير الأشغال العامة 

      أصبح الملك إدريس وحيدا معزولا في قصره في مدينة طبرق بدون عائلته وسنده مما تحكم آلِ الشلحي من مقابلته والوصول له، ولم يستطيع أي أحد من الخصوم الوصول له بسرعة حتى يشرح له الامر... تحكم الأشرار المهيمنيين على الملك بآعمال الشعوذة والسحر حيث أصولهم من المغرب المشهورة وقتها في الأعمال الروحانية الباطنية في تقرير سياسة ليبيا بإسم الملك يعملون كما يشاؤون...  وكان البرنامج تعزيز وجودهم ومكانتهم على الواقع ضمن المنافقين الطامعين للمناصب والجاه، حيث لا جذور قبلية لهم نابعة في ليبيا وليس لديهم أي سند غير الملك...  حتى يستطيعون الإستمرار في البقاء في القمة، وتم التخطيط بالطرق العقيمة حسب العقليات السابقة، ربط العائلات بسلسلة من المصاهرات، الزواج وعلاقات الدم التي عفى عليها الزمن الآن حيث الشعوب تعلمت نظير العلم ...  وإرضاءا للمنطقة الغربية والضمان لتجديد العهد والبيعة للملكية بأن تدوم وتستمر الى ماشاء الله تعالى في حكم ليبيا، وقع الإختيار بأن يقترن ولي العهد الأمير حسن من احد كريمات ( السيد الطاهر باكير ) والي ولاية طرابلس سابقا بحيث تصبح مستقبلا ملكة ليبيا، وأحد أبناء الشلحي السيد عمر من إبنة رئيس الوزراء ووالي برقة سابقا السيد إحسين مازق من الشرق مدينة البيضاء من قبيلة البراعصة ليضمن ولاؤهم لهم، المخطط المستقبلي في حالة وفاة الملك ادريس أو تنازله عن العرش لكبر سنه وزهده في الحكم، يتولى ولي العهد المملكة صوريا ، وآل الشلحي من وراء الستار عملاء الإنجليز هم الحكام الفعليين لليبيا...

 وتم الزواج بمباركة الملك ادريس رحمه الله تعلى بعلمه أو بدون علمه ، وشاعت الحفلات في طول ليبيا وعرضها، وتناسى هؤلاء المخططين الأشرار ان عين الله عز وجل الساهرة تراقب في كل لحظة المخازي والمآسى ... تمهل ولا تهمل العقاب إما بالدنيا أم بالآخرة ، وأن الشعب الليبي ليس بغافل عما يدور من دسائس ومؤامرات في القصر لتثبيت سلطات آلِ الشلحي في الوطن ليبيا...   والله الموفق...
                                رجب المبروك زعطوط

 البقية فى الحلقات القادمة ...

No comments:

Post a Comment